في ظل أزمة الطاقة.. لماذا تتجه ألمانيا لإغلاق كامل مفاعلاتها النووية؟

قسم الترجمة | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

تطرقت صحيفة إيطالية إلى تداعيات قرار ألمانيا المضي قدما نحو إغلاق المفاعلات النووية الثلاثة الأخيرة التي لا تزال نشطة رغم ما تعانيه من ظروف صعبة في ظل أزمة الطاقة المتواصلة بسبب الحرب الروسية في أوكرانيا.

وأوضحت صحيفة "إيل بوست" أنه على عكس ما تعتقد الأغلبية فإن إغلاق ألمانيا كامل مفاعلاتها النووية ليس أمرا إيجابيا بشكل كامل، إذ سيزيد ذلك من اعتمادها على الوقود الأحفوري ما سيعزز انبعاثات الكربون.

نحو النهاية

وقالت "إيل بوست" إن البلاد تمتلك 17 مفاعلًا  لكن في غضون عشر سنوات تقريبًا أوقفتها جميعًا وبقيت ثلاثة مفاعلات فقط سيتم إغلاقها في أبريل / نيسان 2023 القادم.

وذكرت أن ألمانيا هي الدولة الأكبر والأكثر تقدمًا اقتصاديًا في العالم التي قررت التخلي تمامًا عن الطاقة النووية في خطوة تعدها الحركات المناهضة للطاقة النووية إحدى انتصاراتها الكبرى إلا أنها لا تزال موضع نقاش كبير بين السياسيين والخبراء ونشطاء البيئة. 

ونقلت عن بعض المحللين قولهم إن "نهاية الطاقة النووية الألمانية سيضر بالبلاد على الصعيدين الاقتصادي والبيئي، وقد تؤدي إلى أضرار أكثر خطورة بسبب أزمة الطاقة في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا".

وتشرح الصحيفة أن قلة عدد المفاعلات النشطة يشير إلى الحاجة إلى تعويض إنتاج الكهرباء بطرق أخرى وإدارة الانتقال الطاقي المعقد. 

على المدى المتوسط ​​والطويل، بدأت ألمانيا في بناء محطات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح لإنتاج الكهرباء من مصادر متجددة، إلا أنها استعانت على المدى القصير، لتعويض جزء من الطاقة التي لم تعد تنتجها المحطات النووية، على الوقود الأحفوري المسبب للتلوث.

وكشفت بعض التحليلات أن المحطات التي تعمل بالفحم تخلف تلوثا أكبر بكثير مما يمكن أن تحدثه المحطات النووية فيما يتعلق بانبعاثات ثاني أكسيد الكربون وغازات الاحتباس الحراري الأخرى. 

في المقابل، يجادل من يعارض الطاقة النووية بأن هذه المحطات تنتج المزيد من النفايات المشعة ومخاطر التلوث. 

تشرح الصحيفة الإيطالية بأن هذين الموقفين يلخصان جزءًا فقط من الجدل الواسع، الذي تم إثراؤه مع أزمة الطاقة بمزيد من التقييمات وبعض الاستياء من خيارات سياسة الطاقة التي تم اتخاذها في الماضي.

وأشارت إلى أن قرار إغلاق محطات الطاقة النووية لا يعد مسؤولية مباشرة للحكومة الحالية بقيادة المستشار أولاف شولتز، وإنما كان المستشار غيرهارد شرودر أول من تناول المسألة في أواخر التسعينيات بقراره إغلاقها بحلول عام 2022.

وتم تعديل الخطة عام 2010 من قبل المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التي قرر تحالفها تأجيل ذلك لمدة 12 عامًا.

ولفتت الصحيفة الإيطالية إلى أن الانتقال الطاقي إلى مصادر متجددة استغرق وقتًا  لذلك لم ترغب ميركل في المخاطرة في التسبب بأزمة في إنتاج الكهرباء.

وفي مارس/ آذار 2011، ضرب زلزال عنيف بقوة 9.1  اليابان خلف انفجار المفاعل النووي في منطقة فوكوشيما مما أدى إلى واحدة من أسوأ الحوادث النووية في التاريخ.

وفي غضون أسابيع، أعلنت الدول التي لديها منشآت نووية عن سياسات لمراجعة جهودها في هذا القطاع وفي بعض الحالات قررت إغلاق المفاعلات.

وفي ألمانيا، احتجت الحركة المناهضة على قرار حكومة ميركل بتأجيل إغلاق المحطات، وخرجت مظاهرات كبيرة دعت إلى إغلاق جميع محطات الطاقة النووية لتعلن ميركل بعد أربعة أيام العودة إلى خطة شرودر الأصلية، وفي صيف عام 2011، تم إغلاق ثمانية مفاعلات من أصل 17 مفاعلًا في البلاد.

 في ذلك الوقت، حذر بعض المراقبين من خطر أن تخسر ألمانيا استقلالها في مجال الطاقة.

الحقبة النووية

وكانت ميركل حتى ذلك الحين من أشد المؤيدين للطاقة النووية لكنها غيرت رأيها على إثر عجز اليابان في التعامل مع كارثة فوكوشيما، وفق قول الصحيفة. 

وقالت إن ألمانيا ستتحرك بشكل أسرع نحو مصادر الطاقة المتجددة والاستثمار في محطات الطاقة التي تعمل بالغاز الطبيعي لاستخدامها في فترات الذروة. 

انتقدت شركات الطاقة الألمانية الكبرى قرار حكومة ميركل خصوصا أنها بدأت استثمارات جديدة كبيرة في قطاع الطاقة النووية قبل بضعة أشهر.

إلا أنه تم تأكيد القرار وانطلقت البلاد في تنفيذ برنامج إغلاق المفاعلات وإيقاف تشغيلها، وهو برنامج معقد للغاية ومكلف وله عواقب عديدة، تشرح إيل بوست.

قام تحليل نُشر في نهاية عام 2019 لصالح المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية، وهي منظمة أمريكية، بتقييم آثار خيارات الطاقة في ألمانيا في السنوات التي أعقبت كارثة فوكوشيما. 

وقدرت الدراسة أن إغلاق المفاعلات أدى إلى متوسط ​​زيادة سنوية في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 13 بالمئة، مقارنة بسيناريو بقاء المفاعلات نشطة. 

ويعزى ذلك في المقام الأول إلى زيادة استخدام الفحم وإلى حد أقل الغاز الطبيعي.

وأشارت دراسات أخرى إلى أن ألمانيا، مثل اليابان، كانت ستنتج انبعاثات أقل بكثير من ثاني أكسيد الكربون من توليد الكهرباء إذا استمرت في استخدام محطات الطاقة النووية. 

 

وفي بداية عام 2022، سرعان ما اضطرت ألمانيا للتخلي عن جزء كبير من إمدادات الغاز من روسيا وهو الوقود الأحفوري الذي استندت إليه في جزء من خطتها للانتقال الطاقي.

نتيجة لذلك، قررت ألمانيا في صيف 2022 إعادة تشغيل بعض محطات الطاقة التي تعمل بالفحم. 

على أثر ذلك، أشعل القرار الجدل من جديد حول الطاقة النووية في البلاد وقرار التخلي عنها وإمكانية تمديد استخدام المفاعلات الثلاثة التي لا تزال قيد التشغيل على الأقل. 

بعد نقاش طويل داخل التحالف، أعلن شولتز في بداية أكتوبر/ تشرين الأول 2022 تأجيل إغلاق المفاعلات الثلاثة من نهاية العام إلى أبريل/ نيسان 2023.

ورأى العديد من المراقبين قرار الحكومة الألمانية دليلاً على أهمية الطاقة النووية، أو على أنه أهون الشرين. 

فكرة سيئة

من جانبها، رأت غريتا ثونبرج، الناشطة في مجال المناخ، إغلاق المحطات النووية النشطة بأنها "فكرة سيئة" إذا أدى ذلك إلى زيادة استخدام الفحم.

في العقد الأخير، توجهت ألمانيا بشكل أساسي نحو إغلاق وإيقاف تشغيل المفاعلات في إطار نهاية العمل بالطاقة النووية في البلاد لذلك سيكون من المستحيل عكس مسار العملية التي استمرت لسنوات في بضعة أشهر على الأقل في ظل الظروف الحالية، تشير الصحيفة الإيطالية.

تتجلى آثار تقليص عدد المفاعلات النشطة والحرب في أوكرانيا في البيانات المتعلقة بالمصادر التي استخدمتها ألمانيا لإنتاج الكهرباء في الربع الثالث (يوليو وأغسطس وسبتمبر) من عام 2022.

يذكر في هذا الصدد أن 31.9 بالمئة من الكهرباء جاء من محطات الطاقة التي تعمل بالفحم، بزيادة 13 بالمئة عن العام السابق، فيما ارتفع الإنتاج من الطاقة النووية من 14.1 بالمئة في عام 2021 إلى 7.4 بالمئة عام 2022 بينما ارتفع من الغاز الطبيعي من 8.8 إلى 9.2. 

بشكل عام، أنتجت ألمانيا 55.6 بالمئة من الكهرباء من المصادر التقليدية، في حين أن 44.4 بالمئة من مصادر الطاقة المتجددة، وخاصة طاقة الرياح 16.8 بالمئة والطاقة الشمسية 16 بالمئة.

مع الإغلاق التدريجي للمفاعلات يتوقع بعض المحللين الحاجة إلى استيرادها من دول أخرى بالنظر إلى أن ما يقرب من ثلث الكهرباء في ألمانيا متأتٍ من الطاقة النووية.  

من ناحية أخرى، حافظت البلاد على استقلال جيد في مجال الطاقة، لكن تكلفة الكهرباء ارتفعت بشكل كبير لدرجة أنها باتت بين أعلى المعدلات في الاتحاد الأوروبي.

بغض النظر عن آراء وتوجهات النشطاء وعلماء البيئة والسياسيين وغيرهم من أصحاب المصلحة، ترى الصحيفة الإيطالية أن قرار تخلي ألمانيا عن الطاقة النووية يعد حالة رمزية لدراسة تكاليف وفوائد التقنيات النووية. 

خاصة بالمقارنة مع تقرير وكالة الطاقة الدولية" صفر صاف بحلول عام 2050"، وهو تقرير رئيس يحتوي على تحليلات وسيناريوهات حول تحول قطاع الطاقة العالمي نحو حيادية الكربون.

تشير وكالة الطاقة الدولية إلى مسار سيؤدي في غضون أقل من 30 عامًا إلى إنتاج الكهرباء بنسبة 90 بالمائة من مصادر متجددة و 8 في المائة من الطاقة النووية والباقي من مصادر أخرى.

على ضوء ذلك تعد الطاقة النووية موردا حتميا لموازنة أي اختلالات ناتجة عن مصادر الطاقة المتجددة والتي لا تكون دائمًا ثابتة في الإنتاج، تشرح الصحيفة. 

يطرح هذا عددًا لا بأس به من المشكلات بالنسبة للفترة الحالية، مع الأخذ في الاعتبار أن العديد من المفاعلات في الدول الثلاثين أو نحو ذلك حول العالم التي لديها محطات نووية تقترب من نهاية عمرها، وكذلك للمرحلة القادمة.

بالإضافة إلى المشاكل المتعلقة بالتقنيات، والنفايات التي سيتم التخلص منها، والمخاوف بشأن سلامتها التي ظهرت مرة أخرى مع فوكوشيما، يشير تقرير وكالة الطاقة الدولية إلى أن التكاليف وأوقات الإنجاز يمكن أن تكون أهم عقبة أمام الطاقة النووية.