حصار إفريقي ووجود أجنبي.. هكذا تسير مالي على حبل مشدود بتأجيل الانتخابات

سليمان حيدر | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

في خطوة تمدد بقاء العسكر لسنوات أخرى، قررت الحكومة المالية التابعة للانقلاب العسكري تأجيل الانتخابات التي كانت مقررة نهاية فبراير/شباط 2022. 

واعتمدت الحكومة في مالي على توصية من "المؤتمر الوطني لإعادة البناء" الذي انعقد بطلب من الانقلاب العسكري على مدار أربعة أيام في الأسبوع الأخير من 2021 طلبت فيها تأجيل الانتخابات لمدة من 6 أشهر إلى 5 سنوات. 

وقالت الحكومة الخاضعة للعسكر في 30 ديسمبر/كانون الأول 2021 إنها ستأخذ بتوصيات المؤتمر على أن يجري إعداد جدول انتخابات جديد بحلول نهاية يناير/كانون الثاني 2022.

وبموجب خطتها، سيجرى استفتاء دستوري عام 2023 وانتخابات تشريعية في 2025، على أن يتم تأجيل الرئاسيات حتى عام 2026، وفقا لنسخة من الاقتراح، نشرتها وكالة أسوشيتد برس الأميركية في الثاني من يناير 2022.

ويجادل المؤتمر الوطني بأن تمديد الفترة الانتقالية يأتي لتنفيذ إصلاحات مؤسسية وهيكلية لإجراء انتخابات نزيهة وشفافة وذات مصداقية. 

ويتكون المؤتمر من 19 شخصية تشمل وزراء سابقين وكبار المسؤولين ومحامين ومؤرخين جرى تعيينهم من قبل قائد المجلس العسكري الحاكم أسيمي غويتا. 

وفي 18 أغسطس/آب 2020 نفذ الجيش المالي بقيادة غويتا انقلابا عسكريا ضد الرئيس إبراهيم أبو بكر كيتا، وتعهد بإجراء انتخابات في فبراير/شباط 2022.

معارضة واسعة

خطة الحكومة التي يسيطر عليها الجيش لتمديد الفترة الانتقالية التي أعلن عنها المؤتمر الوطني رفضها تكتل يمثل 10 أحزاب سياسية معارضة.

وقال التحالف المعروف باسم اللجنة الوطنية لإنقاذ الشعب "CNSP" في بيان إن "الجدول الزمني الأحادي وغير المعقول ينتهك الميثاق الانتقالي ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون رغبة عميقة للشعب المالي".

وشدد البيان الصادر في الثاني من يناير 2022 على أن إطار عمل السلطات في المرحلة الانتقالية هو تهيئة الظروف لعودة سريعة إلى النظام الدستوري وتحقيق هذه الغاية عبر احترام ميثاق المرحلة الانتقالية والتزاماتها تجاه الشعب المالي والشركاء. 

وقال المتحدث باسم التحالف سيكو نيامي باتيلي لوكالة الأنباء الفرنسية إنهم يأملون "المضي قدما في تنظيم الانتخابات بسرعة".

ويشير تقرير لصحيفة جون أفريك الفرنسية إلى أنه كان من المفترض أن تقدم المعارضة توصيات للإصلاحات التي تهدف إلى معالجة المشاكل التي تعاني منها البلاد. 

وبين التقرير في 31 ديسمبر 2021 أن مالي شهدت بالفعل مثل هذه المشاورات الوطنية في الماضي، وكان ينظر إليها أحيانا على أنها عبثية. 

وفي 11 ديسمبر اعتبرت عدة أحزاب في بيان صحفي مشترك أن مثل هذه التقييمات والمؤتمرات ليست سوى "مناورة تأخير" تهدف إلى إطالة أمد الانتقال من جانب الحكومة المدعومة عسكريا دون بوصلة تحدد اتجاهات المستقبل.

تنسيقية الحركات والجمعيات والمتعاطفين CMAS التابعة للإمام محمود ديكو رفضت هي الأخرى الجدول الزمني وقالت إنه يظهر إرادة السلطات الحالية للبقاء في السلطة دون اقتراح ملموس لإخراج البلاد من هذه الأزمة متعددة الأوجه. 

ويعتبر ديكو أحد أكثر الشخصيات نفوذا في مالي، وعمل كوسيط بين الحكومة والجماعات المقاتلة في شمال البلاد.

ورغم دعمه لإبراهيم أبو بكر كيتا في انتخابات 2013، بدأ في دعم المعارضة عام 2017 وأنشأ حركته "تنسيق الحركات والجمعيات والمتعاطفين" في 2019 وساند الاحتجاجات ضد كيتا.

ودعت التنسيقية في بيان 4 يناير 2022 السلطات الانتقالية إلى تجنب البقاء في السلطة بشكل غير قانوني وغير شرعي. 

وأضاف البيان: "لا يمكن لما يسمى بالجماعات الوطنية أن تحل محل صوت الشعب لإضفاء الشرعية على أي تمديد لفترة الانتقال ومنح السلطة الحالية الحق في اعتماد دستور جديد". 

وطالبت التنسيقية غويتا ورفاقه العسكريين باحترام التزاماتهم الأولى وتسريع انتقال السلطة إلى حكم مدني حقيقي.

الخبير في الشؤون الإفريقية محمد ولد حمدو رأى أن قرار التأجيل كان متوقعا، خاصة أن رئيس المجلس العسكري الحاكم كان منذ البداية يدفع باتجاه التصعيد ويرفض الخضوع لمطالب وإملاءات القوى والمنظمات الإقليمية والأمم المتحدة. 

وأضاف ولد حمدو لـ"الاستقلال" أن المعارضة في مالي منهكة ومشتتة بفعل المواجهة غير المتكافئة مع الحكومة، وأن أغلب أو أقوى التيارات في البلاد هو التيار الديني الذي يقوده الإمام محمود ديكو. 

وبغض النظر عن الوزن الانتخابي الذي قد يكون مهما في الانتخابات، أكد حمدو أن المعارضة تملك قوة حشد كبيرة ولكن في ظل الظروف الاستثنائية التي يعيشها البلد في ظل الحكم العسكري ليست هناك أية أهمية لهذه القوة.

وبالتالي منتهى طموح قوى المعارضة هو أن تخفف من وطأة الحكم العسكري بتسريع العودة إلى الحكم المدني.

 وهو ما لا يلوح في الأفق مع قرار المجلس العسكري تمديد الفترة الانتقالية لنحو خمس سنوات، ما يعني عمليا أن المعارضة ستجد نفسها مجبرة على مسايرته بحسب الخبير في الشؤون الإفريقية. 

واعتبر حمدو أن الحد الأدنى للمعارضة الآن هو أن تشارك بمرشح مقبول في الانتخابات القادمة خاصة وأن غويتا لم يحسم بعد قراره المتعلق بفكرة خوضها بنفسه أو بمرشح يمثله. 

حصار متعدد

باتت السلطات الحالية في مالي تواجه عزلة جديدة فيما بدت البلاد أنها تقع في مزيد من الفوضى بعد قرار رؤساء المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا "إيكواس" فرض عقوبات مشددة على البلد البالغ تعداده 20 مليون نسمة. 

وفي 9 يناير 2022 عقدت المجموعة الاقتصادية المكونة من 15 عضوا قمة استثنائية هي الثامنة من نوعها منذ انقلاب 2020، رفضت فيها خطة قادة الجيش المالي تمديد فترة بقائهم في السلطة 5 سنوات إضافية. 

وفرضت إيكواس العديد من العقوبات على مالي أبرزها إغلاق الحدود البرية والجوية معها، وتجميد أرصدتها لدى المصارف ومنع التحويلات البنكية، وسحب كافة الدبلوماسيين من باماكو وإلغاء كافة أشكال التعاون بما في ذلك المساعدات المالية باستثناء الأدوية والمواد الغذائية.

وفي منتصف ديسمبر 2021 كررت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا مطالبتها بإجراء انتخابات في 27 فبراير 2022 لإعادة السلطة إلى المدنيين، وهددت المجلس العسكري بفرض عقوبات جديدة إذا لم يجر الالتزام بالجدول الزمني.

وفي اليوم الأول من عام 2022 قدم وزير الخارجية المالي عبدالله ديوب الخطط الجديدة إلى المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا "إكواس". 

من جانبه، اعتبر الخبير في الشؤون الإفريقية محمد ولد حمدو العقوبات التي فرضتها المجموعة الاقتصادية بأنها غير ناجعة وأنها لا تملك أكثر منها. 

وأشار ولد حمدو إلى أن إيكواس تمارس أقصى ما يمكن من الضغط على مالي، وأن هذه الضغوط في واقع الأمر لا تعني شيئا بالنسبة للحاكم وربما تؤثر أكثر على الشعب لأنها تضيق الخناق على المواطن ولا تضر الحاكم الذي سيبقى يتمتع بالامتيازات التي توفرها السلطة.

بدورها، مارست كل من فرنسا والولايات المتحدة والجزائر ضغوطا على المجلس العسكري في مالي من أجل عودة المدنيين السريعة إلى السلطة، وفق صحيفة لوبوان الفرنسية.

وتطالب الدول الثلاث بالامتثال لمطلب إعادة دمج المجتمع المدني الذي جرى تهميشه منذ الانقلابين اللذين نفذهما العقيد عاصيمي غويتا في أغسطس 2020 ومايو 2021.

زادت فرنسا والولايات المتحدة والجزائر، في 11 يناير، من الضغط الذي تمارسه دول غرب إفريقيا على المجلس العسكري المالي، وذلك في الوقت الذي يحاول فيه حشد الماليين حول خطاب وطني ويدعوهم للتظاهر ضد العقوبات التي فرضتها "إيكواس".

وتقول صحيفة لوبوان إن "تأثير هذه الإجراءات الانتقامية على المجلس العسكري وأيضا على السكان، يزيد من حالة عدم اليقين بشأن المستقبل في بلد يقع في قلب عدم الاستقرار في منطقة الساحل، وهو البلد الذي كان مسرحا لانقلابين منذ عام 2020".

وأكد الرئيس إيمانويل ماكرون أن فرنسا والاتحاد الأوروبي الذي تتولى بلاده الرئاسة الدورية له يدعمان "الموقف الواضح والحازم للغاية" للإيكواس في مواجهة "انتهاكات المجلس العسكري".

وقال إن الأوروبيين يستعدون بدورهم لتشديد عقوباتهم. لكن روسيا والصين منعتا نصا لمجلس الأمن الدولي يدعم عقوبات الإيكواس، اقترحته فرنسا.

ويدعم هذا النص العقوبات التي قررتها المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا ضد المجلس العسكري في مالي، حيث رفض معظم شركاء البلاد الانتقال إلى السلطة المدنية الذي سيستمر لخمس سنوات أخرى.

ويهدف هذا النص الذي اقترحته فرنسا، إلى الحصول على موقف موحد للمجلس فيما يتعلق بالعساكر الذين يحكمون مالي ممن لم يعودوا متفقين على إجراء انتخابات مدنية في27 فبراير، كما تعهدوا في البداية.

وطالبت روسيا في يناير السلطات المالية بـ "تفاهم" في أعقاب العقوبات غير المسبوقة التي اتخذتها "إيكواس".

وقال السفير الكيني مارتن كيماني لوسائل الإعلام بعد اجتماع لمجلس الأمن أعقبته مشاورات مغلقة من قبل الأعضاء الخمسة عشر "نشعر بخيبة أمل".

وصرح أن الدول الإفريقية في المنتدى (إلى جانب كينيا والغابون وغانا) وجدت النص المقترح من قبل فرنسا "ضعيفا نسبيا".   

وبحسب مصدر دبلوماسي، اقتصر البيان على الحديث عن "دعم جهود الوساطة لدى المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا".

 ودافع السفير الكيني في بيان تلاه نيابة عن الأعضاء الأفارقة الثلاثة في المجلس، عن عقوبات الإيكواس التي تهدف إلى "تسريع الانتقال" في مالي والعودة إلى النظام الدستوري والمدني.  

وأصر مارتن كيماني على أن هذه الإجراءات لا تعيق وصول المساعدات الإنسانية لسكان مالي.  

 وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية نيد برايس "نؤيد قرار الإيكواس فرض عقوبات اقتصادية ومالية إضافية لدفع الحكومة الانتقالية نحو الحفاظ على التزامها تجاه الشعب المالي لإعادة بلادهم إلى الديمقراطية".

انتشار فاغنر

لم تمنع تهديدات الإكواس قادة الانقلاب العسكري في مالي من اتخاذ القرار بتأجيل الانتخابات سعيا منه لتحقيق نجاحات على الأرض وأهداف أخرى تسمح له بالاستمرار في الحكم. 

وفي هذا الإطار قالت صحيفة لوموند الفرنسية في 9 يناير 2022 إن الجماعة العسكرية إذا نجحت في كسب شعبية محلية فإنها ستعمل على تأجيل الانتخابات التي كان مقررا إجراؤها في فبراير/شباط 2022 إلى عام 2025. 

وفي ظل اتخاذ فرنسا قرارا بسحب جزء كبير من قواتها المنتشرة في غرب إفريقيا قرر المجلس العسكري المالي الاستعانة بمرتزقة فاغنر لتحقيق أهدافه.

وأشار ولد حمدو إلى أن المجلس العسكري حين وصل إلى السلطة كانت باريس منهكة من مواجهة الجماعات المسلحة.

كما كانت راغبة في حدوث ضغوط داخلية لمغادرة المنطقة والساحل أو العمل على تشجيع مجموعة دول الساحل الخمس لتنفيذ مهام بالوكالة وهو ما كانت عدة دول داخل المجموعة ترفضه خاصة موريتانيا وتشاد، وفق قوله.

وقال إن غويتا له مقاربة أخرى ويرى أن البلد يحتاج إلى قوة ضاربة تساعد الحكومة المركزية على ضبط النظام وفي هذا الإطار اتجه نحو موسكو ومجموعة فاغنر التي بدأت وجودها بشكل فعلي في مناطق مختلفة من إفريقيا ومن بينها منطقة الساحل ومالي على وجه الخصوص.

ويؤكد تقرير لوموند انتشار المرتزقة الروس في وسط مالي وأن وضعهم لا يزال غامضا. 

وقدرت الصحيفة عدد المرتزقة بما يتراوح بين 300 إلى 350 فردا بعد أن كانت تقول التقديرات قبل بداية العام الجديد إن عددهم في حدود 40 فردا يتمركزون في قاعدة جوية قرب مطار العاصمة باماكو حسب مصادر فرنسية ومحلية. 

وأشارت لوموند إلى أن الانفجار الذي وقع جنوب مدينة موبتي في 3 يناير 2022 وتلاه اشتباك مع مقاتلين كشف أمر وجود هذه العناصر في وسط البلاد. 

وبين التقرير أن التناقض الحالي بين القوات الموجودة في مالي (مجموعات فاغنر والقوات الفرنسية).

ولفت إلى أن تقدم مرتزقة فاغنر يطرح مشكلة في فرنسا بسبب عدم قدرة القوتين نظريا على التعايش مع بعضهما رغم أن الفاصل المكاني بينهما كبير. 

ويصل الفاصل بين تمبكتو وموبتي وسط البلدين اللتين يتمركز فيهما المرتزقة، ومدينة غاو شرق البلاد التي تقع فيها قاعدة "برخان" الفرنسية الرئيسة إلى 400 كيلومتر. 

ويؤكد ولد حمدو أن "السلطة الحالية في مالي نفضت يديها تماما من منطقة الساحل ومن كل المنظمات الإقليمية فيها ومن التأثير الفرنسي التاريخي في المنطقة".

وأوضح أنها اتجهت صوب موسكو ووضعت خلفها كل التاريخ الاستعماري والتحالفات القائمة منذ استقلالها في الستينيات في هذه المنطقة وأسلمت أمرها لمجموعة فاغنر الروسية.

واعتبر أن الطاقم الحاكم من العسكريين والمدنيين يشكل نوعا من الخروج عن المألوف وعن الإطار الذي ظلت فرنسا ترتبه على هواها بعد سلسلة العمليات العسكرية التي نفذها منذ إطاحته الرئيس كيتا وأكد نفسه كحاكم فعلي للبلاد.

وأضاف: "استطاع هذا الطاقم أن يخرج من المربع الفرنسي ويبحث عن طوق نجاة عبر تحالفات غير مألوفة في منطقة الساحل والصحراء".

 وفي هذا الإطار "اتجه نحو موسكو وتجاهل كل الدعوات الإقليمية وخاصة الضغوط التي مارستها فرنسا المستعمر السابق والتي كانت تحكم قبضتها على خيوط اللعبة السياسية والعسكرية في هذا البلد الساحلي". 

وأكد المحلل الجيوسياسي صامويل راماني مؤلف كتاب "روسيا في إفريقيا"، سيصدر قريبا، أن موسكو سعت منذ سنوات إلى توسيع نفوذها في المنطقة من خلال توفير المساعدة الأمنية المسلحة مقابل الوصول إلى الموارد الطبيعية؛ حيث تعد مالي موطنا لمصادر غنية بالذهب واليورانيوم. 

وقال راماني في 10 يناير 2022 في تصريحات لصحيفة واشنطن بوست: "إن دعم موسكو لهذا المجلس العسكري هو مثال كلاسيكي على احتضان روسيا للانقلابات عندما يكون ذلك مناسبا".

وأشار التقرير إلى أن فرنسا قبل أن تغلق قواعدها في شمال مالي في العام 2021، كان لديها ما يقرب من 5100 جندي في غرب إفريقيا ومن المقرر أن يتقلص هذا الرقم إلى 2000 جندي في 2022.

وهو نزوح حذر محللون من أنه سيقلب الاستجابة الدولية لما يقرب من عقد من العنف في هذه المنطقة، بحسب الصحيفة.