بدعم من النظام السوري.. لماذا كثفت إيران انتشار مليشياتها في درعا؟

لندن - الاستقلال | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

عادت محافظة درعا جنوبي سوريا إلى واجهة المشهد السياسي، عبر محاولات نظام بشار الأسد إرسال رسائل إلى الخارج بهيمنة إحدى فرقه العسكرية على الوضع الأمني، للتغطية على الوجود الإيراني هناك.

وفي تطور لافت، أفاد "تجمع أحرار حوران"، بأن مليشيا "الفرقة الرابعة" المدعومة من إيران والتي يقودها ماهر الأسد شقيق بشار، عادت لتجنيد المزيد من أبناء المنطقة في صفوفها.

تجنيد جديد

وبحسب تقرير للتجمع نشر في 19 مايو/أيار 2022 فإن الفرقة أوعزت إلى قادة المجموعات العسكرية المحلية من أبناء المنطقة بفتح باب الانتساب لها للمطلوبين للخدمة الإلزامية، أو الملاحقين من قبل أجهزة مخابرات الأسد الأمنية.

وتشي تلك الخطوة بإعادة نشاط "الفرقة الرابعة" في درعا عبر تفعيل مكتب الأمن التابع لها، ولا سيما بعد تصريحات أردنية وجهت الاتهام المباشر للمليشيات الإيرانية وأذرعها في المنطقة بالوقوف وراء عمليات التهريب من سوريا إلى الأردن.

وبين ملك الأردن عبد الله الثاني خلال مقابلة له مع الجنرال الأميركي المتقاعد هربرت ماكماستر، أن "الوجود الروسي في جنوب سوريا، كان يشكل مصدرا للتهدئة".

وأضاف عبد الله الثاني ضمن البرنامج العسكري المتخصص (Battlegrounds)، الذي ينتجه معهد هوفر بجامعة ستانفورد في 19 مايو أن "هذا الفراغ سيملأه الآن الإيرانيون ووكلاؤهم، وللأسف أمامنا هنا تصعيد محتمل للمشكلات على حدودنا".

ومنذ أن غزت روسيا جارتها أوكرانيا فجر 24 فبراير/ شباط 2022، عمدت لإجراء تبديلات في بعض المواقع والانسحاب منها إلى قاعدة حميميم الجوية الروسية بريف اللاذقية.

وكان لافتا تسليم موسكو بعض المواقع والنقاط العسكرية للمليشيات الإيرانية كما حدث في البادية السورية وحمص واللاذقية.

كما عمدت موسكو إلى سحب الشرطة العسكرية من درعا ونقل غالبيتها إلى قاعدة حميميم الجوية الروسية، في خطوة مرحلية تهدف لصب اهتمام قواتها العاملة بسوريا على عملية أوكرانيا.

وتزامن ذلك مع تجميد "اللواء الثامن" السوري المدعوم من روسيا والعامل في درعا، عبر إلحاقه إداريا بمخابرات الأسد ضمن تفاهمات بين النظام وموسكو.

لكن تلك التغيرات الميدانية تعطي إيران فرصة لتقوية شوكتها في درعا، ذات الأهمية الإستراتيجية على الحدود الجنوبية مع الأردن وإسرائيل.

وتشهد محافظة درعا حالة غير مسبوقة من الفلتان الأمني، وانتشار السلاح الخفيف والمتوسط بشكل واسع بين المدنيين والعسكريين، وعمليات اغتيال وتصفية نالت جميع اللاعبين.

ويرجع "تجمع حوران"، هذه الحالة إلى خطة مدروسة من جانب النظام السوري وحليفه الإيراني، لإغراق درعا بالفوضى وعمليات الثأر وتصفية الخصوم بشكل ممنهج.

المستفيد الأكبر

وأمام هذه المعطيات، بدا أن النظام السوري أراد التغطية على الاستفادة الإيرانية من الانشغال الروسي بأوكرانيا، بفتح باب الانتساب للفرقة الرابعة التي تتسلم ملف المنطقة الجنوبية.

وتعطي مليشيا الفرقة الرابعة للمنتسبين الجدد ورقة كف بحث أمنية؛ تتيح لهم التنقل على الحواجز العسكرية، وتحمي المطلوبين للخدمة الإلزامية من عمليات السحب أو الملاحقة، إضافة للحصول على رواتب مالية.

ويتميز مكتب أمن الفرقة الرابعة بصلاته المباشرة مع مستشارين إيرانيين وهذا ما يجعل منها مطية للمليشيات الإيرانية التي تتحرك بظلها.

تؤكد مصادر ميدانية، وجود خطة أمنية وضعتها الأجهزة الأمنية للنظام السوري بالتعاون مع مليشيات إيرانية لتصفية الشخصيات المؤثرة في الوسط الاجتماعي بدرعا على أن يتبعها عمل عسكري في المنطقة.

وفي هذا الإطار، رأى الخبير العسكري السوري الرائد طارق حاج بكري، أن "ارتباط الأسد مع إيران هو وجود عبر التقاء المصالح والأهداف، وما الأول سوى أداة لتنفيذ الأجندة والبرنامج الإيراني بسوريا وحلم النظام الفارسي بالوصول إلى البحر المتوسط مهد الحضارات".

وأضاف حاج بكري لـ "الاستقلال"، "لقد كانت لطهران أطماع تحاول تنفيذها باستغلال الوجود والحماية الروسية والتعاون بينهما لحماية نظام الأسد".

 ومضى يقول: "لكن حاليا أصبحت روسيا بموقع الضعف والخطر وتحاول سحب قواتها لتدعيم جبهات أوكرانيا بعد الخبرة التي اكتسبتها في سوريا على مدى ثماني سنوات".

ولفت الرائد إلى أنه "مع سحب القوات الروسية وخوف إيران من البقاء وحيدة دون غطاء جوي فهي تحاول ترسيخ وجودها في الأراضي السورية بدعم من قوات النظام".

وذهب الخبير العسكري للقول: "إن جميع مكاتب إيران ومؤسساتها في سوريا ستعمل في السر وتحت غطاء من النظام".

تسويق خفي

وألمح حاج بكري إلى أن "نظام الأسد المجرم يحاول حاليا افتتاح مكاتب تخص إيران وتسوق لبرنامجها العسكري والسياسي، والديني تحت هذا الغطاء لتجنب الضربات الإسرائيلية بقدر الإمكان رغم أنه مكشوف لكل الدول".

وزاد بالقول: "لا أتوقع أن تنجح إيران في هذه المحاولة لأن بشار الأسد بدأ يفقد غطاءه السياسي أيضا بعد ظهور الجرائم للعلن".

ومنذ أن أعلن النظام السيطرة بشكل شبه كامل أواخر أغسطس/آب 2021، على درعا بموجب التسوية الأمنية الثانية للمعارضين، بقيت المحافظة التي تبعد عن العاصمة دمشق 120 كم على صفيح ساخن.

وشملت التسوية الثانية على غرار الأولى عام 2018 بعض عناصر الفصائل المحلية المعارضة، وجميع الشباب والمطلوبين لمخابرات الأسد في درعا، ومنحتهم بطاقات تمكنهم من التنقل وعدم التعرض لهم من قبل الحواجز الأمنية.

وكمحاولة لخنق المحافظة أكثر عمد مدير مخابرات النظام اللواء حسام لوقا، إلى سحب السلاح من أهالي درعا التي تفجرت منها الثورة في 18 مارس/آذار 2011.

وعقب ذلك زادت الاغتيالات في درعا منذ مطلع عام 2022، وشكلت بذلك أولى بوادر إخلال النظام بضبط المشهد الأمني، لا سيما أن اللجنة الأمنية التابعة له جمعت منذ مطلع سبتمبر/أيلول 2021 السلاح من الفصائل المحلية المعارضة.

وانتهجت مخابرات الأسد بمساعدة من مليشيات إيران سلاح الاغتيالات والاعتقالات في محاولة لتصفية مقاتلين وقادة وشخصيات مدنية تتبع للمعارضة.

وحتى الآن ما تزال أجهزة مخابرات الأسد، تنفذ عمليات اعتقال واغتيال لقادة وعناصر المعارضة السورية في درعا ممن رفضوا الانخراط في عمليات التسوية الأمنية أو قبول تهجيرهم إلى الشمال السوري المحرر الخارج عن سيطرة النظام، وفق "تجمع حوران".

لعبة روسية

ولهذا ينظر بعض المراقبين للشأن السوري إلى أن وجود إيران في جنوب البلاد ذو منفعة متبادلة بين الأسد وطهران.

فالنظام السوري يعد السيطرة على درعا كسرا لرمزية الثورة، بينما ترى إيران فيها ورقة دولية لوقوعها على حدود فلسطين المحتلة والأردن.

وتؤكد الوقائع أن عين طهران مصوبة نحو درعا منذ أن تدخلت عسكريا بسوريا عام 2012، لمنع سقوط نظام بشار الأسد.

وكانت أولى خطوات إيران منذ ذلك التاريخ في التغلغل بدرعا عبر الحضور العسكري، بنشر مجموعات من مليشيا "حزب الله" اللبناني، وعناصر وضباط من مليشيا "الحرس الثوري" الإيراني، ووزعتهم على مقرات عسكرية للنظام.

ويرى كثيرون أن محاولات النظام السوري تغطية الوجود الإيراني بدرعا كمن ينفخ في قربة مخرومة.

فبعيدا عن الحضور العسكري القوي، هناك مشروع التغلغل الديني والترويج للتشيع قائم على قدم وساق أسوة ببقية المناطق السورية الأخرى.

ونجحت إيران من خلال المشروع في الترويج الفعلي للتشيع وجر الأهالي للدخول إلى هذا المذهب الدخيل على بلدهم.

إذ افتتحت جمعية "الزهراء" التي أسستها طهران في محافظة حلب عام 2013، فرعا لها في مدينة درعا نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2018، من قبل أبو الفضل الطباطبائي ممثل المرشد الإيراني علي خامنئي في سوريا.

ولذلك فإن وجود إيران يشكل خطرا كبيرا على التعايش في الجنوب السوري، ولا سيما أنها جعلت من درعا منصة لإطلاق المخدرات نحو الخليج عبر الأردن الذي لديه ترابط عشائري مع المدينة السورية.

وهنا يشير الباحث في المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام، رشيد حوراني، إلى أن الأسد يحاول التغطية على الوجود الإيراني في الجنوب لعدة أسباب، أهمها أن "النظام وإيران يتفقان في النتائج الأخيرة لسياستهما وهي القضاء على كل الأصوات المعارضة بدرعا وعدم الاعتراف لهم بأي ثقل عسكري أو سياسي".

ثانيا، وفق الباحث، "النظام يحاول توريط إيران أكثر في ظل تصاعد الموقف الدولي ضدها، الرامي لتحجيم نفوذها في سوريا، وهذه لعبة روسية لكون الأسد ما يزال يتقن لعبة الرقص على الحبال، فموسكو تحاول زج إسرائيل لمواجهة طهران لتتجنب هي مواجهتها"، وفق ما تحدث لـ "الاستقلال".

ثالثا، "لا شك أن إيران باتت متغلغلة داخل المجتمع جنوب درعا، وهذا ما يتيح لنظام الأسد الاستفادة من وجود طهران الخفي في تنفيذ أجنداته وتصفية خصومه في هذه المحافظة التي تعد مهد الثورة ولا تزال تحتفظ بمجموعات عسكرية مناوئة"، وفق الباحث.

ومضى حوراني يقول: "جرى القبض على خلايا من قبل اللواء الثامن، واعترفت بتجنيدها من قبل إيران لاغتيال الثوار والمعارضين وتقصي أخبارهم".

ولفت حوراني إلى أن "إيران ومليشياتها شكلت بالتعاون مع الفرقة الرابعة شبكة دعم اقتصادي للنظام من خلال تحكمها بالمعابر الداخلية والخارجية وهذا ما يجعل الوجود الإيراني طويلا بدرعا ولن تتخلى عنه بسهولة لأسباب أمنية ودولية".