محمد أوز.. طبيب مسلم ألبسه ترامب عباءة الجمهوريين لإسقاط الديمقراطيين

رامي صباحي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

رغم كونه مسلما وتأديته الخدمة العسكرية في جيش تركيا التي يحمل جنسيتها، نجح الطبيب والإعلامي الأميركي الشهير "محمد أوز" في نيل بطاقة الترشح لعضوية الكونغرس عن ولاية بنسلفانيا الإستراتيجية في الانتخابات النصفية المرتقبة في خريف 2022.

المثير أن أوز حقق هذا الإنجاز ليس في الحزب الديمقراطي المعروف باحتضانه المهاجرين، بل في منافسه الجمهوري المتمسك بالهوية الأنجليكانية الأصولية التي تناهض اللاجئين والإسلام.

وتأكد انتصاره بعد إعلان النتائج النهائية للانتخابات التمهيدية في 10 يونيو/حزيران 2022 بحصوله على 31.2 بالمئة من إجمالي أصوات المقترعين.

وأطاح أوز بمنافسين جمهوريين قويين هما رجل الأعمال الثري "ديفيد ماكورميك" والناشطة السياسية المحافظة "كاثي بارنيت"، رغم كل ما أثاراه عن جنسيته ودينه ومدى ولائه وتمثيله للجمهوريين.

لكن كلمة السر في تأييد قطاع كبير من الجناح اليميني في الحزب الجمهوري لأوز، ضاربين بقناعاتهم عرض الحائط، هو الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي فاجأ الجميع بتأييده الرجل بشراسة مؤكدا أنه الأفضل من أجل "عظمة أميركا".

رحلة صعود

ولد محمد جنكيز أوز في 11 يونيو 1960، في مدينة كليفلاند بولاية أوهايو الأميركية لأبوين تركيين. والده طبيب متدين وأمه معلمة علمانية، هاجرا إلى الولايات المتحدة في خمسينيات القرن العشرين.

عام 1982 تخرج أوز في جامعة هارفارد، وبعد أربع سنوات حصل على دكتوراه في الطب المشترك، كما حاز على ماجستير إدارة الأعمال من جامعة بنسلفانيا، وأصبح لاحقا أستاذا لجراحة القلب في جامعة كولومبيا.

وبعد عمله على مدى عقود جراحا في أمراض القلب والصدر، بدأت حياة أوز تتغير بداية من عام 2004، بعدما بدأ يتردد كضيف يقدم المشورة الطبية في برنامج الإعلامية الشهيرة "أوبرا وينفري"، ما ساهم بشكل ملحوظ في زيادة شعبيته.

وعام 2009، ظهر في برنامجه الخاص لأول مرة الذي حمل اسم "دكتور أوز شو"، ليسجل مشاهدات نهارية قياسية، كما حصل على تسع جوائز إيمي فئة برامج التوعية، منها 5 لأفضل إعلامي.

لكن هذا النجاح المقترن بشهرة واسعة للدكتور أوز لم يخل من انتقادات كبيرة صدرت بحقه من إعلاميين وأطباء تتعلق ببعض المواضيع التي يتناولها والأدوية وطرق الوقاية التي يقترحها.

إذ لاحقت أوز اتهامات عديدة نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية موجزا عنها في 21 ديسمبر/كانون الأول 2021، تتلخص في "احتقار العلم ونهجه القائم على الأدلة والترويج لطب بديل زائف".

ومن أبرز مزاعم أوز التي أحدثت جدلا في أميركا، تحذيره من شرب عصير التفاح لاحتوائه على مستويات غير آمنة من الزرنيخ، وكذلك تحذيره النساء من أن حمل الهواتف المحمولة في صدرياتهن يتسبب في الإصابة بسرطان الثدي.

وهي أمور وصفتها إدارة الغذاء والدواء الأميركية بأنها "غير مسؤولة ومضللة".

وفي عام 2014، حللت المجلة الطبية البريطانية 80 توصية أطلقها أوز في برنامجه، وخلصت إلى أن أقل من نصفها كان مدعوما بالأدلة العلمية.

واستجوب أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي في نفس العام، دكتور أوز بشأن مزاعم قدمها عن حبوب لإنقاص الوزن، فقال: "وظيفتي في البرنامج أن أكون مشجعا للجمهور"، مدعيا أن من حقه في برنامج تلفزيوني استخدام لغة غير علمية.

لكن آخرين يرون أن أوز يحرص على التركيز على الجانب النفسي والروحاني إلى جانب النهج العلمي في توصيف الأمراض والأدوية، وهو ما تثبته تصريحاته الإعلامية العديدة عن تأثره بالفيلسوف وعالم اللاهوت الصوفي السويدي إيمانويل سويندنبورغ.

كما أنه يؤكد دائما أنه مسلم علماني صوفي، لا يهتم بالجانب الشرعي من الدين، ويميل إلى الاتصال الروحي وتأثيره على الأفراد.

ويكتب أوز مقالات في مجلة الروحانية والصحة الأميركية، ولديه عدة مؤلفات في هذا السياق من أشهرها، كتاب "الشفاء من القلب".

وأنهى برنامجه التلفزيوني في يناير/كانون الثاني 2022، للتركيز على ترشحه لعضوية مجلس الشيوخ في ولاية بنسلفانيا، كما قال إنه سيتخلى عن جنسيته التركية إذا فاز في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني من نفس العام.

لعبة السياسة

في 30 نوفمبر 2021، أعلن أوز في مقالة كتبها لصحيفة "واشنطن إكزامنر"، أنه سيتسابق من أجل الترشح لمجلس الشيوخ عن ولاية بنسلفانيا لصالح الحزب الجمهوري.

وعن دوافع هذه الخطوة قال أوز: "نحن غاضبون من حكومتنا ومن بعضنا البعض. لم نتمكن من إدارة الأزمات بشكل فعال مثل الأجيال الماضية، لا سيما خلال فترة تفشي كورونا، وهذا هو السبب في أنني أرشح نفسي لمجلس الشيوخ؛ من أجل المساعدة في إيجاد الحلول".

وفي مفاجأة كبيرة، أعلن ترامب، المرشح الجمهوري الأبرز لخوض انتخابات 2024، أنه يدعم عضوية أوز في انتخابات مجلس الشيوخ.

وأكد ترامب خلال بيان نشره في 9 أبريل/نيسان 2022، أن ولاية بنسلفانيا تتمتع بفرصة جيدة للغاية لحماية أميركا من خلال انتخاب أوز.

وأضاف أن أوز لديه "فرصة كبيرة للفوز في الانتخابات العامة ضد الديمقراطيين اليساريين الراديكاليين الذين يسعون إلى إلحاق ضرر لا يمكن تصوره ببلدنا".

وعن هذا التحالف المثير الذي سبب خلافات كبيرة في الحزب الجمهوري، قالت مجلة "ريسبونسبل ستيت كرافت" الأميركية، إن أوز كان داعما لسياسات ترامب دعما مطلقا خلال فترة رئاسته (2016-2020).

كما أن أوز يؤمن بادعاءات سرقة الانتخابات الرئاسية عام 2020 لصالح الرئيس جو بايدن، لذا يرد ترامب الجميل له.

وأضافت المجلة في 16 مايو/أيار 2022، أن تأييد ترامب وصل إلى درجة دفاعه عن أوز ضد منافسته الجمهورية المحافظة كاثي بارنيت التي أصدرت عدة اتهامات تجاهه على خلفية جنسيته ودينه الإسلامي، إذ وصفها ترامب بأنها مرشحة "غير كفء لم يخضع تاريخها لتحريات دقيقة".

وأوضحت أنه مع ذلك، هاجم وزير خارجية ترامب السابق مايك بومبيو أوز على خلفية أصوله وعلاقته بتركيا، وتحذيره من احتمال تسبب ذلك في مشكلة "أمن قومي".

ولفتت إلى أن أوز رغم كشفه أن زوجته مسيحية وأولاده معمدين ونشؤوا وترعرعوا داخل المسيحية، فإنه دخل عالم السياسة دون أن يتبرأ علنا من الإسلام كما يفعل آخرون.

وخلصت إلى أن أوز يتقدم بقوة لكي يكون "أول بطل ترامبي مسلم"، مشيرة إلى أنه "لو أن أوز مثال لمسلم ترامبي نموذجي، فبومبيو تجسيد للسياسات المعادية للمسلمين".

انتخابات مصيرية

ويدلي الناخبون الأميركيون بأصواتهم في 8 نوفمبر 2022، لتجديد جزء من أعضاء الكونغرس الأميركي وحكام الولايات، وهي تعد اختبارا لسياسة الرئيس بايدن وسترسم معالم مستقبله بالبيت الأبيض.

والانتخابات النصفية تجرى بالولايات المتحدة في منتصف كل ولاية رئاسية، التي تدوم أربع سنوات، ويجدد الناخبون خلالها جزءا من أعضاء الكونغرس وحكام بعض الولايات ومسؤولين محليين، وهي فرصة كذلك لاقتراح مشاريع قوانين محلية.

ويتكون الكونغرس من مجلسي النواب والشيوخ، وجميع مقاعد مجلس النواب، 435 مقعدا، وثلث مقاعد مجلس الشيوخ المئة سيعاد تجديدها عبر التصويت. بالإضافة إلى 36 من أصل 50 حاكم ولاية.

وبعد تجاوزه منافسيه الجمهوريين، سيتسابق دكتور أوز في انتخابات نوفمبر مع مرشح الحزب الديمقراطي، نائب حاكم ولاية بنسلفانيا جون فيترمان، وهي مواجهة تصفها كثير من الدوائر الأميركية بالمصيرية على الصعيد السياسي في السنوات المقبلة.

إذ تعد بنسلفانيا (شمال شرق) من الولايات المتأرجحة بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وكان ذلك جليا في الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي حدث جدل كبير بها بخصوص النتائج التي حسمت في النهاية بفارق ضئيل لصالح بايدن، وفق صحيفة واشنطن بوست.

وأضافت في منتصف مايو، أنه بالانتخابات النصفية، يتسابق كل من الديمقراطيين والجمهوريين على مقعد السيناتور الجمهوري باتريك ج. تومي إثر تقاعده، وتشير استطلاعات الرأي بالولاية إلى رضا ثلث الناخبين فقط عن أداء الرئيس بايدن، ما يرجح فوز أوز.

وينقسم مجلس الشيوخ حاليا بين الحزبين بـ50 مقعدا لكل منهما، ومن شأن مكسب أو خسارة مقعد أو أكثر تغيير خريطة الأغلبية بالمجلس.

وهو ما سيكون له تداعيات كبيرة، خاصة مع يقين كثير من الخبراء بهزيمة الديمقراطيين في مجلس النواب وخسارتهم الأغلبية التي يتمتعون بها حاليا.

أهمية أوز

ولمعرفة سبب سحر وإعجاب ترامب بأوز على وجه الخصوص، كتب المحلل الأميركي كريس سيليزا في موقع قناة "سي إن إن"، أنه "بالنسبة له، فإن العالم كله مسرح. وأهم الأشخاص الموجودين فيه هم الذين يظهرون على شاشة التلفزيون".

وأضاف في تحليله المنشور في 11 أبريل، أن هذا السبب وراء تفضيل ترامب لأوز على ديفيد ماكورميك الرجل الثري في وول ستريت، مشيرا إلى أن الكلمات التي استخدمها الرئيس السابق لإعلان تأييده للدكتور المذكور "معبرة".

وأوضح أن ترامب قال: "عرفت الدكتور أوز لسنوات عديدة، مثله مثل كثيرين آخرين، حتى ولو من خلال برنامجه التلفزيوني الناجح للغاية، لقد عاش معنا عبر الشاشة ولطالما كان يتمتع بشعبية واحترام وذكاء".

وأضاف ترامب خلال تجمع حاشد في ولاية كارولينا الشمالية مؤيدا أوز: "عندما تكون في التلفزيون لمدة 18 عاما، فهذا أشبه بالاستطلاع، هذا يعني أن الناس تدعمك".

وأكد المحلل الأميركي أن الرئيس السابق "يحب المشاهير ومن يظهرون على شاشات التلفزيون، هذا الأساس له، هو لا يؤيد أوز لأي سبب بخلاف الأخير، وهذا جيد بما يكفي لترامب".

ولفهم منطقه، يشرح المحلل سيليزا ما حدث مع ترامب في مقابلة مع قناة " إن بي سي" في أغسطس/ آب 2015، بعد وقت قصير من إعلان ترشحه للرئاسة.

وقتها سأله المذيع تشاك تود: "مع من تتحدث للحصول على مشورة عسكرية الآن؟ ليرد ترامب قائلا: "أشاهد العروض. أرى حقا الكثير من الأشياء الرائعة، فأنا أشاهد برنامجك وجميع العروض الأخرى، وأنتم تستضيفون العديد من الجنرالات."

وخلص سيليزا إلى أن التلفزيون كان ولا يزال الطريقة التي يتعامل بها ترامب مع العالم.

وأوضح أن "العالم منقسم بالنسبة له بين أولئك الذين يمكنهم فعل الأشياء من أجله وأولئك الذين لا يستطيعون".

وختم قائلا: "أوز يمكنه الفوز بالانتخابات وفق ترامب، لأنه كان يظهر على التلفزيون، وبفوزه سيبدو (الرئيس السابق) في صورة جيدة، لذا يؤيده، هكذا يبدو الأمر".