إجراءات قاسية.. كيف يسكت النظام الروسي المعارضين لحرب أوكرانيا؟

لندن - الاستقلال | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

تتصاعد عمليات الاعتقال والقمع داخل الاتحاد الروسي لإسكات الأصوات المناهضة لغزو أوكرانيا في وقت تكافح فيه موسكو للملمة انتكاساتها العسكرية هناك، عبر تشديد القصف الجوي على البنية التحتية للبلد الجار.

وقلة قليلة من الناس في المدن الروسية تعارض الحرب علنا، بسبب حالات الاعتقال والغرامات، والإجراءات القاسية على جيوب المواطنين فقط لأنهم يخاطرون بالحديث ضد ما يجرى.

هذا فضلا عن أولئك الذين يجرى القبض عليهم، ويتعرضون لخطر الاعتقال لسنوات، أو فقدان وظيفتهم أو مكانهم الجامعي أو أعمالهم.

اعتقالات بالجملة

وتبرز التهم لمنتقدي حرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على أوكرانيا منذ 24 فبراير/شباط 2022، وما يقابلها من عقوبات بالسجن تصل لعشر سنوات، كمقياس صارخ لكيفية تكثيف الكرملين قمع منتقدي الحرب.

وفي جديد التضييق على المواطنين الروس المناهضين لغزو أوكرانيا، ذكرت "إذاعة أوروبا الحرة" بأن محكمة مقاطعة بريمورسكي الواقعة في مدينة أرخانجيلسك بشمال غرب روسيا قضت في 4 يناير/كانون الثاني 2022، بوضع أوليسيا كريفتسوفا، قيد الإقامة الجبرية حتى موعد محاكمتها.

وقد تواجه كريفتسوفا البالغة من العمر 19 عاما عقوبة السجن لسبع سنوات، بعد أن أعادت نشر انتقادات أوكرانيا.

واعتقلت هذه الفتاة بعد أن نشرت منشورا للناشط إيليا ليشوكوف وقصة حول انفجار جسر القرم على تطبيق "انستغرام".

وتعرض جسر القرم الممتد فوق مضيق كيرتش، لتدمير جزئي في أكتوبر/تشرين الأول 2022، جراء انفجار قوي نسبته السلطات الروسية إلى شاحنة مفخخة واتهمت جهاز الاستخبارات الأوكرانية بالوقوف خلفه.

وفي مايو/أيار، جرى تغريم مراهق روسي بمبلغ 30 ألف روبل (412 دولارا)، بتهمة تشويه سمعة الجيش من خلال نشر العديد من الكتيبات المناهضة للحرب في ساحة لينين في أرخانجيلسك.

ويعد اعتقال الفتاة كريفتسوفا أحد أحدث محاولات موسكو لإسكات الناشطين الروس المعارضين للحرب في أوكرانيا.

وتتزايد في روسيا الدعوات الجنائية ضد الناشطين والسياسيين والصحفيين والروس العاديين في المدن الكبرى والبلدات النائية، من كامتشاتكا في الشرق الأقصى إلى كالينينغراد في الغرب.

ويواجه عشرات المواطنين الروس أحكاما بالسجن لمدد تصل إلى 10 أو خمس سنوات مع الأشغال الشاقة، أو غرامات تصل إلى 77 ألف دولار لنشرهم "معلومات كاذبة" عن الجيش.

كما جرى توجيه اتهامات إلى أكثر من 2000 شخص بارتكاب مخالفات أقل، وفقا لمنظمة حقوق الإنسان التي تتعقب القضايا في جميع أنحاء البلاد.

وأن تكون ناشطا مناهضا للحرب في روسيا أمر خطير، وتؤكد جماعات حقوقية، أنه جرى اعتقال أكثر من 16 ألف شخص في جميع أنحاء البلاد بسبب أعمال مناهضة للحرب.

تكميم الأفواه

ويقول المواطنون الروس إن التنفس بات صعبا في بلدهم بسبب الرقابة الكاملة، حيث يتعرض الناس للاضطهاد لمجرد قولهم كلمة "حرب" في الأماكن العامة.

وقد اتهم فلاديمير إيفيموف، السياسي المحلي في شبه جزيرة كامتشاتكا في أقصى شرق روسيا، بـ "تشويه سمعة الجيش"، وأمر بدفع غرامة قدرها 500 دولار ثلاث مرات، بسبب صور مناهضة للحرب نشرها على وسائل التواصل الاجتماعي.

وعندما واصل إعادة نشر صور ساحة المعركة مثل التدمير الشامل لمدينة ماريوبول الساحلية الأوكرانية تحت القصف الروسي، صعد المدعون من التهم واتهموه بارتكاب جناية، والتي يعاقب عليها بالسجن لمدة تصل إلى خمس سنوات أو غرامات أشد.

بينما ديما إيفانوف البالغ من العمر 23 عاما، وهو طالب من جامعة موسكو الحكومية، كان يدير قناة شعبية على وسائل التواصل الاجتماعي، ونشر مواد مناهضة للحرب في أبريل 2022 وجرى القبض عليه ووجهت إليه تهم جنائية خطيرة، إذ يواجه ما بين 5 و10 سنوات في السجن.

ولا يتوقف ذلك عند المواطنين، بل عمدت السلطات الروسية في أغسطس/آب 2022 إلى حظر حساب وسائل التواصل الاجتماعي لمنظمة حقوق الإنسان الروسية OVD-Info بسبب تغطيتها الإعلامية لحرب أوكرانيا، والتي تراقب المنظمة وتبلغ عن الاضطهاد السياسي في روسيا.

تبدو حالة المراقبة الصارمة لوسائل الإعلام غير الحكومية ولمنصات وسائل التواصل، وكأن جيشا إلكترونيا يقاتل في الداخل ضد هؤلاء بموازاة القوات البرية على الأرض الأوكرانية.

وبرزت في اليوم الثاني من الحرب حركة احتجاج ذات طابع "سري"، إذ يقدم هؤلاء المجهولون رسالة مناهضة للحرب عبر رسومات بالرش على الأرصفة والجدران، وغالبها تستهدف الأمهات اللواتي قد يضطررن يوما ما إلى إرسال أبنائهن إلى الغزو.

ويؤكد مراقبون، أنه من الصعب للغاية قياس عدد الأشخاص الذين يعارضون الحرب في روسيا، على الرغم من تقدير استطلاعات الرأي الحكومية وتلك التي أجراها باحثون مستقلون مستوى التأييد الشعبي للحملة العسكرية بحوالي 70 بالمئة.

خوف داخلي

ومع ذلك، يقول النقاد إن استطلاعات الرأي لا يمكن الوثوق بها في ظل "نظام استبدادي مثل روسيا"، حيث غالبا ما يقدم الناس ردا غير نزيه خوفا من التداعيات.

هذا فضلا عن إحجام الروس عن التحدث في السياسة علنا مع الغرباء في ظل تواصل غزو أوكرانيا.

في مارس وبعد أيام من بدء الغزو، أقر البرلمان الروسي سلسلة من القوانين الجديدة تجعل من غير القانوني استخدام كلمات "الحرب" أو "الغزو" فيما يتعلق بالحملة العسكرية الروسية في أوكرانيا كما تسميها موسكو.

كما أنه في 6 مارس 2022 اعتقلت الشرطة الروسية أكثر من 5000 شخص في 69 مدينة في جميع أنحاء الاتحاد الروسي لاحتجاجهم على غزو موسكو غير المبرر لأوكرانيا.

وإجمالا جرى اعتقال حوالي 13500 ناشط مناهض للحرب في روسيا، بوحشية في بعض الأحيان، في أول أسبوعين بعد الغزو، وفقا لـ"OVD-Info"، وهو مشروع إعلامي يراقب القمع في روسيا.

وأمام حالة الضغط الشعبي الخفية، تبدو موسكو يقظة من مواجهة انتقادات شديدة لغزو أوكرانيا ربما تخرج للعلن بشكل أكبر، لجأت إلى تدعيم قوانينها الداخلية بما يخدم مسار الحرب.

ففي ديسمبر/كانون الأول 2022 نظر مجلس الدوما الروسي (البرلمان) في 12 قانونا قمعيا واعتمدها.

كما جرى تبني مشروع قانون لإدخال المسؤولية الإدارية عن إنتاج وتوزيع الخرائط والصور الأخرى التي "تتعارض مع وحدة أراضي الاتحاد الروسي".

وللتنويه، في روسيا عقب حرب أوكرانيا، يمنع حتى المقيمين فيها من جنسيات أخرى، من التعبير بأي شكل عن الاعتراض على الغزو.

قوانين للقمع

ومن أجل ذلك، اعتمد مجلس الدوما في 12 ديسمبر في القراءة الثانية تعديلات على مشاريع القوانين التي تغير قواعد قانون المخالفات الإدارية فيما يتعلق بـ "الوكلاء الأجانب".

وفي هذا السياق، رصدت "OVD-Info" خلال ديسمبر 2022 وحده 30 متهما جديدا في قضايا جنائية مناهضة للحرب ضد أوكرانيا.

بينما خلال نوفمبر وثق توجيه اتهامات بقضايا جنائية مناهضة للحرب لـ 37 مواطنا روسيا في 25 مدينة.

وقدمت "OVD-Info" أمثلة عن حالات الاعتقال، ومنها اعتقال مدرس سابق يدعى نيكيتا توشكانوف بعدما نشر صورة للانفجار على جسر القرم.

كما حكم على إيليا ياشين بالسجن 8.5 سنوات بتهمة البث عن مجازر مدينة بوتشا الواقعة شمال غربي كييف نهاية مارس 2022.

وآنذاك تلقى العالم صدمة كبيرة من هول مشاهد الجثث والمقبرة الجماعية التي دفن فيها نحو 300 شخص، في مدينة بوتشا، والتي عثر عليها عقب انسحاب القوات الروسية منها.

وهزت "فظائع بوتشا" الأوكرانية العالم، لدرجة أن الرئيس الأميركي، جو بايدن وصف نظيره الروسي فلاديمير بوتين بأنه "وحشي".

تحركات السلطات الروسية، لسد جميع المنافذ التي تخرج منها أصوات مناهضة للحرب على الجارة أوكرانيا، كانت شاملة.

إذ إنه منذ 24 نوفمبر إلى 24 ديسمبر، اعترفت السلطات الروسية بمنظمتين "غير مرغوبتين" في البلاد، وهما المركز التحليلي "ريدل" و"اللجنة الروسية المناهضة للحرب في السويد".

ومنذ 24 فبراير وثقت المنظمات الحقوقية إدراج 23 منظمة في قائمة المنظمات غير المرغوب فيها على أراضي الاتحاد الروسي.

كما حجبت السلطات الروسية بوابات إخبارية والعديد من الروابط لبوابات تتبع للمعارضة، إضافة إلى مواقع إلكترونية تنتقد غزو أوكرانيا.

ومن أساليب الضغط على الأصوات المناهضة لغزو روسيا، حسبما رصدت "OVD-Info"، اقتياد بعض المنتقدين إلى مواقع العمليات العسكرية تحت بند "التعبئة الجزئية".

إذ أرسل الفنان دانييل شيرشينيف، الذي عارض الحرب إلى وحدة عسكرية في منطقة تفير لأداء الخدمة العسكرية.

في سامارا الواقعة جنوب شرق الجزء الأوروبي من روسيا، اقتيد الليبرالي إيغور بششتنوف بالقوة إلى مكتب التسجيل والتجنيد العسكري، وقرر مجلس التجنيد إرسال الناشط إلى الجيش.

في اليوم التالي، كتب إيغور بيشاستنوف أنه كان في كازاخستان، دون أن يوضح كيف عبر الحدود.

وأعلن بوتين عن "التعبئة الجزئية" في 21 سبتمبر/أيلول 2022، بهدف تجنيد 300 ألف شخص، وفق رقم حددته مبدئيا وزارة الدفاع، ممن تتراوح أعمارهم من 35 إلى 70 عاما، حسب الرتبة والمؤهلات العسكرية.

وعلق الخبير الاقتصادي في سوق العمل فلاديمير جيمبلسون، في حديث لصحيفة فاينانشال تايمز البريطانية بنهاية نوفمبر 2022 على مواصلة التعبئة بالقول: "ببساطة سيعني هذا أنه سيكون لدينا عدد أقل من الأشخاص الأصحاء والمتعلمين والأقوياء، أولئك الذين يصنعون الناتج المحلي الإجمالي للبلد".

وختم بالقول: "إذا كان النمو الاقتصادي هو أولوية الحكومة، فسأسمي هذا خطأ فادحا".

وقال محللون عسكريون غربيون مرارا إن روسيا تعاني نقصا بالغا في القوة البشرية بساحة المعركة في أوكرانيا بسبب تكبدها خسائر فادحة، ويدعو القوميون الروس منذ شهور إلى نوع من التعبئة لبث روح جديدة في حملة يصفونها بأنها متعثرة، بحسب تقرير لوكالة رويترز البريطانية في 22 سبتمبر 2022.