فيصل المقداد.. وزير خارجية للأسد يثير سخرية السوريين بتصريحاته العنترية

مصعب المجبل | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

لم يكن ينقص النظام السوري حينما زار رئيسه بشار الأسد الإمارات في 18 مارس/ آذار 2022، سوى فضيحة من العيار الثقيل لوزير خارجيته فيصل المقداد.

إذ ظهر "هرم الدبلوماسية" المقداد وسحاب بنطاله مفتوحا، أثناء لقاء الأسد وبعض من أركان نظامه، مع منصور بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء الإماراتي.

يعرف المقداد بشخصية تجيد اللعب على وتر الكلمات "الدبلوماسية"، لكن بنطاله خانه هذه المرة، وجعله لوحة للسخرية من السوريين، في دولة الإمارات.

وزار الأسد والوفد المرافق له الدولة الخليجية لأول مرة منذ أكثر من عقد وبشكل مفاجئ وبدون مراسم رسمية والتقى حينها ولي عهد أبو ظبي، الحاكم الفعلي للإمارات، محمد بن زايد، وحاكم إمارة دبي محمد بن راشد آل مكتوم.

ورغم أن الزيارة كانت مهمة للأسد، لأنها أول دولة عربية يزورها منذ طرده من مقعد جامعة الدول عام 2011؛ إثر قمعه لثورة شعبه، فإن فيصل المقداد أفسد "بهجتها".

هذه الفضيحة للمقداد في أبوظبي، جاءت عقب سخرية الشارع السوري منه، والتهكم عليه بسبب تصريحات أطلقها تجاه إسرائيل بعد إعلان مليشيا الحرس الثوري الإيراني، مقتل اثنين من ضباطه بقصف إسرائيلي استهدف مواقع قرب دمشق في 7 مارس/آذار 2022.

وحينها حذر المقداد في حديث لقناة "الميادين" المدعومة إيرانيا، من أن "الرد آت لا محالة"، مضيفا أن "سوريا قادرة على الرد على الاعتداءات الإسرائيلية وهي من يتحكم بذلك".

وهذا الرد الذي لطالما تشدق به النظام السوري، تكذبه خمسة عقود لم يطلق نظام الأسدين الأب والابن طلقة واحدة خلالها على إسرائيل منذ عام 1967.

وآنذاك احتلت إسرائيل هضبة الجولان الواقعة جنوبي البلاد، عندما كان حافظ الأسد وزيرا للدفاع قبل أن يصعد للسلطة بانقلاب عسكري عام 1971 ويحكم سوريا بالحديد والنار.

ليورث حافظ الحكم لابنه بشار عام 2000 بعد وفاته، وليستكمل الأخير مسيرة القمع والاستبداد، والتي بدت للعلن عام 2011 في مسقط رأس المقداد في محافظة درعا، التي تفجرت منها شرارة الثورة في 18 مارس من العام المذكور، وواجهها الأسد بالنار موقعا في هذا اليوم أول دم على طريق الحرية المنشود للسوريين.

النشأة والتكوين

ولد فيصل المقداد عام 1954، من أسرة سنية في قرية غصم في محافظة درعا جنوبي سوريا، وهو متزوج وله ولد وابنتان، وحائز على إجازة في قسم اللغة الإنجليزية من جامعة دمشق عام 1978.

كما نال شهادة الدكتوراة في الأدب الإنجليزي من جامعة تشارلز- براغ، في جمهورية التشيك عام 1992، ونشط في الحركة الطلابية السورية وقيادة الطلبة في جامعة دمشق.

ويتحدث العربية والإنجليزية، ويلم بالتشيكية والألمانية، ويحمل وسام الاستحقاق من الملك الإسباني السابق خوان كارلوس.

بدأ المقداد عمله في وزارة الخارجية كسكرتير أول في إدارة المنظمات الدولية والمؤتمرات بين عامي 1994-1995.

 وفي عام 1995 نُقل إلى الوفد الدائم للجمهورية العربية السورية لدى الأمم المتحدة، وعين نائبا للمندوب الدائم وممثلا لسوريا في مجلس الأمن، وشغل منصب مقرر اللجنة الخاصة وتصفية الاستعمار (1996-2003).

كما شغل منصب المندوب الدائم لسوريا لدى الأمم المتحدة بنيويورك (2003-2006)، وترأس عدة اجتماعات لمجلس الأمن خلال عضوية بلاده في المجلس عامي 2002-2003، وأصبح عضوا في الوفد السوري لمؤتمر مراجعة عدم انتشار الأسلحة النووية 2000.

وعين نائبا لوزير الخارجية في سوريا منذ عام 2006، إلى أن جاءت النقلة النوعية في حياته حينما أصدر الأسد، في 22 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020 مرسوما بتسمية المقداد وزيرا للخارجية في نظامه، خلفا للوزير السابق وليد المعلم بعد وفاته.

وبذلك أصبح المقداد رابع وزير سوري يتسلم حقيبة الخارجية خلال حكم الأسدين، إذ سبقه إلى المنصب عبد الحليم خدام (1970- 1984)، وفاروق الشرع (1984- 2006)، وأخيرا وليد المعلم منذ عام 2006 وحتى وفاته في 16 نوفمبر/تشرين 2020.

وفور تسلمه منصب وزير الخارجية، توجه المقداد إلى العاصمة الإيرانية طهران في 7 ديسمبر/كانون الأول 2020، وقيل وقتها إنه لم يختر موسكو كوجهة أولى له، للتأكيد على أن إيران هي الحليف الإستراتيجي للنظام السوري في المقام الأول وليس روسيا.

شريك في القمع

آخر ضربة تلقاها المقداد من المجتمع الدولي نتيجة وقوفه مع الأسد ضد قتل أبناء شعبه، هو إدراجه من قبل بريطانيا ضمن قائمة عقوبات طالت ستة أشخاص من الدائرة المقربة لرئيس النظام بشار الأسد، وذلك في الذكرى العاشرة لانطلاق الثورة السورية.

وعللت الخارجية البريطانية خلال بيان نشرته في 15 مارس 2022، سبب العقوبات ضد المقداد إلى أنه "وزير يتقاسم المسؤولية عن القمع العنيف الذي يمارسه النظام ضد السكان المدنيين".

كما سبق أن أدرج الاتحاد الأوروبي المقداد في 15 يناير/كانون الثاني 2021، على قائمة عقوباته ومنعه من دخول دوله.

ودأب المقربون من السلطة على وضع صورة حافظ الأسد داخل ساعات اليد التي يلبسونها، لكن المقداد بقي محافظا على هذا التقليد عبر وضع صورة بشار والحرص على إظهارها خلال المقابلات مع وسائل الإعلام الأجنبية.

وسلط النظام السوري المقداد بشكل شخصي على مهاجمة تركيا التي قطعت علاقاتها مع الأسد منذ عام 2011 وساندت الثورة السورية.

إذ قال في مقابلة تلفزيونية مع قناة "الميادين" في 14 فبراير/شباط 2020 "لا يوجد نظام في العالم أغبى من النظام التركي، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان يكذب كما يتنفس"، وفق تعبيره.

كما لا تكاد تخلو جميع مقابلات ولقاءاته من مهاجمة الولايات المتحدة ووصفها بقوة محتلة وتحمي قوات سوريا الديمقراطية "قسد".

وفي مقابلة مع "قناة السورية" في 27 ديسمبر 2021، قال المقداد عن قسد "المشكلة معها أننا نتفق معهم على شيء، وعندما يعارضه الأميركيون يرفضون وتستمر اللعبة"، ووصفهم بأنهم "مرتزقة" وأنه "يجرى استخدامهم لفترة معينة وسيبصقهم من يستخدمهم لاحقا".

شطحات المقداد

بقي المقداد منافحا على بشار الأسد، رغم استخدام قواته كل صنوف الأسلحة بما فيها السلاح الكيماوي ضد الشعب السوري، وقتل مئات الآلاف منهم، وتهجير الملايين من مدنهم داخليا وخارجيا.

ولطالما روج المقداد الذي تصفه الأوساط الإعلامية الموالية بـ "تلميذ المعلم"، لعودة اللاجئين إلى سوريا الذين وصلوا أوروبا هربا من بطش أجهزة الأمن ومعتقلاتها الدموية، لا بل ذهب للقول زاعما: "أن الأوضاع المعيشية لدينا أفضل بعشرات المرات من كثير من الدول".

وكثيرا ما يطلق المقداد تصريحات مجانبة للواقع وتدخل في باب الدعاية الاستعراضية وبيع الأوهام، وآخرها حينما قال لقناة "الميادين" في 7 مارس 2022: "نحن وقفنا إلى جانب روسيا لأن الغرب هو من دعم الإرهاب في سوريا، ولولا صمودنا لكان الغرب قد سيطر على كل العالم".

وتوعد المقداد خلال زيارته لموسكو في 21 فبراير 2022، إسرائيل بالرد على قصف نفذته بسوريا، قائلا إن الضربات "الإسرائيلية" تأتي في إطار دفاع إسرائيل عن حلفائها ببلادنا.

وأضاف: "سيعرفون أنه سيتم الرد عاجلا أم آجلا ونحن قادرون على أن نرد الصاع صاعين"، حسب تعبيره.

لكن تل أبيب لم تنتظر طويلا حتى عاودت قصف موقع في محيط القنيطرة فجر 23 فبراير، الأمر الذي قوبل بصمت مطبق من قبل النظام السوري كعادته رغم كلام المقداد الاستعراضي.

يصف المقداد مليشيا حزب الله اللبناني التي تدخلت في سوريا بأمر مباشر من إيران لقتل السوريين منذ عام 2012، بأنها "الأحب على قلوبنا".

وحول إيران التي ساهمت في قتل وتشريد السوريين يقول: "لا يمكن أن نرتاح إلا عندما تتحقق علاقات عربية إيرانية، وإيران ليست عدوة للعرب"، على حد تعبيره.

ويعتبر المقداد أن الوجود العسكري الروسي في سوريا "ليس فقط مفيدا بل ضروريا"، لكنه يدعو الأميركان للانسحاب من البلد بـ"كرامتهم" حسب تعبيره.

وكان المبعوث الأميركي السابق إلى سوريا، جويل رايبورن سخر من المقداد في لقاء مع صحفيين سوريين، في 23 ديسمبر 2020 بسبب حديثه عن العملية السياسية بين النظام والمعارضة في جنيف.

وقال المبعوث حينها إن "فيصل المقداد ليس مجلس الأمن، يستطيع أن يقول ما يشاء تماما مثل سلفه المعلم، هما يتحدثان إلى شعبهم وأنصار نظامهم ويحاولون طمأنة مؤيديهم وحثهم على عدم قراءة الأخبار بشأن الضغط على نظام الأسد والقول إن هذه المحادثات في جنيف لا تعني شيئا".