دبلوماسي أوكراني لـ”الاستقلال”: أسلحة الغرب قلبت الموازين.. وبوتين وقع في الفخ

لندن - الاستقلال | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

دعا الخبير السياسي الدبلوماسي الأوكراني فولوديمير شوماكوف، تركيا إلى بذل جهد أكبر لمساعدة بلاده في وقف هذه الحرب العبثية من قبل روسيا، مؤكدا أن أنقرة باتت لاعبا إقليميا هاما ولديها قوة عسكرية وسياسية واقتصادية معتبرة.

وأضاف شوماكوف في حوار مع "الاستقلال"، أن الشعب الأوكراني ممتن للرئيس التركي رجب طيب أردوغان على جهوده المتواصلة، لا سيما إغلاقه مضيق البوسفور أمام السفن العسكرية الروسية، وهو موقف أكثر شجاعة مما يفعله حلف شمال الأطلسي "ناتو".

وأعرب الدبلوماسي الأوكراني عن خيبة أمله إزاء نهج الناتو بالحرب الدائرة منذ 24 فبراير/ شباط 2022، مؤكدا أنه في حقيقته نمر من ورق، ولا يقوم سوى بالتصريحات الجوفاء.

لكن شوماكوف في الوقت ذاته لفت إلى توفير الغرب لأوكرانيا أسلحة متطورة وصواريخ عالية الدقة تستطيع النيل من الاحتلال الروسي وإلحاق الخسائر به، لذا يجب استمرار تدفقها.

وأشار إلى أن الجيش الأوكراني صامد وروحه المعنوية أعلى من نظيره الروسي الذي يفقد يوميا خسائر باهظة في العتاد والأفراد، لكنه لم ينكر أن هذه الحرب ستكون طويلة وأن كييف باتت رهينة بها؛ لأنها تستهدف استنزاف موسكو.

وعمل شوماكوف في السلك الدبلوماسي الأوكراني بعدة مواقع، بينها مستشار بسفارة كييف في ليبيا بين عامي 2004 و2007، ويشغل حاليا منصب مندوب أوكرانيا بالجامعة العربية.

الوضع الميداني

ما طبيعة الوضع الحالي في ساحة المعركة على الأرض؟ 

الآن تدور معارك عنيفة للغاية في شرقي وجنوبي وشمال شرقي أوكرانيا، لا سيما في مناطق إقليم دونباس.

بسبب وصول أسلحة غربية متطورة جدا إلى مدينة "سيفرادونياسك" والتي أتاح استخدامها من قبل القوات الأوكرانية في هجوم مضاد من استعادة أكثر من 50 بالمئة من المناطق التي احتلتها القوات الروسية في المدينة.

علما أن الروس كانوا يسيطرون على 80 بالمئة من المدينة قبل وصول الأسلحة الغربية.

وفي مدينة خاركيف تكرر نفس الشيء من خلال هجوم تكتيكي ناجح حيث استعادت القوات الأوكرانية السيطرة على مناطق مهمة هناك وتمكن الجيش الأوكراني من قتل اللواء الروسي "رومان كوتوزوف" الذي قاد حملة الهجوم على القوات الأوكرانية بنفسه في المدينة.

بعد رفض بعض الجنود الاستجابة لأوامره بمهاجمة مواقع أوكرانية؛ بل والتمرد بين صفوف الجنود الروس نتيجة انخفاض الروح المعنوية ما اضطره لقيادة القوات بنفسه ليلقى حتفه في ظل خدمات لوجستية روسية سيئة للغاية.

كيف ترى صمود الشعب الأوكراني في مواجهة جنود الاحتلال الروسي؟

خلال 100 يوم تقريبا رأينا صمودا هائلا من قبل القوات الأوكرانية، التي نجحت في طرد الاحتلال الروسي من شمال أوكرانيا ومن محيط العاصمة كييف، والآن تتواصل المعارك في جنوب وشرق أوكرانيا. 

لكن ما يهمنا هو قدرة الجيش الأوكراني على إيقاف تقدم الروس في جنوب أوكرانيا، ولجأنا إلى حرب الخنادق والمبارزة المدفعية في تلك المناطق، وهو ما أجبر جنود الاحتلال على وقف تقدمهم.

ما حقيقة ما تروج له روسيا من قرب انهيار حكومة كييف؟ 

لن يحدث سقوط أو انهيار لحكومة فولوديمير زيلنسكي، بالعكس، الشعب الأوكراني الآن يدافع عن بلاده ببسالة ضد المحتل الروسي الذي دمر بلادنا.

ونحن طلبنا منذ بداية الحرب من أميركا والغرب إمدادنا بكل ما نحتاج إليه من الأسلحة المتقدمة لإيقاف هذا الاحتلال الغاشم وأن تظل هذه الإمدادات بشكل مستمر.

يجب أن يكون اعتمادا مفتوحا بتقديم أسلحة نوعية وثقيلة لأوكرانيا، من بينها الصواريخ، وراجمات صواريخ متعددة، ومدافع طويلة المدى وقصيرة المدى، وأنظمة الدفاع الجوي لحماية بلادنا من خطر الصواريخ الروسية التي لا تتوقف عن قصفنا وتدمير البنية التحتية.

 وحصلنا على صواريخ عالية الدقة تستطيع النيل من الاحتلال الروسي وإلحاق الخسائر به. 

ولن تستسلم القوات الأوكرانية أبدا مهما كلفها ذلك، وهو أمر أعلنه مقاتلونا منذ بداية الحرب رغم أن الحالة كانت أصعب بكثير جدا من الآن.

ورغم الوحشية الروسية لم يتراجع الجنود الأوكرانيون واليوم أصبح وضعهم أفضل وتسليح الغرب لهم عكس الوضع فاستردوا بعض المدن والمواقع، ومعنوياتهم الآن أعلى بكثير ويتطلعون للانتصار في نهاية الحرب. 

كيف ترى مستقبل الأوضاع في أوكرانيا في ظل الدعم الغربي المالي والعسكري؟

نحن نقاتل ببسالة في الميدان ضد الاحتلال الروسي وعيننا على مساعي إنهاء هذه الحرب وطرد قوات الاحتلال الروسي من كل أراضي البلاد هذا أولا.

وثانيا، نحن بحاجة إلى تعويضات من روسيا بأكثر من تريليون دولار للخسائر التي تسببت فيها ببلادنا.

ثالثا، نحتاج من المحكمة الجنائية الدولية أن تحاكم فلاديمير بوتين على جرائمه البشعة في أوكرانيا ضد المدنيين، وهناك لجان تعمل على قدم وساق لتجميع الأدلة التي تدينه.

رابعا، نحتاج إلى مشروع مارشال من أميركا للدعم الاقتصادي، كما فعلت من قبل وقدمت هذا المشروع لدول غربية في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، لتحقيق إصلاح اقتصادي.

صمود باسل

ما مصير الغزو الروسي لأوكرانيا في ظل الوضع الراهن؟

اليوم الجنود الروس منهكون ولا يعرفون لماذا يحاربون أوكرانيا،  وخسائر روسيا ضخمة جدا، فعدد القتلى خلال 100 يوم يتجاوز 30 ألف جندي و40 ألف جريح؛ بينما لم تتجاوز خسائر الاتحاد السوفيتي في أفغانستان طوال عشر سنوات  15 ألف جندي.

كما أن المستشفيات في روسيا البيضاء وفي روسيا نفسها مليئة بالجرحى من الجنود الروس.

أضف لما سبق الخسائر الهائلة في المعدات العسكرية الحديثة ما اضطر موسكو للجوء إلى استخدام دبابات قديمة من طراز T62 من الستينيات.

كما أن روسيا تعاني نقصا في القيادات العسكرية لأن أوكرانيا قتلت عددا غير قليل من النخبة العسكرية الروسية بينهم 12 لواء روسيا خلال الـ 100 يوم بينما لم يفقد الاتحاد السوفيتي سوى 5 جنرالات فقط طوال عشر سنوات في أفغانستان. 

وأوكرانيا دمرت أكثر من 1300 دبابة روسية وحطمت أكثر من 200 طائرة حربية وهذه أرقام مؤثرة، لكن ما زال لدى روسيا قوة كبيرة.

وللأسف أوكرانيا رهينة المواجهة بين الغرب وروسيا، وبسبب السياسة الحمقاء لبوتين تورط في مستنقع الحرب في أوكرانيا ووقع في الفخ الذي نصبه الغرب للدب الروسي لتقليم أظافره. 

ما حقيقة الحديث عن إمكانية انتصار أوكرانيا في هذه المعركة؟ 

أوكرانيا سوف تنتصر في نهاية هذه المعركة 100 بالمئة، ولكن السؤال متى يكون ذلك؟!!

وأعتقد أن هذه الحرب ستكون طويلة؛ لأنها أقرب إلى حرب استنزاف لروسيا منها لحرب بين موسكو وكييف.

ومن سخرية القدر نجد أن خسائر روسيا في هذه الحرب تقترب من نحو مليار دولار في اليوم الواحد.

كما يعانون نقصا شديدا في التعيينات الغذائية بسبب انتشار الفساد بصورة كبيرة بين كبار جنرالات الجيش وهو ما يساعد على تآكل الجيش من الداخل وحتما سيؤدي إلى انهياره في النهاية يوما ما.

ما طبيعة الصراع بين موسكو وكييف تاريخيا؟ 

من المعلوم تاريخيا أن أحد ملوك "كييف" المزدهرة عام 1147، وهو (يوري داكروكي ) الأوكراني هو الذي أسس مدينة "موسكو" عاصمة روسيا، ثم بعد ذلك بدأ الصراع والمنافسة بين المدينتين.

كما أن المسيحية انتشرت في تلك المنطقة عبر الكنيسة الأوكرانية في كييف لتصل إلى روسيا وما حولها، والآن موسكو تريد أن تكون لها الصدارة في المقام الديني بينما الحقيقة أن كييف لها السبق عليه.

ويقول المؤرخون إن هذه الحرب هي رقم 22 بين كييف وموسكو على مدار تاريخهما، وكل المعارك والحروب بينهما كانت لأسباب دينية.

ما انعكاسات طلب أوكرانيا الانضمام إلى الناتو على هذه الحرب؟ 

أوكرانيا ليست عضوا بالناتو، وهي راغبة في الانضمام إليه منذ عام 2008 عندما هاجمت روسيا جورجيا، ومنذ ذلك الوقت ونحن ندرك العقلية الروسية واستعدادها للهجوم علينا.

 لجأنا إلى الناتو الذي رفض انضمام أوكرانيا، وكانت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل من أشد الرافضين لانضمامنا.

وفي 2014 هاجمتنا روسيا واحتلت شبه جزيرة القرم، ولجأنا مرة أخرى إلى الناتو لكي يضمنا إلى عضويته، لكنه رفض أيضا للمرة الثانية.

وقبل عام قال الناتو إن أوكرانيا لن تدخل إلى الحلف قبل عشر سنوات أي في عام 2031 ، لكن روسيا استغلت هذه الحجة وهاجمتنا.

وأوكرانيا لا زالت راغبة في الانضمام إلى الناتو ولكن بصراحة الحلف يقدم القليل جدا من المساعدات لأوكرانيا، وعجز عن إغلاق المجال الجوي أمام الطائرات الحربية الروسية.

لكن تركيا لم تخف وأغلقت مضيق البوسفور أمام السفن العسكرية الروسية، وأنا أحيي أنقرة على هذا الموقف الأكثر شجاعة من الناتو. 

كيف ترى محاولات السويد وفنلندا الانضمام إلى الناتو؟

هاتان الدولتان سوف تدخلان إلى الناتو ولن تهاجمهما روسيا ولا يمكنها مهاجمتهما.

وتاريخيا في سنة 1939 هاجم الاتحاد السوفيتي فنلندا واستمرت الحرب لمدة عام وخسرها وهرب الاتحاد السوفيتي من فنلندا بعدما فقد نحو 200 ألف جندي خلال الحرب، وغالبيتهم ماتوا بسبب البرد الشديد.

واليوم فنلندا ليست ضعيفة عسكريا وترغب في الانضمام للناتو ليكون لديها ضمانة وحماية من العدوان الروسي .

كما أن رئيس وزراء بريطانيا يدعو لتأسيس حلف جديد يشمل أوكرانيا وبولندا وبريطانيا وبلغاريا وأميركا، لحماية تلك الدول من العدوان الروسي.

وبصراحة أنا لدي خيبة أمل من الناتو الذي هو في حقيقته نمر من ورق لأنه عندما هدد بوتين أوكرانيا باستخدام أسلحة نووية لم يفعل شيئا سوى التصريحات الجوفاء.

ولا أدري إذا حدث هجوم روسي على أي بلد عضو بالناتو هل سيرد ويستهدف العمق الروسي؛ أم سوف يهدد فقط ويقدم دعما عسكريا؟

وأعتقد أنه من الضروري إصلاح الناتو في أقرب وقت.

مباحث مهمة

ماذا عن أزمة تصدير الحبوب والزيوت من الموانئ الأوكرانية؟ 

روسيا تهدد وتحقق إبادة جماعية ليست في أوكرانيا وحدها ولكنها ترغب في إبادة جماعية في كل دول العالم؛ بتعطيل تصدير الحبوب والمواد الغذائية من أوكرانيا من خلال زرع الألغام في البحر الأسود، وهي التي قصفت السفن التجارية الأجنبية والأوكرانية.

كيف تتعاطى  الجنائية الدولية مع ملف جرائم روسيا ضد المدنيين في أوكرانيا؟ 

بدأنا العمل في توثيق الجرائم من قبل محققين من أوكرانيا ومن المحكمة الجنائية ومن الجمعيات الحقوقية الأممية والدولية لتوثيق جرائم اغتصاب النساء والأطفال حتى الموت، وجرائم التعذيب في السجون حتى الموت، والمقابر الجماعية في بوتشا وغيرها من المدن الأوكرانية.

كما أننا نتجهز لمقاضاة بوتين وطغمته العسكرية بجريمة الإبادة الجماعية على الصعيد العالمي بالتسبب في أزمة غذائية عالمية بهذه الحرب.

كيف ترى الوساطة التركية؟

في بداية الحرب كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نشيطا جدا، وأغلق مضيق البوسفور أمام السفن الحربية الروسية، ورعى بنفسه تنسيق مفاوضات في تركيا بين كييف وموسكو للوساطة، وهو جهد يشكره عليه الشعب الأوكراني.

والآن تستعد تركيا لكي تساعد العالم وأوكرانيا معا بتسيير الصادرات من الحبوب الغذائية ومرافقة السفن العسكرية التركية لقوافل السفن التجارية الأوكرانية التي تحمل الحبوب والمنتجات الزراعية إلى مختلف دول العالم، وذلك بعد إزالة الألغام من منطقة البحر الأسود.

فتركيا الآن لاعب إقليمي هام، ولديها قوة عسكرية معتبرة، وقوة سياسية واقتصادية.

وأدعو أنقرة لبذل جهد أكبر لمساعدة أوكرانيا ووقف هذه الحرب العبثية من قبل روسيا، وبالتأكيد نرحب برجال الأعمال من تركيا لإعادة الإعمار وإنعاش الاقتصاد الأوكراني وإعادة بناء المدن الأوكرانية التي دمرتها الحرب العدوانية الروسية.

وتربط تركيا وأوكرانيا علاقات سياسية واقتصادية ودبلوماسية وشراكة متينة للغاية، كما أن تركيا ساعدت كثيرا من المواطنين الأوكرانيين وخاصة الشعب التتاري حيث ارتكبت روسيا جرائم إبادة جماعية بحقهم في شبه جزيرة القرم.

وتمنع استخدام اللغة التتارية وقد فر عدد كبير من التتاريين من شبه جزيرة القرم بعد احتلالها إلى داخل المدن الأوكرانية حيث إن القضية التتارية هي مهمة جدا لأوكرانيا أيضا.

هل ستنجح أميركا في كسر شوكة الدب الروسي؟

نحن نشاهد توريط الغرب الدب الروسي في وحل الحرب الأوكرانية، وسوف يولد حلف جديد في أوروبا على غرار الاتحاد الأوروبي، ويقول الخبراء إنه من الممكن أن يكون هناك اتحاد أوروبي جديد تدخل فيه أوكرانيا.