عصابات النيقرز تؤجج الصراع في بورتسودان.. لماذا تركتهم حكومة حمدوك؟

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أفضت اشتباكات بورتسودان الدامية يوم 12 أغسطس/ آب 2020، عن مقتل 32 شخصا وإصابة 98 آخرين، فضلا عن إلقاء القبض على 72 متهما في الأحداث القبلية التي شهدتها مدينة بورتسودان بين قبيلتي "البني عامر"، و"النوبة".

الاقتتال الدامي الذي لا ينتهي بين المجموعات الإثنية بمختلف طوائفها، أصبحت مسألة تؤشر لمستقبل مقلق في تلك المنطقة، كيف ساهمت حكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك بسياستها في اشتعال الصراع من جهة؟ ومن جهة أخرى كيف فشلت أيضا في احتوائه والسيطرة عليه؟، ومن هم عصابات النيقرز المشتبه بهم في التورط بالقتال؟ ولماذا لم تتحرك الحكومة بأجهزتها الأمنية للقبض عليهم؟.

صراع دام

في 12 أغسطس/ آب 2020، اندلع صراع دام، واشتباكات بين قبيلتي "البني عامر" و"النوبة" في بورتسودان (شمال شرقي البلاد)، وأسفر الاقتتال الأهلي عن مقتل 32 وجرح قرابة 100، وفق أرقام حكومية.

وحول سبب الاشتباكات، نقل إعلام محلي عن شهود عيان أن متظاهرين من قبيلة "النوبة"، في طريق عودتهم من تحرك احتجاجي رافض تولي صالح عمار من قبيلة "البني عامر" كحاكم جديد لولاية كسلا (شرقا)، رغم أدائه القسم الدستوري، مروا عبر حي دار النعيم في بورتسودان، الذي تسكنه "البني عامر"، وبسبب اشتباكات وقعت بين الطرفين سابقا، ظن "البني عامر" أن هذا هجوم على منازلهم، فاشتبكوا مع "النوبة". 

"لجنة أطباء السودان" أعلنت في بيان أن "الأحداث الدموية المؤسفة تتواصل في بورتسودان، وراح ضحيتها الكثير من الأرواح البريئة من أبناء وبنات الولاية".

وحملت اللجنة السلطات الأمنية وحكومة ولاية البحر الأحمر، "كامل المسؤولية، لحماية المواطنين واستتباب الأمن، مستنكرة موقف الحكومة الاتحادية التي تقف موقف المتفرج، تجاه ما يحدث في الولاية" بحسب البيان.

وبشكل شبه يومي لا تنقطع الأخبار المتواترة والمتكررة عن اشتباكات وحوادث اقتتال أهلي وطائفي بين المجموعات الإثنية شرقي السودان، خاصة في مدينة بورتسودان، صاحبة الميناء الإستراتيجي على البحر الأحمر.

عصابات النيقرز 

ظاهرة عصابات النيقرز انتشرت في السودان خلال السنوات الأخيرة، وتنشط في بعض المناطق، منها شرق السودان، وتحديدا في بورتسودان، وتتهم بأنها من الأسباب الرئيسية لاندلاع الاشتباكات واشتعال الفتن. 

وجماعات "النيقرز"، اشتقت اسمها من الكلمة الإنجليزية "Niggers"، وتعني (الزنوج)، وتمثل هاجسا أمنيا كبيرا للسلطات والقبائل في عموم السودان، ومصدر إزعاج للأسر والمجتمعات المحلية.

وتتورط تلك المجموعات أو العصابات التي تتشكل من مراهقين من الجنسين، في أعمال قتل ونهب وتخريب واضطرابات أمنية، تنتهي بمحاكمتهم والزج بهم في السجون، أو قتلهم في الاشتباكات. 

وتضم جماعات "النيقرز" في بورتسودان مجموعات من الشباب معظمهم مراهقون لا تتجاوز أعمارهم العشرينيات، ينحدرون من كل الجماعات العرقية في البلاد.

وأخطر ما في الأمر أنهم يتحركون دائما في مجموعات كبيرة مسلحة بالأسلحة البيضاء مثل السواطير والسكاكين، وأحيانا يحمل البعض أسلحة نارية.

وتعتبر ظاهرة انتشار عصابات (النيقرز) من أكبر المهددات الأمنية التي تواجه الأجهزة الأمنية، وذلك بسبب الجرائم وأعمال الفوضى التي يقومون بها. 

ولكل مجموعة من (النيقرز) هيكلها الخاص، حيث يقود كل منها زعيم يجري اختياره بالتوافق بين أفرادها بناء على قدراته القتالية وقوة شخصيته القيادية، ويخضع الجميع لتوجيهاته، وله حاشية ترافقه وتوفر له الحماية، وهي بمثابة القيادة العليا التي تضم أقوى أفراد المجموعة.

وفي 10 سبتمبر/ أيلول 2019، كشف المحامى السوداني عبد القادر سوميت، عن تورط مجموعات من عصابات النيقرز المتفلتة فى تأجيج صراع بورتسودان بين كبريات القبائل بالمدينة، وأوضح أنهم ساهموا بالسلاح وإشعال المنازل في وصول القتال إلى مرحلة بالغة السوء.

وحتى الآن فشلت حكومة حمدوك، والأجهزة الأمنية في السيطرة عليهم، وفرض الأمن في بورتسودان والعديد من الولايات الاخرى المأزومة.

إخفاق حكومي

إخفاق حكومة حمدوك في احتواء الأزمة، دعا عشرات المحتجين للمشاركة في وقفة احتجاجية أمام مقر مجلس الوزراء، في 13 أغسطس/ آب 2020، ورفعوا لافتات مكتوبا عليها "الدم السوداني واحد، وبورتسودان.. أرض سلاح، ولا نريد حلولا مؤقتة، وبورتسودان.. حلم العالم".

نظمت الوقفة الاحتجاجية "لجان المقاومة"، التي تكونت في المدن والقرى السودانية، عقب اندلاع الاحتجاجات في 19 ديسمبر/ كانون الثاني 2018، وكان لها الدور الأكبر في إدارة التظاهرات بالأحياء والمدن حتى عزل الرئيس عمر البشير في 11 أبريل/ نيسان 2019.

وتعيش بورتسودان منذ القدم صراعا قبليا، خاصة بين القبائل العربية والإفريقية، سرعان ما يتحول إلى صراع دموي بين الأطراف المتناحرة، بسبب انتشار السلاح في أيدي المواطنين.

أما الأحداث الدامية المستمرة بين "البني عامر" و"النوبة" فذات خلفيات إثنية، وساهم تراخي السلطات في ارتفاع قتلاها، لكن المواجهات الحالية بين البني عامر من جانب، والأمرار والهدندوة من جانب آخر، تتزايد فيها فرضيات المؤامرة، وسباق فرض النفوذ بين العسكر والمدنيين في أجهزة الحكم الانتقالية، حسب تقارير عدة. 

مطلع يونيو/حزيران 2019، سقط 40 قتيلا من البني عامر مقابل 12 من النوبة يوم وقفة عيد الفطر، وجاءت تلك الأحداث عقب فض اعتصام "قوى الحرية والتغيير"، أمام القيادة العامة للجيش بالخرطوم.

وتعود شرارة الانفلاتات بين قبائل النوبة والبني عامر، إلى فترة الاحتجاجات إبان عهد البشير، عندما استغل منفلتون الاحتجاجات في مدينة القضارف لنهب محل تجاري، فاضطر مالكه لقتل اثنين من المهاجمين بسلاح ناري.

بعدها وفي نفس المدينة نشب خلاف بين الطرفين، انتهى إلى عدد من القتلى والمصابين، ومنها سرت حالة الاحتقان إلى مدينة خشم القربة بولاية كسلا، عندما أردى جواهرجي قتيلين بالرصاص لمحاولتهما نهب دكانه.

في 25 أغسطس/ آب 2019، وعلى خلفية أحداث قبلية بالولاية، أقال مجلس السيادة الانتقالي، الحاكم العسكري لولاية البحر الأحمر اللواء ركن عصام عبد الفراج، ومدير جهاز المخابرات العامة بالولاية.

وتأتي الأحداث الحالية في ظل تعيين الوالي الجديد للبحر الأحمر عبد الله شنقراي الذي تولى زمام الأمور في يوليو/ تموز 2020، وأعلن حظر التجول الشامل في محلية بورتسودان، وهو القرار غير الفاعل، الذي لم يلق صدى عند الأطراف المتصارعة.

وطالت اتهامات التقصير والتباطؤ الأجهزة الرسمية التي عجزت عن وأد فتنة استمرت لأشهر، لتسفر عن أحداث دامية، ومتكررة.

حرب أهلية

الصحفي السوداني محمد نصر الدين، قال لـ"الاستقلال": "ما يحدث في بورتسودان من اقتتال قبلي، وفتن مستمرة، هو نذير لحرب أهلية طاحنة في تلك المنطقة، قد تمتد لعموم السودان في حالة انفلاتها وخروجها عن المألوف، لأن الإثنيات الموجودة هناك لها جذور وامتدادات في مناطق مختلفة، بالإضافة إلى أن المنطقة إستراتيجية وبالغة الأهمية للاقتصاد السوداني، بما فيها من موانئ وموارد طبيعية، ما يجعلها مطمعا لكثير من القوى الداخلية والخارجية التي تتربص بالسودان".

وأضاف الصحفي السوداني: "وفي ظل ما يحدث لا يمكننا تجاهل مجموعة من الأسئلة عن المتسبب في الفتنة، ولمصلحة من تشتعل الأزمات، فمن هي الجهة التي سمحت بمرور هذه التظاهرة الضخمة بحي دار النعيم، رغم الخلافات القديمة الثأرية بينهم، ومن يقف خلف إثارة الفتنة مرة أخرى بين البني عامر والنوبة، ويريد أن يحول السودان إلى بلد غير مستقر على غرار ليبيا واليمن".

وتابع: "لا شك أن الطريقة التي تدار بها الدولة حاليا غارقة في العشوائية، وغياب الرؤية والتخطيط، وقد رأينا ذلك عيانا في أزمة تعيين والي كسلا صالح عمار، الذي أثار تعيينه مزيدا من الخلافات في المنطقة المأزومة من الأساس، وهو ما اضطر الحكومة إلى مقاربات بين قيادات الشرق وناظر البني عامر، وقوى الحرية والتغيير بكل من كسلا والخرطوم، وهو من الأسباب الرئيسية لوقوع الأحداث الدموية".

وأردف: "الفشل الأمني في بورتسودان، لا يتعلق بالاقتتال القبلي فقط، بل في انتشار مجموعات كبيرة من العصابات في شرق السودان بعمومه، لا سيما عصابات (النيقرز) التي باتت تهدد آلاف المواطنين، وتتسبب في خسائر بشرية واقتصادية فادحة، في ظل عجز الحكومة عن مواجهتها أو الحد منها".