لاكروا: كيف دفعت سجون العراق الأطفال للانضمام إلى تنظيم الدولة؟

12

طباعة

مشاركة

نشرت صحيفة "لاكروا" الفرنسية، حوارا مع عادل بكوان، مدير مركز علم الاجتماع العراقي والباحث في كلية الدراسات العليا في العلوم السياسية بباريس، تحدث فيه عن الأسباب التي دفعت الأجيال المراهقة في العراق للانضمام إلى تنظيم الدولة.

وفي الحوار، سلط بكوان، مؤلف كتاب "الدولة العراقية المستحيلة"، الضوء على السجون في هذا البلد الذي يعاني بالفعل منذ سنوات على الصعيدين الأمني والاقتصادي، والمخاطر الذي يمكن أن تشكلها وسط تزايد المخاوف من احتمال تحول السجون العراقية مجددا إلى مهد للدعاية للإرهاب، وبؤرة لتشكل تنظيمات متطرفة جديدة أو عودة تنظيمات قديمة الى الحياة.

إستراتيجية التنشئة الاجتماعية

في البداية، أوضح بكوان أن تنظيم الدولة، كان يملك إستراتيجية تنشئة اجتماعية للأطفال حول أيديولوجيته، التي طبقتها عن طريق توليه مسؤولية تعليمهم النفسي والبدني. كذلك، شارك بعض هؤلاء الأطفال في عمليات انتحارية، واستخدم آخرون في القتال، والبعض الآخر لتمرير الرسائل من مدينة إلى أخرى، مشيرا إلى أن بعض هؤلاء ماتوا، لكن الغالبية ما زالت على قيد الحياة.

وأكد الباحث العراقي، أن تنظيم الدولة تمكن من اجتذاب الكثير من العراقيين إلى صفوفه، حيث الغالبية العظمى منهم يأتون من المناطق السنية، التي يوجد بها مشاكل اقتصادية واجتماعية وسياسية عميقة، كما يتراوح معدل البطالة بين الشباب بين 55 و 75 بالمئة، ونظام التعليم هناك يرجع للعصور الوسطى، كذلك الخدمات العامة غائبة تماما، ناهيك عن وجود فراغ سياسي.

وأردف: كذلك تحول "اجتثاث البعث" (إذ كان من المفترض القضاء على حزب البعث، صاحب النفوذ الأكبر في عهد صدام حسين، والذي كان المفضل للسُنَّة 30 بالمئة من السكان) إلى حركة مناوئة لهذه الطائفة، وقد ساهم ذلك في اندماج هذه الأجيال الجديدة في تنظيم الدولة دون وجهة نظر.

وعن عواقب عدم اعتبار القضاء العراقي "الجنود الأطفال" أولوية، قال بكوان: إن مستقبل جنود تنظيم الدولة من الأطفال والقضايا التي يمثلونها لا تعتبر حتى قضايا، وذلك بسبب طبيعة النظام القضائي العراقي، المليء بالفساد والأزمات الطائفية والسياسية، ولفهم عواقب هذا الوضع، يجب أن نعود إلى الفترة ما بين 2006-2011.

وأضاف: "في ذلك الوقت، أعلنت السلطات النصر على المسلحين في العراق وقررت الولايات المتحدة الانسحاب من هذا البلد، وفقا لهم، لم تعد البلاد تعاني من الظروف الموضوعية لأي تهديد. ومع ذلك، في السجون العراقية في ذلك الوقت، كان المحتجزون يطورون إستراتيجيات للعمل، نفذت بعد الربيع العربي".

وتابع الباحث: "اليوم، أظهرت مقابلات علماء الاجتماع أن السجون العراقية أصبحت مرة أخرى مدرسة للحركات المسلحة،  منذ شهر فبراير/شباط، كان هناك ما يقرب من 45 عملية من تنظيم الدولة في العراق: انفجارات وخطف رهائن واغتيالات".

وأكد بكوان، أن "ما يحدث في العراق في الوقت الحالي يدل على أن تنظيم الدولة لم يمت، وعلى عكس رؤية الغرب، ولاسيما فرنسا، أن العراق أصبح العمود الفقري للشرق الأوسط".

وتساءل الباحث: كيف يمكن أن نتحدث عن الاستقرار؟ وبعد مرور عام على الانتخابات البرلمانية، لا يوجد حتى الآن وزراء الدفاع والداخلية والعدلّ، في الواقع، لا ترى فرنسا أي محاور آخر في الشرق الأوسط، بالنظر إلى الوضع في تركيا وسوريا والمملكة العربية السعودية.

وعن كيفية حل هذه المشكلة، قال بكوان: يجب أن ندخل في عملية مصالحة وطنية، أنا لا أتحدث عن "التصالح " لأن النخب لم تنجح أبدا في إنشاء هوية عراقية: يتم تعريف الشيعة أولا على أنهم شيعة، والسنة كسنّة. يجب أن نبني هوية عراقية شاملة: لا تقمع الهوية الكردية والسنية والمسيحية، وهذا يشمل الحوار بين الطوائف وإنشاء أماكن للقاءات. على سبيل المثال، اليوم، لا يمكن للسني الذهاب للدراسة في البصرة (أغلبية شيعية)، ولا لشيعي في الموصل (غالبية سنية).

قصص يرويها أطفال مقاتلون 

وسجن العراق آلاف عدة من القُصَّر بسبب انتمائهم إلى تنظيم الدولة، وغالبا بعد اعترافات تم الحصول عليها تحت وطأة التعذيب، وعند إطلاق سراحهم من السجن، لا يزال هؤلاء عالقين في معسكرات النازحين دون أي احتمال للعودة إلى بلدانهم الأصلية، وبحسب منظمة "هيومن رايتس ووتش" غير الحكومية، 1500 قاصر محتجزون الآن في السجون العراقية والكردية بسبب انتمائهم إلى التنظيم.

من بين هؤلاء أحمد وسعيد ومحمد (أسماء مستعارة) يعيشون في غرفة صغيرة ذات جدران رمادية منذ إطلاق سراحهم من السجن، هذا الشتاء، هؤلاء المراهقون موجودن في ثكنات صغيرة على حافة معسكر للنازحين بإقليم كردستان، حيث حُكم على عشرات الأولاد الآخرين، مثلهم، بالإرهاب.

وأوضحت "لاكروا": بعد إطلاق سراحهم، يظل المراهقون تحت مراقبة أجهزة الاستخبارات، الأمر الذي يمنعهم من التواصل مع الصحفيين، فالمقاتلين الأطفال يعتبرون ضحايا بموجب القانون الدولي، ولكن مذنبون وفقا لحكومة بغداد، ويقول أغلبهم: إنهم اعترفوا تحت التعذيب، "كان بإمكانهم أن يجعلوني أقول أي شيء"، يشير محمد.

تمكنت "لاكروا" من مقابلة بعض المقاتلين الأطفال، لافتة إلى أنه في المخيم، حيث تختلط عائلات الأشخاص النازحين داخليا وعشرات المدانين بالإرهاب، فإن الأجواء ضارة، ولا يزال تنظيم الدولة لديه قبضة قوية للغاية على العديد من الشباب، والبعض لا زال أيضا مرتبطا بالمنظمة ويمارس ضغوطا على الآخرين.

ويقول سعيد، الذي يبلغ بالكاد 18 عاما، بحزن: "الجميع يدعوننا إرهابيين"، مضيفا: "بالطبع، كان بعضنا من المسلحين، والبعض الآخر كان قريبا من التنظيم أو كان لديه أفراد من العائلة يدعمون التنظيم، مثل حالتي".

ألقي القبض على سعيد قبل عامين ونصف العام من البيشمركة، المقاتلون الأكراد، في خط المواجهة في المعركة ضد تنظيم الدولة، وأنه ظل جالسا على ركبتيه لعدة أيام في زنزانة، عارية تماما، معصميه مقيدان خلف ظهره، وذراع ملفوف فوق كتفه، حيث يسمون ذلك وضع العقرب، مضيفا: "ضربني الحراس بقضيب بلاستيكي حتى تحطم، ثم وضعوه في فتحة الشرج".

ولفتت "لا كروا" إلى أنه بينما ينفي معظمهم أي صلة بالجماعة الإرهابية، يعترف أحمد، الذي أطلق سراحه هذا الشتاء، بأنه انضم إلى تنظيم الدولة قبل خمس سنوات، ويقول بصوت منخفض: "عندما أعلن التنظيم الخلافة كان عمري 13 عاما،  أصبح تنظيم الدولة حكومة، ورغم أنهم كانوا متطرفين قليلا، إلا أنهم أعادوا الهدوء إلى قريتي، عشنا في أمان".

وأردف: "العديد من أصدقائي كانوا أعضاء في التنظيم، لذا كان الأمر مثيرا، أردت أن أستمتع معهم، وبدافع من الفقر والإحباط والملل. وعدنا المقاتلون بزوجة، براتب، سيارة وأسلحة. كل ما يمكن أن أحلم به".

وأكدت الصحيفة، أن كل هؤلاء القصر يأملون العودة إلى منطقتهم الأصلية، في العراق الفيدرالي، دون الذهاب إلى السجن من جديد، لكن هذه الأمنية، كما توضح "لاكروا"، صعبة المنال، إذ لا يعترف القضاء العراقي بالأحكام الصادرة في إقليم كردستان المتمتع بالحكم الذاتي.

وقالت بلقيس ويلي ممثلة "هيومان رايتس ووتش" في العراق: حتى لو قضى أحدهم مدة العقوبة، فإن المواطن العربي الذي حكم عليه الأكراد بالانتماء إلى تنظيم الدولة لا يستطيع العودة إلى دياره، إذا أراد العودة إلى العراق، فسيواجه اعتقالا جديدا من قبل الجيش العراقي أو ميليشيا تسيطر على منطقته".

وخلصت إلى أن هؤلاء الشباب، الذين تربوا في كثير من الأحيان في أيديولوجية سلفية، يظلون محبطين، يتمتعون بالحرية القانونية ولكنهم دائما سجناء، ظلم يعوق أي عملية مصالحة وطنية ويحدث إحباطات جديدة.