كيف تحولت البحرين لمنصة تطبيع عربي مع إسرائيل؟

محمد العربي | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لم تعرف مبادرة أمريكية تتحدث عن السلام في الشرق الأوسط، حالة من الارتباك، مثل تلك التي تشهدها صفقة القرن المزعومة، التي أعلنها صهر الرئيس الأمريكي جاريد كوشنر قبل عامين، ورغم أنه صرح في بداية مايو/ أيار الجاري، بإطلاقها بعد رمضان، إلا أن مسؤولين بارزين في إدارة الرئيس دونالد ترامب، تحدثوا عن تأجيلها لمزيد من التشاور، وسيتم استبدالها بورشة عمل اقتصادية تحتضنها البحرين، نهاية حزيران/ يونيو المقبل.

التأجيل الأمريكي للشق السياسي من الصفقة، وتقديم الجانب الاقتصادي، بورشة المنامة، التي تستهدف بحث وتنشيط الجانب الاقتصادي في الأراضي الفلسطينية، اعتبره المراقبون، تغيرا ديناميكيا في التحرك الأمريكي الخاص بالصفقة، كما أنه يكشف عن عدم التعاطي الإيجابي لمعظم الأطراف المعنية بها.

ورغم أن الإدارة الامريكية لم تعلن رسميا أن مؤتمر المنامة، هو الخطوة الأولى لصفقة القرن، إلا أن وسائل الإعلام المقربة من دوائر صنع القرار الأمريكي، ذهبت للنتيجة السابقة، وهو ما يثير التساؤلات عن جدوى المؤتمر؟ وهل هو من أجل دعم الاقتصاد الفلسطيني، واعتباره عاملا تحفيزيا للأطراف المختلفة، أو بمعني آخر أنه سيكون بمثابة "جر الرجل" للصفقة الأشمل؟ أم أن مؤتمر المنامة، ما هو إلا إشهار لعقود التطبيع السرية التي وقعتها معظم الدول العربية مع إسرائيل، وكانت بحاجة فقط للإشهار؟

مؤتمر المنامة

وحسب ما نقلته شبكة "سي أن أن" عن مسئولين في البيت الأبيض، فإن إدارة ترامب قررت عقد مؤتمر في البحرين يومي 25 و26 من حزيران/ يونيو المقبل، للتشجيع على الاستثمار في المناطق الفلسطينية كخطوة أولى لخطة السلام الخاصة بتسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وأوضح البيت الأبيض أنه سيشارك فيه قادة حكومات وممثلون بارزون عن المجتمع المدني وقطاع الأعمال.

وعن الهدف من المؤتمر أكدت الشبكة الأمريكية، أن إدارة ترامب تريد تحفيز الدعم للاستثمارات الاقتصادية المحتملة حال التوصل إلى اتفاق سلام في الشرق الأوسط.

ونقلت وسائل إعلام غربية عن مسئولين بارزين في الإدارة الأمريكية، ملامح للخطة المرتقبة والتي تتضمن 4 عناصر، تتمثل في البنية التحتية، والصناعة، والتمكين والاستثمار في الشعوب، إضافة إلى الإصلاحات الحكومية، وذلك من أجل إيجاد بيئة جاذبة للاستثمار في المنطقة، بهدف حل النزاعات التي أثّرت على عملية السلام وتسببت بإطالة أجل نجاحها، ومن ضمن هذه النزاعات: حق الفلسطينيين بإقامة دولتهم المستقلة، ووضع القدس، والإجراءات التي تتخذها إسرائيل من أجل الدفاع النفس، بالإضافة إلى قضية اللاجئين الفلسطينيين.

هل هو الأردن؟

وفي تعليقها على تأجيل الشق السياسي من صفقة القرن كشفت صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية، أن الأردن هو الذي يقف عائقا أمام تنفيذ الصفقة، خاصة في ظل التوتر الداخلي الذي تشهده المملكة نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية والسياسية الموجودة منذ عدة أشهر.

وبحسب الصحيفة الإسرائيلية، فإن مبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للشرق الأوسط، جيسون جرينبلات، حاول الشهر الماضي طمأنة الأردن، والتأكيد أن الملك عبد الله الثاني والأردن حلفاء للولايات المتحدة وبقوة، نافيا احتواء صفقة القرن على بنود تتضمن كونفيدرالية بين الأردن والسلطة الفلسطينية، أو أن هناك تصورا لجعل الأردن وطنا للفلسطينيين، إلا أن هذه التأكيدات لم تنجح في تهدئة مخاوف الملك، الذي يرى أن هناك مؤامرة ضد الأردن تقف ورائها أمريكا، لإجباره على تقديم تنازلات بعيدة المدى لتسهيل تنفيذ الصفقة.

لماذا البحرين؟

وتشير العديد من التحليلات إلي أن اختيار البحرين، لم يكن عشوائيا، وإنما كان اختيارا مدروسا من الإدارة الأمريكية، وفقا لتحركات الملك عيسى بن حمد آل خليفة، في خلق ظهير إستراتيجي يدعم البحرين في دوامة الصراعات التي تشهدها منطقة الخليج العربي، وهو ما ترجمته تصريحات الشيخ سلمان بن خليفة آل خليفة وزير المالية والاقتصاد بالبحرين، بأن الورشة تأتي تأكيدا للشراكة الإستراتيجية الوثيقة بين البحرين والولايات المتحدة الأمريكية.

ويرى المتابعون أن ورشة المنامة، سوف تكون منصة لإطلاق التطبيع الرسمي بين إسرائيل وعدد من الأنظمة العربية، وهو ما ألمح إليه بيان وكالة الأنباء البحرينية الخاص بالورشة، التي حملت عنوان "السلام من أجل الازدهار".

وقدمت الوكالة في تغطيتها للورشة المرتقبة العديد من المميزات التي تؤكد على أهمية البحرين على وجه الخصوص، واعتبرت الوكالة الرسمية أن الورشة تعد فرصة محورية لاجتماع قادة الحكومات ومؤسسات المجتمع المدني وقطاع الأعمال لتبادل الأفكار والرؤى ومناقشة الإستراتيجيات لتحفيز الاستثمارات والمبادرات الاقتصادية الممكنة مع تحقيق السلام في المنطقة.

كما أنها سوف ستتيح الفرصة لتبادل الآراء والأفكار من خلال طرح مستفيض لرؤى طموحة وأطر عمل تنفيذية من أجل مستقبل مزدهر للشعب الفلسطيني وللمنطقة، وسيشمل ذلك نقاشات حول تحسين الحوكمة الاقتصادية، وتطوير رأس المال البشري وإفساح المجال أمام نمو القطاع الخاص بشكل متسارع. وستبحث الورشة الانعكاسات والنتائج الإيجابية لتنفيذ مثل هذه الرؤى والتطلعات لتأمين مستقبل أكثر إشراقًا للمنطقة.

اللعب بالنار

على الجانب الآخر، وصفت العديد من التحليلات، استضافة البحرين للمُؤتمر الاقتصادي، بأنه تجاوزٌ لكُل الخُطوط الحمراء، وحسب تعليق صحيفة "رأي اليوم" في افتتاحيتها، فإن رِهان حُكومة المنامة على الحِماية الإسرائيليّة خطيرٌ وخاسِرٌ وسيرتد سلبا على أمن البِلاد واستِقرارها.

وذهبت الصحيفة إلى أن العالم يشهد العديد من المُبادرات والمُؤتمرات الدوليّة للتّمويل مثل مشروع مارشال الأمريكيّ لإعمار أوروبا ماديا واقتصاديا بعد انهيارها نتيجة الحرب العالميّة الثّانية، والشّيء نفسه يُقال أيضا عن اليابان، ولكن أن يتم تنظيم مؤتمر وبرعاية أمريكيّة إسرائيليّة من أجل إزالة دولة، وطمس هُويّة شعب من الوجود، فهذا هو ما سيحدُث تمامًا في المُؤتمر الذي سيُنظّمه جاريد كوشنر، صِهر الرئيس الأمريكي ومُستشاره، في دولة البحرين تحت عُنوان تطبيق الجوانب الاقتصاديّة لـ"صفقة القرن".

وحسب التحليل نفسه، فإن "عُنوان المُؤتمر مِثل أهدافه، ينطوي على درجة كبيرة من الكَذب والتّضليل، فأين هو السّلام، وكيف سيأتي الازدهار للفِلسطينيين في ظِل غِياب أيّ اعتراف، أو إشارة إلى قِيام الدولة الفِلسطينيّة وعاصِمتها القدس، وهي الحد الأدنى لمطالب الشّعب الفِلسطيني".

ولم تستغرب الصحيفة، أن تُرحّب البحرين باستضافة المُؤتمر الذي سيدخل التّاريخ على أنّه سيكون لتصفية القضيّة الفِلسطينيّة كليا، وتهويد المقدّسات، وإزالة اسم فِلسطين من الخرائط، وتحويل الشعب الفِلسطيني إلى خدم للإسرائيليين بدون أيّ هُويّة وطنيّة أو قوميّة، باعتبار أن دولة البحرين باتت الحاضنة للمُخطّطات الإسرائيليّة والأمريكيّة لكُل المشاريع التّطبيعيّة والمُعادية للقضيّة العربيّة المركزيّة.

ووجهت الصحيفة تحذيرا لحُكومة البحرين بأنّها لا تلعب بالنّار وتتجاوز كُل الخُطوط الحمراء الوطنيّة والعربيّة والإسلاميّة فقط، وإنّما أيضًا تُوفّر الأسباب لتهديد أمنها واستقرارها، لأنّ الشعب البحريني بكُل طوائفه وأعراقه، سيُقاوم هذا الانحِراف وسيتصدّى له، خاصّةً أنّ جميع المشاريع المُماثلة كان مصيرها الفشَل بسبب مُقاومة الشعب الفِلسطيني مدعومًا بالأمّتين العربيّة والإسلاميّة له.

حماس تحذر

وفي الوقت الذي وجهت فيه الولايات المتحدة الدعوة لإسرائيل من أجل حضور المؤتمر، حذرت حركة حماس في بيان رسمي لها، من الأهداف الخبيثة من وراء أي خطوات أو أنشطة تمثل بوابة للتطبيع والانخراط العربي العملي في تبني "صفقة القرن" وتطبيقها، واعتماد الرؤية الإسرائيلية (نتنياهو-ترامب) لما يسمى السلام الاقتصادي لإنهاء القضية الفلسطينية، والذي يتعارض مع القرار العربي والموقف الفلسطيني الموحد برفض الصفقة الأمريكية التصفوية، ويمثل خروجا عن الثوابت العربية والإسلامية".

ودعت حماس، حكومة البحرين وشعبها لرفض تدنيس أراضيها من العدو الصهيوني قاتل الفلسطينيين، كما طالبت الدول العربية بعدم تلبية دعوات المشاركة، والوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني بكل الوسائل والأدوات، ودعمه لمواجهة الخطة الأمريكية وإفشالها".

ولم يختلف موقف السلطة الفلسطينية كثيرا عن موقف حماس، حيث أكدت الخارجية الفلسطينية أنه لا يوجد سلام اقتصادي من دون سلام سياسي مبني على أسس المرجعيات الدولية المعتمدة، ويؤسس لدولة فلسطينية مستقلة على حدود العام 1967 والقدس الشرقية عاصمة لها.

فرص النجاح

وتشير تحليلات عديدة إلى أن المجهود الذي يبذله الجانب الأمريكي من أجل نجاح صفقة القرن، لن يكون مرادفا لنجاح الصفقة، وربما تتحول لكابوس ضد إسرائيل وأمريكا علي حد سواء، وهو ما ذهب إليه تحليل موسع لشبكة "بي بي سي"، تحت عنوان "صفقة القرن: هل تتحول الخطة الأمريكية إلى "كابوس"؟

واعتمد التقرير البريطاني على عدة كتابات لمحللين عرب، أكدوا فيها أن مصممي صفقة القرن اعتمدوا على الضعف العربي باعتباره حالة دائمة، وهو قرار غير صحيح، كما أن ما يصرح به الأمريكان من أفكار لن يكون ملزما لأحد إذا ما استعاد العرب قدرتهم على أن يكونوا الطرف القوي المناسب في الحوار.

وما يدعم ما ذهبت إليه "بي بي سي"، ما كتبه جهاد الخازن في مقاله بصحيفة "الحياة" اللندنية، بأنه طوال عقود عدة كان هناك طلاب سلام أمريكيون ذهبوا وبقيت "عملية السلام" موجودة أو موضع حديث مستمر، كما أن إدارة ترامب زعمت أنها تريد السلام و"صفقة القرن" هي الأداة للوصول إلى السلام، إلا أن الإدارة الأمريكية مع إسرائيل ضد الفلسطينيين، وفي إسرائيل حكومة متطرفة يواجهها من الفلسطينيين سلطة لا تملك أي سلطة في مشروع الحل الأمريكي – الإسرائيلي.