40 عاما بلا حل.. مركز إيطالي يروي قصة صراع إقليم كازامانس والسنغال

قسم الترجمة | a year ago

12

طباعة

مشاركة

سلط "مركز الدراسات الجيوسياسية" الإيطالي الضوء على الصراع المستمر منذ 4 عقود بين الحكومة السنغالية ومتمردي إقليم "كازامانس" الجنوبي، محذرا من سيناريو متوقع أن تنفجر فيه الأوضاع قريبا.

ويفصل إقليم كازامانس عن السنغال دولة غامبيا، وترجع جذور الصراع بين الجانبين إلى خلافات اقتصادية ودينية وعرقية ناجمة عن تعرضه للاحتلال البرتغالي، بينما خضعت الأقاليم الشمالية للسنغال للاستعمار الفرنسي.

نزاع قديم

ولعقود طويلة ظل إقليم كازامانس تحت الاحتلال البرتغالي، ومع تركيز البعثات التبشيرية اعتنق جزء من سكانه للمسيحية بالإضافة إلى الديانات الوثنية التقليدية.

وهذا ما خلق تمايزا لغويا وثقافيا ودينيا، وحتى جغرافيا ومناخيا، بين الشمال المسلم الذي يغلب عليه المناخ الصحراوي، والجنوب المسيحي الوثني الأقرب إلى المناخ الاستوائي الغني بالثروة المائية والغابية.

ومع إحساس سكان الإقليم خاصة من عرقية جيولا بالتهميش، وأن ثرواتهم تستفيد منها داكار، طالبوا بالانفصال عن السنغال.

قبل أن تتحول هذه المطالب إلى تمرد في 1982، قادته حركة القوات الديمقراطية بزعامة القس أوغسطين دياماكون سنغور.

وشهدت الفترة ما بين 1992 و2001، أعنف مراحل القتال بين المتمردين والجيش السنغالي، سقط خلالها نحو ألف قتيل، قبل أن تتراجع حدة القتال في السنوات التي تلتها.

وتُتهم غامبيا بتقديم دعم لمتمردي كازامانس، على أنهم كانوا يتخذون من أراضيها قواعد خلفية لمهاجمة الجيش السنغالي، لكنهم كانوا أيضا ينفذون هجماتهم من داخل الحدود مع غينيا بيساو، وهذا أحد الأسباب التي أدت إلى إطالة أمد الحرب.

جغرافيا، تميز إقليم كازامانس دائما بمناخ أكثر ملاءمة لإنتاج المحاصيل من بقية مناطق البلاد بفضل هطول أمطار غزيرة ووجود غابات وفيرة مصدر لثروة من الأخشاب. 

وثروة الإقليم من الموارد الطبيعية دفعت العديد من السكان إلى تفسير سياسات داكار على أنها "مفترسة"، وجزء من عملية نهب لا تختلف عن تلك التي نفذتها السلطات الاستعمارية. 

وحاول الرئيس الأول للسنغال ليوبولد سيدار سنغور أن يخلق تجانسا بين السنغاليين بواسطة إرث الثقافة الفرنسية من خلال سياسة فرنسية هدفت إلى جعل لغة المستعمر السابق همزة الوصل بين سكان البلاد. 

بينما روج خليفته عبدو ضيوف للولوف كونها اللغة الأصلية السائدة على حساب اللغات الأخرى، وقام بتهميش سكان كازامانس وإيلاء قليل الاهتمام تجاه المنطقة، وفق المركز الإيطالي.

وإهمال السلطات المركزية للمنطقة وتجاهل المشاكل الهيكلية مثل تلك المرتبطة بالبنى التحتية السيئة للغاية في كازامانس، ساهم على مر السنين في تفاقم هذا الشعور بالإقصاء.

شعلة متواصلة

وبدأت مقدمة الصراع في عام 1980 بمقتل طالب خلال مظاهرة طلابية على يد قوات الأمن السنغالية في زيغينشور، ليتصاعد التوتر ويتدهور الوضع تماما في كازامانس في 26 ديسمبر/ كانون الأول 1982 بخروج مظاهرات وإزالة الأعلام السنغالية من المباني الحكومية. 

ولاحقا تشكلت حركة القوى الديمقراطية في كازامانس وشرعت في نشاط حرب عصابات بهدف واضح وهو الحصول على استقلال المنطقة.

وتميزت الحركة على مر السنين بتعقيدها الكبير وانقسامها إلى فصيل سياسي وآخر مسلح، يدعى أتيكا، انقسمت بدورها إلى فصيلين بعد توقيع وقف إطلاق النار الأول في عام 1999، هما الجبهة الشمالية والجبهة الجنوبية. 

من جانبها، ردت حكومة داكار على العمليات المسلحة بقمع شديد ومحاولة تفكيك كازامانس، كما يتضح من تقسيم المنطقة إلى منطقتين إداريتين، كولدا و زيغينشور. 

وفي عام 2014، أعلن زعيم المتمردين في الإقليم عن وقف أحادي الجانب لإطلاق النار. 

وفي بداية عام 2021، هاجم الجيش السنغالي بشكل مكثف قواعد الحركة الديمقراطية بهدف القضاء نهائيا عليها، ومكافحة الاتجار غير المشروع الذي تطور على مر السنين في المنطقة، لا سيما فيما يتعلق بالأخشاب والمخدرات.

وفي 13 مارس/ آذار 2022، أطلقت حكومة داكار عملية أخرى ضد مسلحين في الإقليم على إثر اشتباكات بين المتمردين والقوات العسكرية الغامبية، ما دل على أن التوتر لا يزال مرتفعا في المنطقة. 

من جهتها، أدانت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين ما أدى إليه هذا الصراع من نزوح عدد  كبير غير محدد من السكان، خصوصا بعد لجوء أكثر من ستة آلاف شخص إلى غامبيا المجاورة منذ مارس 2022. 

ناقوس خطر

وحذر المركز الإيطالي من أن هذا العدد الكبير من النازحين، بالإضافة إلى كونه يشكل مأساة إنسانية كبيرة، قد يصبح عاملا مزعزعا للاستقرار أيضا للبلدان المجاورة، غامبيا أو غينيا بيساو. 

ويشير المركز إلى عامل آخر مقلق للغاية يتعلق بالصحة العقلية لسكان كازامانس، وخاصة الشباب.

ويشرح أنه بالإضافة إلى الإجهاد النفسي المستمر في ظل العيش في منطقة نزاع على مدار الأربعين عاما الماضية، يتعين على السكان التعايش يوميا مع وجود عدد لا يحصى من الألغام الأرضية التي تسببت في مئات الضحايا والتشوهات. 

علاوة على ذلك، أدى اقتصاد الحرب الذي ميز المنطقة طوال هذه السنوات إلى تدهور كبير في الظروف المعيشية للسكان، ما ساهم في تفاقم مشاعر الكراهية تجاه السلطات المركزية.

ويتوقع أن استمرار التوترات على الحدود مع غامبيا قد يؤدي إلى إفساد العلاقات بين داكار وبانجول، وهو ما من شأنه أن يزعزع الاستقرار في منطقة حساسة بالفعل. 

ويستبعد التوصل إلى حل وشيك للصراع في المنطقة رغم توقيع اتفاق جديد لوقف إطلاق النار في أغسطس 2022.

وفي 4 أغسطس/ آب 2022، وقعت حكومة الرئيس ماكي سال اتفاق سلام مع إحدى حركات الإقليم الانفصالي في جنوب البلاد، وتعهدت بإلقاء السلاح بعد 40 عاما من التمرد.

ومنذ وصول سال، إلى الحكم في 2012، سعى إلى إنهاء هذا النزاع الذي أوقع آلاف القتلى منذ اندلاعه في 1982.

ونجح سال في خفض العنف بكازامانس، بعد إعلان المتمردين وقف إطلاق النار من طرف واحد في 2014، لكن ذلك لم يمنع وقوع عدة اشتباكات بين الجيش والمتمردين، سقط خلالها العديد من القتلى بين الجانبين، آخرها مطلع 2022.

واستنكر مركز الدراسات الإيطالي الصمت المطبق للمجتمع الدولي بشأن مأساة إنسانية مستمرة منذ أربعين عاما توشك أن تتحول إلى قنبلة موقوتة في منطقة حساسة للغاية من القارة الإفريقية. 

وقال إنه "على الرغم من أن كلا من سلطات داكار والمتمردين قد أكدوا مرارا نيتهم ​​التوصل إلى سلام نهائي على مر السنين، تظهر التوترات الأخيرة أن هذا الهدف بعيد المنال". 

وحذر من أن "تدخل غامبيا وغينيا بيساو، بالإضافة إلى وجود لاعبين خارجيين، قد يتسبب في القريب العاجل في عاصفة  مثالية سيعاني منها السكان المدنيون في المنطقة والمناطق المجاورة".

وخلص إلى القول إن "الوقت وحده سيكشف ما إذا كان الصراع سيكون موضع اهتمام أكبر، وما إذا كانت الجهات الفاعلة المعنية ستتمكن أخيرا من تحقيق الاستقرار في المنطقة".