"البنادق لا تعرف العطلة".. كيف غدت الخرطوم رهينة الحركات المسلحة؟

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في منشور على فيسبوك، علق الصحفي السوداني فوزي بشرى، على هجوم قوة عسكرية من الحركات المسلحة الرابضة بالعاصمة الخرطوم، على مقر "اللجنة الأولمبية" بكامل عتادها ومدرعاتها بقوله: "البنادق لا تعرف العطلة".

الواقعة أثارت قلقا كامنا بالفعل في نفوس السودانيين، من تهافت الحركات والمجموعات المسلحة نحو العاصمة، مدججين بكامل السلاح والعتاد، ما ينذر بكارثة حال وقوع انفلات أمني أو اقتتال أهلي.

هذا القلق، أثار العديد من التساؤلات، بشأن مدى قدرة الحكومة المركزية والدولة على كبح جماح تلك الحركات إذا ما تمردت، خاصة أن مؤسسات الحكم ليست على التوافق المطلوب، لا سيما الجيش من ناحية، وقوات الدعم السريع بقيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو "حميدتي" من ناحية أخرى.

اقتحام مثير 

في 9 مارس/ آذار 2021، كشف حسام هاشم خوجلي، سكرتير اللجنة الأولمبية السودانية (مقرها الخرطوم)، عن تفاصيل اقتحام قوة عسكرية لمقر اللجنة على نحو مفاجئ، حيث قال "إنهم أمهلوا الجهات المختصة من أجل حسم الأزمة، بعد تعذر عملهم لوجود قوة عسكرية وآليات ضخمة داخل المقرات". 

كانت قوة تابعة لجيش حركة تحرير السودان (جناح مناوي)، قامت باقتحام ومهاجمة مقر اللجنة الأولمبية السودانية بالحديقة الدولية في الخرطوم، بكامل عتادها ومدرعاتها وظلت بداخله رافضة الخروج. 

واللجنة الأولمبية تقع ضمن زمام منطقة الحديقة الدولية، الواقعة على بعد أقل من كيلومترين من المطار الدولي في قلب الخرطوم، وكانت تعد متنفسا للأسر والعائلات، لكنها تحولت إلى ثكنة عسكرية لنحو 1000 جندي تابعين لجيش حركة تحرير السودان، الذي لم يكتف بالوضع وقام باقتحام اللجنة الأولمبية.

فيما تدخل بشكل عاجل وزير الشباب والرياضة يوسف الضي، وسارع إلى اتصالات مع قادة الحكومة الانتقالية والعسكرية لإخلاء المبنى من القوات العسكرية، لكن مساعيه لم تسفر عن حلول ناجعة للأزمة المتصاعدة.

وفي 11 مارس/ آذار 2021، كتب الصحفي إدريس كسلاوي، عبر صحيفة "كورة السودانية" الإلكترونية، قائلا: "ما يحدث داخل مقر اللجنة الأولمبية السودانية بالحديقة الدولية من خلال اقتحام قوة نظامية والبقاء بالمقر، أمر يدعو للدهشة والاستغراب".

مضيفا: "ما وقع أصابنا بالحيرة والذهول في ظل الصمت والسكوت من قبل المجلس السيادي ومجلس الوزراء دون أن يتحركا تجاه ما حدث لمقر اللجنة الأولمبية السودانية بالحديقة الدولية من أحد القوات الموقعة لعملية السلام".

وتابع: "على ما يبدو أن المسؤولين بالدولة لا يعلمون بخطورة الموقف وتبعاته دوليا، إذا ما حدث تطور في هذا الملف أو أحيطت اللجنة الأولمبية الدولية علما بما يحدث في السودان، ولا يخطرون علما بالإفرازات المنعكسة على السودان في حالة اتخاذ أي قرار بشأن هذه الخطوة". 

وتتبع اللجنة الأولمبية السودانية، اللجنة الأولمبية الدولية، وهي عضو مراقب في الأمم المتحدة، وتم إبلاغ وزير الدفاع، ورئيس مجلس السيادة الفريق عبد الفتاح البرهان.

كذلك تم إخطار رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، ووزير الداخلية الفريق أول عز الدين الشيخ، من قبل رئيس اللجنة وأعضائها بخطورة الأمر، ولم يتغير الوضع، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى تجميد النشاط الرياضي بالبلاد ويوقف مشاركاتها الخارجية، حسب ما ورد في وسائل الإعلام المحلية.

تهافت المتمردين 

الحركة المتورطة في اقتحام اللجنة الأولمبية، وهي جيش تحرير السودان، بقيادة "مني أركو مناوي"، عبارة عن جيش يمتلك أعدادا كبيرة من المقاتلين، وترسانة عسكرية كاملة بعربات مدرعة وجنود مدججين بالسلاح، شاركوا في بعض العمليات خارج الحدود، مثل تورطهم في الحرب الأهلية الليبية. 

في يوم 17 فبراير/ شباط 2021، دخلوا إلى الخرطوم بـ300 عربة عسكرية مجهزة بكامل عتادها وسلاحها، تمهيدا لتنفيذ بند الترتيبات الأمنية، مع الحكومة السودانية والمجلس السيادي بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان. 

عودة المقاتلين والحركات المسلحة إلى العاصمة بهذا الكم من السلاح، جعل البعض يصفه بـ"احتلال الخرطوم" حتى أن صحيفة "الجريدة" المحلية، تحدثت عن خطورة تلك القوات، بوجودها في العاصمة.

الصحيفة قالت يوم 19 فبراير/ شباط 2021: "بدأ تنفيذ المخطط التآمري بوصول قوات مناوي، وغدا ستصل قوات أخرى، وبعد غد ثالثة.. ليس لإنفاذ بند الترتيبات الفنية في اتفاق جوبا كما يزعم البعض، وإنما التمهيد لتولي الحكم في الخرطوم ضد نخب الجلابة".

أما مناوي رئيس الحركة، فيقود آلاف المسلحين ويبسط سيطرته على قبائل يقدر عددها بمئات الآلاف، ومن الشخصيات المرجح أن تلعب دورا مفصليا في مستقبل العملية السياسية السودانية.

خلال الأيام الماضية، وجهت انتقادات إلى مناوي بسبب تقاعسه عن كبح جماح قواته التي بدأت تثير الشغب في الخرطوم، وخلفت أثرا مقلقا بما فعلته في واقعة اقتحام مقر اللجنة الأولمبية والعسكرة بداخله.

ومنذ 16 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، تهافت قادة الحركات المسلحة إلى الخرطوم، ومن ضمنهم رئيس الحركة الشعبية مالك عقار، والأمين العام لحركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم، ورئيس حركة تحرير السودان مني أركو مناوي.

بجانب رئيس حركة جيش تحرير السودان، والمجلس الانتقالي الهادي إدريس، وعدد من قادة وأعضاء الحركات والتنظيمات السياسية المنضوية تحت لواء الجبهة الثورية، وجميعهم يعسكرون في العاصمة الخرطوم، بتشكيلات قتالية معدة ومتنوعة. 

وسبق لرئيس الوزراء عبد الله حمدوك أن بشر بوجود تلك القوات وقادتهم في الخرطوم، عندما كتب عبر صفحته الرسمية بفيسبوك يوم 15 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، قائلا: "وصول رفاقنا وشركائنا في التغيير من قيادات حركات الكفاح المسلح اليوم إلى أرض الوطن العزيز هو تدشين حقيقي لعملية بناء السلام وبداية إغلاق لصفحة الحروب في السودان إلى الأبد باتجاه ممارسة سياسية راشدة".

عبث حقيقي

السياسي السوداني دكتور إبراهيم عبد العاطي، قال لـ"الاستقلال": "مأزق اتفاق جوبا للسلام يظهر في هذه التفاصيل، التي تؤكد مدى هشاشة وضع الدولة والحكومة المركزية، فلا توجد ضمانات لمدى التزام الأطراف الموقعة على ضبط النفس، ولا توجد قوة رادعة تستطيع أن تحمي الدولة حال انفلات الأوضاع على نحو لا يمكن احتوائه". 

وأضاف عبد العاطي: "المشاهد للحالة القائمة في الخرطوم، سيجد أن عاصمة السودان الكبيرة، أصبحت قنبلة موقوتة، فوجود هذا الكم من الحركات المدججة بسلاحها مثل جيش تحرير السودان (فصيل مناوي)، تجعل من إمكانية حدوث انفلات أو اقتتال أمر وارد، بل وقع بالفعل كما رأينا في واقعة اقتحام اللجنة الأولمبية، لذلك فإن من سمح بهذا الوضع يجب أن يحاسب، فأرواح الملايين من سكان الخرطوم على المحك".

وتابع السياسي السوداني: "كان يمكن أن تقام ثكنات عسكرية لتلك القوات على الأطراف، أو يعسكرون ضمن وحدات مجهزة تابعة للجيش، لا أن ينسابوا في الحدائق والمناطق العامة بهذه الطريق، خاصة وأن العاصمة من الأشياء الاعتبارية للدول، ولها رمزية خاصة مدللة على القوة والتاريخ والهوية، فلا يمكن الاستهانة بها أو المغامرة بأمنها". 

وأردف عبد العاطي: "لا شيء أخطر على السودان من ضعف الدولة، ووجود حكومة هشة مثل حكومة حمدوك، أو مجلس عسكري متفرق ما بين البرهان وحميدتي، وكل منهما يحاول أن يلعب لعبة التوازنات لترجيح كفته نحو حكم السودان، والمؤكد سيأتي وقت الحسم بين جميع الأطراف، وجميعهم في حالة تأهب قصوى". 

وأوضح: "حذرنا كثيرا من سيناريو اليمن وليبيا في السودان، والذين بشروا بالسلام الدائم، وكلمات من عينة سودان واحد، وعدم التفرقة بين عناصره، إنما وضعوا لافتات حق أريد بها باطل".

وختم حديثه قائلا: "الشيء الوحيد الذي يضمن السلام هو تأسيس مؤسسات حقيقية للدولة عن طريق الانتخابات الحرة التي يشارك فيها الشعب بجميع طوائفه ويختار قياداته، أما السلام في ظل الاحتكام إلى شريعة السلاح والقوة فهو عبث حقيقي، سيدفع ثمنه عاجلا أو آجلا".