رغم إدارته مليشيات قبلية.. لماذا يستورد حميدتي مرتزقة أجانب للقتال بالسودان؟

أحمد يحيى | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

عندما قرر الرئيس السوداني السابق عمر البشير الاستعانة بمليشيات قبلية عرفت باسم "الجنجويد" لمواجهة التمرد الذي اندلع في إقليم دارفور عام 2003، لم يكن يعلم كثيرون أن هذه المجموعات التي يغلب عليها المرتزقة ستسيطر على الحكم وتنشر الفوضى بالبلاد في غضون سنوات.

فسريعا انقلب محمد حمدان دقلو (حميدتي) على ابن عمه قائد "الجنجويد" موسى هلال، ليتزعم تلك المليشيات ويزيد من قوتها ليطلق عليها لاحقا اسم قوات الدعم السريع، وتصبح كيانا مثيرا للرعب في نفوس شريحة كبيرة من السودانيين.

ورغم أن اتهامات عديدة تلاحق "الجنجويد" إلا أن حميدتي نجح في إلحاقها بالقوات المسلحة السودانية في أغسطس/ آب 2013، مع أنها من خارج البنية الهرمية العسكرية التنظيمية. 

واليوم أصبحت هذه القوات ضاربة في غمار الدولة السودانية لها علاقات دولية وإقليمية واسعة، والأدهى أنها بدأت تستعين بمقاتلين أجانب من خارج الحدود كمرتزقة جدد، لا سيما من غرب إفريقيا كما ذكرت صحف وأحزاب محلية، وسط تساؤلات عن سبب هذه الخطوة؟ ومدى خطورتها على البلاد؟ 

تكوينات مسلحة 

في 1 مايو/ أيار 2022، أطلق حزب "الأمة القومي" السوداني تحذيراته من فتح حدود إقليم دارفور، الواقع في زمام سيطرة قوات الدعم السريع، لمليشيات عسكرية قادمة من غرب إفريقيا. 

وقال الحزب في بيان، إن الإقليم يقع ضمن نظام نزاع الحزام السوداني، وهو عرضة للصراع على الموارد محليا ودوليا، خاصة النزاع على الذهب".

وطالب الحزب بالتحقيق في تدفق مقاتلين من غرب إفريقيا للسودان، خاصة من الذين كانوا يقاتلون إلى جانب التنظيمات العسكرية المسلحة في النيجر ونيجريا ومالي. 

وطالب الحزب باتخاذ إجراءات رادعة وواضحة لمراقبة حدود البلاد مع دول الجوار، وتطبيق معايير التنقل مع تلك الدول.

كما انتقد الحزب أداء حميدتي الذي يشغل منصبي نائب رئيس مجلس السيادة، قائد قوات الدعم السريع، على خلفية تجدد أعمال العنف في دارفور، في ظل تدفق أولئك المقاتلين وانتشار السلاح بيد المواطنين وتكاثر التكوينات المسلحة النظامية وشبه النظامية.

وبيان حزب الأمة القومي، يعد دليلا واضحا على مدى خطورة تلك الأطراف المسلحة في العملية السياسية المعقدة بالبلاد.

خطورة المشهد 

وما يزيد من خطورة تدفق مرتزقة أجانب إلى السودان، وجود كم هائل بالفعل من الجماعات المسلحة في العاصمة السودانية الخرطوم.

 فمنذ 16 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، تهافت قادة الحركات المسلحة إلى الخرطوم، ومن ضمنهم رئيس الحركة الشعبية مالك عقار، والأمين العام لحركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم، ورئيس حركة تحرير السودان مني أركو مناوي.

والأخير يقود جيش تحرير السودان، الذي يمتلك أعدادا كبيرة من المقاتلين، وترسانة عسكرية كاملة بعربات مدرعة وجنود مدججين بالسلاح، شاركوا في بعض العمليات خارج الحدود، مثل تورطهم في الحرب الأهلية الليبية. 

وفي 17 فبراير/ شباط 2021، دخلوا إلى الخرطوم بـ300 عربة عسكرية مجهزة بكامل عتادها وسلاحها، تمهيدا لتنفيذ بند الترتيبات الأمنية مع الحكومة السودانية (آنذاك)، والمجلس السيادي بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان. 

حتى أن عودة المقاتلين والحركات المسلحة إلى العاصمة بهذا الكم من السلاح، جعلت البعض يصف الوضع بـ"احتلال الخرطوم"، وتحدثت صحيفة "الجريدة" المحلية عن خطورة وجود تلك القوات في العاصمة.

وعلقت الصحيفة على ذلك في 19 فبراير/ شباط 2021 بالقول: "بدأ تنفيذ المخطط التآمري بوصول قوات مناوي، وغدا ستصل قوات أخرى، وبعد غد ثالثة..".

وأضافت أن "هذه القوات لا تهدف لإنفاذ بند الترتيبات الفنية في اتفاق جوبا كما يزعم البعض، وإنما التمهيد لتولي الحكم في الخرطوم ضد نخب الجلابة".

ويبدو أن نبوءة الصحيفة قد تحققت ولم يقف الأمر على توارد الحركات المسلحة فقط، بل جاءت قوات من غرب إفريقيا مجهولة المصدر والطبيعة ولا يعلم كنهها ولا إلى أي شيء ترنو. 

عصابات "النيقرز"

وإذا كان الحديث عن العصابات والمرتزقة الأجانب حاضرا داخل السودان، فلا بد من الإشارة إلى "عصابات النيقرز" وهي مجموعات قتالية غير منظمة.

وتأتي معظم أفرادها من دول الجوار خاصة من جنوب السودان وإثيوبيا وتشاد، يتسللون من الحدود خلسة ويرتكبون كثيرا من الأعمال الإجرامية، ويستعان بهم كمرتزقة حرب أيضا. 

وجماعات "النيقرز"، اشتقت اسمها من الكلمة الإنجليزية "Niggers"، وتعني (الزنوج)، وتمثل هاجسا أمنيا كبيرا للسلطات والقبائل في عموم السودان، ومصدر إزعاج للأسر والمجتمعات المحلية.

وتتورط تلك المجموعات أو العصابات التي تتشكل من مراهقين من الجنسين، في أعمال قتل ونهب وتخريب واضطرابات أمنية، تنتهي بمحاكمتهم والزج بهم في السجون، أو قتلهم في الاشتباكات. 

وتضم جماعات "النيقرز" في بورتسودان مجموعات من الشباب معظمهم مراهقون لا تتجاوز أعمارهم العشرينيات، ينحدرون من كل الجماعات العرقية في البلاد.

وأخطر ما في الأمر أنهم يتحركون دائما في مجموعات كبيرة مسلحة بالأسلحة البيضاء مثل السواطير والسكاكين، وأحيانا يحمل البعض أسلحة نارية.

وتعد ظاهرة انتشار عصابات "النيقرز" من أكبر المهددات الأمنية التي تواجه الأجهزة الأمنية، وذلك بسبب الجرائم وأعمال الفوضى التي يقومون بها.

ومن أبرز جرائمهم الأخيرة، اتهامهم بالوقوف وراء اشتباكات بورتسودان الدامية يوم 12 أغسطس/ آب 2020، التي أسفرت عن مقتل 32 شخصا وإصابة 98 آخرين.

وتعد تلك الاشتباكات نموذجا مصغرا عن حال الدولة ككل في حالة اندلاع صراع أو حرب، في ظل وجود هذا الكم من المرتزقة الأجانب والعصابات. 

نحو الانفلات 

وفي قراءته للمشهد، قال الأكاديمي السوداني الدكتور إبراهيم عبدالعاطي، إن سماح حميدتي بتسلل مقاتلين أجانب من غرب إفريقيا ليس بأمر جديد، فسبق أن استعان من قبل بوحدات فاغنر الروس، وسمح لهم بالمشاركة في قمع المظاهرات وقتل المدنيين عقب الإطاحة بالبشير عام 2019.

وأضاف لـ"الاستقلال"، أن "هناك أدلة دامغة على تورط مليشيات أجنبية في مجزرة فض اعتصام القيادة العامة التي ارتكبها حميدتي وجنوده، بمساعدة هؤلاء". 

وأوضح أن "حميدتي يعرف جيدا ما يفعل، فبعد أن ملأ الخرطوم بالحركات المسلحة، تحت بند المصالحة الوطنية، وباتت البيادق والملابس العسكرية ومخيمات الجند منتشرة في جميع الأماكن، وبالقرب من المصالحة والمؤسسات الحكومية، الآن يعمل على إدخال مرتزقة مجهولي الهوية من الغرب الإفريقي إلى السودان".

وتابع: "الوضع الحالي كالقنبلة المفخخة محتملة الانفجار في أي لحظة، ووقتها لن يكون هناك السودان الذي نعرفه، وسيعجز الجيش بعدده وعدته عن مجابهة الفوضى الخلاقة وحرب الشوارع المنتظرة". 

وأكد عبد العاطي أن "مسألة جلب مرتزقة من غرب إفريقيا لها أبعاد متعددة، فالمنطقة التي قدموا منها مركز للنفوذ الروسي، وهي أكثر المواقع حاليا اضطرابا وشهودا للحروب الأهلية والتنظيمات المسلحة من شتى القبائل والأعراق.

واستطرد: "يبدو أن حميدتي وبتنسيق مع روسيا عندما قام بزيارتها في 23 فبراير/ شباط 2022 قبيل غزوها لأوكرانيا، عقد اتفاقيات مبهمة، وربما تسعى موسكو إلى تفريغ تلك المنطقة من بعض عناصرها عبر دمجها في صراعات بعيدة".

خاصة وأن السودان ليس بقريب من نيجيريا ومالي، لذلك فإن العناصر المسلحة لن يسهل عليها العودة تحت أي ظرف من الظروف، يستدرك الأكاديمي السوداني.

وأوضح عبد العاطي أن "المكسب الآخر الذي سيحققه حميدتي من استجلاب تلك المرتزقة عدم قيام قواته بعمليات قذرة، أو التورط في جرائم قد يحاسبون عليها، كما الحال في مجزرة فض اعتصام القيادة العامة (3 يونيو 2019) وفي جرائم حرب دارفور (26 فبراير 2003)".

ومضى يقول: وكذلك سيحافظ على بنيتها الأساسية من الاستنزاف في عمليات عسكرية غير محسوبة، وقد يستعين حتى بأولئك المرتزقة في مهام خارجية أخرى، في ليبيا أو اليمن، بعد أن استدعى كثيرا من مليشياته من هناك وترك فراغا كبيرا، لأنه في حاجة إليهم في الداخل".

وأردف: "ولا يمكن إغفال أن حميدتي يضغط على الجيش، ويصعب مهمته بحيث يكثر الأعداء وتتعقد الحلول، فالجيش الآن يواجه غضب أنصار الحرية والتغيير واليسار، ويواجه النزاعات الأهلية في شرق السودان ودارفور، إضافة إلى الحركات المسلحة المنخرطة في عملية السلام".

وختم الأكاديمي السوداني بالقول: "وكل ذلك يدعم طموحات حميدتي في قيادة البلاد، لكن الأمر غير مضمون وقد يجعل المستقبل مبهما وغامضا ومليئا بالقلق لمن ينتظرون التغيير العادل الذي ينهض بالسودان بعد سنوات المعاناة والانتكاس".