ماذا وراء إعفاء واشنطن شركات في شمال شرقي سوريا من "قانون قيصر"؟

مصعب المجبل | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في خطوة متقدمة، أعفت الولايات المتحدة شركاتها من عقوبات الاستثمار بمناطق شمال شرقي سوريا التي تسيطر عليها "قوات سوريا الديمقراطية" المعروفة باسم "قسد"، دون أن تتأثر تلك الشركات بعقوبات واشنطن المفروضة على نظام بشار الأسد.

وأصدر مكتب مراقبة الأصول الأجنبية بوزارة الخزانة الأميركية، في 13 مايو/أيار 2022، بيانا أكد فيه أن الشركات الأميركية معفية من العقوبات المفروضة على النظام السوري، ضمن الأراضي الواقعة تحت سيطرة مليشيا "ي ب ج" الكردية.

وتشكل مليشيا "ي ب ج" العمود الفقري لـ"قسد"، المدعومة من التحالف الدولي، وتعد الجناح المسلح لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني، والأخير هو الفرع السوري من حزب العمال الكردستاني المتشدد "بي كا كا" النشط جنوبي تركيا وشمالي العراق.

قطاعات مستثناة

وبحسب الخزانة الأميركية، أخرجت واشنطن 12 قطاعا من دائرة العقوبات، شملت الزراعة والاتصالات والبنية التحتية (كهرباء - ماء - نفايات) والبناء والطاقة النظيفة والتمويل والنقل والتخزين.

إضافة إلى القطاعات المتعلقة بالخدمات الصحية والتعليم والتصنيع والتجارة. وكذلك سمح الاستثناء بشراء المنتجات البترولية المكررة ذات المنشأ السوري للاستخدام في سوريا كونه ضروريا للأنشطة المذكورة أعلاه.

في حين أن استيراد النفط أو المنتجات البترولية ذات المنشأ السوري إلى الولايات المتحدة ما يزال محظورا.

ووفق البيان المذكور، فإن الإعفاء لا يشمل تراخيص تجارة النفط، ولا يسمح بالتعامل مع النظام السوري في أي استثمار أميركي بالمنطقة.

ولتحديد المنطقة الجغرافية لتراخيص الاستثمار قال البيان إنها "تقع في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام شمال شرقي، وشمال غربي سوريا".

وأقرت واشنطن في 2020 قانون "قيصر" لحماية المدنيين في سوريا، والذي يفرض عقوبات على النظام وأي دول تتعاون معه في غالبية القطاعات، ومنها الطاقة.

وسرعان ما أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رفض بلاده لقرار واشنطن بشأن إعفاء مناطق سيطرة قوات قسد من العقوبات، بينما أوضح وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو أن الاستثناءات محاولات لشرعنة تنظيم "بي كا كا/ ي ب ك".

وعد تشاووش أوغلو أن الاستثناءات لا تشمل مدينة عفرين شمال حلب التي جرى تخليصها من عناصر حزب العمال الكردستاني "بي كا كا"، ووحدات حماية الشعب الكردية بدعم من الجيش الوطني السوري المعارض خلال عملية "غصن الزيتون" في 20 يناير 2018.

ولفت الوزير التركي خلال تصريحات في 13 مايو 2022 إلى أن إدلب التي تضم ملايين النازحين هي الأكثر حاجة لدعم المجتمع الدولي بما يتعلق بالمرونة في العقوبات، مبينا أن استثناء المنطقة من العقوبات سيفسح المجال لتقديم الدعم لها.

وتعكف تركيا على بناء منازل الطوب في إدلب لإيواء نازحين، وتؤكد أنقرة أنه يتعين على المجتمع الدولي دعم ذلك.

وكان أردوغان قال في 12 مايو 2022 إن الدراسات تظهر أن عدد اللاجئين السوريين المستعدين للعودة الطوعية من تركيا إلى بلادهم أكثر من مليون بكثير.

وأكد أن بلاده تعمل على إنشاء 200 ألف وحدة سكنية في 13 منطقة على الأراضي السورية بتمويل من منظمات إغاثية دولية.

بدوره، رحب قائد "قسد" مظلوم عبدي، بقرار واشنطن بتغريدة عبر تويتر، في 13 مايو، موضحا أن القرار "خطوة جيدة لإعادة بناء البنية التحتية ودعم الاقتصاد".

إستراتيجية بايدن

وعلق مسؤولون كبار في الإدارة الأميركية، على الاستثناء من عقوبات "قانون قيصر"، موضحين أنه جزء من إستراتيجية إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لضمان هزيمة تنظيم الدولة من خلال تعزيز الاستقرار الاقتصادي.

وقال المسؤولون إن "الهدف من الترخيص العام الجديد هو تعزيز فرص اقتصادية أفضل للأشخاص الذين لا تستهدفهم العقوبات ويعيشون في مناطق معرضة لعودة ظهور تنظيم الدولة"، وفق ما نقلت وكالة "رويترز".

وسبق أن قالت القائمة بأعمال مساعدة وزير الخارجية الأميركي، فيكتوريا نولاند، قالت في 12 مايو 2022 إن بلادها أنفقت عام 2021، (45 مليون دولار) في مناطق شمال شرقي سوريا.

 وأبلغت المسؤولة أعضاء التحالف الدولي بأن واشنطن تريد جمع 350 مليون دولار لأنشطة تحقيق الاستقرار في شمال شرقي سوريا عام 2022.

وعزم واشنطن منح رخص عامة تحرر الشركات الأميركية من قيود العقوبات قرأه الباحث والمحلل الاقتصادي رضوان الدبس في سياق سياسي واقتصادي.

وقال الدبس لـ "الاستقلال"، إن "الأهداف السياسية هي للضغط على الأسد وعلى روسيا، بمعنى أن المناطق الخارجة عن سيطرة النظام وتخضع لقوات قسد منحت ميزات استثمارية وتجارية وسيكون لها عوائد وفوائد مادية".

والجانب الثاني وفق الباحث الدبس "هو الضغط على تركيا من ناحية حساسيتها الشديدة ضد قسد، بمعنى أن هذه الخطوة رسالة من واشنطن للأتراك بأنها تمتلك وسائل ضدها وأنها داخل لعبة الشد والجذب بين الطرفين".

أما اقتصاديا، بحسب الدبس فإن "الاستثناء الأميركي الجديد له عدة أبعاد على رأسها تشغيل الشركات الأميركية في مناطق شمال شرقي سوريا التي لها مصلحة في العمل بالمنطقة".

كما أن "قسد تعد في منطقة معزولة وليس لديها موانئ ولديها فقط النفط والذي يعد المصدر الرئيس للإيرادات، مما يعني أنه بعدم وجود مصافي تكرير تصبح الاستفادة منه ضعيفة ويبقى فقط للبيع للداخل والخارج"، وفق الباحث ذاته.

منطقة آمنة

ولفت الدبس إلى أن "ما يجري حاليا محاولة لإدخال شركات صناعية وزراعية وتجارية لتنشيط شمال شرقي سوريا اقتصاديا مما يمنح قسد نوعا من الاستقرار المالي كونها ليس لديها مورد ثابت خارج قوس النفط".

وبين أن "قرار الاستثمار هو للدعم المادي لقسد التي تحتاج إلى مورد ثابت لتثبيت حكمها السياسي الذاتي والذي يتطلب تسديد المصاريف من رواتب موظفين وخدمات عامة، فضلا عن المصاريف العسكرية".

وذهب الدبس للقول: "الولايات المتحدة لها هدف في ترسيخ نوع من الاستقرار الاجتماعي في مناطق قسد، وبالتالي خطوة فتح الاستثمار ستؤدي إلى زيادة الخدمات والتصنيع والحركة التجارية".

وزاد الباحث الاقتصادي بالقول: "ما يجري هو تأسيس لبداية منطقة آمنة شمال شرقي البلاد، وهذا من الناحية السياسية تأييد لموقف أنقرة بإنشاء المجمعات السكنية في الشمال السوري لإعادة نحو مليون لاجئ سوري من المقيمين في تركيا".

وأضاف: "هذه الاستثناءات المبطنة لتركيا بمثابة ضوء أخضر لعملها في المناطق الخاضعة لها أيضا بموجب تلك الاستثناءات من قانون قيصر الأميركي".

ومضى يقول: "ملامح ما يجري العمل عليه من قبل الولايات المتحدة هو منطقة مؤهلة آمنة وذات حكم ذاتي مستقبلا بما يؤسس لبنية تحتية لها من الآن".

وختم بالقول: "السماح لا يعني البدء، بل هو بمثابة رسالة أولى لتركيا بأنه لا يوجد هناك اعتراض على ما ستفعله من مشاريع خدمية في الشمال السوري".

وفي خطوة غير متوقعة، دشنت القوات الأميركية المتمركزة في مناطق سيطرة قوات "قسد"، في 10 يناير 2022 مصفاة نفط في حقل "رميلان" بمحافظة الحسكة، شرقي سوريا.

وأعطى هذا التدشين حسما لمسألة الانسحاب الأميركي المحتمل من سوريا على غرار ما جرى في العراق، وذلك بعد تكهنات كثيرة حول مدى ترك واشنطن حليفتها "قسد"، كتركة تتقاسمها بقية الأطراف الفاعلة على الساحة السورية.

ما يوتر العلاقات التركية الأميركية هو دعم الأخيرة لـ "قوات قسد"، واتخاذها شريكا في الحرب على "الإرهاب" بسوريا المتمثل بتنظيم الدولة، على الرغم من أن العلاقات إستراتيجية بين البلدين.

وتعتقد أنقرة أن الأميركان لا يبالون بالأمن القومي التركي، ولا يكترثون لما تمثله هذه المليشيات الانفصالية من تهديد لتركيا كلفها خلال ثلاثة عقود أكثر من تريليون دولار، وتسبب في مقتل ما يقارب أربعين ألف إنسان، وفق وكالة الأناضول التركية.

ولمواجهة حزب العمال الكردستاني، أطلقت أنقرة عملية "قفل المخلب" في 19 أبريل/نيسان 2022 وشنت القوات التركية هجوما على مواقع الحزب في شمال العراق بمشاركة القوات الجوية والبرية التركية.

خطوة ناقصة

وأعلن وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، في حينها، قصف أهداف وملاجئ ومخازن ذخيرة لمسلحين أكراد في شمال العراق، مشيرا إلى أن قوات خاصة شاركت في العملية العسكرية، وذلك بعد قصف أهداف بطائرات حربية وهليكوبتر ومسيرة تركية أهدافا لمسلحين أكراد.

وجاءت هذه العملية مكملة لسابقاتها التي نفذتها تركيا في هذه المنطقة منذ عام 2016 وتهدف بشكل رئيس إلى إبعاد عناصر حزب العمال الكردستاني عن الشريط الحدودي التركي وإنشاء منطقة آمنة بعمق 40 كيلومترا، وهذا ما تطمح إليه أنقرة في سوريا.

ومن أجل ذلك، أطلقت تركيا عملية "نبع السلام" في 9 أكتوبر/تشرين الأول 2019، شمالي سوريا، استنادا لحقها الشرعي في الدفاع عن النفس، بموجب المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، ضد تنظيم الوحدات الكردية وحزب العمال الكردستاني.

وحينها تمكن الجيش الوطني المدعوم من تركيا من السيطرة على مدينة تل أبيض بريف الرقة إلى رأس العين بريف الحسكة، وعقدت حينها أنقرة اتفاقين منفصلين، الأول مع واشنطن، والثاني مع موسكو لتنظيم الوجود العسكري هناك.

وأمام محاولات الولايات المتحدة إعادة الزخم لمناطق شمال شرقي سوريا، فإن نقطة عدم حصول المناطق التي تدعمها تركيا على استثناءات، تثير انتقاد المعارضة.

وهذا ما أشار إليه وزير الاقتصاد والمالية بـ"الحكومة السورية المؤقتة" المعارضة عبد الحكيم المصري، بقوله لـ "الاستقلال"، إن "إعفاء الاستثمار من العقوبات في بعض المجالات بمناطق معينة والتي هي خارج سيطرة الأسد، لن يكون جيدا ما لم يشمل كل الأماكن".

وأشار المصري إلى أن "المعاملة المتساوية ستشجع الاستثمار وتؤدي في النهاية إلى المساعدة في تأمين بيئة آمنة بالشمال السوري".

وعد الوزير أن "عدم شمول القرار الأميركي لمناطق في الشمال السوري تحت حجج غير معروفة بينما قسد التي تعد متطرفة جدا، هذا أمر غير مقبول وخاصة أن النفط والغاز والمناطق الزراعية هي أيضا بمناطقها".

ومضى يقول: "أما المناطق الزراعية تحت سيطرة الجيش الوطني المعارض في شمال شرقي سوريا مثل رأس العين وتل أبيض وهي مناطق زراعية غنية، فهي لم يشملها القرار الأميركي إضافة إلى إدلب وعفرين".

وختم بالقول: "هذا الإعفاء الأميركي هو فقط من أجل قوات قسد، مما يعني أن هناك إشارات استفهام عريضة من قبل المعارضة السورية".