علي مملوك.. "ظل الأسد" وحامل حقيبته الأمنية المطلوب دوليا في جرائم ضد الإنسانية

مصعب المجبل | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

على يمين بشار الأسد يجلس دائما رئيس "مكتب الأمن الوطني" التابع للنظام السوري علي مملوك، ويسير خلفه عند استقبال أي وفد قادم لدمشق.

ينطبق على مملوك دون سواه حاليا "رجل الظل"، الذي لطالما عد خلال العقد الأخير، اليد الأمنية الأولى والممسك بخيوط كافة أجهزة الأمن والمخابرات في كامل النظام السوري.

وبقي مملوك على مدى السنوات الأخيرة يتصدر لقاءات أمنية نيابة عن النظام السوري مع دول خارج قوس التحالف معه، وأغلب هذه الاجتماعات كانت سرية وتجري في خضم عزلة يعيشها الأسد بعد قمعه للثورة السورية منذ مارس/ آذار 2011.

لكن غيابا مفاجئا لمملوك عن لقاءات بشار الأسد الشحيحة مع الشخصيات الرسمية للدول في الآونة الأخيرة، فتح أقواسا عريضة حول ماهية إبعاده عن المشهد وانتهاء ورقته لصالح مدير عام مخابرات النظام، حسام لوقا.

غير أنه بعد غيابه لمدة ظهر مملوك مجددا على يمين الأسد في قاعة خلال اجتماع مع ألكسندر لافرنتييف المبعوث الخاص للرئيس الروسي فلاديمير بوتين والوفد المرافق له في 20 يناير/كانون الثاني 2022.

وحينها كان لافرنتييف قادما إلى دمشق من العاصمة السعودية الرياض بعد لقائه مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، لبحث الملف السوري تحديدا، ما وضع حدا لروايات إقصاء مملوك عن المشهد السياسي.

النشأة والتكوين

ولد علي مملوك في مدينة دمشق عام 1949، وهو من عائلة سنية، ووالده كان ضابطا في فرقة القمصان الحديدية العسكرية التي تأسست عام 1936 لمقاومة الانتداب الفرنسي.

كما كان عمه حسن مملوك يشغل رئيس كتلة "الإخوان المسلمين" في البرلمان السوري، فيما تقول مصادر أخرى أنه ينتمي لأسرة علوية مهاجرة من لواء إسكندرون.

ويؤكد موقع "مع العدالة" (مستقل) الذي يعنى بإحقاق مبدأ المساءلة ومنع الإفلات من العقاب لمجرمي الحرب ومنتهكي حقوق الإنسان، أن السجل الجنائي لمملوك يعود إلى ثمانينيات القرن العشرين.

إذ نشر المركز الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سوريا، قائمة في عام 2002 تضم 76 ضابطا طالب بمحاكمتهم، بتهمة ارتكاب جرائم أو الإيعاز بارتكابها.

وكان مملوك برتبة مقدم عندما أوكلت إليه مهمة الإشراف على البرنامج الكيميائي للنظام السوري.

وبحسب "مع العدالة"، كان مملوك أحد الضباط المشرفين على تجارب الأسلحة الكيميائية خلال الفترة 1985-1995، وعلى استخدامها ضد معتقلين سياسيين بسجن تدمر في "الوحدة 417" التابعة للمخابرات الجوية، في منطقة أبو الشامات بالبادية السورية.

حيث جرى تجريب الأسلحة الكيمائية على المعتقلين، ومن ثم محو آثار الجريمة في المنطقة عبر قصفها بالطيران الحربي.

صناعة القمع

حاز مملوك على ثقة حافظ الأسد الذي قفز إلى السلطة بموجب انقلاب عسكري منذ 1971 وحكم البلاد بالحديد والنار حتى وفاته عام 2000، مورثا الحكم لابنه بشار .

كان مملوك منهمكا في مهمة رئاسة فرع التحقيق في المخابرات الجوية السورية، وتدرج في مناصبها حتى تسلم إدارتها ما بين عامي 2003-2005، وعقب ذلك تولى مملوك رئاسة جهاز المخابرات العامة "أمن الدولة" عام 2005.

لم يكن مملوك شخصا روتينيا، بل راح هنا يعمل على تطوير الجهاز، وتزويده بأساليب جديدة للمراقبة وقمع الحريات العامة في سوريا.

وأصبح منذ ذلك الحين الواجهة المخابراتية للنظام السوري بامتياز، لا سيما بعدما أوكل إليه بشار الأسد مهمة التنسيق مع أجهزة الاستخبارات العالمية بما فيها الأميركية والأوربية والإيرانية وبعض الأجهزة العربية، ما أتاح له مجال الإمساك بعدد كبير من ملفات النظام خلال الفترة 2011-2018.

وكان مملوك على موعد مع صعود أمني كبير ناجم عن حدث محلي هز سوريا والعالم، حينما وقع تفجير غامض استهدف اجتماعا لـ"خلية الأزمة" لقمع الثورة، في مبنى مكتب الأمن الوطني بحي الروضة الراقي وسط دمشق في 18 يوليو/تموز 2012.

وقتل في التفجير حينها رئيس مكتب الأمن الوطني، اللواء هشام اختيار، إلى جانب أربعة من أعمدة النظام السوري بينهم نائب وزير الدفاع آنذاك آصف شوكت، صهر بشار الأسد.

فعين الأسد علي مملوك خلفا لـ"اختيار" كرئيس لمكتب الأمن الوطني، وبذلك مضى "صندوق الأسد الأسود" كما يسميه السوريون، كواجهة يحركه رئيس النظام كما يشاء.

ونظرا لسجله القمعي؛ وضعت الولايات المتحدة علي مملوك ضمن قائمة العقوبات ضد منتهكي استخدام تقنيات الحاسوب بإيران وسوريا في أبريل 2012، وذلك نتيجة إشرافه على برنامج للاتصالات موجه ضد مجموعات المعارضة.

معاقب دوليا

ويعتبر علي مملوك المسؤول المباشر عن الجرائم التي ارتكبها عناصر إدارة المخابرات العامة في الفترة الممتدة ما بين بداية الثورة السورية عام 2011 وحتى يوليو 2012.

وبناء على هذا السجل الدموي أدرج مملوك في قوائم العقوبات البريطانية والأوربية والكندية، التي حملته المسؤولية المشتركة عن الجرائم التي تم ارتكابها بحق الشعب السوري.

كما فرض عليه الاتحاد الأوروبي عقوبات اقتصادية، في مايو/أيار 2011، بسبب تورطه بأعمال العنف ضد المتظاهرين السلميين الذين خرجوا ضد النظام السوري.

وورد اسم مملوك في مذكرة اعتقال دولية أصدرها القضاء الفرنسي بحق ثلاثة ضباط في مخابرات النظام السوري، بتهمة ارتكاب "جرائم ضد الإنسانية" و"جرائم حرب"، وتورطهم في عمليات الإخفاء القسري وتعذيب المعتقلين بطريقة وحشية، وفق صحيفة "لوموند" في 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2018.

وكان علي مملوك حريصا دائما على السفر إلى الخارج، وشوهد آخر مرة في ظهور علني خارج سوريا في بغداد في سبتمبر/ أيلول 2021.

كما تولى مملوك مسؤولية رأب الصدع في العلاقة مع الأردن، والذي عمل فيه سرا مع نظرائه في مديرية المخابرات العامة الأردنية عدنان عصام الجندي ثم أحمد حسني.

ومن المؤسف له، أن نائب وزير الدفاع علي عبد الله أيوب وعملاءه في المخابرات العسكرية السورية حصدوا ثمار عمله عندما سافروا إلى العاصمة عمان في 19 سبتمبر 2021، ما مهد الطريق أمام أول مكالمة هاتفية بين الأسد والملك عبد الله الثاني في 3 أكتوبر من العام ذاته.

منافسة لوقا

ونشط علي مملوك، خلال العقد الأخير في جميع الحملات الاستخباراتية في البلاد منذ عام 2012، على الصعيدين الداخلي والخارجي.

غير أن مجلة "إنتيليجنس أونلاين" الفرنسية المعنية بشؤون الاستخبارات نشرت في 7 يناير 2022 أن مملوك جرى تهميشه لصالح اللواء حسام لوقا الذي عين مديرا عاما لمخابرات النظام السوري.

إذ تسلم لوقا منطقة مسؤوليات مملوك الواسعة في الملفات الخارجية، والمصالحة الإقليمية وعودة سوريا إلى المحافل الدولية، بالإضافة إلى الملفات الداخلية كالمفاوضات مع قوات سوريا الديمقراطية "قسد".

فضلا عن ملف المصالحات بين الشبان السوريين الذي لم ينته بعد، لكنه ومع ذلك، فإن هذه المسؤوليات تتراكم الآن أمام بشار الأسد، ويبقى مملوك هو الشخص الوحيد الذي يتحكم بالفعل في هيكله الاستخباراتي المعقد.

وسبق ذلك في يوليو/ تموز 2019، شائعات عن إقالة مملوك من رئاسة جهاز الأمن الوطني لصالح نائبه محمد ديب زيتون ومع ذلك استمرت البيانات الرسمية في الإشارة إليه كرئيس للمكتب بعد ذلك التاريخ.

وعلى الرغم من الحاجة إلى حلحلة العديد من الملفات الإقليمية، بما في ذلك عودة سوريا إلى الإنتربول والجامعة العربية، لكن يبدو أن مملوك لا يلعب أي دور في المحادثات الإقليمية التي يشارك فيها النظام السوري.

إذ إنه على الرغم من أن مملوك كان زائرا منتظما للقاهرة، إلا أنه لم تجر دعوته إلى منتدى المخابرات العربي الثاني في 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، برئاسة رئيس المخابرات المصرية عباس كامل.

فيما حضر نيابة عنه مدير المخابرات العامة حسام لوقا، شركسي الأصل.

ويعرف لوقا بأنه خبير في التسويات والمصالحات، وتمكن في نهاية أغسطس/آب 2021 من إخضاع محافظة درعا لنفوذ الأسد بعد أن قاد مفاوضات تسوية مع الأهالي بدعم روسي.

وعقب ذلك مباشرة، انتقل اللواء لوقا بلباسه المدني، إلى المهمة الثانية الهامة في معادلة النفوذ بسوريا، المتمثلة بإجراء عمليات تسوية للشباب مع النظام في دير الزور والرقة حضرها ضباط روس كبار.

كما أشرف على عمليات هدفها تجنيد الشباب في صفوف الأسد لأغراض كثيرة منها تأمين الحدود السورية العراقية.

وبحسب إنتيليجنس أونلاين، أصبح الآن لوقا في وضع ملائم لتولي إدارة المفاوضات مع الأكراد السوريين، الباردة حاليا، والتي كان يقودها حصريا مملوك.

مملوك كبريد

ويعتبر مملوك المسؤول عن خمس أجهزة أمنية تتبع للنظام السوري متجاوزا بذلك تبعية بعضها لوزارة الدفاع والداخلية بأوامر من بشار الأسد.

ويعد كذلك، شخصية مقبولة ولها ثقلها عند روسيا وإيران أبرز الداعمين للنظام السوري، ولهذا تصر موسكو على حضور مملوك كل اجتماع للمبعوث الروسي لافرنتييف مع الأسد في دمشق.

كما لم يجد بشار الأسد سوى مملوك كـ "مبعوث خاص" عنه للذهاب إلى طهران لتقديم "واجب العزاء" بعد يومين من مقتل قاسم سليماني قائد "فيلق القدس" السابق،  بضربة أميركية قرب مطار العاصمة بغداد في 3 يناير 2020.

واستطاع مملوك عقب الثورة عقد لقاءات أمنية في الأردن ومصر وفي روسيا، ومن أشهرها لقاؤه في 13 يناير 2020 في موسكو برئيس جهاز المخابرات التركي، حقان فيدان، وبحضور روسي وفق ما أعلنته حينها وكالة إعلام النظام "سانا".

كما حصل لقاء ثان بين مملوك وفيدان في العاصمة العراقية بغداد في سبتمبر 2021، رغم تمزق العلاقات التركية السورية منتصف عام 2011 نتيجة دعم أنقرة للثورة السورية.

وذهب مملوك إلى الرياض لإجراء لقاءات أمنية مع المسؤولين السعوديين، وفق ما سربته صحيفة "الحياة" اللندنية المقربة من السعودية.

وكشفت أنه التقى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بمدينة جدة في 7 يوليو/ تموز 2015 واصفة اللقاء بـ "المعجزة".

كما أجرى بعدها زيارة سرية في يناير 2019 إلى الرياض حسب صحيفة "الجمهورية" اللبنانية.

ولبى مملوك، في 17 أكتوبر 2016 دعوة مدير جهاز المخابرات العامة المصري السابق خالد فوزي لزيارة القاهرة، حيث جرى الاتفاق على "تنسيق المواقف السياسية بين سوريا ومصر وتعزيز التنسيق في مكافحة الإرهاب".

وضمن التعاون بين النظامين السوري والمصري دعا بشكل علني رئيس جهاز المخابرات العامة عباس كامل الذي عينه السيسي خلفا لفوزي، مملوك لزيارة مصر في 22 من ديسمبر 2018.

وبحسب موقع "ilfoglio” الإيطالي، فإن مملوك قام بزيارة سرية إلى العاصمة الألمانية برلين، في يوليو/تموز 2016 في انتهاك صارخ للعقوبات الأوروبية المفروضة ضد النظام السوري وأركانه.

وزار مملوك بداية عام 2018 إيطاليا بدعوة رسمية للاجتماع مع وزير الداخلية السابق ماركو مينيتي ورئيس المخابرات ألبرتو ماننتي، واعتبرت الزيارة حينها تجاهلا تاما لعقوبات الاتحاد الأوروبي، وطعنة في الظهر لضحايا تعذيب نظام الأسد.