خطاب سلطة عباس عن حل الدولة الواحدة.. سعي بجدية أم "حالة مزاجية"؟

قسم الترجمة | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

مع توقف المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي منذ أبريل/نيسان 2014، لرفض تل أبيب الإفراج عن معتقلين قدامى، ووقف الاستيطان، عاد الحديث عن الدولة الواحدة.

ويقول معهد القدس للإستراتيجية والأمن (عبري) إننا اليوم في نهاية فترة حل الدولتين الكلاسيكية التي جرى الحديث عنها لعقود.

وتقوم رؤية حل الدولتين، على إقامة دولة فلسطينية ضمن الحدود التي رسمت في أعقاب الحرب العربية الإسرائيلية عام 1967.

وهذه الصيغة أقرها المجتمع الدولي منذ 1947، عندما تبنت الأمم المتحدة في ذلك التاريخ قرارا بتقسيم فلسطين مذيلا بخرائط تحدد حدود الدولتين، في حين شكلت القدس كيانا ثالثا تحت إشراف دولي. 

ويعارض رئيس الوزراء نفتالي بينيت، وهو يميني متطرف يحكم إسرائيل على رأس ائتلاف من أحزاب مختلفة، قيام دولة فلسطينية. وتتعهد حكومته بتجنب الخيارات الحساسة تجاه الفلسطينيين وتركز بدلا من ذلك على القضايا الاقتصادية.

انهيار حل الدولتين

ونقل المعهد عن الكاتب والباحث الفلسطيني وأستاذ الفلسفة في جامعة القدس سعيد زيداني، أنه "وفقا للطريقة التي يفهم بها الفلسطينيون والمجتمع الدولي ذلك، فإن هذا الحل لم يعد موجودا".

وبين أن الفلسطينيين لا يرون سوى فلسطين التاريخية كوطن لهم، وأنهم لديهم صلة خاصة بكل جزء من هذا البلد.

 والآن، عاد معظمهم إلى الحل الأصلي لمنظمة التحرير الفلسطينية الذي ربما لم يجر التخلي عنه على الإطلاق وهو حل دولة واحدة.

وهذه ليست الدولة نفسها التي تحدثت عنها منظمة التحرير الفلسطينية في الستينيات، فقد تغير المفهوم.

وأردف: "بالطبع في الستينيات كان الحديث هنا عن دولة واحدة ذات هيمنة فلسطينية واضحة، نتحدث اليوم عن دولة يتمتع مواطنوها، الإسرائيليون والفلسطينيون، بحقوق متساوية، لقد تغيرت لغتنا".

علاوة على ذلك، حتى عندما كان مفهوم الدولتين لا يزال وثيق الصلة بالأراضي الفلسطينية المحتلة، كان التفضيل لفكرة الدولة الواحدة، فبالنسبة للفلسطينيين، كان هذا دائما هو المثل الأعلى.

وحذر الرئيس الفلسطيني محمود عباس إسرائيل من أن الوقائع على الأرض قد تفرض خيار "الدولة الواحدة" فقط.

ولم يوضح عباس في 24 سبتمبر/ أيلول 2021 خلال خطاب له أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة ماهية هذه الدولة وكيفية إنشائها والجهة التي تقودها.

 لكنها تثير تساؤلات واستغرابا كبيرا في خضم ما رشح عن هذا الخيار من معلومات قليلة، وفي ظل رفض إسرائيل الخيار "الأفضل منه"، بحسب ما يرى مراقبون، وهو الانفصال وسيطرتها على الجزء الأكبر من الأراضي الفلسطينية المحتلة.

بحسب ما رشح من معلومات، فإن الدولة المطروحة ستكون "ثنائية القومية" تقام على أراضي فلسطين التاريخية (التي احتلتها إسرائيل عام 1948)، تكون الأغلبية السكانية فيها للفلسطينيين.

وفي 9 يناير 2022، قال رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية: "حان الوقت لإسرائيل أن تختار بين حل الدولتين أو الذوبان الديمغرافي"، في إشارة إلى خيار "الدولة الواحدة". 

وأضاف "لأول مرة منذ عام 1948، يفوق عدد الفلسطينيين في فلسطين التاريخية (إسرائيل والضفة الغربية وقطاع غزة) عدد الإسرائيليين اليهود بأكثر من 250 ألف شخص".

وهذا الخيار يعني أن يعيش الفلسطينيون والإسرائيليون في دولة واحدة على أن يتساووا بنفس الحقوق. 

 وتحدث زيداني عن ثلاث مجموعات في هذا الإطار: الأول هم الإسلاميون المتدينون الذين لم يتخلوا أبدا عن فكرة دولة فلسطينية واحدة موجودة على كل الأراضي الفلسطينية، لكنهم يتخيلون فلسطين خالية من اليهود.

 المجموعة الثانية تتكون من المحبطين من فكرة الدولتين. ويضيف "وأنا أنتمي إلى المجموعة الثالثة: الديمقراطيون والليبراليون والتعدديون الذين لم يكونوا في المقام الأول ملتزمين بفكرة الدولتين ولكنهم يؤمنون بالدولة الواحدة".

وبين أن فقدان الثقة الفلسطينية والقيادة والجمهور في عملية السلام، والإحباط العميق من عدم إحراز تقدم سياسي، يسمحان بخطاب سياسي واسع في الجانب الفلسطيني، يتمحور حول أفكار سياسية أخرى، أبرزها: فكرة الدولة الواحدة.

وتشير استطلاعات الرأي الفلسطينية إلى اتجاه واضح يتمثل في تآكل ثقة الجمهور في حل الدولتين وتأييد فكرة الدولة الواحدة، حتى لو لم يكن تشكيلها واضحا بدرجة كافية للجمهور.

الدولة الواحدة

ولفت المعهد العبري إلى أن قيادة السلطة الفلسطينية، وكذلك بعض المثقفين الفلسطينيين، يؤيدون فكرة الدولة الواحدة كبديل وهو يهدف إلى ترويع إسرائيل.

 وبالنظر إلى الخطر الديموغرافي الكامن فيها وفقدان الأغلبية اليهودية في دولة إسرائيل، فهناك شخصيات فلسطينية في الدائرة الأقرب إلى عباس تقدر أن فكرة الدولة الواحدة ستتحقق بالفعل، في ظل التغيرات الديموغرافية التي تحدث في المنطقة.

 وأعربوا عن تشاؤمهم من تحقيق حل الدولتين في مواجهة التوسع الاستيطاني.

وأشار الباحثان في المعهد العبري ديفيد كورين، والعقيد (احتياط) "موشيه ليفي" إلى أن الجانب الفلسطيني يعتقد أن الحاجة إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة، في إطار حل الدولتين، تتطلب نضالا وطنيا.

والأمر نفسه ينطبق على مسألة الدولة الواحدة، "فهناك تعبئة عامة وصياغة والمطلوب بهذا الصدد إستراتيجية وطنية موحدة".

ويرى الباحثان أن التراجع في مكانة حل الدولتين في الخطاب الفلسطيني وظهور حل الدولة الواحدة، سيكون بديلا محتملا.

ونوه الباحثان إلى أن الهدف من الدراسة هو توصيف الخطاب الفلسطيني حول الدولة الواحدة والتساؤل عن صاحبها.

والسؤال البحثي الرئيس الذي يسعى إلى طرحه هو إلى أي مدى تشكل "الدولة الواحدة" في الخطاب الفلسطيني حلا سياسيا منهجيا شاملا وقابلا للتطبيق؟

أم أنها مجرد "حالة مزاجية" أو حتى "تهديد" للجانب الإسرائيلي من الاندماج فيها، إذا استمر حل الدولتين في التلاشي.

ولفت الباحثان  إلى أنه في السنوات الأخيرة، كان هناك شك متزايد بين الجمهور الفلسطيني والإسرائيلي، حول إمكانية تحقيق فكرة حل الدولتين الذي كان أساس عملية أوسلو (1991).

وشكلت صفقة القرن التي طرحها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب أساس حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وهي فكرة السلام الاقتصادي، وتلك الفكرة رفضتها القيادة الفلسطينية بشكل قاطع.

وجرى استبدال الأمل في تغيير المواقف الأميركية تجاه العملية السياسية بعد دخول الرئيس جو بايدن إلى البيت الأبيض بخيبة أمل مريرة عندما أدرك الفلسطينيون أن ممثلي الإدارة الجديدة يؤيدون أيضا تحسين الحياة على حساب الدولة.

ولفت الباحثان إلى أنه في ظل هذه الأجواء، بدأت فكرة الدولة الواحدة بترسيخ سيطرتها بين الجمهور الفلسطيني كبديل لحل الدولتين.

 وأدى عدم وجود عملية سياسية من جهة، والانتقاد الحاد للقيادة الفلسطينية ومسارها السياسي من جهة أخرى، إلى نشوء مشاعر الإحباط وخيبة الأمل لدى الجمهور بشأن حل الدولتين وانعدام الثقة المتزايد في قدرته على تحقيق التطلعات الوطنية للفلسطينيين وفق رؤيتهم للعالم.

وفي الرؤية المستقبلية بعيدة المدى وفي ضوء التطور الديموغرافي للشعبين، قد تتشكل المطالب السياسية الفلسطينية، مثل حق العودة إلى خطة التقسيم في 29 نوفمبر 1947 أو إقامة دولة واحدة من البحر إلى النهر.

وبالتالي، فإن الاتجاهات السياسية الأمنية الناشئة بين الفلسطينيين تشكل تحديات لمستقبل العلاقات الإسرائيلية الفلسطينية، واختفاء الأصوات المؤيدة لحل الدولتين وصعود من يؤمن بحل الدولة الواحدة.

وخلص الباحثان إلى القول: "سواء كانت فلسطينية بين البحر والنهر أو كانت دولة واحدة لها حقوق متساوية، فإنهم يشعلون الأرض تحت المبادئ الأساسية التي تقوم عليها العملية السياسية وقد تحفز اتجاهات الكفاح المسلح والمقاومة بين الفلسطينيين".

ورغم أن هذا المقال لم يتطرق لخيار الكفاح المسلح وركز على الحلول السياسية، فعلى الأقل حسب الاستطلاعات الأخيرة، حوالي نصف الجمهور الفلسطيني يؤيد استئناف القتال، وهو ما يشير إلى تقارب بين فقدان الثقة في حل الدولتين وتعاظم التأييد للمقاومة.