Tuesday 19 March, 2024

صحيفة الاستقلال

رغم علاقاتهما الدبلوماسية.. لماذا صعدت جنوب إفريقيا لهجتها ضد إسرائيل؟

منذ 2022/03/14 12:03:00 | تقارير
"معاداة الصهيونية ليست معاداة للسامية"
حجم الخط

في مسار مغاير لما تنتهجه دول عربية وإفريقية عديدة، تواصل جنوب إفريقيا اتخاذ مواقف صارمة تجاه سياسات الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين.

ورغم إقامتهما علاقات دبلوماسية مشتركة، صعدت جنوب إفريقيا في الآونة الأخيرة من لهجتها وفعالياتها ضد إسرائيل وتوعدت بمحاسبتها على جرائمها، متجاوزة دولا عربية عديدة هرولت خلل السنتين الماضيتين إلى تطبيع علاقتها مع الاحتلال.

ووقعت أربع دول عربية، هي الإمارات والمغرب والبحرين والسودان، في 2020، اتفاقيات لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، لتنضم إلى مصر والأردن من أصل 22 دولة عربية، وسط رفض شعبي واسع لهذه القرارات.

أحدث المواقف

تمثل الموقف الأبرز لجنوب إفريقيا ضد إسرائيل في تصدرها بجانب الجزائر، جبهة مقاومي التطبيع في القارة الإفريقية ورفضها لوجود إسرائيل في الاتحاد الإفريقي بصفة "مراقب".

وأصبحت هذه الصفة لإسرائيل رسمية في 22 يوليو/ تموز 2021، عندما قدمت سفيرة تل أبيب في أديس أبابا ألين أدماسو، أوراق اعتمادها عضوا مراقبا في الاتحاد الإفريقي.

وآتت المعركة الدبلوماسية، التي قادتها الدولتان طيلة أشهر، أكلها ونجحتا هي ودول أخرى في فبراير/ شباط 2021، بتعليق عضوية إسرائيل مع استمرار المناقشات وتشكيل لجنة لدراسة الأمر.

وجاء هذا النجاح رغم صعوبة المهمة بالنظر إلى أن 40 دولة في الاتحاد الإفريقي تقيم علاقات دبلوماسية مع تل أبيب بين 55 دولة عضو.

وفي 28 يوليو 2021، قالت وزارة خارجية جنوب إفريقيا في بيان "إننا نشعر بصدمة جراء القرار الجائر وغير المبرر".

وأضافت أن مفوضية الاتحاد "اتخذت هذا القرار من جانب واحد من دون مشاورات مع أعضائها، وكان أكثر إثارة للصدمة خلال عام شهد تصعيدا للعنف في غزة".

وجاء في البيان أن "إسرائيل تواصل احتلال فلسطين بشكل غير قانوني، في تحد كامل لالتزاماتها الدولية وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة".

لذلك، فمن غير المفهوم أن تختار مفوضية الاتحاد الإفريقي مكافأة الاحتلال في وقت يكون قمعه للفلسطينيين أكثر وحشية بشكل واضح، وفق البيان.

ومن المواقف الأخيرة أيضا، مهاجمة وزيرة خارجية جنوب إفريقيا، ناليدي باندور، الاحتلال الإسرائيلي وحديثها عن انتهاكاته ضد الفلسطينيين.

وأوضحت باندور، خلال كلمة أمام برلمان بلادها منتصف فبراير/ شباط 2022، أنها تأمل في أن تتخذ حكومتها قريبا إجراءات مباشرة مقترحة، ضد ممارسات الفصل العنصري الموثقة جدا.

وتحدثت عن رفض بلادها انضمام الاحتلال إلى الاتحاد الإفريقي بصفة مراقب، وقالت إن جنوب إفريقيا تملك علاقات مع إسرائيل، لكن هذا لا يعني أن يكون سببا لانضمام دولة لاتحادنا تمارس الاحتلال والاستعمار.

وأوضحت الوزيرة أن بلادها تدرس اتخاذ مزيد من الإجراءات ضد إسرائيل، تعبيرا عن الاستياء الكبير من ممارساتها العنصرية المستمرة ضد الشعب الفلسطيني الذي طالت معاناته.

وختمت بالقول "الجميع يعلم أن تاريخ بلادنا ونضالنا والقيم المستمدة منه ضد العنصرية والاستعمار يجعل من واجبنا أن نكون صوت المضطهدين والمهمشين في كل مكان".

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2021، سحبت حكومة جنوب إفريقيا دعمها لملكة جمال البلاد "لاليلا مسواني" في مسابقة ملكة جمال الكون التي أقيمت في إسرائيل في ديسمبر/ كانون الأول من ذات العام، "رفضا لطريقة معاملة سلطات الاحتلال للشعب الفلسطيني".

وأضافت في بيان أن “الفظائع المرتكبة من إسرائيل في حق الفلسطينيين موثقة بشكل جيد، ولا يمكن للحكومة بوصفها ممثلا شرعيا عن شعب جنوب إفريقيا أن تربط نفسها بذلك بضمير حي ومرتاح”.

تخفيض العلاقات

في 14 مايو/ أيار 2018، أعلنت جنوب إفريقيا استدعاء سفيرها في تل أبيب سيسا نغومباني حتى إشعار آخر على خلفية "المجزرة الإسرائيلية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة".

وآنذاك تظاهر آلاف الفلسطينيين، في عدة مواقع على طول السياج الحدودي الفاصل بين شرقي قطاع غزة والأراضي المحتلة، احتجاجا على نقل السفارة الأميركية من مدينة تل أبيب إلى القدس، وإحياء للذكرى الـ 70 للنكبة.

وأسفرت التظاهرات عن ارتقاء 55 شهيدا، فيما جرح أكثر من 2771 آخرون، جراء الاعتداءات الإسرائيلية، بحسب وزارة الصحة بقطاع غزة.

وذكر بيان صادر عن قسم العلاقات الدولية والتعاون في جنوب إفريقيا (ديركو) أن "حكومة البلاد تدين بأشد العبارات الممكنة الاعتداء العنيف الأخير الذي نفذته القوات الإسرائيلية المسلحة على طول حدود غزة".

وحذر من أن "أعمال العنف في قطاع غزة تقف في طريق إعادة بناء المؤسسات والبنية التحتية الفلسطينية وتشكل عقبة أخرى أمام التوصل إلى حل دائم للنزاع، الذي يجب أن يأتي في شكل دولتين".

وختم بالقول: "مثل باقي أعضاء المجتمع الدولي، فإن جنوب إفريقيا تشعر بالانزعاج من العدوان المميت الأخير وتكرر دعوتها للعديد من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بإجراء تحقيق مستقل في عمليات القتل، بهدف محاسبة المسؤولين عنها".

ولم ترسل جنوب إفريقيا بديلا عن سفيرها الذي سحبته قبل سنوات، وأعلنت في أبريل/نيسان 2019 تخفيض مستوى تمثيلها الدبلوماسي في إسرائيل، تنفيذا لقرار اتخذه الحزب الحاكم في هذا الشأن قبل ذلك بعام تضامنا مع الفلسطينيين.

وقالت وزارة الخارجية آنذاك: "لن نعين ممثلا في إسرائيل على مستوى سفير، وسنحتفظ بمكتب اتصال هناك".

لكنها قبلت خلال عام 2022، أوراق اعتماد السفير الإسرائيلي الجديد إلياف بيلوتسركوفسكي، وهي خطوة أثارت انتقادات واسعة.

ويجري تخفيض مستوى العلاقات بضغط من الحزب الحاكم في جنوب إفريقيا الذي أطلق في 5 مارس 2022، فعاليات أسبوع (مقاومة) "الأبارتهايد الإسرائيلي" (الفصل العنصري) السنوي الـ18.

وانطلقت الفعاليات من أمام السفارة الإسرائيلية في العاصمة بريتوريا، بقيادة حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، ومشاركة سفيرة فلسطين حنان جرار.

وسار مئات المشاركين من الحزب وحلفائه في الحزب الشيوعي، والاتحاد العام لنقابات العمال، والقوى الشبابية والطلابية، ومنظمة إفريقيا من أجل فلسطين، باتجاه مبنى السفارة، ونظموا اعتصاما أمامها ضد "الظلم والطغيان" الممارس من قبل الاحتلال الإسرائيلي.

وحث المتحدثون في كلماتهم، حكومة بلادهم على قطع كافة أشكال العلاقات مع "دولة الأبارتهايد"، وإغلاق مبنى السفارة، داعين الأطر العمالية العاملة في الموانئ لرفض تنزيل البضائع الإسرائيلية من السفن والطائرات القادمة إلى أراضي الدولة.

وأدانوا جرائم الحرب والانتهاكات والسياسة العنصرية الإسرائيلية، واستمرار سياسة الاستيطان والاستيلاء على الأراضي والقتل.

من ناحيتها، دعت عضو اللجنة التنفيذية للحزب الحاكم الوزيرة إندفولا مكايانا، السفير الإسرائيلي الجديد لمغادرة بلادها، وقالت إنه" غير مرحب به كونه يمثل حكومة أبارتهايد".

الخيط الرابط

لجنوب إفريقيا تاريخ طويل في دعم الشعب الفلسطيني، كما تذكر معاملة إسرائيل له كثيرين في تلك الدولة بجرائم الفصل العنصري ضد السكان أصحاب البشرة السمراء. 

وتدعم جنوب إفريقيا القضية الفلسطينية منذ إقامة الجانبين علاقات دبلوماسية رسمية في 1995 بعد عام على انتهاء نظام الفصل العنصري في البلاد.

وتحيل المقولة الشهيرة للزعيم الجنوب إفريقي الراحل مانديلا: "نحن نعلم جيدا أن حريتنا ناقصة من دون حرية الفلسطينيين" إلى الخيط الرابط بين نضال الشعبين، للخلاص من نظامين عنصريين.

ويمكن الاستدلال على ذلك من إصدار المحكمة الدستورية بجنوب إفريقيا، في فبراير 2022، حكما يقضي بأن "مصطلحي اليهودية والصهيونية ليسا مترادفين، وأن معاداة الصهيونية ليست معاداة للسامية، وأن هناك فروقا دقيقة بين المصطلحين".

واعتادت إسرائيل ودول غربية على اتهام كل من ينتقد انتهاكات الاحتلال وارتكابه جريمة الفصل العنصري بـ"معاداة السامية".

وتعليقا على الأمر، قال رئيس المجلس الوطني الفلسطيني (برلمان منظمة التحرير)، روحي فتوح، في بيان صحفي، إن "القرار تأكيد على انحياز جنوب إفريقيا لقيم الحرية والديمقراطية والعدالة، وتأييد لكفاح شعبنا في مواجهة الاحتلال الأبرتهايد الذي عانت منه جنوب إفريقيا وانتصرت عليه".

وبين أن "القرار يحمل في مضمونه دعما قانونيا يمكن الاستناد إليه في سياق نضال الشعب الفلسطيني ضد الحركة الصهيونية وعدوانيتها في كافة المحافل الدولية".

وتنامت خلال السنوات الأخيرة الدعوات في الأوساط الفلسطينية إلى تبني النموذج الجنوب إفريقي في الصراع مع نظام الفصل العنصري الإسرائيلي، والاقتداء بتجربة المقاومة السلمية للمؤتمر الوطني الإفريقي.

وهو النموذج الذي تتبناه السلطة في رام الله وتدعو من خلاله إلى إستراتيجية نضالية سلمية، تفضح عنصرية إسرائيل.

وظهر هذا النموذح أيضا على الجانب الآخر مؤخرا من خلال مشاركة القائم بأعمال سفير جنوب إفريقيا "ليسيبا ماتشابا" بفعاليات سلمية شعبية إلى جانب الفلسطينيين.

مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 2021، دخل ماتشابا في مشادة كلامية مع جندي إسرائيلي إثر منعه من المشاركة في فعالية لقطف الزيتون في بيت لحم جنوبي الضفة الغربية قبل أن يرغمه جيش الاحتلال على مغادرة المكان ويطلق قنابل الغاز نحو المواطنين.

وقال الدبلوماسي الإفريقي: "أنت تطردهم لأنهم يجمعون الزيتون"، فأجاب الجندي الإسرائيلي: "يمكن لهؤلاء أن يمثلوا خطرا". رد الأول: "هم يحملون دلوا، وأنت تحمل سلاحا، أين الخطر؟".

وتصف منظمات حقوقية إسرائيل أنها نظام تفوق عرقي يهودي من نهر الأردن إلى البحر المتوسط، ونظام تمييز عنصري، كما تقول منظمة بتسيلم الإسرائيلية. وهذا الرأي ينسحب أيضا على الأوساط السياسية، وعلى من يعارضون حكومة الاحتلال.

إذ صرح عضو الكنيست اليساري عوفر كاسيف في يناير/كانون الثاني 2021، أن إسرائيل اليوم هي الأكثر شبها، من أي وقت مضى، بجنوب إفريقيا العنصرية، وأن ما تفعله ضد الفلسطينيين خاصة في القدس والخليل والنقب هو تطهير عرقي، وهو أمر يقول كثيرون إنه يوحد الجانبين.


تحميل

المصادر:

1

وزيرة خارجية جنوب أفريقيا تتحدث عن إجراءات ضد الاحتلال

2

إطلاق فعاليات أسبوع الأبارتهايد الإسرائيلي في جنوب أفريقيا

3

جنوب أفريقيا تعلن خفض مستوى العلاقات مع إسرائيل، ووزيرة الخارجية تقول إنها لن تقوم بتعيين سفير جديد لدى القدس

4

جنوب إفريقيا تستدعي سفيرها في إسرائيل “حتى إشعار آخر”

5

ترحيب فلسطيني بقرار محكمة في جنوب إفريقيا حول “معاداة السامية”

كلمات مفتاحية :

إسرائيل الاحتلال العنصرية جدار الفصل جنوب إفريقيا فلسطين نظام الفصل العنصري