ظهور بشار الأسد بمشهد الانتخابات اللبنانية.. مسرحية إيرانية أم وصاية جديدة؟

مصعب المجبل | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

من جديد يعود النظام السوري إلى لبنان الذي خرج منه جيشه عام 2005 بعد عقود من الوصاية والتبعية الأمنية السياسية، لكن هذه المرة من بوابة الانتخابات البرلمانية المقررة منتصف مايو/ أيار 2022.

ويسعى النظام السوري قبيل الانتخابات لخلق كتلة نيابية جديدة موالية له وداعمة لمواقفه من خارج صندوق الحلفاء القدامى له كحزب الله وحركة أمل وأحزاب درزية وأخرى مسيحية.

ولهذا استقبل رئيس النظام السوري بشار الأسد النائبين اللبنانيين طلال أرسلان رئيس الحزب الديمقراطي (درزي)، وفيصل كرامي رئيس تيار الكرامة (سني)، وبحث معهما الأوضاع في لبنان والمنطقة.

وذكرت صحيفة "الأخبار" اللبنانية في 25 مارس/ آذار 2022، أن الأسد أكد أمام النائبين أن "قرار دمشق ثابت بعدم التدخل في أي تفصيل يتعلق بالانتخابات النيابية اللبنانية، وهي تثق بحلفائها في لبنان وعلى رأسهم حزب الله وأمينه حسن نصر الله".

وأشار الأسد إلى أن "مؤيدي سوريا في لبنان لا يحتاجون إلى توصية أو تحفيز للتصويت لمصلحة من وقفوا إلى جانب الدولة السورية في مواجهة الإرهاب".

وصاية جديدة

وتشير الوقائع إلى أن حلفاء النظام السوري في لبنان بدؤوا بالعمل على توحيد صفوفهم بهدف خلق كتلة نيابية جديدة موالية للأسد وداعمة له.

لا سيما أن المتحالفين مع حزب الله يسعون إلى الحصول على أكثرية نيابة، وهذا يتأتى من منطلق التبعية السياسية والتأكيد عليها، وأن الانتماء ليس للبنان بل هو للحلف ككل المتمثل بالنظام السوري وإيران، والسير قدما بالمشروع الإقليمي أكثر من مراعاة مصلحة الشعب اللبناني.

ويرى متابعون للشأن اللبناني أن المرحلة الراهنة في لبنان تفرض أن ينأى بنفسه عن سياسية المحاور التي تقلق أكبر الداعمين له من دول الخليج، إضافة إلى القلق الأوروبي وربط تقديم الدعم المالي عبر صندوق النقد الدولي من خلال تشكيل حكومة ليس فيها ثلث معطل كما درجت عليه الحكومات السابقة.

وهناك نقطة هامة تلقي بنفسها على المشهد اللبناني، تتمثل بخروج هذا البلد من وصاية النظام السوري لقرابة ثلاثة عقود، إلى العهدة الإيرانية، التي ترى فيها ورقة لمناكفة الخليج، ولعب أدوار ضغط من خلالها، ولهذا شهدت الأعوام السابقة حضورا خافتا للأسد في لبنان.

حتى أن الأسد أصبح عاجزا عن استرداد الأموال التي وضعت في البنوك اللبنانية وتتبع لشبكته الاقتصادية، وهذا ما دفع الأسد شخصيا للمطالبة بها بشكل صريح.

إذ قال خلال أداء اليمين الدستورية لفترة رئاسية رابعة، في 17 يوليو/ تموز 2021 بعد انتخابات غير شرعية، إن بعض التقديرات تشير إلى وجود ما بين 40 مليار دولار و60 مليارا من الأموال السورية المجمدة في لبنان، وأضاف حينها: "كلا الرقمين كاف لإحباط اقتصاد بحجم اقتصادنا".

وضمن هذه الجزئية يشير الكاتب والباحث السياسي اللبناني أسعد بشارة لـ"الاستقلال"، إلى أنه "منذ خروج جيش النظام السوري من لبنان واندلاع الثورة السورية عام 2011 ضعف دوره في هذا البلد، وأصبح تابعا لإيران".

وأوضح بشارة أن "الترجمة العملية للمشهد هي أن حزب الله هو من يشكل اللوائح الانتخابية والحلفاء ومن يدير الانتخابات، وعليه لا أحد يقفز فوق حزب الله في لبنان وخاصة النظام السوري الذي يريد أن يؤمن حصة له في اللوائح الانتخابية القادمة ولكن تحت سقف التفاهم مع حزب الله".

ولفت الباحث السياسي إلى أن "النظام السوري من خلال هذه المحاولة عبر دخوله مبكرا على خط الانتخابات يريد عودة الوصاية لكن الوجود الإيراني المباشر في لبنان يمنعه من ذلك".

الأسد حاضر

لكن راهنا يقف لبنان على مفترق طرق، فهو مثقل من أزمة اقتصادية عصفت به منذ عام 2019، وتبعها تفجر خلاف بين بيروت وعواصم خليجية في 29 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، بعد تصريحات منتقدة للسعودية حول حرب اليمن أدلى بها جورج قرداحي قبل تعيينه وزيرا للإعلام.

 إثر ذلك، اضطر قرداحي إلى تقديم الاستقالة مجبرا، بعد دخول لبنان في أزمة مع الخليج، بعدما سحبت الرياض سفيرها لدى بيروت، وهذا ما فعلته لاحقا كل من الإمارات والبحرين والكويت وكذلك اليمن.

ويبدو أن نتائج الانتخابات البرلمانية القادمة وما ستسفر عنه، سيرتبط بالمبادرة الخليجية التي قدمتها الكويت، في يناير/ كانون الثاني 2022، وتتضمن مطالب من بيروت، على رأسها عدم التدخل في الشؤون الخليجية والعربية عامة، في إشارة إلى حزب الله.

ومع تعليق زعيم تيار المستقبل في لبنان سعد الحريري عمله السياسي في 24 يناير 2022 بعد توليه رئاسة الحكومة ثلاث مرات، طلب من "تيار المستقبل" عدم الاشتراك بالانتخابات المقبلة، معتبرا أنه "لا مجال لأي فرصة إيجابية للبنان في ظل النفوذ الإيراني والتخبط الدولي والانقسام الوطني واستعار الطائفية واهتراء الدولة".

ويرى مراقبون أن غياب الحريري الذي يمثل التيار السني، في بلد يقوم نظامه السياسي على المحاصصة الطائفية قد يفيد خصومه، لا سيما حزب الله الذي سيدعم وصول نواب من الطائفة السنية مقربين منه إلى البرلمان، ما يخوله الفوز مرة أخرى مع حلفائه بالأغلبية في البرلمان المقبل.

وفاز حزب الله والجماعات المتحالفة سياسيا مع حركة "أمل" بأغلبية المقاعد في البرلمان في الانتخابات الأخيرة التي جرت عام 2018.

وهذا ما ينظر إليه البعض بأنه الثغرة التي يبحث عنها رئيس النظام السوري عبر لقاءات جانبية لدعم مرشحين جدد موالين له.

لا سيما أن القانون الانتخابي مفصل على قياس الأحزاب النافذة والمتجذرة في لبنان، الذي فقدت عملته "الليرة" أكثر من 90 بالمئة من قيمتها منذ 2019 مع انهيار النظام المالي، الأمر الذي دفع غالبية اللبنانيين للسقوط في براثن الفقر.

وفي هذا السياق، يؤكد الكاتب والصحفي السوري حافظ قرقوط أن "نظام الأسد أدرك وجود تيار في لبنان ضد التغول الإيراني هناك، لهذا يسعى عبر الانتخابات لاستثمار علاقاته الأمنية القديمة المتراكمة من خلال 29 عاما من الوجود العسكري في هذا البلد".

وأضاف قرقوط لـ"الاستقلال" أن "أرسلان وكرامي لم يكونا سوى ضيوف أمنيين عند بشار الأسد، ولهما مهمة أمنية أكثر من سياسية، من خلال تفتيت الطائفة الدرزية هناك، لا سيما بعد إعلان وليد جنبلاط رفضه للأسد وجرائمه بحق الشعب السوري".

ولفت قرقوط إلى أن "طلال أرسلان كان يحصل على مقعد في الانتخابات أو حتى مقعد وزاري نتيجة تقديمه من قبل وليد جنبلاط الذي أصبحت الطائفة تدرك بأنه يسير ضمن الخط الوطني والعروبي وضد حزب الله وما خلفه الأسد في لبنان".

واعتبر أن "هناك تيارات سياسية أصبحت كلمتها واضحة ضد حزب الله ووجوده، مما يعني أن استقبال فيصل كرامي من قبل الأسد هو محاولة لشق صف طرابلس عاصمة السنة في لبنان، وكسب أصوات إضافية، ولكن هذا بتصوري لن يحدث".

لعبة متبادلة

ويتجلى المشهد السياسي في لبنان بميل واضح لصالح حزب الله، والذي يعني أنه جزء من صورة أكبر لتوسع النفوذ الإيراني الذي تريد الولايات المتحدة مواجهته.

وحزب الله كيان مليشياوي مستقل، وليس كبقية القوى السياسية في لبنان، وولاؤه لإيران التي تدعمه بالسلاح والمال، حتى تحول إلى منظومة متكاملة لا علاقة لها بالمؤسسات الحكومية.

وسبق لزعيم حزب الله حسن نصر الله أن قالها صراحة في 24 يونيو 2016، إن "موازنة الحزب ومعاشاته ومصاريفه وأكله وشربه وسلاحه وصواريخه من الجمهورية الإسلامية في إيران".

وأمام اقتراب الاستحقاق الانتخابي يواصل حزب الله الترويج على أن الانتخابات معركة ضد سلاحه.

وهذا ما يركز عليه نوابه ومسؤولوه في حملاتهم الانتخابية، إذ وصف رئيس كتلة "حزب الله" النائب محمد رعد المعركة بـ"الصعبة للغاية"، مضيفا: "لا نخوض الاستحقاق كمرشحين للمقاومة، بل المسألة هي مسألة مواجهة مشروع سياسي".

وكان الوزير السابق وئام وهاب رئيس حزب "التوحيد العربي"، المقرب من بشار الأسد، والذي التقاه في دمشق في 5 سبتمبر/أيلول 2021، قال في 20 مارس 2022، إنه حسم خيار التحالف في لائحة مشتركة تجمع حلفاء "حزب الله" وتتلقى دعمه، وتضمه مع "التيار الوطني الحر" الذي يرأسه جبران باسيل، وطلال أرسلان وفريد البستاني.

وفي هذا الإطار، يؤكد رئيس تحرير موقع "جنوبية" اللبناني، علي الأمين، لـ"الاستقلال"، أن "النافذة الخارجية الوحيدة التي يستطيع بشار الأسد تسجيل مواقف ولو كانت هامشية عبرها هو لبنان، ليس بسبب نفوذه فيه، بل بسبب سيطرة إيران من خلال حزب الله على هذه الدولة".

واستدرك قائلا: "لذا يجب ملاحظة أن تدخل الأسد في الانتخابات النيابية يجري تحت سقف حزب الله وليس من فوقها ولا من خارجها، والأرجح أن طهران تريد أن تعطي هامشا للأسد على هذا الصعيد، وهو هامش تستثمره أيضا لصالحها من خلال التلويح بالنفوذ السوري في لبنان في سبيل ترسيخ نفوذها، لاعتقادها أن اللبنانيين يعتبرون النفوذ الإيراني أقل سوءا من الوصاية السورية".

وذهب الأمين للقول: "الأكيد أن الحراك الإعلامي لبشار الأسد من خلال اللقاءات مع بعض النواب اللبنانيين، هو هدية من حزب الله وهدية محدودة القيمة، باعتبار أن حتى من استقبلهم الأسد يخضعون لتوجيهات حزب الله، وهذا أمر ثابت خلال أكثر من 15 عاما، وهم يتلقون دعما ماليا منه".

وختم بالقول: "من مصلحة حزب الله اليوم أن يوزع بعض الأثقال المعنوية والسياسية في المعركة الانتخابية بينه وبين السوريين، وهذا ما يخفف عنه إحراجات مع بعض القوى السنية والدرزية التابعة له، بالقول لها إن الأسد يريد هذا المرشح أو ذاك وليس حزب الله".