محاولات تشويه مستمرة.. لماذا يقف الأسد عاجزا أمام الحراك الشعبي في السويداء؟

مصعب المجبل | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

من أجل تحسين الوضع المعيشي الصعب والتنديد بالواقع الاقتصادي المتردي، كانت محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية، على موعد جديد مع حراك شعبي ضد النظام السوري انطلق في 6 فبراير/ شباط 2022.

لكن اللافت أن الحراك أخذ منحى تصاعديا ولم يتوقف المحتجون عند المطالب المذكورة، بل ارتفع سقف الشعارات الشعبية إلى المطالبة بدولة مدنية ديمقراطية، وتطبيق الحل السياسي بسوريا وفقا للقرارات الدولية.

ومحافظة السويداء تقع جنوبي سوريا على حدود الأردن والكيان الإسرائيلي، وتبعد 100 كيلو متر عن العاصمة دمشق، ولروسيا تواصل مع الوجهاء هناك من الطائفة الدرزية (إثنية دينية توحيدية تعود أصولها لمذهب الإسماعيلية).

ومنذ سنوات تعاني مناطق سيطرة النظام السوري تدهورا معيشيا مع انهيار الليرة مقابل الدولار، إضافة إلى شح الوقود والغذاء، وزاد الوضع سوءا مع جائحة كورونا، فيما يواصل النظام فساده وتقضي آلته القمعية على كل من يندد بالوضع الحالي، بتهمة التطرف والإرهاب.

حراك شعبي

وبدا واضحا منذ تفجر الاحتجاج الحالي، أن منظمي الحراك، تساندهم قاعدة شعبية كبيرة من أهالي المحافظة، عكفت على إعداد ورقة مطالب محددة للتفاوض عليها مع حكومة بشار الأسد.

واستطاع الحراك أن يبعث برسالة دولية تمثلت بانخراط الجماعات الأهلية المسلحة في السويداء، دون سلاح، في الحراك الشعبي.

ولا تنعزل الأزمة المعيشية والاقتصادية المتردية في السويداء عما هي عليه في باقي مناطق سيطرة النظام السوري.

فمنذ تسع سنوات ترزح محافظة السويداء تحت أوضاع معيشية واقتصادية صعبة، بسبب زيادة جرعة التضييق عليها من النظام السوري بهدف تركيعها.

وخصوصية السويداء تكمن في أنها تضم النسبة الأكبر من الأقلية الدرزية، وأجبرت النظام السوري لاتباع أسلوب مغاير في القمع الذي سلكته أجهزة الأمن في التصدي للمظاهرات ضد بشار الأسد إبان اندلاع الثورة في مارس/ آذار 2011.

وعقب تأكد السويداء أن معالجة المظاهرات جاء بشكل أمني وعسكري من قبل النظام، عمد شيوخ عقل الطائفة لاتخاذ قرار مبكر بمنع شباب المحافظة من الالتحاق بالخدمة الإلزامية في صفوف قوات الأسد خوفا من توريطهم في الدم السوري، ما شكل ردة فعل كبيرة لدى الأسد بخسارته لهؤلاء المجندين.

وتشهد المحافظة حاليا، غيابا لفرص العمل ومحدودية أماكن الزراعة، وحالة تجارية ضعيفة ورفض مستمر من الأهالي للواقع والخروج بمظاهرات متكررة تحت وسم "بدنا نعيش" وسط هتافات مطالبة برحيل الأسد.

وأي تصرف غير محسوب من جانب أجهزة الأمن التابعة للأسد تجاه السويداء قد يؤدي لصدامات لا تحمد عقباها، ولا سيما مع وجود فصائل محلية تدير شؤون البلدات وتمتلك السلاح.

ويلاحظ أن الاحتجاجات حافظت على "الشعارات الوطنية" والشكل السلمي والحضاري في انفضاضها على الرغم من انتشار قوات أمن النظام السوري في محيط المربع الأمني وسط مدينة السويداء.

وركز المحتجون على جملة من المطالب من توفير المازوت والغاز والكهرباء، كما أعلنوا في الوقت ذاته رفضهم سياسة التهجير التي يتبعها النظام السوري بحق الشعب السوري، في إشارة إلى ما حصل مع المعارضين في محافظة درعا الملاصقة لها.

تشويه الحراك

لكن النظام السوري دفع بتعزيزات أمنية ضخمة من القطع العسكرية القريبة من المحافظة إلى السويداء، وكدسها في نقاط داخلها، ما اعتبره الشارع تلويحا باستخدام القوة.

ولعبت الهيئات الروحية لشيوخ العقل من الطائفة الدرزية على توجيه منظمي الحراك الذين أعلنوا أن تطورات المشهد في السويداء تتوقف على معطيات الواقع وتنفيذ المطالب المقدمة للنظام.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن الشرطة الروسية تلعب دورا مهما في هذا الإطار، لا سيما مع زيارة عدد من الضباط الروس إلى شيوخ العقل لبحث المستجدات.

ويؤكد ناشطون محليون أن سياسات النظام السوري المتعمدة، أودت بالمواطن السوري إلى ما دون خط الفقر وحرمته من أبسط حقوقه.

وحاول النظام السوري منذ بداية الحراك الجديد في السويداء تشويه صورته، وأسند ذلك لمستشارة الأسد، بثينة شعبان، التي تولت المهمة عبر نشرها مقالا في جريدة "الوطن" الموالية تحت عنوان "لحظة من فضلكم" بتاريخ 7 فبراير 2022.

وتضمن المقال ضربا بالاحتجاجات على الأزمة المعيشية في البلاد، التي اعتبرت أنها تصب في مصلحة إسرائيل، مطلقة أوصافا مثل "الطابور الخامس" على الأفراد المتذمرين من تدهور الأحوال الخدمية والاقتصادية.

ولم يسكت المتظاهرون في السويداء على كلام شعبان، ورفضوا تهديدهم بجلب المليشيات الإيرانية أو حزب الله اللبناني لردعهم، أو "التشكيك بوطنية" المحتجين.

وقال أحد قادة الحراك في تسجيل مصور: "أريد أن أوجه رسالة لبثينة شعبان التي تقول نحن مدسوسون من إسرائيل.. إذ في عملاء بالكون أنتم العملاء".

ويرى عقلاء السويداء وزعماؤها التقليديون، ومنهم ليث وحيد البلعوس قائد فصيل "قوات شيخ الكرامة" المحلي، أنه لا داعي لوجود النظام السوري في المحافظة، طالما هو عاجز عن تأمين احتياجات الأهالي في ظل غياب الأمن وعدم قدرة أجهزته الأمنية على حماية المواطنين من عمليات الخطف والسرقة.

وأكد ليث الذي اتهم إيران ومليشيا "حزب الله" اللبناني بالوقوف وراء مقتل والده عام 2015، على قدرتهم على توفير تلك الاحتياجات بـ "أنفسهم بكرامة"، وفق ما ذكر في لقاء خاص على "تلفزيون سوريا" المعارض، في أغسطس/ آب 2021.

تمرير المطالب

وفي هذا الإطار، اعتبر الكاتب والصحفي السوري حافظ قرقوط أن "النظام السوري يدعي أنه يحمي الأقليات، وحراك محافظة السويداء التي لا يتجاوز عدد سكانها حاليا من 300 - 400 ألف نسمة استطاع أن يكسر شوكة النظام ويقول للعالم إنه هو الإرهابي".

وأضاف لـ"الاستقلال": "الأهالي أفشلوا خطط حزب الله اللبناني للتغلغل في بنية المجتمع، وكذلك الحرس الثوري الإيراني الذي حاول التمدد في السويداء، إذ لم تتمكن إيران من تجنيد سوى عدد لا يذكر لصالحها هنا عبر الشراء بالمال وليس الانتماء".

ولفت قرقوط المنحدر من السويداء إلى "أن الحراك الجديد حاول ألا يؤذي الحاضنة الشعبية في السويداء، لتجنب خلق أعداء داخله، إذ تمكنوا تمرير مطالبهم بهدوء وتسليط الضوء على الأوجاع المباشرة للمواطنين، لكن الأهداف السياسية الأبعد خلف الحرك ظهرت ووجدت الفرصة للتعبير عن نفسها".

ونادى المحتجون في السويداء صراحة بضرورة تطبيق القرار الأممي 2254 الصادر عام 2015 وإسقاط النظام السوري، وخروج إيران وروسيا من سوريا.

وحتى الآن ما يزال القرار الأممي 2254، الممهد للحل في البلد دون تطبيق، ولم يحقق أيا من سلال العملية السياسية الأربع وهي: الحكم الانتقالي، والدستور، والانتخابات، ومكافحة الإرهاب.

ونوه الكاتب السوري قرقوط إلى أن "النظام السوري منذ بداية الثورة السورية، كان يعد عدته لإشغال السويداء مع درعا وخطط أخرى مع عشائر البدو وثالثة بين عائلات السويداء".

 ومضى يقول: "لكن كل ذلك جرى استيعابه والتصدي له، على الرغم من اللعب على وتر عمليات خطف المدنيين من قبل مجموعات تتبع لأجهزة النظام بهدف طلب الفدية المالية".

ولفت قرقوط إلى أن "النظام السوري منذ البداية حاول أن يدعي أن الثورة ثورة سنية، لكن بوجود السويداء تؤكد على أنها ثورة وطنية، في بلد مثل سوريا متعدد الانتماءات".

وذهب للقول إن "النظام السوري يحاول جر حراك السويداء في أكثر من موقف إلى صراع عسكري وخاصة مع تنظيم الدولة".

فضلا عن "إرساله عملاء له من شخصيات دروز لبنان كوئام وهاب وطلال أرسلان وسمير القنطار (قتل بقصف إسرائيلي بسوريا عام 2015) من أجل خلق شعبية في المحافظة وجرى افتتاح مكاتب، ما دفع شباب السويداء لإغلاقها وإفشال كل هذه المحاولات"، وفق قرقوط.

وأكد أن "السويداء لم تذهب إلى ملعب النظام السوري الأمني الذي يحاول جر المحافظة المحاصرة إليه، وهذا ما أفشلته الحالة الحضارية للتظاهرات الحالية لأبناء السويداء، عبر النداءات لباقي المحافظات السورية على اعتبار أن الشعب يواجه نفس المشكلة، ويسيرون في ذات الهدف المتمثل بإيجاد دولة لكل السوريين تحت سقف القانون".

الوصاية الدولية

تصريحات النظام السوري "الاستفزازية" تجاه حراك السويداء، دفعت الرئيس الروحي للطائفة الدرزية في فلسطين المحتلة، الشيخ "موفق طريف" للدعوة إلى نقل ملف السويداء إلى مجلس الأمن الدولي وتحريك الرأي العام العالمي حوله؛ وذلك من أجل ضمان عودة الأمن والأمان إلى سكان السويداء، بعد تهديدات نظام الأسد على لسان شعبان.

كما أن إرسال النظام السوري تعزيزات أمنية هي الأولى من نوعها التي تدخل السويداء منذ عام 2011، دفعت ضباطا من القيادة الروسية في دمشق، ومركز المصالحة التابع لها، إلى لقاء محافظ السويداء نمير مخلوف، في 10 فبراير 2022، للاستفسار عن قدوم تلك التعزيزات الأمنية، والتي أجاب المحافظ أنها من "أجل منع التصعيد وتجنب الاستفزازات". 

وفي هذا السياق، يرى الخبير العسكري السوري العميد عبد الله الأسعد أن "الأحداث بالسويداء بالنسبة لبشار الأسد هي عبارة عن نظرية رياضة يصعب حلها، لأنه يدرس حاليا مع أجهزته الأمنية والمستشارين، طريقة الخروج من هذه الأزمة".

ويشير الأسعد في حديثه لـ"الاستقلال" إلى إن الأسد عاجز عن تلفيق التهم ضد أهالي السويداء كونه لا يستطيع أن يصفهم بأنهم منتمون لجماعة الإخوان المسلمين ولا إلى تنظيم الدولة أو المتشددين، لأنها كلها لا تنطلي على الشعب السوري، نظرا لخصوصية السويداء وتشكلها من الطائفة الدرزية.

ويضيف: "فيما الدم السني رخيص، وإذا أقدم بشار الأسد في السويداء على فعل ما فعله مع المحافظات السنية السورية من القتل والمجازر والقصف وتدمير بيوتهم وتهجيرهم، فإن العالم كله سيتحرك ويتدخل لإنقاذهم، لذا هو عاجز عن صبغ الحراك بالشيطنة والإرهاب".

ويرى الأسعد أن "الذي يجرى في السويداء هو من منتجات الترتيب المستقبلي للجنوب السوري كاملا كي يكون حديقة خلفية آمنة للكيان الإسرائيلي ويختلف عن باقي ترتيب المحافظات السورية الأخرى، وأن يتحول الجنوب لإقليم تحت الوصاية الدولية بإشراف روسي لكون موسكو تشكل الذراع الإسرائيلي في هذه المنطقة".

 وبين العميد السوري أن من مؤشرات ذلك، "أنه منذ عام 2016 جرى ترتيب أن يكون للقوات الروسية التي بنت قاعدة عسكرية في منطقة جباب بريف درعا وجود عناصر إلى جانب اليونفيل، لا سيما أن عملية خطف عناصر الأخير كان مخططا له من أجل إبعاد الكتائب الفنلندية والهولندية وغيرها من المنطقة وإحلال القوات الروسية مكانها".

وزاد بالقول: "ولهذا تتسلم روسيا عمليات المصالحات والتسوية مع الشباب وفصائل المعارضة السورية في الجنوب السوري، وهذا ما يقودها إلى التدخل فيما يجرى في السويداء وتجرى لقاءات ومشاورات مع ضباط الأسد والزعامات الدرزية المحلية".