رغم التهديد.. ما دوافع الأردن من محاولات دمج إيران في المنطقة العربية؟

لندن - الاستقلال | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

تسعى عمّان لضمان علاقات صحية مع طهران في المنطقة في وقت يهدد فيه الوجود الإيراني جنوبي سوريا، الحدود الشمالية للمملكة الأردنية.

وأمام حالة الغموض التي تكتنف المشهد الإقليمي، ولا سيما عقب تعثر مباحثات إحياء القوى الدولية الاتفاق النووي مع إيران لعام 2015، يبدو الأردن مهتما أكثر من أي وقت مضى لدفع العلاقات العربية مع إيران بما يصب في مصلحتها أولا.

مؤتمر عاجل

ودعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني خلال لقاء في قصر الإليزيه جمعهما في 15 سبتمبر/أيلول 2022، لعقد مؤتمر عاجل حول الشرق الأوسط، يضم إيران والسعودية على غرار مؤتمر بغداد عام 2021.

وتطرق ماكرون والملك عبد الله إلى "الرهانات الإقليمية ولا سيما الملف النووي الإيراني ومكافحة الإرهاب والوضع في العراق".

وذكرت الرئاسة الفرنسية، حينها أن هذا اللقاء يشكل مرحلة جديدة في الشراكة الإستراتيجية بين فرنسا والأردن، وسيتيح مواصلة العمل المشترك في مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية.

وخلال "مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة"، استطاع العراق نهاية أغسطس/آب 2021، لأول مرة أن يجمع على أرضه تسع دول عربية وأجنبية معظمها متخاصمة متناحرة في إقليم الشرق الأوسط.

وشارك في قمة بغداد يومها ماكرون، وأمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، والعاهل الأردني ووزراء خارجية السعودية وتركيا وإيران، إضافة إلى رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي.

واختتم المؤتمر حينها بالاتفاق "على ضرورة تجنب الخلافات"، كما شهد "حوارات معمقة بين الدول المشاركة".

كما أن لقاء وزيري خارجية الأردن أيمن الصفدي وإيران حسين أمير عبد اللهيان، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك في 24 سبتمبر، أعطى جدية في رغبة عمان في دفع علاقاتها مع طهران.

وبحث الوزيران وقتها، "جهود حل أزمات المنطقة وتحقيق الاستقرار فيها، على أساس علاقات مبنية على حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية".

وبدأت عمّان منذ أكثر من عام تأخذ توجها جديدا تجاه طهران على قاعدة "إبقاء الأجواء الجيوسياسية في حالة تبريد".

ولهذا سبق أن قال عاهل الأردن، في مقابلة مع إحدى الصحف المحلية، في يوليو/تموز 2022، إن بلاده "لا تريد توترا في المنطقة".

وبين أن الأردن وكل الدول العربية تريد علاقات طيبة مع إيران مبنية على الاحترام المتبادل وحسن الجوار واحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها.

وعقب ذلك، رحبت وزارة الخارجية الإيرانية، بتصريحات الملك عبد الله الثاني، على لسان متحدثها ناصر كنعاني، والذي قال إن طهران تنتظر "خطوات فعلية" من دول المنطقة لتعزيز العلاقات الإقليمية.

تبريد الصراع

ويرى مراقبون أن عمان تهدف لإزالة رغبة إيران في التواجد على الحدود الشمالية للسعودية من جهة الأردن، وتشكيل طهران ضغطا على المملكة وذلك ضمن إستراتيجية نقاط التمركز المتعددة والطويل للجمهورية الإسلامية.

ويوضح هؤلاء، أن تلك الإستراتيجية تؤسس لاستغلال طهران أي اضطراب قد يحدث في السعودية مستقبلا للتمدد، ولا سيما بعدما نجحت في نشر مليشيا إيرانية في العراق واليمن وفي سوريا، وباتت تسيطر على الجنوب السوري الملاصق للأردن منذ عام 2021.

وأمام ذلك فإن مستوى النقاشات حول علاقة الأردن بإيران لا تقتصر فقط على الجانب الرسمي، إذ تخوض فعاليات سياسية وبحثية بشكل معمق.

وفي هذا الإطار، فإنه في منتصف سبتمبر 2022 ناقش السفير الأردني السابق بسام العموش في ندوة بالعاصمة الأردنية، خطورة الدور الإيراني في الأردن.

وشرح العموش قائلا: "إن إيران طرحت على الأردن سابقا بناء مطار في منطقة الكرك بغرض السياحة الدينية وأبدت استعدادها لتسيير ألف حاج شيعي يوميا".

واستدرك أن "الأردن رفض بناء المطار، لكونه سيتحمل تبعات أمنية تتعلق بمنع تسرب أي أشخاص من هؤلاء الإيرانيين القادمين إلى الأردن وخاصة من عناصر الحرس الثوري الإيراني".

وبين العموش أن "طهران طرحت فكرة دخول عمال إيرانيين إلى الأردن لتنفيذ بعض المشاريع لكن بالواقع هؤلاء هم حرس ثوري وسيعمدون إلى التغلغل ربما لمدة ثلاث سنوات في عمان لحين إعلان (الجمهورية الإسلامية) ساعة الصفر وسيكونون وقتها بيدهم السلاح"، وفق قوله.

ويتقاطع التنبه للأهداف الإيرانية البعيدة، مع التصعيد من جانب الملك عبد الله الثاني بشكل صريح حول الخطر الذي تمثله مليشيات إيران على بلاده من جهة سوريا.

إذ إن التغيرات الميدانية بمحافظة درعا جنوب سوريا منتصف عام 2021 عبر إنهاء المعارضة السورية هناك، واستلام المليشيات الإيرانية المواقع عوضا عنها، شكل ورقة دولية جديدة لطهران في منطقة إستراتيجية هي حدود فلسطين المحتلة والأردن.

كما تعزز ذلك، بعد أن غزت روسيا جارتها أوكرانيا فجر 24 فبراير/شباط 2022، وكان لافتا تسليم موسكو بعض المواقع والنقاط العسكرية للمليشيات الإيرانية.

هاجس حدودي

ولهذا بدأت المخاوف الأردنية تتعالى، ولا سيما أن عمّان وجهت الاتهام المباشر للمليشيات الإيرانية وأذرعها جنوب سوريا بالوقوف وراء عمليات تهريب المخدرات إلى الأردن، مما زاد العبء الأمني على الأخيرة.

وخلال لقاء مع صحيفة "الرأي" الأردنية الرسمية في 24 يوليو/ تموز 2022، قال العاهل الأردني إن "التدخلات الإيرانية تطال دولا عربية، ونحن اليوم نواجه هجمات على حدودنا بصورة منتظمة من مليشيات لها علاقة بإيران".

وأضاف ملك الأردن: "لذا نأمل أن نرى تغيرا في سلوك إيران، ولا بد أن يتحقق الأمر على أرض الواقع لأن في ذلك مصلحة للجميع في المنطقة، بما فيهم إيران وشعبها".

وتابع: "لا نريد توترا في المنطقة، والأردن وكل الدول العربية تريد علاقات طيبة مع إيران مبنية على الاحترام المتبادل وحسن الجوار واحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها".

وشدد على أن "الحوار هو السبيل لحل الخلافات"، وفقا لما نقلته وكالة الأنباء الأردنية "بترا" حينئذ.

ويتخوف مراقبون أردنيون من بينهم السفير الأردني السابق في إيران بسام العموش، من لعب طهران على وتر السياحة الدينية لإحداث خرق في المجتمع الأردني.

إذ يوجد في مدينة الكرك جنوب الأردن، مقام جعفر بن أبي طالب، وهو مقصد مهم للسياحة الدينية للشيعة.

ولهذا يحذر البعض من فتح السياحة الدينية أمام الايرانيين من هذا الباب، في وقت تنظر السلطات الأردنية إلى هذا الملف من منظور أمني وسياسي.

وفي عام 2013، تعهد رئيس الوزراء الأردني حينها عبد الله النسور لعدد من أعضاء "الهيئة الشعبية لمكافحة التشيع" بوقف جميع الأنشطة المتعلقة بالسياحة الدينية الشيعية في المزار الجنوبي بالكرك.

وكانت الهيئة تهدف كما يقول القائمون عليها لـ"مقاومة الشيعة والتشيع في الأردن"، معتقدين أن "توافد الشيعة إلى مقام جعفر بن أبي طالب في المزار يهدد الأمة والدين".

وكان العاهل الأردني عبد الله الثاني أطلق في ديسمبر/كانون الأول 2004، مصطلح "الهلال الشيعي"، عبر فيه عن تخوفه من وصول حكومة عراقية موالية لإيران إلى السلطة في بغداد، تتعاون مع إيران والنظام السوري لإنشاء هلال يكون تحت نفوذ الشيعة؛ وصولا إلى لبنان.

الأمن الجيوسياسي

ولهذا يخشى من التعبئة الدينية في الأردن، تحت عناوين سياحية طمعا بإنعاش الوضع الاقتصادي، دون الالتفات إلى تجارب طهران المشابهة في عدد من الدول العربية.

وأمام ذلك يجد الأردن نفسه مضطرا لدفع خطر إيران وطرح مبادرتها في هذا السياق، ومنها ما جاء خلال كلامه مع الرئيس الفرنسي إبان الزيارة المذكورة آنفا لباريس.

وضمن هذه الجزئية، يؤكد الكاتب المهتم بالشأن الإيراني، عمار جلو لـ "الاستقلال"، أن "السياسة الأردنية غير معنية بتقريب وجهات النظر في المنطقة بين إيران والدول العربية المقابلة لها، إلا من باب الحفاظ على الكيان الأردني بعد أن لمس الأردن مخاوف حقيقية عليها من قبل المشروع التوسعي الإيراني".

وأضاف قائلا: "ولتوضيح ذلك يجب التذكير بأن العاهل الأردني كان أول من حذر من الهلال الشيعي عام 2006، بالإضافة لانخراط الأردن إلى جانب مصر بمشروع الشام الجديد، والذي يقوم جوهره على إعادة العراق لمحيطه العربي، وهو ما يعارض المشروع الإيراني".

وعليه، وفق ما يقول جلو: "يسعى الأردن لتعزيز أمن الجيوسياسي والديمغرافي من خلال خطين، الأول يقوم على التفكيك الناعم للمشروع الإيراني بالتشارك مع دول عربية أخرى".

والخط الثاني هو "احتواء المشروع الإيراني من خلال مبادرات تهدف لتقريب وجهات النظر بين إيران والمحور الخليجي، وبالأصح السعودية والإمارات والبحرين".

وذهب جلو للقول: "إن الهاجس الأمني الأردني هو جوهر الخطين، في ظل النظرة الأردنية لغياب أي مشروع عربي أو دولي لتحجيم المشروع التوسعي الإيراني في المنطقة، مع الإشارة إلى أن هذا الهاجس موجود منذ قيام إمارة الأردن 1920، نظرا لتعدد الدول الطامعة بابتلاعها".

أما عن مناسبة طرح فكرة التقارب بين إيران والمنطقة العربية خلال لقاء ماكرون والعاهل الأردني، يؤكد عمار جلو، أنه "ضمن سياسة الاستقلال الإستراتيجي الأوروبي، الذي تسعى له فرنسا بالإضافة للمنافع الاقتصادية المأمولة من السوق الإيرانية.

وبين أن السياسة الفرنسية تسعى لحلول ترقيعية للمشاكل الإيرانية الإقليمية والدولية تفيد باريس فقط على حساب الآخرين.

ظهر ذلك أيام انخراط الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بحل القضية اللبنانية بعيدا عن إملاءات حزب الله، فيما طرحت فرنسا حينها مبادرة لا تستثني الأخير المعطل للحل في لبنان، وقابل دبلوماسييها وزير الحزب حينها.

وذهب جلو للقول: "كذلك في الصفقة التي أبرمتها شركة توتال (الفرنسية) مع الحكومة الإيرانية، في الوقت الذي كانت واشنطن تشدد خناقها على إيران اقتصاديا".