مصير مباحثات انتخاب رئيس جديد في لبنان.. تحسمه المواجهة أم التسوية؟

لندن - الاستقلال | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

يتوجس الشارع اللبناني خشية من ترحيل الانتخابات الرئاسية إلى خارج المهلة الدستورية المحددة لانتخاب رئيس جمهورية جديد خلفا لميشال عون الذي تنتهي فترته في 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2022.

وأمام ذلك، تعالت الأصوات المحلية والدولية المحذرة من حدوث فراغ رئاسي، في وقت يمر فيه لبنان بأزمة اقتصادية عميقة منذ عام 2019، ضربت أخيرا مادة الخبز وكادت أن تحدث انفجارا اجتماعيا جديدا.

ومع بدء العد العكسي لانتهاء ولايته، أكد عون أنه لن يبق لحظة واحدة في قصر بعبدا الرئاسي ببيروت بعد انتهاء فترة حكمه التي استمرت ست سنوات.

وهذا ما يفتح الباب على مصراعيه أمام حراك بين الكتل النيابية الفائزة بالانتخابات البرلمانية والمعروفة بخصومتها السياسية لبعضها البعض، بهدف تقريب المسافات بينها، وتجاوز الخلافات لتثبيت اسم توافقي للرئاسة.

حراك الفرقاء

وفي لقاء جريء لم يحدث منذ فترة طويلة، استقبل رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي في لبنان وليد جنبلاط وفدا من حزب الله، ضم المعاون السياسي لزعيم الحزب حسين خليل، ومسؤول وحدة الارتباط والتنسيق وفيق صفا.

وقال ​جنبلاط في تصريحات صحفية بعد اللقاء الذي جرى في 11 أغسطس/ آب 2022: "تحدثنا عن النقاط التي يمكن معالجتها فيما يتعلق بالاقتصاد والإنماء، وهذه فرصة والحوار يستمر"، مشيرا إلى أن اللقاء كان "وديا وصريحا وجرى بحث النقاط المشتركة".

من جهته، قال خليل: "لدينا مساحة مشتركة يمكن النقاش فيها للوصول إلى قواسم تخدم البلد وأن الجلسات مفتوحة للنقاش في ملف رئاسة الجمهورية".

ومضى يقول: "نتمنى الوصول إلى مرحلة يكون رئيس الجمهورية جزءا من خطة الإنقاذ للبلد".

وأبدى كبار ساسة لبنان قلقهم بشأن عدم العثور على من يخلف ميشال عون، ولهذا طفت على الساحة اللبنانية محاولات لإنهاء القطيعة وإعادة التواصل بين الزعماء السياسيين.

وكل ذلك يجرى تحت عنوان رئيس هو "من الرئيس القادم للبنان؟"، لا سيما أنه في ظل عدم وجود حكومة تعمل بكامل طاقتها منذ مايو/ أيار 2022، فإن الفراغ الرئاسي ينذر بدخول البلاد في مأزق جديد.

وبحسب الدستور اللبناني، في حال خلو سدة الرئاسة لأي علة كانت، تناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء.

لكن هذا السيناريو يحاول ساسة لبنان تجنبه، وعدم تكراره كما حدث سابقا في الانتخابات الرئاسية السالفة، وذلك لأن هذا الخيار كما يقول جنبلاط خلال لقاء وفد حزب الله إنه "سيمعن في تدمير ما تبقى من معالم للدولة وفي أخذ البلد إلى فراغ قاتل".

وبعد فراغ دام 13 شهرا، ترأس نجيب ميقاتي الحكومة الحالية منذ سبتمبر/ أيلول 2021، وتحولت إلى حكومة تصريف أعمال في مايو 2022 عقب الانتخابات البرلمانية.

وبذلك تبدأ المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد مطلع سبتمبر 2022، وذلك تلافيا للوصول إلى فراغ رئاسي يحذر منه المجتمعان المحلي والدولي، في ظل استمرار الأزمة المعيشية والانهيار الاقتصادي.

لكن رغم ذلك، فإنه لا تزال مشاورات تأليف الحكومة تراوح مكانها في ظل الخلاف المستمر حول توزيع الوزارات.

إذ إن الرئيس عون الذي انتخبه أعضاء البرلمان عام 2016 وأنهى آنذاك فراغا رئاسيا استمر 29 شهرا، يصر على إبقاء وزارة الطاقة من حصة التيار الوطني الحر الذي يتزعمه صهره جبران باسيل الطامح للرئاسة.

أو استبدال وزارة الداخلية بها، الأمر الذي يرفضه ميقاتي الذي منح الطاقة لشخصية سنيّة في التشكيلة التي قدّمها لعون والمؤلفة من 24 وزيرا، وأبقى وزارة الداخلية مع المكون السني.

الفراغ الرئاسي

ومن هنا فإن استحقاق انتخاب رئيس للجهورية، لا يمكن أن يجرى عبر حكومة تصريف أعمال، وبذلك يرى مراقبون لبنانيون أن هناك من يجر البلاد نحو هذا الفراغ الرئاسي إن لم يحصلوا على مطالبهم.

وأمام تلك المعطيات، فإن التفاهم على هوية الرئيس الجديد من دون استثناء أي طرف سياسي من هذه المشاورات أيضا يعد من أبرز العقبات.

فمجلس النواب اللبناني حاليا قائم على شقين؛ الأول مع "محور الممانعة" بقيادة حزب الله ممثلا بـ 61 نائبا.

والشق الثاني، المكون من النواب الـ67 الآخرين من المعارضة والمستقلين وخصوم حزب الله.

ووسط ذلك، فإنه حتى الآن لم تتضح طبيعة التحالفات في البرلمان الجديد، والتي تعد هي الأساس في التوافق على الرئيس القادم، ولكن بعد اختيار شكل الحكومة المقبلة ورئيسها.

وكانت الانتخابات النيابية اللبنانية أحدثت تغيرا في موازين القوى السياسية بلبنان، بعدما خسر "حزب الله" وحليفه التيار الوطني الحر الأغلبية النيابية.

ولعل أكثر ما يميز شكل البرلمان الجديد، كسر التمثيل التقليدي لقوى السلطة الذي كان محصورا طيلة عقدين بين فريقي 8 آذار (حلفاء طهران والنظام السوري) و14 آذار (قريبة من الرياض وواشنطن)، عقب دخول البرلمان لاعبون جدد.

وهكذا، ومع وجود 3 تكتلات أساسية ونواب آخرين مستقلين، فإن "الأغلبية البرلمانية" لم تعد محصورة بيد فريق سياسي معين، إنما بات الثقل موزعا في عدة اتجاهات.

ويتألف البرلمان من 128 نائبا، وتتوزع مقاعده بواقع: 28 للسنة و28 للشيعة و8 للدروز و34 للموارنة و14 للأرثوذكس و8 للكاثوليك و5 للأرمن ومقعدين للعلويين ومقعد واحد للأقليات داخل الطائفة المسيحية.

وكرس اتفاق الطائف (1989) الذي أنهيت بموجبه الحرب الأهلية اللبنانية (1975 ـ 1990) معادلة اقتسام السلطة على أساس المحاصصة التي توزع المناصب الرئيسة على أساس طائفي بين المكونات الأساسية الثلاثة، المسيحي والسني والشيعي.

وتتوزّع الرئاسات الثلاث بواقع: رئاسة الجمهورية للمسيحيين المارونيين حصرا، ورئاسة الحكومة للمسلمين السنة، لتبقى رئاسة البرلمان من حصة الشيعة.

حالة ضبابية

وفي هذا السياق، رأى الكاتب والباحث السياسي اللبناني أسعد بشارة، أن "الغموض وعدم الوضوح يلفان المشهد حول انتخاب رئيس الجمهورية في لبنان".

وقال لـ"الاستقلال"، إن "حزب الله لم يحدد موقفه بعد لترشيح أحد حلفائه سواء (زعيم تيار المردة المسيحي) سليمان فرنجية أو جبران باسيل، لكن هناك شبه تأكيد على أنه يميل إلى فرنجية ولكنه لم يعلن هذا الأمر ما يعني أن الأمور ضبابية".

وأضاف بشارة: "أنه في الجانب الآخر للقوى المواجهة لحزب الله، هناك فوضى وعدم قدرة على تصور واحدة للتعامل مع مرشح واحد بين القوى المعارضة والتغييرية".

واستدرك قائلا: "ولذلك بين هذا وذاك يتحرك وليد جنبلاط للوصول إلى تسوية مسبقة مع حزب الله، إلا أن شروط نجاحها ليست داخلية بمعنى لا تتعلق بمجرد حوار بين جنبلاط وحزب الله بل متعلقة بتوازنات في المنطقة والتي تترجم على أرض لبنان على شكل إنتاج رئيس تسوية أو مواجهة".

وخلص الباحث السياسي اللبناني للقول: "الفراغ الرئاسي مرشح للاستمرار إذا لم يتأمن تفاهم حول رئيس يسمى رئيس تسوية لأن الطرفين يملكان الثلث المعطل لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية".

و"الثلث المعطل" يعني حصول فصيل سياسي على ثلث عدد الحقائب الوزارية في الحكومة، ما يسمح له بالتحكم في قرارتها وتعطيل انعقاد اجتماعاتها.

لعبة سياسية

وتحضير المسرح الرئاسي للفراغ يقف وراءه حزب الله وحلفاؤه الذين يطمحون للدفع بمرشح مفصل على قياسهم ويخدم مشروعهم الدائم في لبنان، وفق مراقبين لبنانيين.

لذلك فإن وصول رئيس للبنان هو الرابع عشر، بدون مواصفات محددة لن يمر، كما يصرح قادة الكتل اللبنانية.

وحددت النائبة بولا يعقوبيان في تصريح لـ "الشرق الأوسط" بتاريخ 14 أغسطس مجموعة معايير سيتم على أساسها اختيار اسم المرشح الذي سيتم اعتماده.

وأوضحت يعقوبيان، هذه المعايير وهي أن يكون "من خارج المنظومة، وقادرا على وقف الأداء الانحداري، ويمكنه أن يُنشئ علاقات سوية وجيدة مع المجتمع الدولي ولا يجر لبنان إلى محور إيران بشكل كامل، كما لا يغطي فساد المافيا ويكون سياديا".

كما حدد نائب بلدة المنية أحمد الخير، مواصفات الرئيس الذي يطمح إليه اللبنانيون بقوله لقناة الجديد في 14 أغسطس: "نريد رئيسا يحمي القضاء اللبناني ولا يكون لفئة دون أخرى وقادر على انتشال لبنان من أزماته وأن يكون منفتحا على الدول العربية".

وضمن هذه الجزئية يقول المحامي الدولي اللبناني، طارق شندب، لـ"الاستقلال"، إن "لبنان لم يشهد منذ عدة دروات انتخابية لرئاسة الجمهورية أية انتخاب في الفترة المحددة دستوريا، وبالتالي فإنه حاليا ليس هناك توافق على أي اسم".

ويضيف شندب: "هناك لعبة سياسية يتأثر بها لبنان ومتمثلة بالتسوية الداخلية والخارجية، إذ أن مليشيا حزب الله دائما تحاول أن تفرض أجندة معينة لها وتسعى لأن تأتي برئيس يحمي مشروع سلاحها ومحور النظام السوري وإيران".

وذهب المحامي الدولي للقول: "لا اعتقد أنه سيكون هناك انتخاب لرئيس الجمهورية بل الأمور قد تأخذ مدى طويل وهذا ما يمكن قرأته من الوضع السياسي الداخلي والوضع الإقليمي".

ولفت شندب إلى أن "لبنان يمر بمرحلة صعبة بسبب وجود سلاح وفريق يريد أن يحول البلاد إلى دويلة تحكمها منظومة السلاح وبلا عيش كريم ولا طبابة وخدمات مما يدفع السكان للهجرة".

"رئيس سيادي"

وينظر الصحفي اللبناني آلان سركيس إلى أن "حزب الله (حليف إيران والنظام السوري) له مصلحة ليس فقط بفشل تشكيل الحكومة بل بفراغ رئاسي أيضا، لأنه بذلك تنهار مؤسسات الدولة وهو ما بات واضحا أنه كلما قويت دويلة حزب الله ضعفت الدولة اللبنانية".

واعتبر في تصريح لوكالة الأناضول التركية بتاريخ 2 أغسطس أن "الحزب يحاول منذ فترة فرط مؤسسات الدولة لكي تتوسع سيطرته ويحل مكان الدولة وقد صادر قرار الدولة ويستطيع فتح حرب مع إسرائيل ويذهب للقتال بسوريا وغيرها من الدول دون إذن أحد".

ويمتلك "حزب الله" ترسانة أسلحة وصواريخ بدعم من إيران، وتتهمه قوى سياسية لبنانية بتهديد الساحة الداخلية بها، بينما يزعم أن سلاحه "مكرس حصرا للدفاع عن لبنان ومقاومة إسرائيل التي تحتل أراض لبنانية".

ووسط كل تلك التجاذبات، يؤكد حزب "القوات اللبنانية" بقيادة سمير جعجع (مسيحي ماروني)، الذي حصد تكتله " 19 مقعدا نيابيا"، بأنه ضد وصول أي مرشح موال وتابع لحزب الله إلى سدة الرئاسة، ويطالب بـ "رئيس سيادي"، يعيد للبنان اعتباره، ويحظى بعلاقات عربية وخليجية جيدة.

وخلال لقاء مع المنسقة الخاصة للأمم المتحدة يوانّا فرونتسكا، قال جعجع في 10 أغسطس: "إن الفرصة سانحة لانتخاب رئيس سيادي إصلاحي ليشكل المخرج الوحيد للبنان من أزمته".

ومضى يقول: "لأن الخيار الآخر هو انتخاب رئيس تسوية أو رئيس من فريق 8 آذار، فيكون بذلك تجديدا للأزمة، لا بل يزيدها تفاقماً، مما يعيق من تقدّم البلد والمنطقة نحو الاستقرار والازدهار".