أحمد حسني.. "ظل الملك" لإدارة مخابرات الأردن وحماية حدوده مع سوريا

لندن - الاستقلال | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

عاد رئيس مديرية المخابرات العامة الأردنية اللواء أحمد حسني إلى الواجهة مع تكليفه بعملية تطوير شامل لهذا الجهاز بهدف تعزيز قدراته في حفظ استقرار المملكة.

تلقى حسني، بعد عام من تعيينه في منصبه عام 2019، رسالة شخصية من العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، حدد له فيها الإطار الجديد لعمل المخابرات العامة في الأردن.

إذ حرم الملك جهاز المخابرات العامة من التعاطي مع شؤون الأردن الداخلية، خصوصا في المجال الاقتصادي، بما في ذلك ملف تبييض الأموال.

وحصر العاهل الأردني مهام الجهاز الذي يقوده اللواء حسني الحائز على ثقته، بالانصراف إلى مواجهة التحديات التي تواجه الأردن في هذه المرحلة، خصوصا لجهة تحديث الجهاز وتطويره في مجال الأمن الخارجي.

ويأتي ذلك في ظل اهتمام المملكة بمكافحة الإرهاب وملف الحرب في سوريا المجاورة، الأمر الذي يدفع عمان بشكل كبير نحو جمع المعلومات الاستخبارية الإقليمية.

في 28 أكتوبر/تشرين الأول 2022، نشرت مجلة "إنتيليجنس أونلاين" الفرنسية المتخصصة في شؤون الاستخبارات، تقريرا أكدت فيه خضوع مديرية المخابرات العامة الأردنية لعملية تطوير شامل بهدف تعزيز قدراتها في حفظ استقرار البلاد.

النشأة والتكوين

أحمد حسني حسن حاتوقاي، من أصول شركسية، شغل منصب مساعد مدير المخابرات لشؤون المناطق، بعد أن عمل مديرا لمخابرات العاصمة برتبة عميد، كما عمل مديرا لمديرية الشؤون الخارجية في الدائرة.

أصدر ملك الأردن قرارا بتعيينه مديرا عاما لدائرة المخابرات العامة خلفا للواء عدنان الجندي، بدءا من الأول من مايو/أيار 2019، ورفعه إلى رتبة لواء.

وحينما كلفه الملك، لفت في رسالة إلى اللواء الركن أن قيادة جهاز الأمن تأتي خلال "مرحلة معقدة" للمنطقة تطرح تحديات غير مسبوقة تواجه فيها المملكة ظروفا إقليمية غير مستقرة ومناخا عالميا متوترا.

وذكرت وكالة الأنباء الأردنية "بترا" آنذاك، أن حسني رد على الفور على رسالة الملك، معربا عن "فخره باختياره للمنصب وشكر العاهل الأردني على إيمانه به".

وتعهد حسني في رسالته بـ "الحفاظ على مكانة دائرة المخابرات العامة كمؤسسة وطنية حضارية وبذل كل جهد للحفاظ على منجزات البلاد ومواجهة كل التهديدات والتحديات التي تستهدف المملكة".

وأصبح اللواء بمثابة "ظل الملك"، لأنه كلف كمدير للمخابرات العامة على الطريقة الحكومية وبكتاب مفصل وموسع بخلاف المتعارف عليه في تكليفات مدراء المخابرات السابقين.

وعدا عن خدمته في هذا الجهاز لسنوات طويلة، يمتلك حسني ميزة أخرى وهي أن مديرية المخابرات العامة الأردنية تأسست في عام 1964 على يد والده حسن.

يعد حسني من أشد المقربين للملك عبد الله الثاني، ولهذا عينه في منصب مدير المخابرات العامة، وذلك في موجة إقالات طالت صفوف الجهاز.

ومنذ تعيينه، عمل حسني على مكافحة تهريب المخدرات عبر الأردن ومعالجة ملفات الفساد، كما أشرف على التحديث التكنولوجي داخل البلاد.

ولمدة عقد من الزمن، ركزت مديرية المخابرات العامة بشكل كبير على مكافحة الإرهاب، لكنها الآن مطالبة بإعادة ترتيب أوراقها في وقت يركز فيه شركاؤها في الحرب على تنظيم الدولة معظم جهودهم على أهداف يرونها أكثر إستراتيجية.

وفي أكتوبر 2021، أكد اللواء مساهمة جهاز المخابرات العامة منذ عام 2019 في إحباط 120 مخططا إرهابيا، منها 52 داخليا و68 خارجيا، إضافة إلى كشف وإحباط 95 عملية تهريب مخدرات وأسلحة، وفق قوله.

وأبدى حسني طموحه في العمل على تغيير النمط السلوكي السلبي عند بعض المواطنين الأردنيين عبر خلق نمط إيجابي.

وقال إن الدائرة ستدعم أيضا الحياة الحزبية في البلاد، وذلك خلال لقاء جمعه مع رؤساء تحرير الصحف اليومية وعدد من الكتاب المحليين.

حماية الأسرة

وفي الأردن، تقول تقارير محلية إن  اختيار الملك لشخص من الأقلية الشركسية التي تعيش في البلاد منذ القرن التاسع عشر، ويدين أبناؤها بالولاء المطلق للقصر الهاشمي، لمنصب المخابرات العامة، يعني استبعاد توغل العشائر والمحسوبيات للتحكم بمفاصل الدولة السياسية والاقتصادية.

ولذلك ركز الكتاب الملكي في تعيين اللواء أحمد حسني، وهو شخصية أمنية بحتة، وليست لديه أي ميولات سياسية، على أن "دائرة المخابرات تصدت لكل من تسول له نفسه محاولة العبث بالمرتكزات الدستورية".

وتعامل اللواء حسني وهو المدير الرابع عشر لجهاز المخابرات العامة، مع الخلافات الدائرة في دوائر الحكم في الأردن، إذ يلعب دورا رئيسا في حماية مصالح الأسرة الحاكمة من خلال علاقاته القوية مع القضاء في البلاد.

ويستغل في ذلك قربه من علي بن الحسين الأخ غير الشقيق للملك عبد الله. وهذا الأول عين في يناير/كانون الثاني 2022، رئيسا لمجلس الأمن القومي الجديد.

وخبرة اللواء أحمد حسني الاستخباراتية قادته إلى السماح له بالدخول في أبريل/نيسان 2021 على خط الخلاف غير المعتاد الذي نشب بين الملك وأخيه غير الشقيق ولي العهد السابق حمزة بن الحسين.

واعتقل عناصر حسني رئيس الديوان الملكي الأسبق باسم عوض الله والشريف حسن بن زيد وحقق معهما فيما عرف وقتها بـ"أحداث الفتنة".

وقضت محكمة أردنية في يوليو/تموز 2021 بسجنهما 15 عاما؛ لإدانتهما بـ"التحريض على مناهضة نظام الحكم السياسي القائم بالمملكة" و"القيام بأعمال من شأنها تعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر وإحداث الفتنة".

وفي 4 أبريل 2021 أعلنت عمان أن "تحقيقات أولية" أظهرت تورط الأمير حمزة مع "جهات خارجية" في "محاولات لزعزعة أمن البلاد" و"تجييش المواطنين ضد الدولة"، وهو ما نفى الأمير صحته.

وفي 20 مايو 2022، أي بعد أكثر من عام على اتهامه بالمشاركة في "زعزعة أمن المملكة ونظام الحكم"، أعلن العاهل الأردني فرض قيود على "اتصالات وتحركات وإقامة" ولي العهد السابق الأمير حمزة.

وسبق ذلك إعلان حمزة بن الحسين البالغ من العمر 42 عاما في أبريل 2022 تخليه عن لقب "أمير".

الفساد والمخدرات

أحمد حسني مسؤول أيضا عن ملف مكافحة الفساد في الأردن، الذي طال عام 2020 رؤوسا كبيرة، إذ شنت حملة لوقف التعدي على المال العام الذي يخل بالاقتصاد الوطني.

ولا سيما من خلال وحدة مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب التي تكثف تعاونها مع الجهات الأجنبية.

في يونيو/حزيران 2022، نظمت الوحدة ندوة تدريبية في عمان حول تحسين أساليبها، بالشراكة مع المفوضية الأوروبية ووكالة التعاون الفني الفرنسية Expertise France.

ويضع الملك عبد الله مكافحة الفساد ضمن سلم أولوياته، ففي 16 أكتوبر 2022، قدمت هيئة النزاهة ومكافحة الفساد الأردنية برئاسة مهند حجازي تقريرا إلى العاهل الأردني يشير فيه إلى استرداد حوالي 142 مليون دينار أردني (ما يعادل أكثر من 200 مليون يورو) إثر قضايا فساد مثارة.

بعد تطبيع الأردن علاقاته بشكل كامل مع النظام السوري عام 2021، عقب 10 سنوات من الجفاء السياسي والاقتصادي بينهما على خلفية اندلاع الثورة السورية عام 2011، أخلفت دمشق وعودها بضبط الحدود وفتحها على مصراعيها لتجارة المخدرات.

وبات الأردن يشهد محاولات متكررة للتسلل وتهريب المواد المخدرة بصورة شبه يومية، من مناطق نفوذ النظام السوري ونقاط وجود مليشيا "حزب الله" اللبناني في الجنوب السوري.

والأردن لا يعد سوقا مستهلكا لتجارة المخدرات، بل يمثل ممرا لنقل هذه المواد من سوريا باتجاه دول الخليج العربي، مما يشكل إحراجا للمخابرات الأردنية ويتهمها بالضعف في هذا الصدد.

وأمام ذلك، تتحدث تقاير محلية عن عمل المخابرات العامة بقيادة اللواء أحمد حسني لمكافحة تهريب المخدرات على الحدود الأردنية السورية، وذلك بالتعاون مع مديرية الأمن العام برئاسة اللواء عبيد الله المعايطة.

إذ يجمع اللواء أحمد عبر مخبريه الذين جندتهم مديرية المخابرات العامة في جنوب سوريا المعلومات الاستخباراتية اللازمة لمواجهة شبكات تجارة حبوب الكبتاغون.

وقد أبقى قادة الاستخبارات الأردنية طوال سنوات الحرب في سوريا على خطوط الاتصال مفتوحة مع النظام السوري، رغم انقطاع العلاقات الدبلوماسية رسميا وقتها.

مهام خارجية

ودفعت الحرب في سوريا والتهديد الذي شكله تنظيم الدولة في المنطقة العديد من أجهزة المخابرات الأجنبية للتوجه نحو الأردن.

فنشأت قواعد عسكرية مثل قاعدة الأزرق الجوية الأميركية و"H5" الفرنسية، وكذلك برامج تبادل المعلومات الاستخباراتية، لا سيما عملية دمج الاستخبارات السيبرانية "جالانت فينيكس".

ويحدد اللواء أحمد حسني في تصريحات صحفية دور المخابرات العامة الأردنية على الصعيد الخارجي إلى جانب التنسيق الأمني.

وهو "تسخير أي مدخل اقتصادي لصالح الأردن سواء للحكومة أو للقطاع الخاص وهذا يتطلب أن تكون علاقاتنا مع الأجهزة الأمنية الأجنبية ممتازة".

ونظرا إلى أن مكافحة الإرهاب لم تعد تمثل الأولوية الرئيسة، يرى كثيرون أن على مديرية المخابرات العامة، التي كانت في وقت من الأوقات مركزا للاستخبارات الإقليمية، إحداث تغيير جذري في منظومتها.

بالإضافة إلى استمرار الاتصالات السرية مع أجهزة المخابرات في الدول المجاورة، كمدير مكتب الأمن القومي السوري علي مملوك ورئيس جهاز المخابرات الفلسطينية ماجد فرج.

وحدد اللواء أحمد حسني في 5 أكتوبر 2021 التصور الجديد لعودة علاقات بلاده مع نظام الأسد، مبينا أن "مقاربة سياسية أفضت إلى التعامل مع أمر واقع لا يمكن تجاهله إزاء خريطة التحالفات الإقليمية والدولية المعقدة".

ولفت إلى أن المملكة "نأت بنفسها عن التدخل في الشأن السوري طيلة سنوات الأزمة، باستثناء بعض التدخلات في الجنوب السوري، عبر تفاهمات روسية سورية أردنية، لانشغال نظام الأسد بالمناطق الشمالية والشمالية الشرقية في سوريا".

ومضى يقول: "بعيدا عن ذلك، الأردن لم يكن يشكل أي حاضنة من حواضن أي عمل ضد سوريا، وأن استقرار المنطقة الجنوبية الحدودية مع المملكة شمالا كان، وسيظل، الهدف الإستراتيجي الأبرز في هذا الملف".

كما يبحث اللواء أحمد حسني عن شراكات دولية جديدة، وتقول مصادر مجلة "إنتيليجنس أونلاين"، إنه زار رواندا في يناير 2022 للقاء رئيس المخابرات في البلاد بوسكو كازورا كجزء من محاولة لإنشاء طرق جديدة للتعاون مع الدول الإفريقية.

كما يركز على قضية مهمة وهي منع تجنيد الشباب الأردنيين لصالح تنظيمات "إرهابية متطرفة"، ولهذا يحكم جهاز المخابرات مراقبته لوسائل التواصل الاجتماعي.

ويؤكد اللواء أن جهاز المخابرات العامة الأردني لديه شبكة من العلاقات "عالية الكفاءة"، والتي مكنته من تنفيذ عمليات تدريب وتأهيل لأجهزة في كثير من مناطق العالم.

وشارك الأردن في تأسيس "المنتدى العربي الاستخباري" مطلع فبراير/شباط 2021، الهادف لتعزيز الأمن القومي العربي، عبر دعم التعاون الاستخباري وتبادل المعلومات بين الدول العربية، بما يساعدها على مواجهة الإرهاب والتهديدات الإقليمية.

ويتخذ المنتدى العربي الاستخباري من القاهرة مقرا له، وقد شارك اللواء أحمد في افتتاحه إلى جانب رؤساء أجهزة المخابرات في الدول العربية.