بسبب العاصمة الإدارية.. موقع أميركي: خطر محدق بعلاقات مصر والصين

قسم الترجمة | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

توقع موقع أميركي أن يشوب العلاقات المصرية الصينية توترات خلال الفترة القادمة، ليس لخلافات سياسية بين الطرفين، بل لأسباب اقتصادية، تتعلق بعجز القاهرة عن سداد ديونها إلى بكين.

وأوضح موقع "المونيتور" أن النظام المصري مدين للصين بمبلغ 7.8 مليارات دولار، أنفق أغلبها على ناطحات سحاب عملاقة في العاصمة الإدارية الجديدة المشيدة بالصحراء، التي لا تعود بفائدة على المواطن الذي يرزح تحت وطأة الأزمة الاقتصادية المتفاقمة.

حالة مزرية

وذكر الموقع أن العاصمة الإدارية الجديدة تضم ناطحة سحاب أيقونية تقع على بعد 45 كيلومترا شرق العاصمة القاهرة، مشيرا إليها بصفتها سببا متوقعا للأزمة.

وقال، إن هذا المبنى المعروف باسم "أوبليسكو كابيتالي"، الذي يتخذ شكل المسلة الفرعونية، شُيد في قلب العاصمة الجديدة، التي تحمل توقيع رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي.

وبلغت تكاليف العاصمة الإدارية حتى الآن 59 مليار دولار، ومن المفترض أن تضم مكاتب الحكومة المصرية، بالإضافة إلى حوالي 5 ملايين نسمة، بعد استكمال أعمال البناء فيها.

العاصمة الإدارية الجديدة، المقرر افتتاحها في منتصف عام 2023، ستضم أيضا "الأوكتاغون"، وهو المقر الجديدة لوزارة الدفاع، وجميع مقرات أفرع القوات المسلحة المصرية.

ويتجاوز "الأوكتاغون"– أي المبنى ذو الثماني أضلاع- حجم البنتاغون في الولايات المتحدة، ليكون بذلك أكبر مقر عسكري في العالم، وفق المونيتور.

وستحتوي العاصمة الجديدة أيضا على حديقة مركزية تبلغ ضعف حجم حديقة "سنترال بارك" في مدينة نيويورك الأميركية، وثاني أكبر مسجد في العالم، بعد المسجد الحرام بمكة المكرمة، وثاني أكبر استاد كرة قدم في إفريقيا.

وفي الوقت الحالي، فإن العاصمة الإدارية الجديدة- التي لم تُسمَّ بعد- قاحلة إلى حد كبير مثل الصحراء التي تحيط بها، مع وجود عشرات العمال، وبعض آلات البناء التي تدخل وتخرج من بوابات العاصمة.

كما أن المردود من بناء العاصمة الجديدة ليس واضحا تماما حتى الآن، وفق المونيتور، على الرغم من مظاهر الفخامة التي تبدو عليها المدينة، وقدرتها على تخفيف بعض الازدحام في القاهرة.

لكن يقول المنتقدون إن المدينة هي إلى حد كبير مشروع لإرضاء كبرياء النظام الحاكم، ولن تصل فوائده إلى المواطنين الأكثر احتياجا، وفق التقرير.

بدوره، يرى المحلل في معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط، تيموثي قلدس، أن "معدلات الفقر آخذة في الازدياد، وأن التضخم ارتفع إلى حد بعيد".

"وبدلا من التركيز على هذه القضايا الأكثر إلحاحا، نجد مصر تنفق مبالغ هائلة على المدن الجديدة، ولا أفهم على وجه التحديد سبب جعل هذا أولوية"، يضيف قلدس.

ويؤكد أن مصر تمكنت من بناء البرج الأيقوني، والكثير من مباني المنطقة التجارية المركزية في العاصمة الجديدة، بفضل التمويل والعمالة الصينية.

وخلال ديسمبر/ كانون الأول 2022، كرر الرئيس الصيني، شي جين بينغ، التزام بلاده بدعم مشروع العاصمة في لقاء مع السيسي، على هامش القمة الصينية-العربية  في العاصمة السعودية الرياض.

غير أن هذا الالتزام قد يوضع محل اختبار خلال الأشهر المقبلة، عندما يحين موعد استحقاق القروض التي أخذتها القاهرة من بكين لتمويل المشروع، في وقت ينزلق فيه الاقتصاد المصري نحو الأزمات، حسب المونيتور.

فترة مختلفة

وكان السيسي قد كشف للمرة الأولى عن خططه لبناء العاصمة الإدارية الجديدة في مارس/ آذار 2015، وكانت الصين في طليعة الدول الأجنبية التي دعمت المشروع.

وفي سبتمبر/ أيلول من العام نفسه، وقعت الشركة الصينية للهندسة المعمارية المملوكة للدولة (سيسك)، صفقة بـ15 مليار دولار، لتمويل "اوبليسكو كابيتالي" ومبان أخرى بمنطقة الأعمال المركزية بالعاصمة الجديدة.

وفي ذلك الوقت، كان الرئيس الصيني قد بدأ في وضع بصمته الخاصة في السياسة الخارجية والبنية التحتية، عبر مبادرة الحزام والطريق، التي تبلغ قيمتها تريليون دولار.

ومبادرة "الحزام والطريق" الصينية، هي مشروع بناء طرق ومرافئ وسكك حديدية ومناطق صناعية في 65 بلدا تُمثل 60 بالمئة من سكان العالم، وتوفر حوالي ثلث إجمالي الناتج العالمي.

وفي الوقت الذي أطلق فيه "شي" مشروعه الإستراتيجي، كان ينفق عشرات المليارات من الدولارات على مشاريع البنية التحتية في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وآسيا، ومناطق أخرى.

ولكن بحلول عام 2017، كانت الصين قد بدأت بالفعل في تقييد إنفاقها الباهظ على مبادرة الحزام والطريق، وفق المونيتور.

وبدءا من عام 2020، أصبح التزام الصين بمشروع العاصمة الإدارية موضع شك، بسبب علامات الاستفهام حول قدرة مصر على سداد القروض.

ومنذ ذلك الوقت، أصبحت الظروف الاقتصادية لكل من مصر والصين أكثر صعوبة، وفق الموقع الأميركي.

فمن جانب، تعرض الاقتصاد الصيني في السنوات الأخيرة لضربة قوية بسبب سياسة "صفر كوفيد"، الهادفة للسيطرة على جائحة كورونا، هذا فضلا عن الحملات الحكومية ضد قطاعي التكنولوجيا والعقارات، والحرب الاقتصادية مع الولايات المتحدة.

ومن جانب آخر، يبدو الاقتصاد المصري في حالة يرثى لها، مع وصول الدين الخارجي إلى أعلى مستوياته على الإطلاق، واعتماد الحكومة على حزمة إنقاذ، بقيمة 3 مليارات دولار، من صندوق النقد الدولي للمساعدة في دعم اقتصادها.

كما تراجعت قيمة الجنيه المصري، حيث فقدت العملة قرابة 50 بالمئة من قيمتها مقابل الدولار منذ بداية عام 2022، الأمر الذي تسبب في موجة من شراء الذهب بين المواطنين، لضعف ثقتهم بالجنيه.

وحسب أستاذ السياسة الخارجية في الجامعة الأميركية بواشنطن، الباحث المقيم في معهد الشرق الأوسط، جون كالابريس، فـقد تكون هناك بعض المشكلات في الأفق القريب بين الصين ومصر.

وأوضح كالابريس: "لا أعتقد أن هذا سيحدث لسبب يتعلق بطبيعة العلاقات نفسها، بل لأن مصر في وضع مضطرب أو، كما قد يقول البعض، في حالة اقتصادية مزرية".

مستقبل مضطرب

وذكر الموقع الأميركي أن الصين هي رابع أكبر دائن لمصر، بقيمة 7.8 مليارات دولار، حتى يونيو/ حزيران 2022.

لكن عبء الديون هذا لم يمنع مصر من السعي للحصول على مزيد من التمويل الصيني، حيث تستعد القاهرة حاليا للحصول على 500 مليون دولار من سندات الباندا الصينية المقومة باليوان؛ للمساعدة في سد عجز مواردها المالية.

"وعلى الرغم من أن جزءا من تمويل العاصمة الإدارية يأتي من الاستثمار الصيني والسندات ذات الفائدة المرتفعة، إلا أن الصين أصبحت هذا العام حذرة في تمويل مصر"، حسب أستاذ صيني دارس للمشروع، رفض نشر اسمه.

وأضاف أن بلاده حدَّت من حجم سندات الباندا التي كانت تصدرها، بسبب مشاكل مصر الاقتصادية، وأنه إذا استمرت أزمة الديون المصرية في التفاقم، فستكون الصين أكثر حذرا.

ولكن حتى لو شددت الصين قيودها المالية، فإن لديها سببا لاستكمال العاصمة الإدارية الجديدة ومشاريع أخرى، حسب موقع المونيتور.

هذا السبب هو العلاقات الصينية الخليجية، التي تركز عليها بكين حاليا، فمن المعلوم أن إنقاذ مصر اقتصاديا أمر مهم بالنسبة للخليج.

ويعتقد كبير الباحثين في كلية "إس راجاراتنام" للدراسات الدولية التابعة لجامعة "نانيانغ" التكنولوجية في سنغافورة، جيمس دورسي، أن الصين ستأخذ هذا العامل في الحسبان، عند التعامل مع مصر.

واتفق "قلدس" مع هذا الطرح، مشيرا إلى أن الصين ليست الدولة الوحيدة التي تقدم قروضا بمليارات الدولارات لمصر.

وتابع: "من الممكن أن يرى دائنو مصر - ومنهم ألمانيا وفرنسا والسعودية- أن خسارة استثماراتهم هي نتيجة أقل سوءا من رؤيتهم الاقتصاد المصري ينهار".

وأردف: "نظرا لأن كل هذه الدول قدمت الكثير من القروض لمصر، فإن لديها أيضا حافزا لمحاولة إبقاء الدولة المصرية واقفة على قدميها".

ويضيف "المونيتور" أنه قد تكون هناك أسباب سياسية أخرى تجعل الرئيس الصيني، الذي يبني عاصمته الإدارية المميزة في ضواحي بكين، عازما على رؤية نجاح مدينة السيسي الجديدة.

إذ أشار دورسي إلى عامل آخر "يتمثل في منح كل من السيسي و"شي" غطاء سياسيا للآخر، حيث إن الطرفين يشتركان في تهميش قضايا حقوق الإنسان في المحادثات الثنائية بينهما".