بينهم حميدتي.. لماذا منع البرهان سفر أعضاء "السيادة السوداني" دون إذنه؟

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

منع أعضاء مجلس السيادة السوداني من السفر إلا بإذن كتابي من رئيسه الفريق أول عبدالفتاح البرهان، مع وجوب توضيح الأسباب والوجهة، وفق لائحة داخلية جديدة اعتمدت في 21 مايو/أيار 2021.

يتطلب السفر أيضا موافقة باقي أعضاء المجلس، وهي مادة ضمن اللائحة الجديدة المعتمدة، أثارت جدلا وتساؤلات عن أسباب تلك الخطوة في هذا التوقيت تحديدا. 

مما ورد في نص المادة المضافة إلى اللائحة أن على العضو الذي يريد السفر أن يوضح وجهته وسبب سفره إلى الدولة المنوطة حال كانت الدعوة رسمية، وعليه أيضا أن يناقش طلب الزيارة في اجتماع مجلس السيادة أمام جميع الأعضاء للموافقة عليه.

حكم البرهان

حمل نائب رئيس المجلس، وقائد قوات الدعم السريع، الفريق أول محمد حمدان دقلو "حميدتي" النصيب الأكبر من الإشارات على أنه هو المعني بذلك القرار، نظرا لسفرياته المتعددة إلى بعض الدول في الآونة الأخيرة، لا سيما تلك التي جاءت بشكل سري وغير معلن، مثل ذهابه إلى العاصمة الإيطالية روما، وبعدها إلى الإمارات. 

المقلق في تحركات قائد قوات الدعم السريع، إقدامه على عقد صفقات تسليح متطورة خاصة بقواته بمعزل عن الجيش، بالإضافة إلى محادثات دبلوماسية واتفاقيات تجارية.

 كل ذلك دفع المجلس السيادي ورئيسه إلى محاولة وضع ضوابط تحجم أسفار حميدتي، ضمن سياقات التنافس القائم بين الجيش وقوات الدعم السريع. 

وفي 22 مايو/ أيار 2021، ذكرت صحيفة "مونتي كاروو" السودانية، أن الأمر جعل حميدتي يغضب، ويقول في اجتماع مجلس السيادة إنه "ظل يتعرض لحملة منظمة لتشويه صورته وأنه سيتخذ إجراءات قانونية تجاه من يستهدفه وخص بالذكر موقع مونتي كاروو الإخباري".

خاصة أن ذلك الموقع تحديدا هو الذي كشف زيارات إلى إيطاليا والإمارات، ما أحدث جدلا كبيرا في الشارع السوداني حينئذ. 

زيارة إيطاليا

كانت زيارة حميدتي إلى إيطاليا في 9 فبراير/ شباط 2021، مسار تساؤلات وتكهنات داخل المسرح السياسي السوداني، فعندما حط قائد قوات الدعم السريع رحاله في مطار ليوناردو دافينشي بالعاصمة روما، لم يكن الأمر علنيا بل زيارة سرية، استهدفت إجراء لقاءات مع أعضاء في الحكومة الإيطالية. 

جرى الكشف أن "حميدتي قدم قائمة طلبات لأخذ معدات عون فني ودعم إستراتيجي، منها طائرات مسيرة (درون) قال إنه يحتاجها لعمليات مراقبة وضبط الحدود، ووقف تدفق الهجرة غير النظامية إلى أوروبا".

وأشير أن "الصفقة شملت بالإضافة إلى طائرات الدرون، أنظمة متقدمة للدعم اللوجستي والاستخباري كما تشمل معدات قتال أرضية منها منصات صواريخ ميلان الفرنسية المعروفة بصائد الدبابات عالية الدقة وذات التحكم عن بعد".

وحسب الصحف السودانية المحلية، وافقت المجموعة الإيطالية على مطالب حميدتي، شريطة أن يوقف الدعم السريع إمداد الجنرال خليفة حفتر قائد ما يسمى بـ"جيش شرق ليبيا"، بالمقاتلين وأن يلتزم بقرارات الأمم المتحدة ويظل على الحياد.

فيما رافق حميدتي في زيارته شقيقه القوني حمدان، الذي يعد الرجل الثالث والأكثر نفوذا داخل الدعم السريع، ويحمل رتبة رائد، بالإضافة إلى كونه "مسؤول المشتريات"، وكذلك رجل أعمال سوري يدعى محمد عبد الحليم، القائم على استثمارات آل دقلو في إثيوبيا.

كل ذلك جاء بمعزل عن المجلس السيادي السوداني، ورئيسه عبد الفتاح البرهان، الذي ظل صامتا يترقب، ولم يبد امتعاضه حتى جاء القرار الحاسم الأخير بمنع السفر إلا بإذن منه. 

زيارة الإمارات 

الزيارة الأخرى لحميدتي، جاءت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، حينما ذهب إلى أبوظبي عبر طائرة إماراتية خاصة، في زيارة غير معلنة استغرقت أربعة أيام، وتم الكشف عنها حين عودته يوم 8 مايو/ أيار 2021، عندما تحدثت صحيفتي مونتي كاروو، والطابية السودانيتين عن الأمر. 

المثير أنه في نفس يوم عودة حميدتي، كان عبد الفتاح البرهان، يحزم حقائبه إلى دولة الإمارات في زيارة رسمية استغرقت يومين، أجرى خلالها مباحثات مع القيادة الإماراتية، وهو ما أحدث تضاربا بين مكونات المجلس، وارتباكا في قراءة المشهد كما تناولته الصحافة السودانية. 

خاصة وأن حميدتي كان قبلها بأشهر معدودة في زيارة إلى الإمارات، للمشاركة في معرض الدفاع الدولي "آيدكس" ومعرض الدفاع البحري "نافدكس"، اللذين انطلقت فعالياتهما خلال الفترة 21 – 25 فبراير/ شباط 2021 في مركز أبوظبي الوطني للمعارض. 

والتقى بشكل خاص على هامش الزيارة بـ "منصور بن زايد آل نهيان"، نائب رئيس مجلس الوزراء الإماراتي، وكذلك سهيل المزروعي وزير الطاقة الإماراتي، الذي كان في استقبال قائد قوات الدعم السريع.

ولدى حميدتي علاقات متميزة مع الإمارات بشكل خاص، ولطالما أمدت قواته بالسلاح والعتاد والأموال، وهي التي دعمت نفوذه في أروقة المجلس السيادي عند بدايات تشكيله بعد سقوط الرئيس السابق عمر البشير.

منطق طبيعي

الصحفي السوداني محمد نصر، قال في حديثه "للاستقلال" إن "قرار منع أعضاء المجلس السيادي والحكومة من السفر إلا بموافقة مباشرة من  عبد الفتاح البرهان أمر طبيعي ومنطقي، في كل دولة معتبرة ذات سيادة". 

وأضاف: "أما أن يتحرك أعضاء المجلس ويسافروا إلى دول خارجية، ويعقدوا اجتماعات واتفاقيات بعضها يتعلق بالشق العسكري، كممثلين للدولة دون وجود تكليف رسمي، فهو أمر معيب وغير طبيعي ويهدد استقرار السودان بما تحمله الكلمة من معنى". 

وأورد: "حميدتي تحديدا هو المعني بالقرار بشكل قاطع، لأنه أكثر أعضاء المجلس السيادي سفرا إلى الخارج، ورأينا أنه ذهب إلى إثيوبيا في إطار الأزمة مع البلاد، وعقد اتفاقيات تجارية، ثم تبين أنه اجتمع بشكل سري بأعضاء من الحكومة".

وكذلك ذهب خلسة إلى إيطاليا وعقد صفقات عسكرية للحصول على أسلحة خاصة بقوات الدعم السريع بمعزل عن الجيش السوداني، وهو أمر لا يمكن قبوله نصا ولا عقلا، وفق الصحفي.

واستطرد: "منذ الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير، سعى حميدتي إلى أن يلعب دور ممثل الدولة والظهور بصورة الرجل الأقوى في البلاد".

وزاد: "لذلك فخلال الأيام الأولى من حكم المجلس العسكري وبعد إسقاط عوض بن عوف أيضا، حرص حميدتي على اللقاء بسفراء الدول الأجنبية من كل حدب وصوب، وعقد كثيرا من اللقاءات معهم، ومع معظم الوفود الأجنبية التي جاءت إلى السودان". 

وعقب: "بعدما بدأت تتوازن القوى وتظهر الحكومة، ويلملم الجيش شتات أمره، لم ينصع حميدتي إلى الواقع الجديد، واستمر في سياسته شبه الانفصالية، وهو وضع أصبح شبه مستحيل والدولة تحاول أن تقيم مؤسساتها وتتخطى المرحلة الانتقالية بأقل خسائر ممكنة".

لذلك جاء قرار البرهان ليضبط الأمور في الداخل، ويبعث رسائل إلى الخارج أن ممثل السودان وأكبر رأس فيه هو رئيس المجلس السيادي عبد الفتاح البرهان، الرجل الذي يخوض صراعات على جبهات متعددة لإحكام سيطرته، وسيطرة الجيش من ورائه، وهو ما سيظهر بقوة في الأيام القادمة، بحسب نصر.