عراقيون عائدون من بيلاروسيا.. حلم الحياة بأوروبا ينتهي بكابوس الرجوع للوطن

قسم الترجمة | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

قالت صحيفة واشنطن بوست الأميركية إن المهاجرين العراقيين العائدين إلى بلادهم من حدود بيلاروسيا سردوا روايات فظيعة عما تعرضوا له من انتهاكات على أبواب أوروبا.

وفي 18 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021،  وصلت أول طائرة عراقية مخصصة لإعادة المهاجرين العراقيين غير النظاميين العالقين على الحدود بين بيلاروسيا ودول الاتحاد الأوروبي إلى أربيل وعلى متنها 431 شخصا.

ويمثل العراقيون، وبخاصة الأكراد، نسبة كبيرة من بين آلاف المهاجرين، الذين ينتظرون في غابات بيلاروسيا شديدة البرودة على أمل عبور الحدود إلى بولندا، وهي دولة عضو في الاتحاد الأوروبي.

وتستغرب السلطات العراقية هجرة هؤلاء المواطنيين وأصرت على أنهم خدعوا من طرف عشرات المهربين، وهو ما ينفيه المهاجرون.

حلم الوصول

وذكرت الصحيفة الأميركية أن المهاجرين العراقيين شعروا عند عودتهم بالإهانة، وبينما كان الرجال والنساء والأطفال يتجولون مرهقين في صالة الوصول بمطار أربيل ، تصدرت فرق التصوير المشهد وتصاعدت الأسئلة حول سبب مغادرتهم العراق في المقام الأول.

وأبقى معظم العائدين رؤوسهم منخفضة عند الوصول، بعدما كانوا متفائلين في رحلة الذهاب، مقبلين على الحياة الجديدة في أوروبا التي وعدهم بها وكلاء السفر.

لكن اتضح أنهم كانوا بيادق في معركة الهجرة الأخيرة في أوروبا، وقد أعادتهم رحلة العودة إلى الوطن الذي قضوا فيه مدخرات حياتهم من أجل حلم الوصول إلى أوروبا.

واعتبرت الصحيفة أن عودة أكثر من 400 مهاجر عراقي تعد إيذانا بتخفيف حدة الأزمة على حدود الاتحاد الأوروبي، بعدما سهل الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو مرور آلاف المهاجرين من الشرق الأوسط عبر بلاده إلى بولندا، حيث تقطعت السبل بمعظمهم الآن، ومهددون بالتجمد.

وعقب اندلاع الأزمة صرح لوكاشينكو، أن "مينسك لن تكبح بعد الآن تدفق المهاجرين غير النظاميين إلى دول الاتحاد الأوروبي؛ بسبب العقوبات الغربية، فلا أموال ولا طاقة لهذا"، وهو ما نددت به واشنطن ودول أوروبية ووصفته بـ"تحويل المهاجرين إلى سلاح".

وبدا عديد من العراقيين العائدين في حالة ذهول تحت أضواء المطار الساطعة. وفي الأيام التي تلت ذلك سردوا، ويغلب عليهم اليأس، محنتهم على أيدي حرس الحدود الأوروبيين متطلعين.

روايات قاتمة

الشاب محمد رشيد الذي يبلغ من العمر 23 عاما، قال إنه سيحاول إعادة بناء مدخراته من الصفر، مضيفا: "لا حياة لنا هنا.. لا توجد وظائف، ولا يوجد مستقبل".

ورغم أن العراق بلد غني بالثروة النفطية، لكن القليل منها يصل إلى المواطنين غير المرتبطين بالسياسة، ويعاني أكثر من ربع شباب العراق البطالة.

كما أدت عقود من الفساد وسوء الإدارة إلى انهيار أنظمة الصحة والتعليم في البلاد، وفي المنطقة الكردية أصبحت الأحزاب الحاكمة المدعومة من الولايات المتحدة قمعية بشكل متزايد، وفق واشنطن بوست. 

ومع وصول المهاجرين إلى أربيل ، عاصمة إقليم كردستان شمالي العراق، سأل مذيع تلفزيوني شابا عن سبب مغادرته، فعبس الرجل وقال، ووجهه مظلل جزئيا بوشاح أسود: "هذه الكلمات لا يمكن أن تغادر فمي.. من يجرؤ على قول الحقيقة هنا؟".

وبدت مغادرة  العراق عبر بيلاروسيا  فرصة ذهبية، وفق الصحيفة الأميركية، بعد أن أعلنت مجموعات على موقع "فيسبوك" أن بيلاروسيا قد خففت متطلبات الدخول للوافدين من الشرق الأوسط وأماكن أخرى، طالما دفعوا مقابل حزم السفر التي تضمنت التأشيرات والرحلات الجوية والفنادق في العاصمة مينسك.

وأظهرت وسائل التواصل الاجتماعي مهاجرين يستقلون حافلات أو سيارات أجرة متجهين إلى الحدود مع بولندا، حتى أن حرس الحدود البيلاروسيين كانوا يساعدونهم على العبور.

ولتمويل رحلته، باع رشيد سيارته وممتلكاته الأخرى. وفي مدينة السليمانية، جمع آلان عثمان البالغ من العمر 18 عاما مدخرات لمدة أربع سنوات من عمله في مطعم محلي.

وأشارت "واشنطن بوست" إلى أن محاولة الهجرة بعثت أملا جديدا في مخيمات النازحين، بعد أن قاد تنظيم الدولة إبادة جماعية ضد الأقلية اليزيدية في العراق، فيما لا يزال الآلاف بعيدين عن ديارهم.

وتساءلت بعض العائلات عما إذا كانت بيلاروسيا ستعرض أخيرا عليهم الهروب، حيث قال حسين إلياس خضر الذي يبلغ من العمر 36 سنة "لقد انتظرنا هذا طويلا".

وقالت والدته إنها توقفت خارج المنطقة القاحلة للمخيم أثناء مغادرتهم، وأخذت نظرة أخيرة على مكان غالبا ما كانت فيه الأسرة، التي تعتمد على المساعدات الإغاثية ولا تزال تعاني من الصدمة حتى اليوم.

وأضافت  "عند المغادرة شعر ت وكأني أولد من جديد."

وأثناء إعادة المهاجرين إلى أوطانهم، أصر المسؤولون العراقيون بأربيل على أن أولئك الذين غادروا إلى بيلاروسيا وقعوا فريسة للمتاجرين بالبشر. وكتب مسرور بارزاني، رئيس وزراء حكومة الإقليم، عبر تويتر ، "هذه ليست قضية مهاجرين بل قضية إتجار بالبشر ".

بينما أصر العائدون على أنهم غادروا باختيارهم، بعد سنوات من تراجع الإيمان بأن الحياة قد تتحسن في بلادهم.

وقد حملوا مدخراتهم في أكياس، حيث تصل تكلفة الليلة في فندق بمينسك إلى 100 دولار، فيما أصر سائقو سيارات الأجرة على تحصيل 300 دولار للفرد مقابل النقل إلى الحدود .

وعن هذا الاستغلال، قال رشيد: "ربما هناك من دفع 100 دولار لشراء زجاجة ماء.. أراد الجميع كسب المال منا".

لكن الأسوأ، وفق الصحيفة، كان ينتظر هؤلاء المهاجرين، الذين ساعدهم حرس الحدود البيلاروسي في العبور إلى بولندا وليتوانيا، لكن في كل مرة كانوا يتعرضون للضرب من قبل قوات الأمن على الجانب الآخر.

وقال هؤلاء المهاجرون إن البولنديين وضعوا كلابا لاصطيادهم، واستخدم حرس الحدود الليتوانيون ذيول الماشية لضربهم، حتى من عاد من المهاجرين لم يسلم من الأذى من قبل  البيلاروسيين.

وقال عثمان: "كانوا يضربوننا بالعصي، وصرخوا في وجوهنا بالشتائم". وهكذا وجد العراقيون أنفسهم عالقين لأسابيع في غابة أسمتها السلطات البولندية "منطقة طوارئ"، وذلك بعيدا عن الأنظار ومحظورة على جماعات الإغاثة والصحفيين.

سياسة مؤلمة

ولفتت الصحيفة الأميركية إلى أن درجات الحرارة انخفضت إلى أقل من درجة التجمد كل ليلة. وكان لدى قلة من العائلات خيام. وفي بعض الأيام لم يكن هناك طعام على الإطلاق.

 فيما تقول جماعات حقوق الإنسان إن ثمانية أشخاص على الأقل لقوا حتفهم. وقال عثمان إنه شاهد رجلا عراقيا يغرق بعد أن أصر حرس الحدود على أن يمر عبر مستنقع متجمد، لكنه لم يستطع السباحة.

من جانبه، قال خضر "كل هذا من أجل السياسة.. لم يساعدنا أحد. لا أحد اهتم بنا". وبينما كان يسرد تفاصيل الرحلة، شحب وجه زوجته غزالة بركات، 25 سنة، وأغمي عليها، بعد أن استمرت في تجرع أنفاسها بضيق. وقال خضر: "لقد كانت هكذا منذ كنا في الغابة".

وبحلول الوقت الذي أعلنت فيه السلطات العراقية عن أول رحلة عودة، كما يقول العائدون، "كانت أموالهم تنفد".

وكانت حقيبة رشيد المليئة بالعملة الدولارية فارغة. وكانت والدة عثمان تبكي وتتوسل إليه أن يعود إلى المنزل، حيث أوضح "كنت على استعداد للبقاء هناك.. كنت على استعداد للموت هناك.. لكن عدت من أجلها".

وفي مطار مينسك تأخرت طائرة العودة عدة ساعات. وقال رشيد: "كانت العودة شعورا فظيعا".

وقال العائدون إن الوصول إلى أربيل وكأنه صفعة أخرى. ولم يكن خضر يعرف كيف يمكنه أن يدفع ثمن سيارة أجرة إلى المنزل. وكان جوع رشيد شديدا. وغطى بعض العائدين وجوههم فيما احتشد الصحفيون حولهم ليطرحوا عليهم أسئلة من قبيل هل أنت مرهق؟ لماذا غادرت؟ ما هي المشكلة في العراق؟

وأغمي على غزالة مرتين. وأشار خضر إلى أن أيا من المراسلين الذين احتشدوا حولهم لم يعرض الماء لإنعاشها. وقال: "غادرنا لأننا أردنا أن نجد حياة أفضل.. لا يمكننا العودة، جائعين وعطشى، لنخبر وسائل الإعلام بما حدث لنا".