السلاح مقابل الفوسفات.. ماذا وراء الصعود السريع للعلاقات بين المغرب والهند؟

الرباط - الاستقلال | a year ago

12

طباعة

مشاركة

بوتيرة متسارعة، يتجه المغرب والهند نحو تعزيز العلاقات المشتركة التي يغلب عليها الطابع العسكري، وسط مراقبة دول غربية لهذا التطور وتداعياته على شراكتها التقليدية مع المملكة. 

وشهد تنامي العلاقات بين البلدين بعدا جديدا بتعيين المغرب ملحقا عسكريا له للمرة الأولى في سفارته لدى الهند في يوليو/ تموز 2022. 

وخلال يناير /كانون الثاني 2023، اتفق المغرب مع الهند ممثلة في شركة "تاتا أدفونسد سيستيمز"، على صفقة أسلحة يحصل من خلالها على 92 من شاحنات النقل العسكري التكتيكي من طراز “LPTA–715”.

وكان المغرب قد حصل على شاحنات نقل تكتيكية من طراز “TATA LPTA 2038” من الهند، في يوليو/تموز 2022.

وجاء ذلك إثر اتفاق المغرب مع شركة "بهارال" للإلكترونيات المحدودة “BEL” الهندية لتقديم تقنيات وتركيب رادارات للمراقبة والتحكم عالية الأداء في جميع المطارات المغربية.

وفي عام 2020، تم التوقيع على مذكرة تفاهم بشأن التعاون الدفاعي لنقل الخبرات العسكرية والدفاعية المشتركة بين الدولتين، من أجل بناء شراكة إستراتيجية، وتطوير العلاقات في مجال الدفاع بين الرباط ونيودلهي.

ووقعت وزارة الدفاع المغربية مذكرتي تفاهم مع وزارة الدفاع الهندية في سبتمبر/ أيلول 2018، تناولت الأولى التعاون في مجال الأمن الإلكتروني بين إدارة الدفاع الوطني ونظيرتها الهندية.

وتهدف مذكرة التفاهم الثانية إلى إرساء تعاون في مجال الأنشطة الفضائية بين “المنظمة الهندية للبحث الفضائي” والمركز الملكي للاستشعار البعدي الفضائي” والمركز الملكي للدراسات والأبحاث الفضائية” التابع لإدارة الدفاع الوطني المغربي من جهة ثانية.

كما شملت اتفاقيات التعاون الثنائي المشترك بين الدولتين مجالات المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر والمتوسطة، وتطوير البنية التحتية والتمويل المشترك للمشروعات التنموية والصناعات الدفاعية.

وكذلك أجرى البلدان مناورات بين القوات البحرية المغربية والهندية في يوليو 2022، قبالة سواحل الدار البيضاء، وذلك في إطار التعاون والتنسيق العسكري المشترك بين الدولتين.

مسار متصاعد

وتعليقا على المسار المتصاعد، قال رئيس مركز "إفريقيا للدراسات" المغربي، عبد الفتاح الفاتحي، إن "السياسة الخارجية للمملكة تؤمن بالعمل على تنويع شركائها حتى لا تكون رهينة للابتزاز".

وأضاف لـ"الاستقلال"، إن المملكة تحرص على ضرورة الحفاظ على علاقات متوازنة مع كل الشركاء، ولهذه الغاية وقع المغرب على اتفاقيات تسلح مع الهند والصين وتركيا وغيرها".

ورأى الفاتحي أن "تنويع شركاء المغرب وفر له حرية الاختيار بين من يتوفر على الأفضلية والفعالية في توفير احتياجاته من الأسلحة، في وقت يعمل فيه على تطوير ترسانته العسكري بما يتناسب مع التقدم التكنولوجي".

وأشار إلى أن "التعاون العسكري المغربي الهندي من شأنه أن يسهم في رفع رقم المعاملات التجارية بين البلدين، إذ يرتقب أن ترتفع صادرات المغرب من الفوسفات والحوامض نحو الهند مقابل زيادة واردات المملكة من القمح الهندي بعد تجديد عقود التوريد عقب الأزمة الروسية الأوكرانية".

من جانبها، رأت مجلة “جون أفريك” الفرنسية، أن شراء المغرب معدات عسكرية من الشركة المصنعة الهندية “تاتا” يؤكد على قوة الشراكة بين الرباط ونيودلهي والتي تعززت منذ بداية عهد الملك محمد السادس.

وأضافت المجلة في 4 يناير 2023، أن "المغرب، الحليف التاريخي والصديق لدول أوروبا الغربية مثل فرنسا وإسبانيا، مصمم الآن على عدم وضع كل بيضه في سلة واحدة". 

ويشهد على ذلك، بحسب المجلة، انتشار الشراكات الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية والثقافية مع العديد من البلدان مثل الولايات المتحدة وإسرائيل والصين والمملكة المتحدة وروسيا.

ونقلت "جون أفريك" عن باحث مغربي في العلوم السياسية، لم تذكر اسمه، قوله إن "المقاربة المغربية هذه تسمح للمغرب بألا يكون أسيرا لحلفائه التقليديين، وتُظهر أنه بلد براغماتي ومنفتح على جميع الحساسيات طالما تتلاقى المصالح". 

وأضاف الباحث أنه "لا ينبغي النظر إلى هذه الصفقة من المعدات العسكرية الهندية على أنها عمل منفرد، بل هي "جزء من إطار أكبر، وهو تعزيز العلاقات كافة بين الرباط ونيودلهي".

ومضت المجلة إلى التوضيح أن هذا التفاهم بين المغرب والهند يترجم بالعديد من الاتفاقات الإستراتيجية الموقعة منذ عام 2019 في مجال التعاون الأمني ومكافحة الإرهاب والصناعة والتنمية المستدامة وبناء مساكن اجتماعية، وأيضا التكنولوجيات الجديدة، دون أن ننسى الصحة والسلامة الغذائية.

توجه جديد

ففي سياق دولي مهدد بشكل متزايد باحتمال حدوث أزمة غذائية، فإن المغرب، من خلال مكتب الشريق للفوسفات (OCP) الذي يمتلك ما يقرب من 70 بالمئة من احتياطيات العالم من هذا المعدن المهم لتصنيع الأسمدة، هو الشريك المفضل بالنسبة للهند، التي يتعين عليها إطعام 1.4 مليار شخص، كما يؤكد الباحث السياسي المغربي.

وبعيدا عن هذه الاتفاقيات، فإن التفاهم الجيد بين المغرب والهند لا يعود تاريخه إلى اليوم، كما تقول "جون أفريك"، موضحة أن العلاقة بينهما شهدت منعطفا كبيرا في فبراير/ شباط 2000، عندما سحبت الهند اعترافها بـ"الجمهورية الصحراوية" عقب زيارة رئيس الوزراء المغربي في ذلك الوقت، عبد الرحمن اليوسفي.

وبحسب المجلة "كان اليوسفي يتمتع بهالة غير عادية وتعاطف مع الهنود، كشخصية تاريخية لليسار والاستقلال، فقد اعتمد على شبكته الكبيرة في الدوائر الاشتراكية الديمقراطية الهندية، الموالية تقليديا للبوليساريو، للترويج للقضية المغربية".

ومضت تقول: "ومنذ ذلك الحين، لم تتوقف الهند عن دعم موقف المغرب بشأن قضية الصحراء".

‎ وتقترح الرباط حكما ذاتيا موسعا في إقليم الصحراء تحت سيادتها، بينما تدعو جبهة "البوليساريو" إلى استفتاء لتقرير‎ المصير، وهو طرح تدعمه الجارة الجزائر التي تستضيف لاجئين من الإقليم.

من جانبه، أوضح الباحث الاقتصادي المغربي عمر الكتاني، لـ"الاستقلال"، أن الرباط اختارت منذ بداية الألفية الثالثة وبداية حكم الملك محمد السادس إستراتيجية تكسير هيمنة الاقتصاد الاوروبي على الاقتصاد المغربي بإدخال توجهين أساسيين جديدين.

الأول منهما، بحسب الكتاني، التوجه نحو سوق القارة السمراء عبر رأس حربة وهي إرساء فروع للبنوك المغربية في حوالي 3 دول إفريقية وتنمية العلاقات الاقتصادية مع دول "البريكس" ومن جملتها الهند.

وأضاف أن المغرب سعى لتنمية علاقاته مع كل هذه الدول؛ كونها تحتاج دائما إلى المواد الغدائية والمغرب يصدر كثيرا الفواكه والخضر، كما أنها تحتاج كثيرا إلى إنتاج الحبوب وكل طن من الحبوب يحتاج إلى 20 طنا من الفوسفات والمغرب الثاني عالميا في تصدير الفوسفات والهند مستورد كبير للفوسفات المغربي.

وتابع أن "ارتفاع أسعار الفوسفات عالميا بعد أزمة الحبوب الدولية ساعدت في زيادة العلاقات بين الرباط ونيودلهي؛ ما شجع المغرب على اقتناء مزيد من السلاح من السوق الهندية وقد يساهم ذلك في التعاون واكتساب التكنولوجية العسكرية والنووية السلمية لإنتاج الطاقة وإمكانية استخدامها لتحلية ماء البحر".

وأشار الباحث الاقتصادي المغربي، إلى أنه في آن واحد أعلنت الهند نيتها إنشاء العديد من مصانع الأسلحة الكبرى؛ فيما خصص المغرب خلال عام 2023 ميزانية ضخمة بلغت 17 مليار للقطاع العسكري؛ تحسبا لأي طارئ مع جيرانه.

أهداف محددة

ورغم عقد العديد من صفقات السلاح مع عدد من الدول التي يتمتع معها المغرب بعلاقات قوية، مثل أميركا وإسرائيل وتركيا، ومشاركته في عدد من المناورات المشتركة خلال عام 2022، فإن المغرب احتل الترتيب الـ61 عالميا في تصنيف "غلوبال فاير باور" لأقوى الجيوش على مستوى العالم لعام 2023، من ضمن 145 دولة شملها المؤشر.

ووفقا لهذا التصنيف جاء المغرب في الترتيب السادس عربيا، والسابع إفريقيا.

ويشير التصنيف لعام 2023 إلى تراجع المغرب ستة مراكز في هذا التصنيف مقارنة بعام 2022 الذي احتل فيه المغرب المرتبة الـ55 عالميا.

وفي قانون الميزانية الجديد لعام 2023 رفعت الحكومة المغربية الميزانية الخاصة بالدفاع إلى 17 مليار دولار بزيادة قدرها 5 مليارات دولار عن 2022. 

على أن يتم تخصيص الميزانية الجديدة لاقتناء الأسلحة ضمن حساب النفقات المسمى "اقتناء وإصلاح معدات القوات المسلحة الملكية ودعم وتطوير صناعة الدفاع".

وبالتزامن، صادقت الحكومة الجزائرية على ميزانية خاصة بالجيش بلغت 22 مليار دولار في 2023، وهي الأكبر من نوعها في تاريخ البلد بل في القارة الإفريقية وتتجاوز ميزانية الكثير من الدول الأوروبية مثل إسبانيا.

ومن شأن عقد صفقات السلاح مع الجانب الهندي تطوير المعدات العسكرية والأسلحة بغرض تأمين المعابر الحدودية المشتركة مع دول الجوار، ولا سيما معبر "الكركرات" الحودي مع موريتانيا، الذي سبق أن شنت عليه العناصر المسلحة التابعة لجبهة "البوليساريو" هجوما من قبل. 

وهذا المعبر له أهمية اقتصادية خاصة لتعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية مع الجانب الموريتاني، كما أنه له دلالة خاصة بسيطرة القوات المغربية عليه بعد نجاحها في طرد عناصر البوليساريو منه قبل عامين.

إلا أن تلويح البوليساريو خلال الفترة الأخيرة بشن هجوم على الجدار الأمني العازل والمناطق المجاورة له، تدفع القوات المسلحة المغربية إلى تشديد الرقابة المفروضة على هذه المناطق الحدودية.

وانعكس ذلك في تخصيص القوات المسلحة المغربية نحو 50 ألف جندي بشكل دائم لحراسة ومراقبة الحدود المشتركة مع دول الجوار.

ويرى رئيس مركز إفريقيا للدراسات، الفاتحي، أن "الاهتمام المغربي بالسوق الهندية لن يؤثر على حساب شركائه التقليديين في مختلف المجالات العسكرية والاقتصادية، خاصة أن المملكة تحرص على إبقاء علاقاتها متوازنة مع الجميع، ولأنها معنية بضرورة الوفاء بالتزاماتها وتعهداتها بصفتها شريكا موثوقا فيه".

لكن الباحث الاقتصادي الكتاني يرى أن "الدول الأوروبية ستنظر بكثير من التحفظ إلى نمو هذه العلاقات، خاصة أنها غير راضية لخروج المغرب التدريجي من النفود الاقتصادي الأوروبي ودخوله في دائرة النفود الأميركي".  

ويضيف الكتاني أن "الخطوات المغربية ربما تكون إستراتيجية دبلوماسية، تضغط بها المغرب لكسب اعتراف صريح من الدول الأوروبية المغربية الصحراء اعتمادا على سياسة أميركا في إضعاف أوروبا وإبعادها وعزلها عن أي احتمال من تقريها من روسيا".

وهو ما يكشفه القلق الإسباني إزاء صفقة الشاحنات العسكرية الهندية التي حصل عليها المغرب، خاصة أن الحكومة الإسبانية اتفقت مع الرباط مطلع يناير 2023، على منحها سفينة حربية من طراز "AVANTE 1800" للقوات البحرية المغربية، وهي سفينة عملاقة متخصصة في المراقبة.

وجاء ذلك بعد أن لجأت الحكومة المغربية إلى بنك إسباني للاقتراض من أجل تمويل صفقات تسلح خاصة بالقوات البحرية المغربية، تمهيدا لإتمام العقد المبرم بين وزارة الدفاع المغربية والشركة الإسبانية "نافانتيا" المتخصصة في صناعة السفن العسكرية.

وتخشى مدريد اعتماد الرباط على مصادر أخرى غيرها للتسليح، خاصة بعدما شهدت العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين تحسنا ملحوظا بعد اعتراف الحكومة الإسبانية بالموقف الرسمي المغربي تجاه قضية الصحراء.

تعاون شامل

ومن شأن تعزيز التعاون العسكري بين المغرب والهند، بحسب الفاتحي، أن "يسهم في تحقيق مكاسب اقتصادية معتبرة لكل منهما".

وتابع: "فمع عقد صفقات السلاح ستزداد مكاسب الشركات الهندية العاملة في مجال تصنيع الأسلحة والمعدات العسكرية، كما تعول الهند على السوق المغربية للانطلاق منها إلى الأسواق الإفريقية، خاصة أن الهند تضع القارة الإفريقية كسوق واعدة تساعد الاقتصاد الهندي على الانتعاش".

وفي هذا الإطار، شهدت الفترة من 2013 إلى 2019 ضخ استثمارات هندية بقيمة 988 مليون دولار في مشروعات اقتصادية مهمة داخل المغرب، شملت صناعة السيارات وصناعة البلاستيك والمواد الكيميائية والبرمجيات، وهو ما ساعد في توفير ما يقرب من 8158 فرصة عمل للشباب المغربي.

ومع التقارب الحاصل في العلاقات المغربية الهندية، من المتوقع أن تزداد فرص الاستثمار داخل الاقتصاد المغربي كوجهة واعدة لضخ الاستثمارات، كما يمتاز الميزان التجاري بفائض لصالح المغرب.

وبلغت الصادرات الهندية إلى المغرب خلال الفترة 2018 – 2019 نحو 680 مليون دولار، في حين بلغت الصادرات المغربية إلى الهند خلال الفترة المناظرة نحو 1.32 مليار دولار.

وبحسب وزير الكيماويات والأسمدة الهندي، ما نسوخ مندافيا، ستوقع الهند قريبا اتفاقيات مع المغرب لتأمين إمدادات طويلة الأجل من الفوسفات الصخري، وهو مادة خام أساسية لإنتاج أسمدة ثنائي فوسفاط الأمونيوم ونترات فوسفات البوتاسيوم.

ويسجل المغرب، للعام الثاني، عائدات قياسية من صادرات الفوسفات، الذي تملك المملكة أكبر احتياطي عالمي منه، مستفيدا من ارتفاع الطلب عالميا على الأسمدة، ما يعزز أيضا مكانة هذه الثروة الطبيعية كورقة رابحة للدبلوماسية المغربية، بحسب مراقبين.

والمغرب الذي يملك 70 بالمئة من احتياطي الفوسفات العالمي، أول منتج له في إفريقيا، والثاني في العالم بعد الصين، وتمثل حصة المملكة من السوق الدولية حوالي 31 بالمئة، بحسب "المجمع الشريف للفوسفات" الذي يحتكر استغلال وتصنيعه.

ويتوقع أن يرتفع رقم أعمال المجمع نهاية العام بنسبة 56 بالمئة مقارنة مع 2022، ليصل إلى أكثر من 131 مليار درهم (نحو 12 مليار دولار)، بعدما سجل ارتفاعا نسبته 50 بالمئة بين 2020 و2021.