مع سبق الإصرار.. اليمين المتطرف في فرنسا يطارد فرحة المغاربة بمونديال قطر

باريس - الاستقلال | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

في خطوة ليست غريبة عنه، استغل اليمين المتطرف بفرنسا، مظاهر احتفال المغاربة بالإنجاز التاريخي غير المسبوق بالتأهل لنصف نهائي كأس العالم بقطر، لمهاجمتهم وانتقادهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي وفي القنوات التلفزيونية الفرنسية.

وفي 10 ديسمبر/كانون الأول 2022، فاز المنتخب المغربي على نظيره البرتغالي بهدف واحد لصفر، ليصبح أول منتخب عربي وإفريقي يتأهل إلى نصف النهائي في كأس العالم لكرة القدم.

"معنا أم ضدنا"

اليمين المتطرف عبر عن امتعاضه واستهجانه لاحتفالات المغاربة والعرب بفرنسا بل وانتقد حتى بعض تصريحات لاعبي المنتخب المغربي.

المرشح السابق لرئاسيات فرنسا اليميني المتطرف إريك زمور، استغل احتفالات لاعبي المنتخب المغربي والجماهير المغربية ليهاجمهم في تغريدات عبر تويتر.

وهاجم زمور، اللاعب المغربي سفيان بوفال لاعب نادي أنجيه الفرنسي، بسبب إهدائه تأهل المغرب إلى مباراة نصف نهاية كأس العالم لكل الأفارقة والعرب والمسلمين.

وقال زمور، في تغريدة عبر تويتر، "أهدى أحد اللاعبين المغاربة انتصاره للعالم الإسلامي كله"، متسائلا: "هل تتخيلون أن يكرس أوليفييه جيرو انتصاره للعالم المسيحي كله؟".

وفي 11 ديسمبر 2022، عبر إريك زمور، في مقابلة مع قناة BFMTV، عن امتعاضه من الاحتفالات بفوز المغرب بشوارع فرنسا.

وتساءل: "كيف سيكون رد فعل ملك المغرب (محمد السادس) والمغاربة إذا احتفل آلاف الفرنسيين بانتصار بلادهم في مراكش".

وأردف: "أجد أنه من الغريب أن يكون هناك أشخاص من المفترض أن يكونوا فرنسيين ويحتفلون بانتصار المغرب في اليوم الذي تفوز فيه فرنسا".

https://www.youtube.com/watch?v=QQhmjrmjvec

وفي 10 ديسمبر 2022، فاز المنتخبين المغربي والفرنسي تواليا على كل من منتخبي البرتغال وإنجلترا، ليضربا موعدا في دور النصف النهائي في 14 ديسمبر 2022، والذي انتهى بفوز منتخب الديوك بهدفين لصفر.

اليميني المتطرف إريك زمور، عدّ أن المغاربة المولودين في فرنسا عليهم تشجيع باريس وليس الرباط في كأس العالم، وعلق على ذلك بالقول: "لا يمكن أن نكون مع الإثنين".

الهجوم والانتقاد لم يقتصرا على لاعبي المنتخب المغربي ومشجعيه المغاربة والعرب والمسلمين، بل نال حتى بعض الفرنسيين الذين عبروا عن دعمهم للمغرب في مباراته ضد المنتخب البرتغالي.

النائب الفرنسي بنجامين لوكاس، تلقى انتقادات لاذعة بعد نشره تغريدة يدعم فيها المنتخب المغربي قبل مباراته ضد البرتغال.

قال "بعد ظهر اليوم، في انطلاق مباراة تاريخية، مع المغاربة وعشاق المغرب في مانتو!" شمال العاصمة باريس.

نائب التجمع الوطني جوليان أودول، لم ترقه تغريدة لوكاس، فكتب معلقا في تغريدة عبر تويتر "كان عليك أن تُنتخب في المغرب، ما دمت تحب الأجانب كثيرا، يجب أن تستقر هناك".

مناوشات ممنهجة

وقبل انطلاق مباراة المنتخبين المغربي والفرنسي بأيام، حذرت عمدة الدائرة الثامنة في باريس جان سي هوتسيري، من "حرب أهلية" قد تنشب في باريس بسبب مباراة المنتخبين، وسط تحريض من اليمين المتطرف، قد يضع المهاجرين ذوي الأصول المغربية والعربية، الذين يعيشون بفرنسا في مأزق.

وفي 12 ديسمبر 2022، أعربت عمدة الدائرة الثامنة عن مخاوفها من "اندلاع حرب عصابات وحرب أهلية" مساء الأربعاء (14 ديسمبر) في العاصمة الفرنسية بعد انتهاء المباراة.

وقالت هوتسيري في مداخلة على قناة "سي نيوز" (CNEWS) إنه "عندما نريد الاحتفال بالفوز، لا نأتي بمدافع الهاون.. الجميع خائفون ولا نريد أن يتحول الشانزيليزيه إلى ساحة معركة!".

وحذر صحفيون ومختصون في التواصل المؤسساتي من خطورة حملات التجييش التي يمارسها اليمين المتطرف ضد المغاربة والعرب بصفة عامة بفرنسا بمناسبة مباراة نصف النهائي بين المنتخبين المغربي والفرنسي.

الصحفي رشيد البلغيتي، أكد أن "اليمين الفرنسي بدأ المباراة ضد المنتخب المغربي والمغرب، عموما، منذ أيام". وأضاف في تدوينة عبر فيسبوك، "يبدو أن الروح ليست رياضية بالمرة".

بدورها، نبهت المختصة في التسويق والتواصل المؤسساتي، عائشة العباسي، إلى خطورة "التجييش الرهيب" المعتمد "من قبل صفحات فرنسية وبأسلوب غير طبيعي ومستفز جدا يشحن الشباب من أصل مغربي هناك".

وناشدت العباسي، في تدوينة عبر فيسبوك، سفارة المغرب وقنصلياته بفرنسا إلى أن "تقوم بشيء ما من الآن عبر قنوات التأطير والتعبئة بفرنسا".

وتابعت أن "الأمر جدي جدا، وكأننا نعيش نصف نهاية كأس العالم بطعم نهائي كأس العالم وأكثر بكثير".

ودعت العباسي، إلى أن "تأطير من نوع ما ومن مكان ما لإخواننا بفرنسا حول نفسية ما بعد المباراة أيا كانت النتيجة".

وبعد نهاية مباراة المنتخب المغربي مع نظيره الفرنسي في دور نصف النهائي بفوز الديوك على أسود الأطلس بهدفين لصفر، تعرضت الجماهير المغربية لاعتداءات لفظية وجسدية من بعض الجماعات اليمينية المتطرفة أثناء الاحتفالات الصاخبة في جميع أنحاء البلاد.

وفي 14 ديسمبر، تعرض تلميذ فرنسي من أصل مغربي، لا يتجاوز عمره 14 سنة في مدينة مونبلييه الفرنسية للدهس عبر سيارة مجنونة كانت تحمل أعلاما فرنسية وسط اندلاع أعمال شغب في فرنسا عقب المباراة التي خسر فيها المنتخب المغربي أمام نظيره الفرنسي بهدفين نظيفين.

وقال مكتب المدعي العام في مونبلييه إنه "بعد رفع العلم الفرنسي على نافذة السيارة، توجه السائق بسرعة مجنونة صوب الطفل الذي يبلغ من العمر 14 عاما".

وأضاف أن الفتى توفي بعد ذلك "سريعا متأثرا بجراحه"، مبينا أن "التحقيق موجه إلى جناية القتل العمد باستخدام سيارة"، وأن "العديد من التحقيقات والفحوصات الفنية جارية للعثور على الجاني".

الاعتداءات على المغاربة لم تقتصر على مدينة مونبلييه بل امتدت للعديد من المدن الفرنسية، وكشفت يومية "ليبراسيون" المحلية، أن راديكاليين من اليمين المتطرف الباريسي نظموا مجموعة من أجل مهاجمة الجماهير المغربية على هامش مباراة نصف نهائي كأس العالم.

وفي 16 ديسمبر 2022، أوضحت اليومية الفرنسية، أن الأحداث نفسها شهدتها مدن أخرى، مثل ليون التي حاول فيها ناشطون من اليمين المتطرف الاعتداء على مناصرين للمنتخب المغربي حيث تحول الوضع إلى أعمال شغب.

عنصرية متطرفة

وعلى خلفية أعمال العنف والشغب التي تلت مباراة المنتخبين، ألقت الشرطة الفرنسية القبض على أكثر من 120 شخصا من بينهم 40 ينتمون لجماعات يمينية متطرفة، كانوا يحاولون الوصول إلى شارع الشانزليزيه المكتظ بمشجعي كرة القدم.

وفي 17 ديسمبر 2022، أرجأت محكمة في باريس، محاكمة 7 شبان على صلة باليمين المتطرف يُشتبه في تخطيطهم لمواجهة مشجعي المنتخب المغربي في أعقاب مباراة نصف نهائي كأس العالم لكرة القدم بين المغرب وفرنسا.

وبينما جرى الإفراج عن الموقوفين الآخرين دون توجيه تهم إليهم، أفاد مصدر في الشرطة بأن هناك شبهات في تخطيط هؤلاء الشبان الـ7 للتوجه إلى الشانزليزيه لمواجهة مشجعي المغرب هناك.

ومن بين الشبان مارك دو كاكراي فالومنييه (24 عاما) الذي يُشتبه في أنه زعيم جماعة "زواف باريس" اليمينية المتطرفة التي حظرتها السلطات في يناير/كانون الثاني 2022.

وأُفرج عن جميع المتهمين بكفالة، وجرى تحديد يوم 13 يناير لعقد جلسة استماع لهم في المحكمة.

وإذا كان اليمين المتطرف يستغل مثل هذه الأحداث لينفخ في قربته المثقوبة عبر انتقاد مبدأ ازدواجية الجنسية، ووضع ولاء الداعمين المغاربة الحاملين للجنسية الفرنسية أمام اختبار الاختيار بين بلد الأصل والإقامة، فإنه في المقابل، استنكر فرنسيون الاعتداء على المشجعين الفرنسيين من أصل مغربي.

النائب الفرنسي توماس بورتيس ندد بـ"الاعتداءات المخطط لها" و"العنف العنصري" ضد المشجعين المغاربة. وقال بورتيس في تغريدة عبر تويتر، "نحن أقرب ما يكون إلى مأساة، ويجب أن نرد".

ومن جهته، قال النائب أنطوان لياومنت، في تغريدة عبر تويتر، إن "فاشيين يصرخون بتصريحات عنصرية" هاجموا المشجعين المغاربة في نيس. وأضاف أن "العنصرية جريمة"، داعيا إلى معاقبة الجناة وفق القانون الفرنسي.

وفي تعليقه على هذه الاعتداءات العنصرية، نبه الباحث في الهجرة وعضو المرصد الأوروبي المغربي للهجرة، رشيد المدني، إلى أن اليمين المتطرف حاول استغلال ما جرى لكسب نقاط جديدة في معاركه السياسية مع خصومه.

وعدّ المدني، أن اليمين المتطرف حاول استغلال هذه الأحداث والوقائع بشكل انتقائي في تجاهل تام من ساسته وقادته لجرائم الاعتداءات على المحتفلين المغاربة بشكل سلمي من قبل المتطرفين وحتى من قبل بعض أفراد الشرطة.

ويرى أن الاحتفال الجماهيري جاء احتفاء بأبناء الجالية في تلاحم مع وطنهم الأصلي حيث إن المثير في تشكيلة المنتخب المغربي أن جل أعضائه من شباب الهجرة المغربية.

ونوه المتحدث نفسه، إلى جهود وترتيبات لتطبيع فرنسا وأوروبا بصفة عامة مع أحداث الاعتداءات على المهاجرين وجعلها أفكارا وسلوكيات مقبولة مجتمعيا عبر استعمال شعار العداء للمهاجرين كوقود انتخابي وسياسي لصعود اليمين المتطرف.

وتابع المدني، أن هذا تفكير خطير قد يؤدي في النهاية إلى تدمير الاستقرار القائم على مبادى الديمقراطية والتعددية واحترام التنوع الثقافي.

 وسجل أن اليمين المتطرف يحاول استغلال الأمر بشكل سلبي لتغذية خطابه التعبوي الانتخابي بالخوف من خلال اعتقاد أن الأجانب والهجرة التهديد الرئيس للهوية الوطنية، وقيم الأمة واقتصاد البلاد واعتقاد أن المهاجرين عدو خارجي يخترق النسيج القومي. 

وعن سبل مواجهة تنامي الخطاب اليميني المتطرف، يرى المدني، أن الجواب الثقافي هو المدخل الأساسي، إذ ينبغي أن تحسم البلدان الأوروبية خاصة فرنسا المسألة الثقافية الوطنية، وجعلها تعددية حقيقية.

وخلص إلى أن التحدي الحقيقي أمام المجتمعات الغربية يكمن في بناء نموذج مجتمعي قادر على جذب الشباب من أصول غير أوروبية من خلال احترام التعددية الثقافية والهوياتية لكل مكونات شعوبها.

وأشار إلى أن احترام التعددية يتعارض بالأساس مع أفكار اليمين المتطرف المؤسسة على الصفاء العرقي والقومي ونسب كل أسباب المشاكل للهجرة والمهاجرين والنظر إليهم على أنهم قطعة من خشب في محرك من حديد.