يصب الزيت على النار.. حزب الله يعلن شروطه لاختيار رئيس لبنان القادم

بيروت - الاستقلال | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

انتظر حزب الله اللبناني خمس جلسات برلمانية، فشلت جميعها في انتخاب رئيس جمهورية جديد، كي يبدي زعيمه حسن نصر الله شرطه الأساسي لملء الفراغ الرئاسي في بيروت.

ورغم أن إعلام حزب الله ونوابه تولوا مهمة الترويج لمواصفات الرئيس القادم الذي يريده الحزب، إلا أن القوى السياسية سلكت المسار القانوني عبر البرلمان لتجاوز "رغبات" ذراع إيران العسكري في تسمية رئيس لبنان.

ومنذ الجلسة الأولى لانتخاب الرئيس في 29 سبتمبر/ أيلول 2022، لم تنجح الكتل في التوافق على مرشح يحظى بأكثرية نيابية ليدخل قصر بعبدا المغلق منذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2022.

"مطمئن للمقاومة"

وحسم حسن نصر الله موقف حزبه الذي يهيمن على لبنان بقوة السلاح الإيراني، من مسألة تنصيب رئيس جديد للبلاد، تاركا الباب مفتوحا على مصراعيه لكل الاحتمالات.

وقال نصر الله في كلمة خلال احتفال أقامه حزب الله في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022 بمناسبة "يوم الشهيد"، إنه "يرغب بأن يكون للبنان رئيس جمهورية غير خاضع للولايات المتحدة ومطمئن للمقاومة".

وأضاف نصر الله: "لا نريد رئيسا يغطي المقاومة أو يحميها، المقاومة في لبنان ليست بحاجة لغطاء أو حماية، وما نريده رئيس لا يطعنها في ظهرها ولا يبيعها"، وفق زعمه.

وتابع: "مع الرئيس العماد ميشال عون سواء أحببته أم لا على مدى 6 سنوات كانت هذه المقاومة التي دافعت عن لبنان عاملا حاسما في إنجاز الحدود البحرية، وكانت آمنة الظهر لأنه كان في بعبدا رجل شجاع لا يباع أو يشترى ولا يخاف".

وكان قد فرض حزب الله، عون رئيسا للبنان عام 2016، بعدما بقي مقعد الرئاسة شاغرا سنتين ونصف السنة، بموجب صفقة سياسية أفضت على حصوله في الجلسة رقم (46) على 83 صوتا، أي غالبية أعضاء المجلس المؤلف من 128 مقعدا.

وحتى الآن نال النائب في البرلمان ميشال معوض وهو أكثر الأسماء المطروحة لتولي الرئاسة بشكل توافقي من خارج حزب الله وحلفائه، 44 صوتا فقط في الجلسة الخامسة للبرلمان التي عقدت بتاريخ 10 نوفمبر 2022.

لكن حزب الله يصف معوض بـ"مرشح التحدي"، ويعطل وحلفاؤه إيصاله لسدة الرئاسة، كشخصية توافقية غير محسوبة على أي طرف.

ويعد معوض من الشخصيات التي تنادي بنزع سلاح حزب الله، ويعد حليفه النظام السوري "قاتلا لشعبه"، كما يرى أن "إيران تضع يدها على لبنان عسكريا"، وفق ما قال لـ"صوت بيروت إنترناشيونال" في 4 أكتوبر 2021.

ورغم ذلك، فإن حزب الله يبدو أنه ماض في مقارعة خصومه التقليديين من الأحزاب التي حصدت تفوقا عليه في مقاعد البرلمان في انتخابات مايو/ أيار 2022، حول "منصب الرئيس"، وذلك عبر لعبة مكشوفة يخوضها داخل جلسات البرلمان وأخرى في الكواليس مع القوى السياسية.

وبالدرجة الأولى، يُتهم حزب الله وحليفه "التيار الوطني الحر" بقيادة جبران باسيل صهر ميشال عون، و"تيار المردة" برئاسة سليمان فرنجية بتعطيل جلسات انتخاب الرئيس.

وهؤلاء يواصلون اقتراعهم بالورقة البيضاء، ويعمدون في كل جلسة إلى إفقاد نصابها، ويكررون مشهد خروجهم من قاعة البرلمان ضمن غاية فرض "مرشح كيدي" تحت عنوان "التسوية السياسية".

"عون ثاني"

وهذا ما يجعل المشهد السياسي يتعقد أكثر ويسير نحو "الفراغ الرئاسي" الذي يحذر منه الفائزون في الانتخابات البرلمانية، ولا سيما في ظل أزمة اقتصادية خانقة ألقت بالشعب اللبناني منذ عام 2019 في براثن الفقر.

ولذلك يسد حزب الله وحلفاؤه الطريق أمام كل ما من شأنه أن يأتي برئيس مستقل وولاؤه للبنان، وليس لأي جهة أخرى وفقا لعرف متفق عليه سياسيا يريد الحزب أن يخرقه مجددا.

ومن بين الأسماء المتداولة لمنصب الرئاسة المقربون من حزب الله أو تتقاطع مصالحهم معه، باسيل، وفرنجية، وهما الاسمان اللذان قالت وسائل إعلام لبنانية أنهما المقصودان بـ"معادلة نصر الله الرئاسية" الجديدة القديمة.

وبحسب مراقبين فإن "حزب الله مقتنع بأن فرنجية يمكن أن يحمي ظهر المقاومة ويكون في الوقت نفسه رئيسا توافقيا، لكنه لن يطرح اسمه بشكل علني أسوة بباقي المكونات إلا إذ ضمن الـ65 صوتا لفوزه".

ولذلك قيل إن حزب الله يريد "عون ثاني" يخلف ميشال عون الذي كان حليفا لحزب الله وأنهى عهدته الرئاسية "بصفر إنجازات" باستثناء اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل.

وحتى هذا الاتفاق عزاه عون ذاته لحزب الله والضغوط التي مارسها على إسرائيل.

كما أن عون استبق انتهاء ولايته بتوقيعه مرسوما عد فيه أن حكومة تصريف الأعمال برئاسة نجيب ميقاتي مستقيلة.

كما طالب البرلمان في رسالة بسحب التكليف من ميقاتي وتشكيل حكومة جديدة، قبل أن يوصي مجلس النواب الحكومة بمواصلة مهام تصريفها الأعمال وفق الأصول الدستورية.

فراغ رئاسي

وكرس اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية (1975 - 1990) معادلة اقتسام السلطة في البلاد على أساس الانتماءات الدينية والطائفية.

وضمن التوافقات يتولى رئاسة البلاد مسيحي ماروني، ورئاسة الحكومة سني، ورئاسة البرلمان شيعي.

وبحسب المادة 49 من الدستور، ينتخب رئيس البلاد في دورة التصويت الأولى بأغلبية الثلثين أي 86 نائبا (من 128)، ويكتفى بالغالبية المطلقة (النصف +1) في الدورات التالية، على أن يكون نصاب حضور هذه الدورات، سواء الأولى أو الثانية، 86 نائبا.

وتدوم فترة ولاية الرئيس اللبناني 6 سنوات غير قابلة للتجديد، ولا يجوز إعادة انتخابه إلا بعد مرور 6 سنوات على انتهاء ولايته الأولى.

ومنذ استقلال لبنان عام 1943، لم يستطع اللبنانيون انتخاب رئيس عبر الانتخاب الديمقراطي إلا لمرة واحدة، وهو الرئيس سليمان فرنجية (الجد) الذي حكم البلاد من 1970- 1976 بفارق صوت واحد.

ووفق مطلعين، فإن النفوذ الأجنبي قد يلعب دورا في إبرام صفقات لانتخاب الرئيس في بلد لطالما لعبت المنافسات الدولية دورا في أزماته المحلية.

ويأتي الفراغ الرئاسي هذه المرة مع وجود حكومة تصريف أعمال عاجزة عن اتخاذ قرارات مهمة في وقت يشهد لبنان منذ 2019 انهيارا اقتصاديا صنفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم.

وحث ميقاتي، في تصريحات صحفية بتاريخ 14 نوفمبر، على "وجوب انتخاب رئيس جديد بشكل فوري من أجل انتظام العمل السياسي"، لافتا إلى أن "الرئيس يجب أن يكون مقبولا من الجميع، وألا يكون رئيس تحد لأحد".

لكن الوصف الجامع المانع الذي رمى به حسن نصر الله لصفة الرئيس القادم "مطمئن للمقاومة" قرئ على أنه إشارة ضمنية إلى "الحليف التاريخي" له ألا وهو سليمان فرنجية.

ويتريث فرنجية بالترشح قبل "نضوج" الظروف التي تتيح له "ضمان" النجاح، تفاديا لأي "معركة خاسرة" باتت تطلق عليها الصحافة اللبنانية "محرقة المرشحين".

ومع ذلك، فإن حزب الله أمام عقبات كثيرة قبل أن يمكنه فرض مرشحه، إذ يصطدم مع رئيس حزب "القوات اللبنانية" ​سمير جعجع​ الذي يدعم ميشال معوض كمرشح رئاسي.

وقال جعجع في مقابلة مع وكالة رويترز مطلع يونيو/ حزيران 2022 إن حزبه "سيرفض أي شخص متحالف مع ​حزب الله​".

وصاية إيرانية

وفي هذا الصدد، أوضح الكاتب والباحث السياسي اللبناني أسعد بشارة لـ "الاستقلال" أن "نصر الله يقصد برئيس مطمئن للمقاومة أنه يريد رئيسا ينصاع ويغطي مشروع حزب الله وسلاحه في لبنان".

وعد بشارة أن "الأخطر في هذه المعادلة أن نصر الله يطرح وكأن الثابت هو السلاح، وأن المتغير هو الدولة اللبنانية التي يجب من وجهة نظره أن تكون في خدمة مشروع السلاح".

وأضاف: "وهذا هو إعادة إنتاج لعهد ميشال عون لكن بطريقة تختلف عن عام 2016، إذ إن حزب الله يرى أنه لا يمكنه أن يفرض رئيسا راهنا بقوة الأمر الواقع كما فعل في العام المذكور، وبالتالي هو يمارس الابتزاز ويقول: لا رئيس إلا من يختاره ويرضى عنه حزب الله".

وذهب بشارة للقول: "إزاء ذلك، فنحن في لبنان نصل إلى النتيجة ذاتها، وهذا يشكل وصاية إيرانية حقيقة على لبنان، واستمرار هذا النهج من حزب الله سيعمق الانهيار السياسي الحاصل في لبنان".

وتتناغم هذه القراءة لبشارة، مع ما كتبه النائب أشرف ريفي الذي شغل منصب وزير العدل من 2014 وحتى 2016، في رده على كلام نصر الله حول رغبته برئيس "مطمئن للمقاومة"، قائلا له: "خطابك الخشبي تخطاه الزمن، ولن يفرض على لبنان رئيس يحمي سلاح الغدر والغلبة".

وغرد ريفي وهو عضو تكتل "تجدد" الذي يدعم ترشيح النائب ميشال معوض للرئاسة على تويتر بتاريخ 12 نوفمبر: "نريد رئيسا يحمي لبنان واللبنانيين، كل اللبنانيين من كل المخاطر والتهديدات بما فيها خطر سلاحكم وخطركم.. حان الوقت لتتعظوا من ثورة الشعب الإيراني البطل على نظام الملالي".

ومع ذلك، تنذر تصريحات نصر الله في هذا التوقيت بدخول لبنان في مرحلة صعبة من فراغ رئاسي طويل، وخاصة أن الظروف الدولية لا يبدو أنها ستنضج بالسرعة المأمولة للضغط على الكتل النيابية للتوافق على اسم مرشح يحظى بغالبية أصوات النواب.

ومن أجل ذلك تحركت باريس، حيث بحث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هاتفيا مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان "ضرورة انتخاب رئيس للبنان في أسرع وقت ممكن، حتى يتم تنفيذ برنامج الإصلاحات الهيكلية الضرورية لتعافي البلاد"، وفق ما أعلن قصر الإليزيه في 12 نوفمبر 2022.