"لم تعد آمنة".. استهداف عمق أبوظبي يهدد بتسرب الاستثمارات من الإمارات

مصعب المجبل | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

فتح تجدد قصف مليشيا الحوثي اليمنية للعمق الإماراتي بصواريخ باليستية وطائرات مسيرة، الباب على مصراعيه أمام المناقشات بشأن تأثير ذلك على اقتصاد البلد الجاذب للاستثمارت بوصفه "موطن الرفاه في منطقة تعج بالاضطرابات".

وكانت رسالة قصف أبوظبي أمنية في بعدها المبدئي، واقتصادية في بعدها الحقيقي، الذي يرمي لكف يد الإمارات عن حرب اليمن أكثر، لا سيما عقب تحقيق قوات موالية لها تقدما عسكريا جنوبي البلاد.

ويؤكد مراقبون أن ذلك التقدم الميداني، يصب في صالح أبوظبي فقط وليس الحكومة اليمنية الشرعية أو التحالف العسكري المنخرطة فيه مع السعودية منذ عام 2015، دعما للحكومة اليمنية في مواجهة مليشيا الحوثي المدعومة من إيران.

لذا جاء توسيع عمليات مليشيا الحوثي نحو الإمارات بعد السعودية التي تطالها بشكل دوري، في أعقاب حدوث تغيرات سريعة على خارطة السيطرة بجنوب اليمن، وتحديدا في محافظة شبوة النفطية لصالح ألوية العمالقة المدعومة من أبو ظبي.

تشويه السمعة

ويؤكد معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى (مدعوم إسرائيليا)، في تقرير بتاريخ 18 يناير/كانون الثاني 2022، أن هجمات الحوثيين المستمرة ضد الإمارات قد تشوه على المدى الطويل سمعة أبوظبي التي "دأبت على ترسيخها كبلد آمن وناشط اقتصاديا في منطقة تعصف بها التقلبات".

وأعلنت وزارة الدفاع الإماراتية ببيان في 24 يناير/ كانون الثاني 2022، أنها اعترضت ودمرت صاروخين باليستيين أطلقتهما مليشيا الحوثي في اليمن، وسقطت بقاياهما في مناطق متفرقة حول إمارة أبوظبي، مضيفة أن الهجوم لم يسفر عن سقوط ضحايا.

وتزامن ذلك مع إعلان المتحدث العسكري باسم الحوثيين يحيى سريع أنهم "استهدفوا مواقع حساسة في الإمارات بينها قاعدة الظفرة الجوية التي تضم قوات أميركية.

وحذر سريع، في بيان متلفز، الشركات الأجنبية في الإمارات، ونصحها بالمغادرة لأنها أصبحت دولة غير آمنة، مؤكدا جاهزيتهم لتوسيع عملياتهم في المرحلة القادمة، على حد تعبيره.

ويأتي الهجوم الجديد على الإمارات بعد أسبوع من قصف تبناه الحوثيون على أبوظبي في 17 يناير، استهدف مطار العاصمة وصهاريج نفطية تابعة لشركة "أدنوك" الحكومية، وأسفر عن مقتل 3 أشخاص وإصابة 6 آخرين.

والأهداف التي طالتها الهجمات الحوثية، تعد مناطق إستراتيجية حساسة؛ فشركة "أدنوك" هي المسؤولة عن جميع أنشطة الحكومة الإماراتية بقطاعات النفط والطاقة، ومطار أبوظبي الشريان الأهم للعاصمة الإماراتية.

وكشف موقع "أكسيوس" الأميركي أن الإمارات عقب الهجوم الأول، طلبت من الولايات المتحدة إعادة تصنيف جماعة الحوثي "منظمة إرهابية"، بعد تراجع الرئيس الحالي جوبايدن عن قرار الإدارة السابقة، بحجة أن التصنيف أعاق وصول المساعدات الإنسانية للشعب اليمني.

وتحاول الإمارات أن تصدر نفسها على أنها بيئة آمنة للاستثمار، و"مركزا ماليا جاذبا للأعمال"، مع عدد سكان يبلغ عشرة ملايين، تسعون بالمئة منهم من الأجانب من مئتي جنسية مختلفة.

ويتماشى ذلك مع تقديم الإمارات نفسها كوجهة سياحية وترفيهية، فضلا عن كونها أصبحت خلال العقد الأخير وجهة مفضلة خصوصا للشباب العرب الباحثين عن فرص عمل، وأيضا لكثير من دول الشرق الأوسط التي تعصف بها النزاعات والفقر.

وأمام ذلك، يبقى دخول الحوثيين من ثغرة الاقتصاد لمسك الإمارات من اليد التي تؤلمها، علامة فارقة في المشهد، لا سيما إذ ما دفعت الهجمات الأخيرة أبو ظبي للتخلي عن الأعمال العسكرية في اليمن والرضوخ للمليشيا.

وسبق الهجومين الحوثيين تصاعد العمليات العسكرية لقوات "ألوية العمالقة" في شبوة، التي لعبت الإمارات دورا رئيسا في تشكيلها وتدريبها وتسليحها.

ودخلت "ألوية العمالقة" إلى المعارك ضد مليشيا الحوثي في مطلع يناير  2022، لمساندة القوات الحكومية، لتتمكن خلال عشرة أيام من استعادة السيطرة على كافة مناطق محافظة شبوة النفطية، من قبضة الحوثيين.

وخسارة الحوثي لمحافظة شبوة كلفها ورقة رابحة مهمة، فهذه المحافظة من المدن الرئيسة الرافدة لاقتصاد البلاد بحوالي 25 بالمئة من الموازنة العامة، حيث تنتج ما يقارب 50 ألف برميل من النفط يوميا، ويمثل حقل العقلة بالمحافظة ثاني أكبر حقول النفط بالبلاد إضافة إلى امتلاكها منفذا بحريا يمتد لأكثر من 300 كيلومتر.

كما التحقت "الألوية"، بخط المعارك للمرة الأولى في محافظة مأرب النفطية التي تهاجمها المليشيا منذ نحو عام، لتتمكن من ترجيح الكفة لصالح القوات الحكومية، وسيطرت على مساحات واسعة من مديرية حريب بمحافظة مأرب.

تهديد الأمن

ولكن مع ذلك بقي السؤال الأبرز، يدور حول مدى مضي الإمارات قدما في المراهنة على مواجهة مليشيا الحوثي بقوة أكثر مما عليه حاليا، أم أنها ستخاف على مصالحها الاقتصادية.

وكثيرا ما طرحت فرضية أن الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة التي هاجمت الإمارات لو أنها طالت أهدافا مدنية أو سياحية، لكان الأمر مختلفا تماما، ولهرب غالبية المستثمرين إلى خارج البلاد.

ما يعني أن الإمارات ستعيد حساباتها في حرب اليمن وربما تترك السعودية وحيدة، مع الحفاظ على مكتسباتها في السيطرة على موانئ اليمن رغم تأثير ذلك اقتصاديا في حرمان هذا البلد من موارده.

ويحتل اليمن موقعا إستراتيجيا عبر إطلالته على الخليج العربي شرقا والبحر الأحمر غربا إلى جانب مضيق باب المندب، ما يمنح هذه الموانئ والسواحل إمكانيات اقتصادية لمكافحة الفقر والبطالة، خصوصا ميناء المخا التاريخي بوصفه أقدم الموانئ على مستوى شبه الجزيرة العربية الذي تسيطر عليه قوات موالية للإمارات.

وتشير نوعية الأهداف إلى أن هذه الضربة في العمق الإماراتي طالت الجناح الأول لاقتصادها، ولم تطل الجناح الثاني المتعلق بقطاع المال والسياحة والاستثمار، كما يؤكد كثير من المراقبين.

وهذا ما يؤكد عليه المحلل والباحث اليمني ياسين التميمي بقوله لـ"الاستقلال" إنه "لا شك أن الهجمات التي نفذها الحوثيون أو نفذت باسمهم ضد منشآت حيوية في أبوظبي تشكل تحديا خطيرا للإمارات التي يمثل الأمن بالنسبة لها عنصرا حيويا يتوقف عليها النشاط الاقتصادي الذي يتنوع بين السياحة والوساطة التجارية والمقر الإقليمي والدولي لعقد الصفقات".

ويرى التميمي أن "هذه الهجمات رغم محدوديتها فإنها يمكن أن تتكرر وبصورة أكثر عنفا، خصوصا أن المعركة في اليمن بدأت تتجه نحو الحسم الذي يخشى الحوثيون ومن ورائهم إيران أنه قد يخصم من حصتهم السياسية والعسكرية".

وأردف: "بالإضافة إلى أن إيران ترغب في تقديم نموذج للكلفة التي يمكن أن تتكبدها دول المنطقة في حال حدثت اصطفافات تستهدف إيران".

 ومضى التميمي يقول: وهذا الأمر في تقديري يبقى مرتبطا بالمعركة العسكرية التي تدور على الساحة اليمنية، والتحالف يستطيع حسمها بما ينهي الأثر العسكري للحوثيين، وهو السبيل الوحيد لتجنب مزيد من التصعيد الخطير للعمقين السعودي والإماراتي".

تهشيم الصورة

أما المحلل السياسي اليمني محمد الأحمدي، فيؤكد لـ"الاستقلال" أن "الهجمات التي طاولت مواقع حيوية مهمة في عمق أراضي الإمارات هشمت الصورة البراقة التي استثمرت فيها أبوظبي زمنا طويلا".

ويشير إلى أن "الهجمات تمثل تحولا خطيرا في قدرات الحوثيين، وهو الأمر الذي ساهمت فيه أبوظبي نفسها؛ بسبب تعمدها إبطاء حسم المعركة لصالح الشرعية اليمنية واتخاذ مواقف عدائية ضد مشروع استعادة الدولة اليمنية والوحدة الوطنية وحقوق الإنسان وبروز مطامعها التوسعية من خلال احتلال الجزر والموانئ، وكلها عوامل ساهمت في تعزيز قدرات الحوثيين على هذا النحو".

ويرى مراقبون أن الإمارات حاليا ستسرع في شراء منظومة دفاع جوي ، لأن رأس المال كما يقال "جبان"؛ ما يدفع أبوظبي لإعطاء تطمينات جديدة للمستثمرين عبر هذه الخطوة التي كانت تسير نحوها في اليوم الذي حدثت فيه الضربة إذ كان من المقرر شراء منظومة دفاع جوي من كوريا الجنوبية.

إذ أوردت وكالة أسوشييتد برس الأميركية أن الرئيس الكوري الجنوبي مون جاي إن، وقع في 16 يناير/كانون الثاني 2022 خلال زيارة إلى الإمارات، اتفاقا لتوريد منظومة دفاع جوي صاروخية متوسطة ​​المدى، بقيمة تصل إلى 3.5 مليارات دولار أميركي، إلى أبو ظبي.

وكانت الإمارات أعلنت في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، أنها تخطط للحصول على نظام الدفاع الجوي الكوري الجنوبي "KM-SAM"، وهو نظام دفاع جوي متقدم مصمم لاعتراض الصواريخ على ارتفاعات أقل من 40 كيلومترا.

كما أكدت وكالة بلومبيرغ الأميركية، أن ضربة أبوظبي، أثارت قلق مراقبي سوق النفط لوجود تهديد مستمر ضد البنية التحتية النفطية في منطقة الخليج العربي.

وهذا ما دلل عليه الصحفي والإعلامي اليمني، أنيس منصور، في تصريحات تلفزيونية بقوله: "يظن البعض أن قصف الإمارات حدث عابر، لكن الحقيقة هو أنه شكل حالة رعب في الشارع الإماراتي مع وجود مصالح اقتصادية، وفي وقت تدعي فيه أبوظبي أنها أكبر من حجمها ولكنها لم تستطع أن تصد مجموعة من المسيرات".

ضرب الاقتصاد

 واعتبر منصور أن "القصف كان رسالة قوية في الجانب الاقتصادي، وهي إهانة بحق الإمارات التي تدعي أنها أخطبوط تستطيع أن تتدخل على مستوى النسيج العربي".

وذهب للقول إن "القصف سيؤثر أولا على معرض أكسبو 2020، وستبقى الإمارات انطلاقا من الآن منطقة رعب كونها مشاركة في حرب مما يعني غياب البيئة الاستثمارية، وكل من يفكر في الاستقرار أو الاستثمار سيشعر بالخوف وسيعيد حساباته".

ولفت إلى أن "مليشيا الحوثي ليس لديها القدرة لإطلاق طائرات تصل إلى أبوظبي، لكون الأجواء التي ستمر بها هي سعودية ويوجد رقابة ورادارات ودفاعات جوية".

وأردف الصحفي اليمني قائلا: "لهذا أعتقد أن هناك قوة أخرى تقف خلف قصف الإمارات عبر البحر أو من سفينة، أو من إيران أو العراق، ويبقى فقط للحوثيين التبني بالتنسيق معه".

فيما تشير الباحثة في جامعة أوكسفورد إليزابيث كندال إلى أن "الإمارات استثمرت بكثافة في اليمن خصوصا في البنى التحتية السياسية والعسكرية في الجنوب".

وبالتالي "يستبعد أن تنحرف عن سياستها طويلة المدى"، وفق تقرير لوكالة فرانس برس نشرته بتاريخ 20 يناير/كانون الثاني 2022.