هل يشعل الغزو الروسي لأوكرانيا ربيعا عربيا جديدا؟.. موقع ألماني يجيب

قسم الترجمة | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

اعتبر موقع ألماني أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا المتواصل منذ 24 فبراير/ شباط 2022، يهدد باضطرابات شبيهة بتلك التي شهدها الشرق الأوسط أثناء الربيع العربي نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

وأوضح موقع صوت ألمانيا "دويتشه فيله"، أن سعر الخبز يرتفع بسرعة في الشرق الأوسط، بسبب المخاوف بشأن إمدادات القمح من أوكرانيا وروسيا، وكانت قد أدت هذه الزيادات إلى احتجاجات عنيفة غيرت أنظمة حاكمة عديدة بالمنطقة في السنوات الماضية.

وضع مقلق

وذكر الموقع أن الاحتجاجات بدأت بالفعل، إذ خرج مئات المتظاهرين في وسط مدينة الناصرية جنوبي العراق منتصف مارس/ آذار 2022، للتنديد بارتفاع أسعار الخبز وزيت الطهي، من بين سلع أخرى.

ومنذ بداية الحرب في أوكرانيا، ارتفعت أسعار المنتجات المستوردة من هناك بنسبة تصل إلى 50 بالمئة في العراق.

وتزامن مع ذلك، نزول آلاف السودانيين إلى الشوارع للاحتجاج على الحكم العسكري المستمر وعلى ارتفاع سعر الخبز بنحو 50 بالمئة أيضا.

وجاءت الزيادات في كلا البلدين نتيجة الغزو الروسي لأوكرانيا، وهي قوة زراعية وأحد أهم منتجي القمح في العالم، فضلا عن كونها أكبر مصدر لزيوت البذور.

ويذهب حوالي نصف القمح الأوكراني إلى الشرق الأوسط. كما تعد روسيا، التي غزت جارتها، أكبر مصدر للقمح في العالم.

ويقول محللو السوق إن الإمدادات من كلا البلدين في خطر بسبب الحرب وإن عدم الاستقرار يتسبب في ارتفاع أسعار القمح بشكل عام.

وارتفعت الأسعار بنسبة 50بالمئة في فبراير 2022، واقتربت من أعلى مستوى لها في 14 عاما. وبدأت هذه التطورات في التأثير بشكل كبير على دول الشرق الأوسط.

ويعد الخبز غذاء أساسيا في الشرق الأوسط، حيث يؤكل في معظم الوجبات. ويشير الباحثون إلى أنه واعتمادا على البلد، يشكل الخبز والحبوب ما يصل إلى نصف النظام الغذائي المحلي المتوسط ​​هناك، مقارنة بما يصل إلى ربع المتوسط عند ​​الأوروبيين.

وأوضح مايكل تانشوم، زميل السياسة الأول في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية والمتخصص في الاقتصاد السياسي للشرق الأوسط وإفريقيا، أنه "في هذه البلدان، يعتبر الخبز الميسور التكلفة للجماهير العاملة عقدا اجتماعيا".

حافز للتغيير

ولفت الموقع الألماني إلى أن العديد من دول الشرق الأوسط تدعم الخبز للأسر ذات الدخل المنخفض، وفي الماضي، كان ارتفاع أسعاره حافزا للتغيير السياسي في المنطقة.

مصر، على سبيل المثال، لديها تاريخ من "أعمال شغب الخبز". ففي عام 1977، بعد الإصلاحات الاقتصادية التي شهدت خفض الدعم الحكومي وارتفاع أسعار المواد الغذائية، كانت هناك مظاهرات عنيفة في جميع أنحاء البلاد أسفرت عن 70 وفاة على الأقل.

وفي عام 2011، خلال الربيع العربي، كان أحد الشعارات الشعبية في المظاهرات التي أطاحت بالرئيس المصري حسني مبارك، "الخبز والحرية والعدالة الاجتماعية".

ووجد الباحثون الذين درسوا أسباب احتجاجات الربيع العربي في 2011، والتي غيرت المشهد السياسي في المنطقة، أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية وانعدام الأمن الغذائي، لعبا دورا إلى جانب إحباط الجمهور من قادتهم الاستبداديين.

ويبدو أن هذه الظاهرة مستمرة. وفي عام 2019، أُطيح بالرئيس السوداني عمر البشير من السلطة بسبب الاحتجاجات التي بدأت عندما تضاعفت أسعار الخبز ثلاث مرات.

وكتب محللون في معهد الشرق الأوسط ومقره واشنطن في موجز فبراير 2022، مع ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء، يمكن أن تؤدي أزمة أوكرانيا إلى تجدد الاحتجاجات وعدم الاستقرار في العديد من بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

وأشار فريد بلحاج، نائب رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إلى مخاوف منظمته الخاصة بشأن سوريا ولبنان واليمن، وهي بلدان تعاني فيها الحكومة والاقتصاد وضعا هشا بالفعل وتعتمد أيضا بشكل كبير على واردات القمح.

ويبدو أن ارتفاع أسعار الخبز والسلع الاستهلاكية الأخرى، فضلا عن أنواع الوقود المهمة مثل الديزل، أمر لا مفر منه في الشرق الأوسط. لكن هل سيحدث ذلك تغييرا سياسيا جذريا مرة أخرى؟

الخبراء الذين تحدثت معهم دوتشيه فيله ليسوا مقتنعين بأن الأمر يمكن أن يؤدي إلى تغييرات سياسية.

وأكد جون راين، كبير مستشاري العناية الجيوسياسية في المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية في لندن، أن "الناس سيكونون تحت ضغط اقتصادي حقيقي، لكنني لست مقتنعا بأن ذلك سيؤدي إلى نوع من الصدمة الهائلة التي رأيناها في المرة الماضية خلال الربيع العربي".

وتابع راين أن السبب الرئيس هو أن معظم دول المنطقة "في وضع سياسي مختلف للغاية الآن. الحكومات الشرق أوسطية إما بسطت سيطرة أكبر وأضعفت أحزاب المعارضة، أو أن هناك نظاما سياسيا يتمتع بقدر أكبر من المرونة، نتيجة السنوات العشر الماضية".

لذلك، في حين أنه قد تكون هناك مظاهرات ونزاعات بسبب ضغوط الأسعار، يعتقد راين أن هذه المظاهرات من المرجح أن تسرع العمليات السياسية الجارية بالفعل أكثر من بدء عمليات جديدة تماما.

تصدعات مقلقة

من جانبه، قال تانشوم، وهو أيضا زميل غير مقيم في معهد الشرق الأوسط، إن ما سيحدث بعد ذلك سيعتمد على ما إذا كان هناك حكم جيد في بلد ما أم لا.

وعندما يتعلق الأمر بارتفاع أسعار المواد الغذائية، كان هناك بالفعل ما يصفه تانشوم بأنه "عاصفة كاملة" تختمر. وكان هذا بسبب انقطاع الإمدادات الناجم عن جائحة كورونا وما نتج عنه من سوء إدارة عالمي لذلك.

ويشير تغير المناخ أيضا إلى أن الشرق الأوسط غير قادر على إنتاج نفس القدر من الحبوب الخاصة به.

وأوضح قائلا: "بالعودة إلى يونيو/ حزيران 2021، وصل مستوى التضخم في المنتجات الغذائية إلى نفس المستوى الدقيق الذي كان عليه الأمر في أوج الربيع العربي وكذلك الأمر عندما غزت روسيا أوكرانيا".

وأشار تانتشوم إلى أن ما إذا كان الأمر سيصبح خطيرا وينتج عنه احتجاجات أو حتى تغيير سياسي عنيف، يعتمد على مستويات "الحكم الفعال وما إذا كان الناس لديهم مستويات عالية من التظلمات من دولتهم".

وأوضح أن الحوكمة الفعالة تشمل أشياء مثل حجم تخزين الحبوب في بلد ما. ومنذ انفجار ميناء بيروت عام 2020 دمر مخزون الحبوب الأساسي في لبنان، ولم يكن لدى البلاد سوى إمدادات شهر من القمح. أما مصر، فلديها حوالي أربعة أشهر في الاحتياط.

وقال تانشوم إن الأمر سيعتمد أيضا على نوع تأثير التصدع الذي يتطور. وغالبا ما يؤثر ما يحدث في دولة شرق أوسطية على جيرانها. وأضاف أن شمال إفريقيا والساحل سيكونان أيضا عرضة للخطر.

وخلص إلى أنه قد يكون هناك بعض الاضطرابات لكنها لن تكون هي نفسها التي شهدناها خلال الربيع العربي.

وقال تانتشوم: "أعتقد أن الأمر لا يتطلب أن نكون متفائلين أو متشائمين بشأن ما سيأتي بعد ذلك، بل أن نكون متيقظين ونتخذ إجراءات فعالة".