رغم الرفض الشعبي.. لماذا يصر المغرب على تعزيز تطبيعه بقمة "النقب 2"؟

الرباط - الاستقلال | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

بينما تضاربت الأنباء في الأيام الأخيرة عن مكان انعقاد "قمة النقب" الثانية، أعلن وزير خارجية الكيان الإسرائيلي إيلي كوهين أنها ستنعقد بالمغرب في مارس/ آذار 2023، وأنه سيكون بطليعة المشاركين بها.

وفي 2 يناير/ كانون الثاني 2023، أشاد كوهين، الذي تولى منصبه في إطار الحكومة الائتلافية اليمينية المتشددة الجديدة برئاسة بنيامين نتنياهو، بـ"اتفاقات أبراهام" التي "غيرت الشرق الأوسط بشكل كبير"، على حد زعمه.

وأدى نتنياهو، في 29 ديسمبر/ كانون الأول 2022، اليمين الدستورية رئيسا لوزراء حكومة وُصفت بالأكثر تشددا وتطرفا ضد العرب والمسلمين، بعد منح 63 نائبا من أصل 120 ثقتهم للائتلاف.

وستشارك إسرائيل في هذه القمة مع الإمارات والبحرين والمغرب التي قامت بتطبيع العلاقات معها بموجب "اتفاقات أبراهام" التي أبرمت برعاية واشنطن في عام 2020، إلى جانب مصر.

صحراء ثانية

وانعقدت قمة النقب الأولى يومي 27 و28 مارس 2022 في صحراء النقب بالأراضي المحتلة، حيث استضاف حينها وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لبيد وزراء خارجية البحرين ومصر والمغرب والإمارات، إلى جانب الولايات المتحدة.

وكان الغرض من القمة إظهار جبهة سياسية وأمنية موحدة ضد إيران، على خلفية مساعي تجديد الاتفاق النووي، ولاحقا تم الإعلان عن أن المؤتمر سيصبح منتدى سنويا، يسمى "منتدى النقب".

ويأتي التأكيد الإسرائيلي على عقد القمة بالمغرب بعدما نشرت مواقع مغربية محلية أنباء عن استعداد مدينة الداخلة بإقليم الصحراء المتنازع عليه مع جبهة "البوليساريو"، لاحتضان أشغال النسخة الثانية من "قمة النقب".

وتقترح الرباط حكما ذاتيا موسعا بإقليم الصحراء تحت سيادتها، بينما تدعو "البوليساريو" إلى استفتاء لتقرير‎ المصير، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تستضيف لاجئين من الإقليم.

ورغم أنه لم يصدر لحد الآن أي تعليق رسمي من السلطات المغربية بتأكيد أو نفي الإعلان الإسرائيلي بشأن قمة النقب الثانية، إلا أنه سبق لوزير الشؤون الخارجية المغربية ناصر بوريطة أن وجه في مارس 2022، الدعوة إلى وزراء الخارجية المشاركين في "قمة النقب" الأولى.

وقال حينها: "نأمل أن نلتقي في صحراء أخرى لكن بالروح نفسها"، في إشارة إلى رغبته في احتضان الاجتماع بإقليم الصحراء.

وفي أفق الإعداد للقمة المرتقب عقدها بالمغرب، انطلقت بأبوظبي، في 9 يناير 2023، أشغال الاجتماع التحضيري لقمة "النقب 2" بمشاركة وفود تمثل دول المغرب ومصر والإمارات وإسرائيل وأميركا والبحرين.

وانكب هذا الاجتماع التحضيري، الذي استمر يومين، على وضع مشاريع ملموسة تعرض على الاجتماع الوزاري المقبل، تشمل أساسا قطاعات الأمن الغذائي والمائي، والتربية والتعليم، والصحة، والسياحة، والطاقات المتجددة، والتعايش والأمن.

رفض عام

وأمام تأكيد انعقاد "قمة النقب 2" بمدينة الداخلة، عبرت هيئات مدنية وسياسية مغربية عن رفضها احتضان المغرب لهذه القمة، واعتبرتها جريمة جديدة في حق الشعبين المغربي والفلسطيني.

حزب العدالة والتنمية الإسلامي (معارض)، أكد في بيان صدر عن مجلسه الوطني (برلمان الحزب) المنعقد يومي 14 و15 يناير بمدينة بوزنيقة، رفضه التام لاحتضان المغرب لأي اجتماع بحضور العدو الصهيوني.

وشدد الحزب على "مواقفه الثابتة والراسخة الداعمة للقضية الفلسطينية باعتبارها قضية مركزية تجسد عمق الانتماء للأمة العربية والإسلامية والانتماء للشعور الإنساني العالمي الرافض للاحتلال ولممارساته العنصرية".

وجدد الحزب، رفضه المبدئي لمسلسل التطبيع، محذرا من مخاطر هذا المسار على المجتمع المغربي ونسيجه الثقافي والاجتماعي والسياسي وعلى مؤسساته ومرافقه.

واستنكر حالة الهرولة التي أصابت بعض الأشخاص والجهات الثقافية والتربوية والاقتصادية والمنتخبة، داعيا للتوقف عن استفزاز مشاعر الشعب المغربي الذي عبر في كل المناسبات عن رفضه للتطبيع ومناصرة القضية الفلسطينية وكفاح الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال.

من جهتها، اعتبرت مجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين، أن تنظيم "قمة النقب 2" على أرض المغرب يمثل "شراكة في العدوان على الشعب الفلسطيني وعلى المقدسات العربية". 

فضلا عن أن الخطوة ستكون "تشجيعا للصهاينة الإرهابيين على إجرامهم في حق مسرى رسول المسلمين وتفريطا في واجب الدفاع عن مقدسات الأمة".

وفي 11 يناير 2023، استنكرت المجموعة، في بيان نشرته عبر فيسبوك، كل أشكال التطبيع مع العدو الصهيوني، معبرة عن رفضها وشجبها لهذه الجريمة الجديدة في حق الشعب المغربي وشعوب الأمة.

وأكدت مجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين، أنها ستعمل، بتنسيق مع كل القوى الحية بالبلاد، على رفع منسوب التعبئة الشعبية لمواجهة هذه الخطوة المستنكرة.

ودعت المجموعة كل حرائر وأحرار المغرب "للانخراط في الدينامية الشعبية والمدنية في أفق إسقاط التطبيع والتصدي لهذه الفضيحة الجديدة التي لا تقيم اعتبارا لإرادة الشعوب العربية وتستمر في الخضوع لإملاءات الإدارة الأميريكية والأوامر الصهيونية والكيان الغاصب".

تحالف جيوإستراتيجي

ومقابل رفض قوى سياسية ومدنية لانعقاد النسخة الثانية لقمة النقب بالمغرب، أشاد الباحث المغربي الخبير في العلاقات الدولية لحسن أقرطيط، باستضافة المغرب لهذه القمة.

وفي 10 يناير 2023، عد أقرطيط، أن "اتفاق أبراهام" "تحالفا جيوسياسيا وجيواستراتيجيا يأتي لتقديم إجابات مرتبطة بالجانب الأمني والعسكري بمنطقة الشرق الأوسط الكبير الذي يضم أيضا شمال إفريقيا في إطار إعادة تموضع للقوات الأميريكية في هذه المنطقة وأيضا في ظل الصعود القوي لقوى إقليمية بالمنطقة".

وزعم أقرطيط، لقناة "ميدي 1 تي في"، أن هذا التحالف له مزايا عسكرية وأمنية واقتصادية، مشيرا إلى أنه بحكم تنوع واختلاف اقتصادات هذه الدول فهناك إمكانية لإنشاء سوق مشتركة بين هذه الدول وتبادل الخبرات فيما بينها.

من جهته، قال الأستاذ الجامعي الفلسطيني الخبير في القضايا الإستراتيجية،عبدالحكيم وادي، إن "قمة النقب 2" تأتي بعدما عبر المغرب عن طموحه لعقد هذه القمة في الصحراء بمدينة الداخلة.

وفي 11 يناير 2023، أوضح وادي، خلال مشاركته في برنامج "ما وراء الحدث" على قناة "ميدي 1 تي في"، أن الشكل المبدئي لقمة النقب هو منصة تعاون إقليمي بين ست دول.

وأضاف: تقوم هذه المنصة على محاولة تعزيز الرخاء لتلك الدول والازدهار والاستقرار في المنطقة على الصعيد الإقليمي ودعم مصالح كافة الدول بدعم أميركي في محاولة لتعزيز التنمية المستدامة وتوفير الحلول لبعض التحديات القائمة وتحديدا ملف الأمن الإقليمي الشائك.

بروباغندا تطبيعية

أما الكاتب العام للمرصد المغربي لمناهضة التطبيع عزيز هناوي، فقال لـ"الاستقلال"، إن ما يسمى "قمة النقب 2"، هو مجرد إخراج فولكلوري لإعطاء ما يسمى "البوريطية الصهيوتطبيعية" في الدبلوماسية المغربية وجاهة مصطنعة ومزيفة.

وأضاف هناوي: وذلك "عبر تقديم خدمة بروباغندا مكشوفة لتجميل منهج التطبيع الجديد تحت ما يسمى الإبراهيمية للزج بالمغرب في حظيرة عواصم الصفقات التطبيعية".

وأوضح أنه يتم مقابل هذه "الهرولة التطبيعية" تسويق "مصالح قُطرية متوهمة موازاة مع شطب ملف القضية الفلسطينية من الطاولة".

وتابع أنه "يتم منح الكيان الصهيوني قبلة حياة سياسية وأمنية في ظل تزعزع أسطوانة التفوق العسكري الاسرائيلي على المقاومة الفلسطينية واللبنانية في العقدين الماضيين".

ورأى هناوي، أن "المغرب الرسمي يريد من استضافة أشغال هذه "القمة" إثبات جدوى خيار التطبيع الأخير في نسخته المرتبطة بقضية الصحراء، بغية الحصول على القبول الشعبي"، مشددا على الرفض المبدئي للمغاربة للتطبيع.

واعتبر أن "المثير للاشمئزاز في هذه الخلطة هو أن أميركا وإسرائيل لا تزالان تبتزان الدولة المغربية في ملف الصحراء بالنظر إلى تلكؤ أميركا-بايدن في تنزيل ما يسمى القنصلية في مدينة الداخلة بالجنوب، بل وشبه تجميد للقرار على مستوى الكونغرس الأميركي...".

وأما فيما يتعلق بـ"إسرائيل"، يضيف هناوي، فإن "مائير بن شباط الذي وقع الاتفاق عن الكيان الصهيوني خرج قبل أسبوعين في مقال جد مثير يتحدث عن مراوحة الموقف الاسرائيلي مكانه بشأن "تعطيل الاعتراف بمغربية الصحراء".

وخلص هناوي، إلى أنه في حال انعقاد قمة النقب 2 بالمغرب "فلن تكون سوى وصلة بروباغندا لالتقاط صور ولإخراج خط التطبيع من حرج وفخ اللاجدوى إضافة لسقوط ورقة التوت أمام الشعب حتى من مدخل ملف الصحراء الذي تأكد أنه خط ساقط".

وفي 10 ديسمبر/ كانون الأول 2020، أعلن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب اتفاق المغرب وإسرائيل على تطبيع العلاقات بينهما بوساطة أميركية، إثر توقيعه إعلانا يعترف بسيادة المغرب على إقليم الصحراء.