مباراة منع الخمور خلال كأس العالم.. هكذا فازت قطر وخسرت البرازيل

إسماعيل يوسف | a year ago

12

طباعة

مشاركة

بعد 12 عاما على منحها حق استضافة كأس العالم 2022 في كرة القدم، أزاحت قطر الستار في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2022 عن أول مونديال يقام في بلد عربي مسلم، رغم حالة تنمر غربية غير مسبوقة.

وجاء افتتاح المونديال بعد سلسلة معارك أثارتها حكومات ومنظمات وشركات غربية من أجل إباحة الخمور والشذوذ الجنسي، فضلا عن مزاعم عن انتهاكات بحق عمال منشآت المونديال، نفاها رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" جياني إنفانتينو.

الأصوات الغربية التي انبرت للدفاع عن حقوق الشواذ والمشاغبين الذين يشربون الخمور ويتسببون في فوضى عارمة بكل بطولة كروية، ظهرت على حقيقتها حين انتقدت كثرة المساجد وصوت الأذان في قطر، ليتضح أن الهدف الحقيقي من وارئها كراهية الإسلام.

لكن قطر لم تعبأ واستمرت في تنفيذ خططها التي تتوافق مع قيمها العربية والإسلامية، ففرضت على الفيفا حظر الخمور في الملاعب، ورفضت فرض أجندة الشواذ عليها.

وكان قد ندد أمير قطر تميم بن حمد، في 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2022 بـ"حملة غير مسبوقة من الافتراءات وازدواجية المعايير بسبب استضافتنا المونديال"، وتساءل عن الأسباب والدوافع الحقيقة وراء هذه الحملة.

قرار حاسم

ظلت معركة السماح بالخمور في كأس العالم مثارة منذ تولي قطر تنظيم البطولة، لأن قوانين الفيفا تشترط دخول الجمهور بالخمور وخاصة البيرة المخمرة إلى الملاعب.

وقبل بدء البطولة، ومع انتشار خيام عملاق البيرة الأميركي "بدويايزر" ‏التي نصبت حول ملاعب كرة القدم، سارع منظمو كأس العالم لكرة القدم في قطر لتفكيكها ونقلها إلى أماكن بعيدة، لعدم ملاءمتها التقاليد الإسلامية.

وفي 18 نوفمبر  رضخ الفيفا وأصدر  بيانا يؤكد منع الخمور في ملاعب كأس العالم 2022 في قطر، وتجنب ذكر السبب وراء ذلك.

وقال إنه "بعد عدة مناقشات مع سلطات دولة قطر المستضيفة، اتخذنا قرارا باقتصار شرب الكحول على المشاركين بمهرجانات فيفا الترفيهية فقط بدلا من الملاعب الخاصة بالبطولة"، وهو ما يعني إزالة كافة منافذ بيع الكحوليات بالملاعب.

وبموجب القواعد الجديدة، لن تتوفر المشروبات الكحولية إلا في فنادق معينة ومناطق مخصصة للمشجعين في الهواء الطلق بعيدا عن الملاعب.

وتعليقا على ذلك، قالت صحيفة "نيويورك تايمز" في 18 نوفمبر، إن "هذا تحول مفاجئ من قطر"، وأضافت أن "قطر فرضت شروطها على الفيفا"، وعدت ذلك "مؤشرا على أن الفيفا ربما لم تعد تتحكم بشكل كامل في البطولة الاستعراضية".

وأكدت الصحيفة الأميركية أن إزالة خيام الخمور جاء "بعد طلب مباشر من العائلة الحاكمة القطرية"، وحددت أنه "طلب غير قابل للتفاوض من الشيخ جاسم بن حمد بن خليفة آل ثاني، شقيق أمير قطر والأكثر نشاطا في العائلة الحاكمة في التخطيط للبطولة".

ووصفت  إزالة خيام البيرة الشهيرة بأنه "أحدث صراع ثقافي يدور حول خمور المونديال، لأن قطر فرضت بيرة بلا كحول فقط في الملاعب".

من جانبها، أكدت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن قرار "اللحظة الأخيرة بحظر تقديم الخمور خارج ملاعب مونديال قطر جاء مباشرة من العائلة الحاكمة في الإمارة الخليجية بعد القلق المتزايد بين القطريين المحافظين بشأن هذه المسألة".

وذكرت الصحيفة الأميركية، نقلا عن مصادر لم تفصح عنها، في 19 نوفمبر، أن "قطر ظلت غامضة عن عمد بشأن ما إذا كانت ستسمح بالمشروبات الكحولية في البطولة الأكبر عالميا، لأن حسم موقفها مبكرا بشأن هذه المسألة كان سيؤدي لحدوث مشاكل".

فيما أشارت صحيفة الغارديان البريطانية في 18 نوفمبر، أن "صدور القرار في اللحظة الأخيرة يعود إلى أوامر العائلة الحاكمة التي ضغطت على المنظمين من أجل حظر جميع مبيعات الكحول والالتزام بقوانين البلاد".

و أكد "أمار سينغ" وهو مسوق سابق لشركة بادوايزر Budweiser للبيرة الأميركية في أوروبا لموقع "ذا دروم" في 18 نوفمبر، أن "الشركة قدمت تنازلات لضمان احترام العادات والقوانين المحلية القطرية".

البرازيل رضخت

وفي عام 2012، وقبل استضافتها كأس العالم 2014، حاولت البرازيل حظر بيع الخمور في الملاعب، ودخلت معركة مع الفيفا، لكنها خسرتها واضطرت لإباحة الخمور.

وقبل مونديال البرازيل 2014 كانت المشروبات الكحولية محظورة في الملاعب البرازيلية وفق القانون، لكن الفيفا فرض عليها بيع البيرة في جميع الأماكن التي تستضيف مباريات كأس العالم، واستجاب برلمان البلاد لذلك.

حينئذ زار الأمين العام للفيفا "جيروم فالكه"، البرازيل للضغط على الحكومة لمنعها من حظر الخمور في الملاعب وقال: "يجب النص على بيع البيرة في قانون كأس العالم الذي يبحثه الكونغرس البرازيلي".

وقال فالكه بحسب "بي بي سي" البريطانية في 19 يناير/ كانون الثاني 2012: "هذا شيء لن نتفاوض عليه، لأن المشروبات الكحولية جزء من كأس العالم لكرة القدم"، ما اضطر الكونغرس البرازيلي للموافقة في نهاية المطاف.

وكان قد تم حظر الكحول في مباريات كرة القدم البرازيلية في عام 2003 كجزء من محاولات التصدي للعنف بين مشجعي كرة القدم المتنافسين المخمورين، وتنتشر على منصات التواصل عشرات الفيديوهات الموثقة لذلك.

وعلقت صحيفة "ديلي ستار" على النجاح القطري، بالقول إن "البرازيل رضخت لمطالب الفيفا المتغطرسة بتغيير قوانين البيرة لكأس العالم 2014، واضطرت إلى تغيير قوانين المشروبات الكحولية".

واستدركت الصحيفة البريطانية في 18 نوفمبر : "بينما نجحت قطر في حظر بيع المشروبات الكحولية داخل محيط الملاعب في كأس العالم، بسبب تعارض ذلك مع التعاليم الإسلامية". 

وقالت إن حظر قطر للبيرة في الملاعب أدى إلى مشكلة في علاقة الفيفا مع عملاق البيرة الأميركي "بدويايزر"، الذي يدفع 75 مليون دولار كل أربع سنوات للمشاركة في كأس العالم.

قوة الإسلام الناعمة

وكان من الواضح منذ بدء التحضير للمونديال أن هناك رغبة قطرية في الاستفادة من الحدث في إظهار الطبيعة السمحة للإسلام وإبراز تعاليمه، عبر سلسلة إجراءات، لذا كان من المناقض قبول قرار الفيفا بشأن الخمور.

وأكد هذا رئيس تحرير جريدة "الشرق" القطرية جابر الحرمي، بالقول إن "كأس العالم في قطر لن يكون رياضة فحسب، بل سيتم استثماره للتعريف بالإسلام ونقل صورة حضارية عن العالم العربي والإسلامي". 

ومن أجل إعلاء القيم الإسلامية وضعت الجهات القطرية المنظمة أحاديث نبوية في كل ركن بالبلاد تظهر سماحة الإسلام وتشجع على عمل الخير وحب الخير للغير.

كما عينت مؤذنين من أصحاب الأصوات الجميلة، ووضعت "باركود" داخل غرف الفنادق للتعريف بالإسلام بلغات متعددة، فضلا عن كتيبات تعريف بأركان الإسلام.

ويذهب "الباركود" حين يتم مسحه بكاميرا الموبايل، نحو صفحة تابعة لوزارة الأوقاف القطرية، وتبدو في الواجهة الأولى منها خيارات تتضمن لغات مختلفة، وعند اختيار اللغة يظهر دليل تعريفي بالإسلام.

كما دعت قطر علماء كبارا أبرزهم الداعية "ذاكر نايك" الذي أسلم على يده مئات الآلاف حول العالم، والدكتور عمر عبد الكافي لإلقاء محاضرات للتعريف بالإسلام طيلة المونديال.

وتوقع مراقبون أن تؤدي هذه الجهود عبر القوة الناعمة للإسلام، لتعرف كثيرين من الحضور على حقيقة الإسلام وربما اهتدائهم لاعتناقه.

وأكد هذا بالفعل الداعية  فيصل الهاشمي معلنا دخول 558 الإسلام خلال أسبوع واحد قبل أن تبدأ البطولة.

وأبدى بعض الجمهور عند تعرفهم على الأذان، والصلاة تعجبهم لأنهم يرون هذا لأول مرة، وظهر مشجع لمنتخب أوروغواي في فيديو وهو يبدي تعجبه الشديد من توقيت صلاة الفجر ويقول: "إنهم يصلون هنا في الخامسة صباحا".

نفاق غربي

مع بدء تدفق مراسلي الصحف والفضائيات الأجنبية على قطر لنقل أحداث كأس العالم، ظهرت معالم أخرى للتنمر الغربي، تتعلق بالغمز واللمز في الإسلام.

فظهر مذيع قناة فرنسية يسأل المراسل عن الأوضاع في قطر، ليرد عليه المراسل مؤكدا عدم وجود أي مشاكل وكل شيء جميل ومنظم، إلا مشكلة واحدة: "عندهم مساجد كثيرة جدا!".

وكان هذا مؤشرا واضحا على السبب الحقيقي وراء التنمر الغربي، وهو كراهية الإسلام.

والأحاديث عن انتشار المساجد في قطر وصلاة الفجر وحقوق الإنسان دفعت رئيس الفيفا لمهاجمة الغرب، وقوله: "على أوروبا الاعتذار".

واتهم إنفانتينو في مؤتمر صحفي بالدوحة في 18 نوفمبر الغرب بـ "النفاق" في تقاريره عن سجل حقوق الإنسان في قطر عشية انطلاق بطولة كأس العالم.

وعن منع شرب الكحول في الملاعب قال إنفانتينو: "دول عدة تمنع الكحول في الملاعب مثل فرنسا، فلا داعي لسياسية الكيل بمكيالين".

وقال: "ينبغي على الأوروبيين أن يعتذروا للشعوب قبل إعطاء الدروس"، مؤكدا أن "الشعارات والدروس الأخلاقية الأوروبية لقطر تنم عن النفاق ولا نمتلك الحق كأوروبيين في انتقاد قطر ".

قال "بالنسبة إلينا كأوروبيين ما قمنا به على مدار 3 آلاف سنة سابقة، يتعين علينا الاعتذار عنه على مدار 3 آلاف سنة مقبلة قبل أن نعطي دروسا للآخرين، هذه الدروس الأخلاقية تنم عن النفاق".

وكانت قد فندت مجلة "إيكونوميست" البريطانية في 17 نوفمبر، هذا النفاق الغربي في تقرير بعنوان: "دفاعا عن استضافة قطر لكأس العالم".

وقالت إن  المزاعم الغربية تجاه استضافة قطر للمونديال تركزت حول عدد من الملفات، منها حقوق العمال الذين شيدوا استادات البطولة، ومعاملة الشواذ والديمقراطية.

وعقدت الصحيفة مقارنة بين سعي الغرب لتشوية قطر بدعاوى واهية، بينما حين أقيم كأس العالم في روسيا 2018، وعندما استضافت الصين الألعاب الأولمبية الشتوية في فبراير 2022 لم يجرؤ أحد على انتقاد قمع البلدين الواضح لحقوق الإنسان.

قالت: "لم تتعرض لا روسيا ولا الصين لتلك الحملات الشعواء التي تعرضت لها قطر، في دليل يؤكد على أن الهجوم الغربي ينم عن ازدواجية في المعايير على أقل تقدير، ولا يفرق بين الأنظمة الاستبدادية القمعية من جهة والأنظمة التي لا تطبق الديمقراطية بالمعايير الغربية من جهة أخرى".

وخلصت "إيكونوميست" إلى أن المقارنة بينهما وبين قطر "تصب في صالح الأخيرة دون شك، وعلى جميع المستويات وفي جميع الملفات".