أزمة تيغراي تصل إلى مسلمي "وولو".. كيف تؤثر الحرب المشتعلة عليهم؟
.jpg)
تمر إثيوبيا بمرحلة حساسة، فقد عمت الفوضى في المنطقة مع أزمة تيغراي التي طالت آثارها جميع أنحاء البلاد.
والحرب في أساسها قائمة بين الجيش الوطني الإثيوبي وحركة أمهرة الوطنية الديمقراطية والجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، لكن الأزمة أخذت بعدا إقليميا مع هجرة أعداد كبيرة من الناس وتورط إريتريا في الحرب.
ويقول موقع "ميليم أناليز" التركي في مقال للكاتب إسماعيل منصور أوزديمير: "كذلك انخرطت العديد من الدول مثل مصر والسودان في الأزمة بسبب علاقاتها السياسية".
وليس من الصعب بالطبع أن نتوقع مشاركة الولايات المتحدة وإسرائيل في الأزمة واتخاذهما خطوات لتصعيد الحرب نظرا لاستثماراتهما السياسية في المنطقة.
مسلمو وولو
وعلى الرغم من أن أزمة تيغراي قائمة بين أطراف معينة، فإن أضرارها طالت شرائح واسعة. وآخر الأمر، انتقلت الأزمة والحرب الأهلية إلى منطقة وولو، حيث يعيش المسلمون.
وبين ليلة وضحاها، تحول مسلمو وولو وديسي إلى ضحايا الأزمة مع أنهم ليسوا طرفا فيها بأي شكل من الأشكال، بحسب الكاتب التركي.
ويرى أوزديمير أنه من الضروري معرفة القليل عن وولو التي احتلتها الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي مؤخرا، خاصة وأن سكانها يدفعون ثمن حرب وصراع لم يكونوا يوما جزءا منه.
ومع أنهم تعرضوا للسلب والنهب من قبل مقاتلي الجبهة، إلا أن الجيش الفيدرالي في أمهرة ونظيره الإثيوبي، لم يحركا ساكنا.
ويقول إن المسلمين بمثابة ضحايا لا تملك من أمرها شيئا، أما مقاتلي الجبهة؛ فقد جرى نزع سلاحهم بشكل منهجي منذ فترة طويلة.
واليوم تلقى مسلمو وولو بعد أن طلبوا من رئيس الوزراء آبي أحمد حمايتهم أو دعمهم بالسلاح، ردا مفاجئا للغاية.
فقد قيل لهم "تسلحوا وقوموا بحماية أنفسكم". وهكذا ليجد مسلمو وولو أنفسهم أمام مأساة حقيقية.
ويضيف: مع الإعلان عن حالة الطوارئ، يمكننا القول بأن حربا أهلية اندلعت في إثيوبيا.
وحاليا يتخذ بارونات الحرب موقفا داعما لاندلاع أزمة في إثيوبيا بعد الصومال والسودان، لتتحول البلاد إلى أرض خصبة لاقتصاد الحرب وأباطرته.
وحذر قائلا: الحرب التي ستندلع نيرانها في دولة ذات تنوع عرقي مثل إثيوبيا، ستنتشر إلى كينيا وإريتريا وجيبوتي، وكذلك الصومال والسودان التي تعاني بالفعل من انعدام الاستقرار، ليجد القرن الإفريقي نفسه في حلقة من نيران مشتعلة.
وتابع الكاتب: من ناحية أخرى، يرسم تقييم المسلمين الإثيوبيين لهذه الحرب صورة، معقدة للغاية:
فمنهم من يتجاهل الحرب ويفضل الصمت، ومنهم من يقيمها من منظور قومي ويتناولها في إطار القيم العرقية، ومنهم من يرى بوجود أزمة كبيرة يعاني منها المسلمون في وولو.
الثقة منعدمة في آبي أحمد بسبب عدم وفائه بالوعود التي قطعها للمسلمين، خاصة تلك المتعلقة بتحقيق الديمقراطية.
وهو الأمر الذي يجعل أقصى أماني بعضهم أن تنتهي الأزمة/ الحرب الأهلية دون أن يصبحوا طرفا فيها، في الوقت الذي بدأ فيه بعض المسلمين يبدون اعتراضهم على عدم وفاء آبي أحمد بالتزاماته.
المسلمون عالقون بين اضطهاد الجبهة وعدم الوضوح في موقف آبي أحمد، وهم لا يعرفون ماذا يفعلون في مواجهة كل هذا.
وبما أن المسلمين دفعوا أثمانا باهظة خاصة في منطقة وولو، فقد بدأ البعض يطالب بإطلاق برنامج للدعم والإغاثة وتوفير الحماية للمجتمع المسلم المتضرر من الحرب في أسرع وقت.
هناك معلومات وإشارات حول إمكانية تفعيل الحكومة البروتستانتية الأنشطة التبشيرية بشكل ممنهج، لا سيما في المناطق التي تأثرت سلبا من الحرب. لذلك لا بد من العمل لضمان عدم استغلال وضع المسلمين الذين أصبحوا ضحايا للحرب.
ما يجب فعله
ويشدد أوزديمير على لزوم معالجة المأساة في وولو، خاصة أن الأحداث الواقعة هناك لا تجد لها سبيلا إلى المؤسسات الإعلامية حول العالم.
ويقول: لمعرفة وضع المسلمين المحاصرين بين موقف آبي أحمد غير الواضح والعزلة المنهجية في منطقة أمهرة واضطهاد الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، يجب اتخاذ بعض الخطوات السريعة في المنطقة.
ومنها، إرسال بعثة مراقبة من منظمة التعاون الإسلامي والمنظمات المستقلة المعنية بحقوق الإنسان إلى المنطقة.
وإعداد تقارير حول الدراسات والمقابلات والملاحظات التي سيتم إجراؤها في المنطقة بمساعدة الخبراء، بشكل سريع.
أيضا، البدء بالتحقيق حول انتهاكات حقوق الإنسان التي تسجلها التقارير. وهنا لا ينبغي إهمال الأبعاد السياسية والإدارية لهذا التحقيق، ويجب عرض القضية على المحاكم الدولية فضلا عن المحاكم الإثيوبية.
ويوصي بضمان إعلام العالم بالمأساة التي تمر بها المنطقة، من خلال إجراء الدراسات الإعلامية.
ويدعو إلى إرسال خبراء إلى المنطقة لمعالجة الجراح الطبية والصدمات النفسية التي خلفتها الحروب والاعتداءات.
وكذلك، تشجيع الحكومة الإثيوبية على إعادة إعمار المنطقة. وفي حال لم تكن قادرة على فعل ذلك، يمكن تنفيذ الإعمار بالتنسيق بين البنك الإسلامي للتنمية ومنظمة التعاون الإسلامي.
كما يرى ضرورة إطلاق برنامج زراعي في المنطقة بالتنسيق بين وكالة التعاون والتنسيق ووزارة الزراعة التركيتين للتعويض عن النهب الذي تعرضت له الأراضي الزراعية في المنطقة.
وأيضا تشكيل لجنة مشتركة معنية ببرامج مراقبة حقوق الإنسان وبرامج المساعدات الإنسانية، والتخطيط لمنظمة إغاثة تعمل على نطاق واسع بالتعاون مع منظمات الإغاثة الإسلامية في المنطقة.
ويقول الكاتب: "لا يمكن أن نقبل أبدا بأن يتعرض إخواننا المسلمون للأنشطة التبشيرية؛ فهناك معلومات تفيد بأن المنظمات البروتستانتية تتولى تقديم المساعدة الإنسانية في مدن وولو وديسي الإثيوبية التي يعيش فيها المسلمون".
لذلك يعتقد أنه يجب أن تتولى السفارة التركية في إثيوبيا مسألة ضمان عمل مؤسسات بلادنا في المناطق التي يعيش فيها المسلمون.
مع ضمان وجود وكالة التعاون والتنسيق التركية في المنطقة لتولي دور توجيه المنظمات الحكومية وغير الحكومية هناك. وفي حال أعدت الوكالة تقرير الرصد الإقليمي وخطط الاحتياجات، فسيكون من الممكن استخدام المساعدات في أماكنها الصحيحة.
وبحسب قوله، من الضروري حل مشكلة انعدام الوضوح والتواصل في مثل هذه الحالات، الأمر الذي يجعل من إنشاء بنية تحتية إعلامية جيدة في المنطقة، ضرورة إقليمية وعالمية.
وأضاف: "لا يمكن محاربة الدعاية المنهجية التي تقودها الولايات المتحدة وإسرائيل وتنفذها الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي ضد تركيا، إلا بالوجود في المنطقة وإنشاء بنية تحتية قوية فيها".
إذ يبذل الفاعلون العالميون قصارى جهدهم لمنع تركيا من أن تكون فاعلا جديدا وقويا في المناطق التي استغلوها واستعمروها لقرون.
وأردف: "ينبغي ألا تنسحب وحدات الدبلوماسية العامة الإقليمية الخاصة بنا من المناطق التي تعمل فيها، بل على العكس من ذلك، يجب أن تزيد من فاعليتها".
ومع أننا نحافظ على موقف الحياد في التوترات الداخلية للدول الأخرى، إلا أنه ينبغي علينا تأكيد ذلك بشكل واضح لتلك الشعوب أيضا، يقول الكاتب.
هناك محاولات لاستبعاد تركيا من المنطقة. إذ يتم إظهارها على أنها طرف في الحرب الأهلية لكسر نفوذها في إفريقيا، مع أنها ليست كذلك. لذلك يرى الكاتب أنه يجب التصدي لهذه الدعاية العالمية التي تحاول أن تجعل تركيا تدفع ثمن حرب ليست طرفا فيها.
وهنا يوضح الكاتب أنه "يتوجب على الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي والحكومة الإثيوبية أن تصرح للعالم بشأن المأساة التي لحقت بالمسلمين في وولو".
وختم أوزديمير مقاله مؤكدا: تُركت إثيوبيا لتعاني وحدها آثار صراعات داخلية، فلا تفضل القوى العالمية أن تتولى دورا بناء في حل الأزمة رغم ما تسببت به من آلام ومآس كبيرة.
لذلك يقول: "علينا أن نواصل عملنا على تنمية المنطقة وبنائها وبشكل أكثر فاعلية ونشاطا وأن نبذل قصارى جهدنا لإنهاء الصراعات وتشكيل إثيوبيا ديمقراطية".