تسريبات مقلقة.. ماذا وراء خطة شطب أموال المودعين في لبنان؟

طارق الشال | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

كشفت تسريبات لخطة التعافي الاقتصادي في لبنان، نية حكومة نجيب ميقاتي "شطب أموال المودعين" التي تزيد عن 100 ألف دولار، لتخطي الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد، ما يعني تحميل أخطاء الساسة للمودعين والبنوك.

ووفق التسريبات التي نشرتها وسائل إعلام محلية، منها "إم تي في"، تأتي الخطوة ضمن خطة مقترح تنفيذها بين الحكومة اللبنانية وصندوق النقد الدولي، وينتظر موافقة البرلمان على هذا القرار حتى يتسنى البدء في تطبيقه.

وتهدف الحكومة إلى شطب 60 مليار دولار من أموال البنوك المحلية في مصرف لبنان وهي تعود للمودعين من أصل 80 مليار دولار، بحسب التسريبات.

ومن ثم يجرى تقييم كل مصرف عامل في السوق اللبنانية منفردا، وكل مصرف يستطيع الاستمرار يتم إعادة هيكلة رأسماله، وكل مؤسسة غير قابلة للاستمرار يتم تصفيتها، وهذا الأمر يلزم مساهمات ضخمة من كبار المودعين لزيادة رأسمال المصارف.

ويعد الشطب إجراء محاسبيا يقلل من قيمة الأصل مع خصم حساب الخصوم في نفس الوقت، ويتم استخدامه بشكل أساسي بمعناه الأكثر حرفية من قبل الشركات التي تسعى إلى حساب التزامات القروض غير المسددة أو المستحقات غير المدفوعة أو الخسائر في المخزون.

وبينما يؤكد خبراء أن الشطب لا يعني حذف الأرصدة، لم تعلن الحكومة اللبنانية رسميا عن كيفية تطبيقه إن كانت ستمنع المودعين حصص ملكية في المصارف أو مرافق الدولة، أو تسديد مدخراتهم بالعملة المحلية.

وتسعى الحكومة اللبنانية إلى التوصل لاتفاق برنامج إصلاح اقتصادي، يرافقه قرض بقيمة 4 مليارات دولار، سعيا للخروج من أزمة اقتصادية ومالية حادة تعصف بالبلاد منذ أواخر 2019.

عملية قاسية

وتأتي تلك الخطة دون وجود دراسة حقيقية حول الآثار الاجتماعية والاقتصادية المترتبة على الشطب، وكذلك انعكاساتها على استعادة الثقة بالاقتصاد وبالقطاع المصرفي الذي يشكل الممر الإلزامي لعمليات الاستيراد والتواصل المالي مع العالم.

من جانبها، رأت جمعية المصارف أن الشطب يعني "تحميل البنوك والمودعين القسم شبه الكامل من الخسارة التي نتجت عن السياسات التي اعتمدتها الدولة بحكوماتها المتعاقبة ومصرف لبنان".

وأضافت في بيان نشرته في 23 أبريل/ نيسان 2022، أنها كلفت مستشاريها القانونيين بـ"دراسة وعرض مروحة الإجراءات القضائية الكفيلة بحماية وتحصيل حقوق المصارف والمودعين".

وأكدت أن الخطة "كارثية ومخالفة للدستور اللبناني ولسائر القواعد القانونية".

وتقدر الحكومة اللبنانية خسائر القطاع المالي بنحو 72 مليار دولار، وكانت البنوك المحلية مقرضا رئيسا للحكومة لعشرات السنين، إذ ساعدت في تمويل حكومات متتالية اتُهمت بالإسراف والفساد حتى تعرضت للانهيار المالي في عام 2019.

وبحسب رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق، باتريك مارديني، فإن البنوك اللبنانية تعاني من أزمة، حيث إنها تملك 100 مليار دولار ودائع، بينها نحو 72 مليار دولار خسائر، وبالتالي مع شطب رأس مال المصارف يتبقى جزء كبير من الخسارة سيتحمل المودعون جزءا منها.

وأضاف لـ"الاستقلال"، أن عملية الشطب قاسية جدا بسبب ضعف النمو الاقتصادي الراهن، فإذا كان هناك نمو فسيكون مردود عملية الشطب أقل بكثير، لذا كان من الأفضل الإقدام على تلك الخطوة بعد عمل الحكومة على إنعاش الاقتصاد.

وتابع: فمع انتعاش الاقتصاد ستتحسن قدرة الدولة على سداد ديونها وتلقائيا تتحسن قدرة المصارف على سداد ديونها ما يزيد نسبة استرجاع المودعين ودائعهم، وبالتالي في هذا الوقت كان سيصبح شطب الأموال غير قاس على المودعين.

يأتي ذلك بالتزامن مع انخفاض إجمالي الناتج المحلي للبنان من قرابة 52 مليار دولار في 2019 إلى مستوى متوقع قدره 21.8 مليار دولار في 2021، مسجلا انكماشا نسبته 58.1 بالمئة، وهو أشد انكماش في قائمة تضم 193 بلدا، وفق تقديرات البنك الدولي.

وأوضح مارديني، أن هناك خيارات أخرى أمام الحكومة للتعامل مع تلك الأزمة عبر إنشاء مجلس نقد لإعادة التوازن بين الليرة والموجودات الدولارية دون طباعة أي ليرة إضافة لا يوجد غطاء نقدي مقابلها، وهو الأمر الذي بدوره سيعمل على إنعاش الاقتصاد وإعادة تشغيل الحركة الاقتصادية ويوقف انهيار سعر صرف الليرة.

ومضى يقول: وبالتالي كانت ستكون البلاد قادرة على إقرار نسبة شطب أقل مما هو متوقع الآن بكثير، ما يعني أن الحكومة اللبنانية انتهجت السياسة بالمقلوب حيث إنها بدأت بالشطب من أجل الإنعاش وليس العكس.  

وكانت البنوك اللبنانية قد فرضت في السنوات الأخيرة قيودا شديدة على عمليات السحب والتحويلات بالعملة الأجنبية، لا سيما بالدولار، فضلا عن منع المودعين من الوصول إلى مدخراتهم وانهيار العملة المحلية.

الحلقة الأضعف

من جانبها، قالت الباحثة الاقتصادية ليال منصور، إن أموال المودعين ثلاثة أرباعها بالعملة الأجنبية ما يعني أنه في ظل عدم وفرة الدولارات محليا فإن استرجاع تلك الأموال يعد أمرا صعبا كونه خارج إطار الدولة "فهي ليست عملتها التي تقوم بطباعتها".

وأضافت لـ"الاستقلال"، أن قرار الشطب يعد أمرا غير عادل وظالما للمودع، مشيرة إلى أن المودع يجب أن يكون آخر بل وأقل من يتحمل الضرر والخسائر الواقعة على الحكومة والمصارف اللبنانية.

ولفتت منصور إلى أن صندوق النقد يريد أن يرى خطوة عملية من قبل الحكومة في التعامل مع أموال المودعين المستحقة، وليس هو من طالب بآلية شطب تلك الأموال.

وتابعت: المودع حاليا هو من سيتحمل نتائج فشل وفساد الحكومات المتعاقبة الذي مارسته خلال السنوات الماضية، الأمر الذي يهدد الأمن الاجتماعي لأصحاب تلك الأموال في بلد تعاني من فقر وفساد وأزمات اقتصادية وبالتالي يصبح المودع هو الحلقة الأضعف.

وأوضحت أنه لن تتوقف تداعيات هذا القرار على الودائع عند حد الشطب، فتتضمن تحويل قسم من الودائع التي تتخطى قيمتها المئة ألف دولار، إلى حصص ملكية في المصارف، أو سيتم حذف جزء منها، أي تماشيا مع مبدأ شطب ديون المصارف، كما أنه قد يجرى تحويل جزء من تلك الودائع الدولارية إلى ليرة، وفق أسعار صرف تقل عن سعر السوق. 

أما الودائع التي تقل عن المئة ألف دولار، فلن يتم المس بها بحسب الخطة، بل سيتم حمايتها، لكن لا يوجد ما يضمن عدم اقتراب الحكومة من استخدام تلك الأموال في إطار تلك الخطة أو ضمن حلول أخرى قد تراها مناسبة، وفق منصور.

ولا تراعي الحكومة في هذا القرار الأزمات الاجتماعية التي يعيشها المواطن اللبناني، حيث يعاني نحو 82 بالمئة من إجمالي السكان من الفقر متعدد الأبعاد، بينما بلغت نسبة من يعانون من الفقر المدقع متعدد الأبعاد نحو 40 بالمئة، وفق دراسة نشرتها لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا "الإسكوا" في 3 سبتمبر/أيلول 2021.

ويرى الباحث مارديني، أن الضربات تأتي للمودع من جميع الاتجاهات، فهو الآن يخسر ما جناه من أموال طوال عمره بسبب عملية الشطب، بالإضافة إلى التضخم المفرط الذي تشهده البلاد وانهيار سعر صرف العملة المحلية أمام الدولار ما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار محليا، وبالتالي في حال أنه مازال يعمل فإن قدرته الشرائية ستنخفض.

وضع مرير

ويبلغ الحد الأدنى للأجور في لبنان حاليا 675 ألف ليرة، أي ما كان يعادل 450 دولارا قبل الأزمة عند احتساب سعر صرف الدولار عند 1500 ليرة، لتتراجع القيمة الفعلية للحد الأدنى للأجور حاليا إلى ما يقارب 30 دولارا بحسب سعر الصرف في السوق السوداء.

وفي ظل الحرب الروسية الأوكرانية فإن أسعار السلع الغذائية وأسعار المحروقات ارتفعت عالميا، ما يعني أن بلدا مثل لبنان الذي يستورد أغلب احتياجاته سيعاني من ارتفاع أكبر لأسعار السلع الغذائية، فضلا عن أن ارتفاع أسعار الطاقة والذي يعني ارتفاع أسعار الكهرباء في لبنان التي تشهد أزمة بالأساس في هذا القطاع.

ويستنزف قطاع الكهرباء في لبنان خزينة الدولة، فوفقا للبنك الدولي فإن ما يقرب من نصف الدين العام أي حوالي 40 مليار دولار يعود إلى هذا القطاع.

ورغم تلك المبالغ الضخمة التي تنفق على شركة الكهرباء فإن الشعب اللبناني يعاني من انقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة.

وقالت الباحثة ليال منصور إن الودائع ضاعت وبالتالي جميع الحلول ستكون مؤلمة على المودعين، ففي حال قولنا على سبيل المثال إن الدولة ستمنح المودعين أسهم عن بعض مرافق الدولة أو سنشارك المودعين بملكية المصارف أو غيره، فإن إعادة إعمار لبنان صعبة جدا حتى يتمكن المودع من الحصول على حقه.

وأشارت منصور، إلى أن المشكلة الرئيسة التي يعاني منها الاقتصاد اللبناني هي انهيار العملة المحلية نتاج اتجاه الشعب نفسه إلى الدولرة لعدم ثقة اللبنانيين في الليرة أي أن الشعب يعاني من فقدان العملة الأجنبية، وبالتالي أصبح التعامل مع هذه الحالة خارج سيطرة البنك المركزي اللبناني.

وطالبت منصور، بالاتجاه نحو الدولرة الشاملة أو صندوق تثبيت القطع، كونهما يعدان الحلول العلمية الاقتصادية التي يمكن تطبيقها من خلال الاستغناء عن المصرف اللبناني الذي يعد "وجوده سلبيا وفاشلا" وتحديد سعر ثابت لسعر الصرف، وتكوين احتياطي من العملات الأجنبية يعادل على الأقل 100 بالمئة من حجم الكتلة النقدية المتداولة بالليرة اللبنانية.

وكانت قيمة الليرة اللبنانية مقابل الدولار مستقرة طوال أكثر من ربع قرن عند حدود 1510، إلا أنها اهتزت للمرة الأولى في ديسمبر/كانون الأول 2019، وبدأت تتدهور تدريجيا حتى وصلت 33 ألف ليرة في يناير/كانون الثاني 2022، قبل أن تستقر عند حدود الـ 27 ألف ليرة للدولار الواحد.

أي أن الليرة اللبنانية فقدت أكثر من 18 أضعاف من قيمتها أمام الدولار، منذ 2019، وأكبر المتضررين من ذلك القوى العاملة التي تتقاضى رواتبها بالليرة والتي تصل نسبتها إلى 95 بالمئة.