حتى حزبه يعارضه.. 4 سيناريوهات تحدد مصير جونسون في الحكومة البريطانية

سليمان حيدر | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

يواجه رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون أسوأ أزمة منذ توليه السلطة في صيف عام 2019 مع الكشف عن معلومات حول حفلات صاخبة نُظمت في مقر رئاسة الحكومة بينما كانت المملكة المتحدة خاضعة لقيود صحية صارمة على خلفية فيروس كورونا.

وسواء من أنصاره أو معارضيه، تتصاعد بشكل لافت الضغوط والأصوات التي تطالب جونسون (57 عاما) بالتخلي عن منصبه، وسط إصرار منه على البقاء.

ولصرف الأنظار عن محنته اتخذ جونسون عددا من الإجراءات التي رآها كثيرون شعوبية، فيما توقعت دوائر إعلامية عدة سيناريوهات حول مصيره ستتضح خلال الأيام المقبلة.

فضيحة كبيرة

وبحسب موقع "مانشستر إفينينغ نيوز" البريطاني يجرى التحقيق في ثمانية أحداث على الأقل وقعت في مقر الإقامة الرسمية لرئيس الوزراء ومكتبه في داونينغ ستريت بلندن.

وأشارت الصحيفة في 14 يناير/ كانون الثاني 2022 إلى أنه جرى نشر تفاصيل الأحداث المزعومة في وسائل الإعلام في الأسابيع الأخيرة لكن من غير المعروف ما إذا كان التحقيق يبحث في أحداث أخرى لم يتم الإبلاغ عنها بعد.

وقالت إنه "تم تأكيد بعض الأحداث من قبل الإدارات الحكومية والمتورطين، في حين تم نفي تقارير أخرى".

ومن بين تلك الأحداث تبرز واقعة 16 أبريل / نيسان 2021 وهي الليلة التي سبقت جنازة الأمير فيليب زوج الملكة إليزابيث حيث كان المشهد مختلفا تماما في مكتب ومقر إقامة جونسون في داونينغ ستريت.

حيث أقام الموظفون احتفالين شارك في أحدهما 30 شخصا بالمخالفة لقرارات الحظر الاجتماعي التي كانت مفروضة في هذا التوقيت.

وقالت صحيفة "ديلي تليغراف" البريطانية في 14 يناير 2022 إن هذا التجمع تضمن الشرب والرقص، حتى الساعات الأولى من يوم الجنازة.

وكانت إحدى الصور المميزة لجنازة الأمير فيليب دوق أدنبرة هي صورة الملكة إليزابيث الثانية وهي جالسة بمفردها، ملتزمة بقيود فيروس كورونا الصارمة في ذلك الوقت.

ويواجه جونسون أيضا تحقيقا آخر في تمويل تجديد شقته، إضافة إلى وجود أطراف معادية لجونسون داخل حزبه المحافظين، من تيار رئيسة الوزراء السابقة تريزا ماي لأنه قام بتطهير العديد من زملائهم قبل الانتخابات الأخيرة.

وفي 15 يناير، تظاهر العشرات خارج داونينغ ستريت مطالبين جونسون بالاستقالة.

وما يزيد تعقيدات موقف جونسون ظهور المزيد من التقارير التي تؤكد إجراء حفلات وتجمعات في داونينغ ستريت خلال فترات الإغلاق والقيود المفروضة بسبب مواجهة وباء كورونا.

وتسبب الإعلان عن تلك الأحداث ضجة واسعة في بريطانيا ولاقت صدى لدى الشعب الذي لا يزال يتذكر بوضوح التضحيات الوبائية التي طُلب منهم القيام بها.

واتهم زعيم حزب العمال المعارض، كير ستارمر، جونسون بخرق قوانين كورونا، وسط مزاعم عديدة للاحتفالات والتجمعات التي عقدها موظفو الحكومة، وحضر بعضها جونسون، أثناء الإغلاق.

وفي حديثه مع بي بي سي في 16 يناير قال ستارمر إن جونسون كذب بشأن الحفلات في داونينغ ستريت.

غضب واسع

ويتصاعد الغضب والاستياء من جونسون على نطاق واسع بين أعضاء حزب المحافظين وأنصاره على مستوى القاعدة الشعبية بسبب فضيحة داونينغ ستريت.

ويظهر استطلاع رأي أجرته شركة YouGov البريطانية المتخصصة في الأبحاث وتحليل البيانات انقسام الناخبين الذين صوتوا للمحافظين في عام 2019 حيث يعتقد 41 بالمئة أنه يجب أن يرحل جونسون بينما يريد 47 بالمئة بقاءه.

كما أوضح الاستطلاع الذي تم إجراؤه في الفترة بين 12-13 يناير أن 63 بالمئة من البريطانيين عبروا عن اعتقادهم بأنه يجب أن يستقيل.

وبين الاستطلاع أنه حتى بين أولئك الذين يقولون إنهم ينوون حاليا التصويت لصالح حزب المحافظين، يعتقد 19 بالمئة أن جونسون يجب أن يرحل.

ونقلت صحيفة غارديان البريطانية في 17 يناير عن رئيس حزب المحافظين، إد كوستيلو، قوله: "هناك غضب هائل بالتأكيد، من الواضح أن لا أحد سعيد، معظم الناس قالوا إنهم كتبوا إلى النائب أو فرع الحزب المحلي للتعبير عن آرائهم، بعض الناس يعتقدون أنه يجب أن يرحل، لكن ليس بعد".

وأشارت الصحيفة إلى أن البريد الإلكتروني لنواب حزب المحافظين امتلأ بالرسائل حول هذه القضية، ووصف أحدهم الأرقام بأنها "خارج النطاق".

وقالت جمعيات المحافظين في جميع أنحاء بريطانيا إن أعضاءها يزدادون إحباطا وإن بعضهم يغادر الحزب احتجاجا.

وقالت رئيسة جمعية المحافظين في بول جنوب بريطانيا، آن ستريبلي: "إذا لم يذهب جونسون قريبا، فسوف نخسر جميع الانتخابات المحلية القادمة، أو الكثير منها، ونلحق أضرارا جسيمة بالحزب".

وأشارت ستريبلي إلى استقالة بعض المنتسبين للحزب وهناك عدد من الأعضاء يقولون إنهم لا يستطيعون الاستمرار في العضوية في ظل وجود جونسون.

ما يزيد التخوفات داخل حزب المحافظين من تأثير تلك الفضيحة على نتائج الانتخابات المحلية في مايو/ أيار 2022.

وتقول عضو مجلس الوزراء في مجلس مقاطعة ويست أوكسفوردشاير، ميرلين ديفيز إن رئيس الوزراء إذا أراد أن تتاح لأعضاء المجالس المحافظين فرصة استعادة مقاعدهم في مايو فعليه التنحي جانبا، "دعنا نبدأ المهمة المتمثلة في توفير خدمات حيوية لسكاننا".

وانتقل السخط المتصاعد بين المعارضين وأعضاء الحزب وقاعدته الشعبية إلى المانحين والمتبرعين الذين أعلن بعضهم عن تخوفاتهم علنا من آثار تلك الفضيحة.

وأشارت صحيفة صنداي تايمز البريطانية إلى استقالة جون جريفين أحد أكثر المانحين سخاء من حزب المحافظين داعيا جونسون أيضا إلى الاستقالة من أجل الحزب والدولة.

وقالت الصحيفة في 16 يناير إن جريفين يعد خامس متبرع على الأقل يثير مخاوفه علنا، ومانحون آخرون أخبروا بأنهم لن يقدموا تبرعات جديدة بعد الآن حتى مغادرة جونسون.

تمرد ضد جونسون

وفيما يبدو أن التمرد داخل حزب جونسون بدأ من قبل إطلاق التحقيقات بشأن الحفلات والتجمعات المخالفة للإجراءات التي فرضتها الحكومة للسيطرة على وباء كورونا.

يكشف تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية في منتصف ديسمبر/كانون الأول 2021 عن تمرد للمشرعين المحافظين داخل البرلمان عندما صوت عدد قياسي منهم ضد أحد الإجراءات التي اتخذها جونسون لوقف تفشي وباء كورونا بعدما وصلت الإصابات اليومية لأكثر من 200 ألف بسبب المتحور أوميكرون.

ورغم تصويت المحافظين ضد القرار إلا أنه تم تمريره بمساعدة المعارضة كما فعلت في العديد من إجراءات كورونا ذات الصلة.

واعتبر التقرير أن ذلك كان توبيخا لاذعا من المحافظين لزعيمهم ما أدى إلى تقويض سلطته في وقت دعا فيه إلى حملة وطنية لمنع أوميكرون من إغراق البلاد.

وقال تقرير نيويورك تايمز إن هذا التمرد بين المشرعين المحافظين يعتبر الأسوأ منذ فوز جونسون في انتخابات 2019 ويمثل إحراجا حادا له.

كما يشهد على وضعه السياسي الضعيف في أعقاب الكشف عن فضيحة تنظيم حفلة عيد الميلاد بينما أصدرت حكومته تعليمات للجمهور بعدم حضور مثل هذه التجمعات.

ونقلت الصحيفة عن أستاذ السياسة في جامعة كينت البريطانية ماثيو جودوين قوله إن "الأحداث في البرلمان ليست رمزية فقط للمزاج المتغير داخل الحزب البرلماني المحافظ، لكنها أيضا ترمز إلى مشكلة انتخابية متنامية لجونسون".

وأشارت الصحيفة إلى تصويت ما يقرب من 40 نائبا من المحافظين ضد خطة الحكومة لتوسيع الاستخدام الإجباري لأقنعة الوجه في منتصف ديسمبر 2021.

وأضافت أن وراء التمرد داخل حزب المحافظين تكمن التيارات السياسية المتغيرة التي يمكن أن تشكل تهديدا كبيرا لجونسون، مدفوعة بتراجع الحزب في استطلاعات الرأي مقابل صعود غير مسبوق لحزب العمال.

مراوغة جونسون

وفي محاولة رآها البعض أنها تهدف لصرف الأنظار عن محنته اتخذ جونسون عددا من الإجراءات منها تكليف الجيش لمواجهة المهاجرين في بحر المانش وتقليل عدد الزوارق الصغيرة التي تعبر إلى البلاد، إضافة إلى تجميد رسوم الترخيص المدفوعة لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" لمدة عامين.

وفي ردها على توقيت هذه القرارات اتهمت رئيسة وزراء إسكتلندا نيكولا ستورغن رئيس الوزراء البريطاني باللجوء إلى "سياسات شعبية رخيصة" لصرف الانتباه عن الفضائح التي تجتاح قيادته.

وقالت ستورغن في تصريحات نقلتها صحيفة إندبندنت البريطانية إنه "بدلا من أن يتحمل جونسون المسؤولية، يبدو أنه يستعد لإلقاء اللوم على أولئك الذين يعملون معه ومن حوله".

واعتبرت ستورغن أن كل ما يفعله جونسون يؤكد على الشعور بأنه يحاول تنظيف سمعته وأنه قد تضرر بشكل لا يمكن إصلاحه.

وأشارت إلى أن جونسون بهذه الطريقة يلحق الضرر بمؤسسات الدولة والمؤسسات التي تدعم الديمقراطية و"لهذا السبب يجب أن يتوقف".

وتقول صحيفة "إيفينيغ ستاندرد" البريطانية إن وزراء حكومة جونسون يضعون سلسلة من السياسات، تحت عنوان "عملية اللحوم الحمراء"، من أجل إعادة إحياء صورة جونسون وإرضاء النواب المحافظين.

واعتبرت الصحيفة في تقريرها في 17 يناير 2022 حديث وزيرة الثقافة نادين دوريس عن أنه سيتم تجميد رسوم الترخيص التي تمول "بي بي سي" يقع ضمن هذه العملية.

وأشارت إلى أن حزب العمال وصف العملية بأنها "إلهاء واضح ومثير للشفقة عن رئيس وزراء وحكومة انتهى طريقها وقيادتها معلقة بخيط رفيع".

أما صحيفة "ذي هيرالد" البريطانية فاعتبرت أن الهجوم الذي تعرضت له بي بي سي بمثابة تكتيك وانحراف من قبل وزيرة الثقافة للدفاع عن رئيسها.

وأضافت الصحيفة في تقرير بتاريخ 18 يناير : "لكنه انحراف يعرض الكثير من الافتقار إلى الرؤية وانعدام الكفاءة السياسية ناهيك عن الغباء الصريح لحكومة جونسون".

وترخيص بي بي سي هو رسم ثابت تدفعه جميع الأسر البريطانية قدره 159 جنيها إسترلينيا سنويا، مقابل عروض وخدمات، بينها التلفزيون، والإذاعة وموقع الإنترنت، والبودكاست، وتطبيقات المحطة، وتطالب أسر كثيرة بوقف تحصيله.

سيناريوهات أربعة

وفي الوقت الذي يغرق فيه حزب المحافظين في استطلاعات الرأي ويشعر نوابه باليأس يشعر أعضاء مجلس المحافظين بالذعر خوفا من حدوث مذبحة في انتخابات مايو المقبلة.

وفي ظل تزايد الضغوط على رئيس الوزراء البريطاني وتصاعد المطالبات الداخلية في الحزب وخاصة الواردة من النواب بتنحي جونسون توقعت صحيفة غارديان سيناريوهات أربعة لمغادرة جونسون منصب رئاسة الوزراء.

وعن السيناريو الأول، توقعت الصحيفة في 16 يناير، أن يغادر جونسون الحكومة في غضون أيام قليلة تحت وطأة نزيف الدعم الداخلي وهبوط الحزب في استطلاعات الرأي والرسائل البريدية الغاضبة التي أغرقت صناديق بريد النواب.

ويرى السيناريو الثاني أن جونسون ربما يغادر الحكومة بعد أسبوعين تقريبا من نتائج التحقيقات حول التجمعات التي عقدت داخل داونينغ ستريت خلال فترة الإغلاق.

وفي السيناريو الثالث تتوقع الصحيفة أن تفشل التحقيقات في تقديم "بندقية دخان" وبعدها يمنح نواب الحزب رئيس الوزراء فرصة أخرى على أن يبقى جونسون في منصبه حتى الانتخابات المحلية المقررة في مايو 2022.

وفي حال أسفرت الانتخابات عن خسائر فادحة لحزب المحافظين يصبح جونسون مجبرا على الاستقالة بموجب قواعد الحزب.

أما السيناريو الأخير بحسب غارديان هو أن يبقى جونسون حتى الانتخابات القادمة، على اعتبار أن نتائج التحقيقات ستظهر بشكل "سخيف" ومليء بالمراوغات ما يسمح لجونسون بالإفلات من المأزق ويعود حزب المحافظين إلى الواجهة مرة أخرى.