انقلاب في ضيافة حرب أهلية.. لماذا أرسل "السيادة السوداني" حميدتي إلى إثيوبيا؟

أحمد يحيى | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

مثلت زيارة نائب رئيس مجلس السيادة الحاكم بالسودان، الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) إلى إثيوبيا، نقطة جديدة في إعادة تموضع العلاقات بين البلدين، بعد فترة من الخصومة والصراع الحدودي في الفشقة. 

وتتجاوز الزيارة وفق مراقبين الأوضاع الإقليمية إلى إقرار وضع جديد للإدارة السودانية بشكلها الحالي، بالتزامن مع اضطرابات داخلية متواصلة تنديدا بانقلاب العسكر ويتقدمهم عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة على اتفاق المرحلة الانتقالية الذي كان يمهد لتسليم الحكم للمدنيين.

وكانت إثيوبيا منذ سقوط الرئيس السابق عمر البشير في 2019، من رعاة العملية السياسية، وأشرفت على اتفاقيات المصالحة مع الحركات المسلحة، حتى تعثر المفاوضات الثلاثية بين مصر والسودان وإثيوبيا بشأن سد النهضة. 

ومع بدء عودة العلاقات مرة أخرى بزيارة حميدتي، برزت تساؤلات عن أسباب اختيار قائد قوات الدعم السريع سيئة السمعة لتلك المهمة، ولماذا ذهب في هذا التوقيت والوضع الداخلي متأزم؟ وما يمكن أن تقدمه أديس أبابا للخرطوم حاليا؟ 

الزيارة الأولى 

في 22 يناير/ كانون الثاني 2022، وصل حميدتي إلى أديس أبابا وعقد مباحثات مع رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد وعدد من المسؤولين.

وذكرت شبكة "فانا" الإعلامية الإثيوبية (حكومية) أن حميدتي التقى خلال زيارته وزير الدفاع الإثيوبي أبراهام بلاي، ولم تصدر أي بيانات تفصيلية عما دار في اللقاء.

لكن مصادر دبلوماسية إثيوبية، إضافة إلى وسائل إعلام رسمية، أكدت أن حميدتي بحث مع المسؤولين الإثيوبيين "تطورات الأوضاع في السودان، والجهود المبذولة لتحقيق الوفاق الوطني، إضافة إلى القضايا العالقة بين البلدين، واستئناف فتح المعابر الحدودية".

وتعد زيارة حميدتي الأولى لمسؤول سوداني كبير إلى أديس أبابا عقب اندلاع توترات بين البلدين جراء إعلان الخرطوم في ديسمبر/كانون الأول 2020 سيطرة الجيش على كامل أراضي منطقة الفشقة الحدودية المتنازع عليها مع إثيوبيا.

بعدها توقفت العلاقات وتأزمت الأمور بين البلدين، وكان كلاهما في شغل عن الآخر بسبب تطورات الأوضاع الداخلية المتأزمة، سواء إشكالية الانتقال الديمقراطي بين المدنيين والعسكريين في الخرطوم، أو الحرب الأهلية بين الجيش الإثيوبي وجبهة تحرير تيغراي في أديس أبابا. 

لماذا حميدتي؟ 

وأرجعت وسائل إعلام سودانية مثل صحيفة "الراكوبة" المحلية، في 24 يناير 2022، سبب اختيار حميدتي دون غيره من الجنرالات للذهاب إلى إثيوبيا، إلى وجود علاقة خاصة بين قائد قوات الدعم السريع "الجنجويد" والنظام هناك. 

خاصة وأنه في ديسمبر 2020، عندما اندلعت المعارك الحدودية، نأى حميدتي بنفسه عنها، وكشفت صحيفة "مونتي كاروو" السودانية آنذاك أن قائد الجنجويد اعتذر عن عدم مشاركة قواته مع الجيش السوداني، في معارك تحرير الفشقة.

ونقلت الصحيفة عن مصدر عسكري رفيع أن حميدتي برر لهيئة أركان الجيش عدم المشاركة بقوة قوامها لواء مشاة في الوقت الراهن، بحجة "عدم جاهزيتها".

لكن مراقبين ذهبوا إلى أن السبب الحقيقي وراء رفض حميدتي هو إملاءات حليفته الإمارات، ثم ارتباطه بعلاقات متميزة مع الحكومة الإثيوبية، كما أنه لم يرغب في إضعاف موقف آبي أحمد.

الأمر الثاني وجود استثمارات اقتصادية واسعة لـ"آل دقلو" في إثيوبيا، وظهر ذلك في مايو/ آيار 2021، عندما أصدر البرهان قراره بمنع أعضاء مجلس السيادة السوداني من السفر إلا بإذن كتابي منه شخصيا، مع وجوب توضيح الأسباب والوجهة، وفق لائحة داخلية جديدة.

وقتها حمل حميدتي النصيب الأكبر من الإشارات على أنه هو المعني بذلك القرار، نظرا لسفرياته المتعددة إلى بعض الدول بشكل سري وغير معلن، مثل ذهابه إلى العاصمة الإيطالية روما، وبعدها إلى الإمارات. 

وكانت زيارة حميدتي إلى إيطاليا السرية سببا مباشرا في ذلك، حيث قيل عبر وسائل إعلام أن شقيقه القوني حمدان ورجل أعمال سوري يدعى محمد عبد الحليم، القائم على استثمارات آل دقلو الكبيرة في إثيوبيا، شاركاه فيها.

ويعد القوني الرجل الثالث والأكثر نفوذا داخل الدعم السريع، ويحمل رتبة رائد، إضافة إلى كونه "مسؤول المشتريات".

وتلك المصالح والامتيازات جعلت من الجنرال السوداني صاحب حظوة لدى الجانب الإثيوبي، وتم اختياره دون غيره لهذه المهمة وفق مراقبين.

مسار جديد 

وفي 24 يناير 2022، نقلت وكالة "رويترز" البريطانية، عن أماني الطويل مديرة البرنامج الإفريقي في مركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية أنه في تقديرها زيارة حميدتي ترتبط بطبيعة جهود واشنطن في هذه المرحلة بشأن ترتيبات القرن الإفريقي.

وقالت إن "الترتيبات الأمريكية في هذا الشأن تتعلق بالأوضاع داخل إثيوبيا، ثم بالعلاقات الإثيوبية السودانية وهي مسألة مهمة، لأن واشنطن لا تريد انزلاق البلدين إلى أي من أنواع المواجهات المسلحة على الحدود". 

وفي تصريحات خاصة لوكالة "سبوتنيك" الروسية، ذكر ممثل المجموعة المدنية السودانية المناهضة لمخاطر السدود وليد أبوزيد، أن مبادرة زيارة حميدتي لإثيوبيا قد تكون جاءت من جانب الأخير بصفة شخصية، فهو يميل إلى أن تكون هناك مصالح مشتركة بين السودان وإثيوبيا، ويميل أيضا إلى التهدئة مع الجانب الإثيوبي، وعدم المضي قدما في عمليات التصعيد، وبشكل خاص التصعيد العسكري في الفشقة.

وكلا الطرفين يسعيان إلى تهيئة الأجواء قبل انعقاد القمة الإفريقية الـ35 في أديس أبابا خلال فبراير/ شباط 2022، حيث يحسبان إمكانية أن تمارس عليهما ضغوطات من جانب دول القارة أثناء القمة، فيما يخص النزاعات الحدودية، والمشاكل الداخلية. 

على جانب آخر سادت حالة من الغضب العارم في صفوف السودانيين، خلال زيارة حميدتي إلى إثيوبيا، ومباحثاته مع رئيس الوزراء آبي أحمد.

إذ عبرت مجموعة من النشطاء ورواد مواقع التواصل الاجتماعي عن غضبهم، في ظل مطالبة كثيرين بتنحي مجلس السيادة، معتبرين ما يحدث بمثابة خيانة للثورة وللعملية الديمقراطية. 

وكتب الناشط السوداني موح الباجير، عبر حسابه بـ"فيسبوك" تعليقا على لقاء حميدتي وآبي أحمد أن "علاقة السودان بالموضوع شنو؟ عندنا ثورة مستمرة لآخر نفس ولآخر سوداني". ووصف حميدتي بـ"العاطل".

ومنذ 25 أكتوبر 2021، يشهد السودان احتجاجات ردا على إجراءات الجيش الانقلابية، أسفرت عن مقتل 76 شخصا ومئات الجرحى، وسط مطالبات إقليمية ودولية بالعودة إلى الحوار.

ورقة ضغط 

وتعليقا على هذه المستجدات، قال عضو الحزب الاتحادي الديمقراطي السوداني، كمال السالم إن مقصد الزيارة لا يأتي لسبب واحد بل لمجموعة أسباب، أهمها أن المجلس السيادي بقيادة البرهان يحاول أن ينتزع شرعية دولية، يبدأها عبر المسار الإقليمي من الاتحاد الإفريقي.

وأضاف لـ"الاستقلال" أنه "لا شك أن إثيوبيا أصبحت قوة لا يستهان بها على ذلك الصعيد، ولها كلمتها وإرادتها النافذة داخل مقر الاتحاد، وارتأى المجلس السيادي ضرورة أن يتجاوز خلافاته معها، ويعيد صياغة العلاقات لتحقيق أهدافه". 

وأوضح أن "داخليا تتقاطع الخطوط بين إثيوبيا والسودان، وتذوب التفاصيل، فمن جهة أديس أبابا لها علاقة بالحركات المسلحة بمختلف تكويناتها من دارفور إلى اتفاقيات مسار الشرق، والسودان له علاقة بشكل أو بآخر بجبهة تحرير تيغراي المنخرطة في نزاع موسع ضد الجيش الإثيوبي، وهددت العاصمة أديس أبابا أكثر من مرة".

وزاد أن هذه ملفات متعثرة ومقلقة لكلا النظامين، ولابد أن يبحثا توفيق الأوضاع بشأنهما، وعلى جانب آخر كانت الحكومة الإثيوبية ضامنة ومتواصلة مع الحكومة السودانية بتشكيلتها القديمة بقيادة عبدالله حمدوك، وليس من مصلحتها أن تفقد الاتصال كلية بإدارة السودان أي كان وضعها سواء مدنيا أو عسكريا". 

ولفت السياسي السوداني إلى أن "اختيار حميدتي لهذه المهمة لم يكن عبثا، فهو يرتبط بعلاقات خاصة مع الجانب الإثيوبي، ولم يشترك في حرب الفشقة، وأيضا له مصالح اقتصادية واسعة هو وعائلته خاصة شقيقه (الفريق عبدالرحيم دقلو) هناك".

وذلك يسهل التفاوض وإيجاد الحلول بين الطرفين، وغالبا فإن حكومة آبي أحمد ستتعامل مع الموقف وتتقبله من باب الأمر الواقع، والحكومة السودانية القديمة قد انتهت فعليا حتى يستجد جديد، وفق السالم.