المقاومة ردت بـ"وحدة الساحات".. كيف بدأ عدوان إسرائيل ضد غزة وإلى أين يتجه؟
.jpg)
بدأ جيش الاحتلال الإسرائيلي في 5 أغسطس/ آب 2022، عدوانا جديدا ضد قطاع غزة باغتياله تيسير الجعبري القائد في سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي.
وتسبب العدوان المستمر باستشهاد أكثر من 10 مواطنين وإصابة العشرات في غارات مكثفة ومستمرة ضمن عملية أطلق عليها الجيش الإسرائيلي اسم "الفجر الصادق".
وردت المقاومة الفلسطينية، مساء ذات اليوم بإطلاق عشرات الصواريخ تجاه الأراضي المحتلة في عملية سمتها لاحقا "وحدة الساحات"؛ ودوّت صافرات الإنذار في مستوطنات غلاف غزة وتل أبيب أيضا.
وركز التصعيد الحالي على استهداف حركة الجهاد الإسلامي وبدأ باغتيال الجعبري مسؤول المنطقة الشمالية في سرايا القدس وعضو مجلسها العسكري.
والجعبري قاد المنطقة الشمالية خلفا للقيادي الشهيد بهاء أبو العطا الذي اغتاله الاحتلال أيضا في نوفمبر/تشرين الثاني 2019 في غارة استهدفت منزله شرقي مدينة غزة.
وفي إعلانه عن العملية، قال جيش الاحتلال إنها تستهدف حركة الجهاد الإسلامي وأسلحتها ومستودعاتها العسكرية ومواقع إطلاق الصواريخ من غزة، وزعمت أن الجعبري وناشطين آخرين كانوا على وشك تنفيذ عمليات ضد إسرائيل.
بينما رأى مراقبون أن للعدوان علاقة مباشرة مع الانتخابات الإسرائيلية المرتقبة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، إذ يسعى كل من رئيس حكومة تصريف الأعمال يائير لابيد ووزير حربه بيني غانتس، لزيادة حظوظهما الانتخابية.
فضلا عن عرقلة عودة رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو الذي مني بهزيمة كبيرة في حربه الأخيرة ضد المقاومة بغزة في مايو/ أيار 2021، ما مهد الطريق للإطاحة به.
بداية التصعيد
بدأت هذه الموجة التصعيدية بالفعل في الأول من أغسطس، بعد اعتقال الاحتلال القيادي البارز في حركة الجهاد الإسلامي بسام السعدي في جنين شمالي الضفة الغربية في اقتحام أدى إلى استشهاد الفتى البالغ من العمر 17 عاما "أشرف الجدع".
كما أصيب السعدي بجروح خلال العملية وظهرت في مقاطع على تويتر آثار الدماء في منزله، لتعلن سرايا القدس، الاستنفار ورفع الجاهزية لدى وحداتها القتالية، رداً على الهجوم على منزل القيادي المذكور وعائلته.
إصابة واعتقال القيادي ي حركة حماس بسام السعدي pic.twitter.com/TB9iX1C9Ni
— باسل ابو حسان (@basel_abuhassan) August 1, 2022
وبعد التهديد من قبل سرايا القدس، وكتيبة جنين التابعة لها بالضفة الغربية، بالرد على أي ضرر يلحق بالسعدي، كان لافتا مسارعة قوات الاحتلال بنشر صورة تظهر إصابته بخدوش روجت إلى أنها "محدودة" خلال عملية اعتقاله.
وذكرت قناة "كان" العبرية أن نشر صور السعدي من قبل المنظومة الأمنية الإسرائيلية، جاء بهدف التأكيد على أنه لم يصب بجراح خطيرة، ومن أجل تهدئة الأمور، خاصة مع غزة.
كما نقل موقع الإذاعة الإسرائيلية أن نشر صورة السعدي في غرف التحقيق جاء للتدليل على أنه لا يزال على قيد الحياة وأن الخطوات تأتي تحسبا لرد فعل "الجهاد الإسلامي".
الاعلام العبري ينشر صورة جديد للشيخ بسام السعدي pic.twitter.com/0GXSZT2RE9
— حسن اصليح | Hassan (@hassaneslayeh) August 2, 2022
وهذه هي المرة الأولى التي ينشر فيها الاحتلال صورا لمعتقل أثناء التحقيق معه. ومع ذلك فإن حركة الجهاد الإسلامي لم تتراجع وواصلت التهديد بالرد على ما جرى.
وقال ملثم توسّط مجموعة مسلحين من "سرايا القدس" ضمن كتيبة جنين، إن القوات الإسرائيلية "أقدمت على جريمة بشعة، لن نقف مكتوفي الأيدي ولن نمرر هذا الحدث مرور الكرام (...) ردنا سيكون بحجم هذه الجريمة النكراء".
ومنذ ذلك الحين، تتواصل الاجتماعات الأمنية الإسرائيلية بمعدل اجتماعين يوميا، كما استمرت ولليوم الرابع على التوالي (في 5 أغسطس)، حالة التأهب الإسرائيلية على حدود قطاع غزة.
وأغلقت إسرائيل قطاع غزة بالكامل، أمام الحركة على حاجز بيت حانون (إيرز) للأفراد، ومعبر كرم أبو سالم التجاري، وأعاقت إدخال الوقود مما تسبب بانقطاع طويل للتيار الكهربائي في المنطقة المحاصرة منذ 16 سنة.
ولم يسبق لإسرائيل أن لجأت إلى مثل هذا النوع من العقوبات على الفلسطينيين أو الإجراءات الاحترازية، في محيط قطاع غزة، دون أن يكون هناك أي إطلاق نار من داخله.
ونقلت صحيفة "القدس" المحلية عن مصادر فلسطينية مطلعة قولها، إن قيادة الجهاد الإسلامي في القطاع والخارج "تجاهلت العديد من الاتصالات التي أجراها الوسطاء المصريون، لمحاولة منع الحركة من التصعيد العسكري مع الاحتلال" بعد اعتقال السعدي.
وجاء العدوان الإسرائيلي وسط استمرار الاتصالات ومحاولات احتواء الموقف من قبل الفصائل الفلسطينية والوسطاء على حد سواء.
وقال المسؤول الإعلامي في حركة الجهاد الإسلامي، داود شهاب، إن حركته كانت على اتصال مع الجانب المصري "قبل ساعة من العملية الغادرة".
وأكد شهاب في تصريحات صحفية، أن "الجانب المصري أبلغ أنه سيعقد، الأحد (7 أغسطس)، اجتماعات مع الاحتلال لحلحلة الأزمة لكن ما جرى رسالة استخفاف بالقاهرة".
ضغط الجبهات
وتمثلت مطالب الجهاد الإسلامي التي نقلت للوسيط المصري ورفضها الاحتلال بإطلاق سراح السعدي ووقف النشاطات العسكرية في جنين، وإطلاق سراح الأسرى المضربين عن الطعام، وفق ما نقلت وسائل إعلام عبرية.
وزادت المواجهات المسلحة أخيرا بين قوات الاحتلال وكتيبة جنين التي تشكلت قبل نحو عام وتضم مقاومين من أغلب الفصائل الفلسطينية في الضفة الغربية.
وتنظم الكتيبة بين حين وآخر عروضا عسكريا داخل أزقة مخيم جنين، وتعلن تنفيذ عمليات إطلاق نار تجاه قوات الاحتلال التي تقتحم المدينة بشكل مباغت.
وعاد مخيم جنين للاجئين الفلسطينيين إلى واجهة العمل العسكري في العام الأخير مما سبب حرجا ليائير لابيد الذي بدأ قيادة الحكومة الإسرائيلية مطلع يوليو/تموز 2022.
وقالت صحيفة يديعوت أحرونوت في تقرير نشرته في 11 أبريل/نيسان 2022، إن مخيم جنين يسبب حرجا لإسرائيل وتحول إلى قنبلة موقوتة وإلى "غزة جديدة"، بعد أن فهم المسلحون فيه آليات العمل الإسرائيلية واستنسخوا تجارب القطاع المحاصر.
وبينت أن "الفصائل الفلسطينية وخاصة حماس والجهاد الإسلامي تجري في المخيم تدريبات عسكرية لعناصرها، كما تواجه قوات الجيش الإسرائيلي التي تحاول دخوله مقاومة من خلال إطلاق النار ونصب العبوات المتفجرة، وهو ما لا يجرى بمثل هذا الشكل في أي مخيم آخر بالضفة الغربية".
كما تسببت تهديدات حركة الجهاد الإسلامي في الضفة والقطاع، بالرد على إسرائيل بحرج كبير لحكومة يائير لابيد واحتجاجات من قبل المستوطنين في منطقة "غلاف غزة" الحدودية.
وأوردت القناة 13 العبرية أن الجيش أصدر تعليمات للمستوطنين في غلاف غزة بعدم التجول في الأماكن المفتوحة والبقاء بالقرب من الغرف المحصنة والملاجئ.
وشهد لقاء عقده قائد أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي أفيف كوخافي مع رؤساء مجالس مستوطنات "غلاف غزة"، في 4 أغسطس، مشادات كلامية وصراخا؛ احتجاجًا على استمرار إغلاق محاور رئيسية في الغلاف.
منع تجول في الغلاف
— أحمد أبو عامر (@ahmedmajd1) August 4, 2022
المشاهد من كيبوتس نير اسحاق.. pic.twitter.com/boJFQxqY3U
كما حاول يائير لابيد تهدئة روع مستوطني الغلاف، إذ أجرى اتصالا هاتفيا مع بعض رؤساء المجالس. وادّعى وجود "إنذارات ساخنة بفرص تنفيذ عمليات من القطاع، وأن الجيش يحاول منع ذلك".
لكن الغضب تجاه لابيد ازداد بشكل كبير بعد أن فتحت إسرائيل في 5 أغسطس معبر كرم أبو سالم بشكل استثنائي لإدخال 6 شاحنات من الوقود لمحطة توليد الكهرباء في غزة لتهدئة الأوضاع.
وعلق الصحفي في إذاعة جيش الاحتلال ماندي ريزل: "سكان الغلاف محاصرون لليوم الرابع (بسبب الإغلاق المفروض عليهم خشية إطلاق الصواريخ)، لكن إسرائيل ستدخل الوقود لسكان غزة من خلال معبر كرم أبو سالم".
إحراج كبير
وقبل كل هذه الأحداث، أحرجت كتائب القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس حكومة لابيد فيما يخص قضية الجنود الإسرائيليين الأسرى لديها، ما زاد الغضب في "تل أبيب".
ففي نهاية يونيو/حزيران 2022، نشرت الكتائب مقطعا مصورا لهشام السيد وهو أحد الإسرائيليين الأسرى لديها في غزة. وظهر ممددا على سرير، وموصولا بجهاز تنفس صناعي، وقالت "القسام" إن تدهورا طرأ على صحته.
وفي 31 يوليو كشفت الكتائب عن قصف إسرائيل أحد الأماكن خلال حربها الأخيرة على قطاع غزة عام 2021، كان فيه أحد جندييْها الأسيريْن لدى الحركة، في إشارة إلى آرون شاؤول وهدار غولدن.
وكشف هذا الإعلان أن أحدهما كان على قيد الحياة في ذلك الوقت أو ما زال كذلك، في مخالفة للرواية الإسرائيلية. وقال محللون إن عناصر القسام لن يحرسوا بالتأكيد شخصا ميتا، مما أثار الرأي العام الإسرائيلي.
ونجحت حماس في الضغط على حكومة الاحتلال، لتبدأ عائلة الضابط الأسير "هدار غولدن" في 3 أغسطس، مسيرة مشيا على الأقدام برفقة المئات من الإسرائيليين انطلاقا من منزلها في مدينة "كفار سابا" شمالي "تل أبيب" نحو قطاع غزة.
المسير الذي استمر 3 أيام كان يستهدف قطع مسافة حوالي 100 كم، ولكن منعه الجيش من إكمال طريقه في 5 أغسطس بسبب توتر الأوضاع مع غزة.
الحدث الأبرز لهذا اليوم الذي يحتاج كمان نقطة
— سعيد بشارات Saaed Bsharat (@saaed_bsharat) August 5, 2022
عند وصول عائلة جولدن ومسيرتها التي تنظمها لإعادة اورون و هدار والمستمرة منذ ثلاث ايام في خطوة غير مسبوقة منذ 8 سنوات ، اعترضتها الشرطة كي تمنعها من دخول المنطقة المحاصرة بسبب توتر هناك يقول الجيش أن سببه تهديد ساخن من غزة>>>> pic.twitter.com/BL5brqU1JW
وقال "تسور غولدن" والد الجندي إن "الجنوب تحت الحصار اليوم وعليكم ممارسة الضغوط لاستعادة هدار وشاؤول".
وتحتفظ حماس بأربعة إسرائيليين في غزة دون الإفصاح عن معلومات بشأنهم، اثنان منهم أُسرا خلال حرب صيف 2014، في حين دخل الآخران القطاع في ظروف غامضة.
وعدا عن كل ذلك، فالتصعيد العسكري لا يخلو من وجود أسباب سياسية، إذ يسعى يائير لابيد وبيني غانتس من خلال هذه الجولة إلى الخروج بمظهر المنتصر لتحسين حظوظهما في الانتخابات القادمة بالأول من نوفمبر 2022.
كما أن رئيس الأركان أفيف كوخافي سيغادر منصبه في يناير/كانون الثاني 2023 ويقول محللون إنه يسعى لترميم فشله في معركة سيف القدس التي جرت عام 2021.
وعن هذا الأمر، قالت عضو الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي عايدة سليمان: "لابيد يحاول إثبات نفسه وأنه رجل أمن عبر إحداث الفوضى في غزة ووضع الإسرائيليين في ملاجئ، يجب وقف إطلاق النار الآن".
السيناريوهات القادمة
وتشير التجهيزات العسكرية الكبيرة من قبل إسرائيل وتأكيد فصائل المقاومة أن ما جرى لن يمر دون رد، إلى إمكانية استمرار المواجهة الحالية عدة أيام.
ومع انطلاق العملية العسكرية الجديدة، أصدر رئيس الأركان كوخافي تعليماته بالتوجه إلى حالة الطوارئ وفتح مركز القيادة العليا، والاستعداد لتوسيع انتشار القوات البرية أمام غزة، إضافة لتعزيز منظومة "القبة الحديدية".
وخشية من احتمالات التصعيد؛ وافق وزير الجيش بيني غانتس على تجنيد ما يصل إلى 25 ألف جندي احتياطي بموجب أمر استدعاء استثنائي وفقا للاحتياجات العملياتية.
كما أصدر وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي عومر بارليف، قرارا بتجنيد واستدعاء 10 سرايا احتياطية من قوات "حرس الحدود" وشرطة الاحتلال، تحسبا لحدوث تطورات واندلاع مواجهات في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي: "العملية العسكرية في غزة ستستمر مهما لزم الأمر ولن نقبل أي سقف زمني لأنشطة الجيش".
وصباح 6 أغسطس، قال الجيش الإسرائيلي: "نستعد لأيام طويلة من العمليات العسكرية لنحو أسبوع وإذا لزم الأمر فستكون أطول".
ونقلت قناة كان العبرية عن مسؤول عسكري إسرائيلي كبير لم تسمه قوله: "العملية ليست حدثا لساعة أو ساعتين وستستغرق وقتا. لم نقل الكلمة الأخيرة، لدينا المزيد من الأشياء لنفعلها"، وفق تعبيره.
في المقابل، أكدت الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة الفلسطينية، أن "العدوان الصهيوني على غزة، لن يمر مرور الكرام، وأن رد المقاومة قادم، وبالطريقة التي تحددها قيادتها".
وشددت "الغرفة المشتركة" على أنها "لن تسمح له بالتغول على أبناء شعبنا، ولن يفلح بكسر صمود شعبنا ومقاومته"، وأعلنت أنها "ستبقى في حالة انعقاد وتقدير للموقف بالاشتراك مع الأجنحة العسكرية كافة".
وأعلنت وزارة الخارجية المصرية أنها تجري اتصالات مكثفة على مدار الساعة بهدف احتواء الوضع في غزة والعمل على التهدئة. في حين قالت مصادر في حركة الجهاد الإسلامي إنه لا حديث عن تهدئة أو وساطات حتى الآن وأن الوضع يتجه للتصعيد.
بدوره، تحدث المحلل السياسي الفلسطيني حسام الدجني في مقابلة تلفزيونية مع قناة الجزيرة القطرية عن 3 سيناريوهات لجولة التصعيد الحالية.
الأول: أن تعطي الغرفة المشتركة حق الرد لحركة الجهاد الإسلامي دون أن تتدخل باقي الفصائل بهدف تفويت الفرصة على حكومة لابيد لشن عدوان واسع على قطاع غزة.
وبذلك يجرى منح الوسطاء فرصة التدخل بعد موجة رد من المقاومة تشفي غليل شعبنا الفلسطيني، وفق ما يقول الدجني.
الخيار الثاني هو أن تتوافق فصائل المقاومة على الرد الشامل والموحد وهذا يعني مواجهة تستغرق أياما أو أسابيع كما حدث في معارك سابقة، وهو ربما يجعل الوساطة متأخرة قليلا.
والسيناريو الثالث كان يتمثل بالاستجابة للوسطاء لاحتواء الموقف دون رد، وهو ما لم يحدث، بعد أن أطلقت المقاومة بالفعل عشرات الصواريخ تجاه المستوطنات.