"المستثمر الأجنبي الأول".. كيف تفوقت تركيا على فرنسا في الجزائر؟

أحمد يحيى | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

مع "الانحدار الدراماتيكي" الذي تشهده العلاقات الجزائرية الفرنسية، بوصولها لحد الأزمات الدبلوماسية والتصريحات الحادة المتباينة بين قادة الدولتين، كانت العلاقات بين أنقرة والجزائر تسير نحو تقارب متصاعد وتعاون أوثق في مجموعة من الملفات السياسية والاقتصادية.

فحين استدعت الجزائر سفيرها من باريس للتشاور، ردا على ادعاءات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المسيئة بحق "الأمة الجزائرية"، على نحو مطرد كانت توقع عددا من الاتفاقيات المشتركة مع تركيا في عدة مجالات، كجزء من تعاون مستمر بدأ منذ 15 عاما على استحياء، واليوم يصل إلى مستويات متقدمة.

ومع هذا المعطى الجديد، غدت تركيا من أكثر الدول استثمارا وحضورا على المسرح الجزائري، الذي يرى فيها شريكا أكثر من مجرد مستثمر أو دولة صديقة، بل "نموذجا ملهما" للنهضة على أرضية واحدة، حيث الانتماء الأيديولوجي والإقليمي.

اتفاقيات جديدة

كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أول رئيس دولة يصل إلى الجزائر في يناير/كانون الثاني 2020، بعد تنصيب نظيره الحالي عبد المجيد تبون في ديسمبر/كانون الأول 2019، وهو ما أظهر تطلعات تركيا إلى تعاون مشترك وثيق مع الجزائر، وأوصل رسالة إلى البلد العربي وقيادته الجديدة.

وفي 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، وقعت تركيا والجزائر اتفاقيات للتعاون في مجالات متعددة، أولها الصحة البيطرية.

إضافة إلى مجالات أخرى يتم إعدادها والتجهيز لها، منها التعاون بين أكاديمية العدل التركية والمدرسة العليا للقضاء بالجزائر، وأخرى تخص حماية المستهلك ومراقبة نوعية المنتجات، وأيضا اتفاق تعاون في مجال العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي.

كما يجرى الاستعداد لإنشاء الغرفة الجزائرية التركية للتجارة والصناعة، أما الجزء الأخير من الاتفاقية فيحوي التفاهم في مجال البيئة.

وأعلن وزير الصناعة والموارد الطبيعية التركي فاتح دونماز، ممثل أنقرة في الاتفاقيات الموقعة مع الجزائر، في كلمة له بأن استثمارات تركيا في الجزائر بلغت خمسة مليارات دولار في قطاعات النسيج والحديد والصلب والشركات الصغيرة والمتوسطة.

وذكر الوزير التركي أن الشركات التركية في الجزائر قد ساهمت في خلق 30 ألف وظيفة، قائلا إن "تركيا تهدف لجعل الجزائر بوابة نحو المنطقة ونحو قارة إفريقيا".

ليتوجه بعدها إلى ولاية وهران غرب الجزائر؛ لزيارة مصنع الحديد والصلب ببلدية بطيوة الذي أنجزته شركة "توسيالي ايرون أند ستيل"، وهو أكبر استثمار لتركيا خارج أراضيها، إذ بلغ إنتاجه للعام (2020) حوالي 2.23 مليون طن من مختلف المنتجات الحديدية، ويوظف قرابة 3800 عامل.

ويذكر أنه في فبراير/ شباط 2018، وقعت الجزائر وتركيا خلال زيارة رسمية لأردوغان إلى الجزائر 7 اتفاقيات حول التعاون والشراكة في مختلف المجالات.

ومن بين الاتفاقيات الموقعة، مذكرة تفاهم وتعاون بين مجمع "سوناطراك" الجزائري، وشركة "بوتاس" التركية للنفط والغاز، حيث مجالات الطاقة الحيوية والنفط التي تهتم بها تركيا وتوليها نظرة خاصة، إضافة إلى أن العملاق الجزائري "سوناطراك" صاحب المركز الأول في إفريقيا فيما يخص شركات النفط.

أهمية الجزائر

الجزائر إحدى الوجهات الأساسية في السياسة الخارجية التركية، بمفهومها الحديث القائم عقب بداية النهضة التركية مع صعود حزب "العدالة والتنمية" إلى الحكم عام 2002. 

وعبر عن ذلك الرئيس أردوغان، قبيل زيارته المهمة إلى الجزائر مطلع العام 2020، خلال مؤتمر صحفي بأن "تركيا والجزائر تربطهما علاقات تاريخية تمتد إلى خمسة قرون، وزيارتي تهدف لتوطيد العلاقات الثنائية ومجالات التعاون بين البلدين، على أساس اتفاقية الصداقة والتعاون التي تم توقيعها خلال زيارتي للجزائر عام 2006".

على الجانب المقابل، ذكر الرئيس تبون في تصريحات لمجلة "لوبوان" الفرنسية في 4 يونيو/حزيران 2021، أن "الجزائر تتمتع بعلاقات ممتازة مع الأتراك الذين استثمروا قرابة خمس مليارات دولار دون أي مطالب سياسية مقابل ذلك".

وأضاف في إشارة واضحة إلى فرنسا أن "أولئك الذين أزعجتهم هذه العلاقة، عليهم فقط أن يأتوا ويستثمروا عندنا".

وبحسب الوكالة الجزائرية لتطوير الاستثمارات (حكومية)، فإن تركيا باتت المستثمر الأجنبي الأول في البلاد خلال العام 2021، وتم إحصاء وجود أكثر من 1300 شركة تركية تعمل بالجزائر في قطاعات مختلفة.

وتجلت أهمية الجزائر بوضوح لدى الأتراك منذ العام 2006، حيث وقعت معاهدة الصداقة والتعاون، خلال الزيارة التاريخية التي قام بها أردوغان إلى الجزائر، وكان رئيسا للوزراء آنذاك. 

وبموجب هذه الاتفاقية، قامت تركيا عام 2017 بإعادة بناء وترميم جامع "كتشاوة" في الجزائر.

ولكون الجزائر أكبر بلد عربي وإفريقي من حيث المساحة، ويتمتع بوفرة في الموارد البشرية والطبيعية خاصة النفط والغاز، جعلتها أنقرة مركزا لانفتاحها على المغرب العربي ودول حوض المتوسط والعمق الإفريقي.

لذلك، فإنه منذ عام 2006، تعاقبت زيارات أردوغان المتكررة إلى الجزائر، كمؤشر على إستراتيجية تعميق العلاقة السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية بين البلدين.

ومن أبرز المجالات التي تحتاج فيها تركيا إلى الجزائر، توفير الغاز، فبينما كان اعتماد تركيا على الغاز الروسي والإيراني قد وصل إلى 70 بالمئة عام 2009، انخفضت هذه النسبة إلى 45 بالمئة عام 2020.

بالمقابل، كانت كمية الغاز القادمة إلى تركيا من أذربيجان والجزائر تقدر بنحو 26 بالمئة في 2009، قبل أن ترتفع لنحو 36 بالمئة العام 2020، ويتوقع أن ترتفع النسبة لأكثر من ذلك خلال السنوات المقبلة، في ظل تنامي العلاقات، بحسب وزارة الصناعة والموارد الطبيعية التركية.

النموذج التركي 

في 28 مايو/آيار 2020، أقام مركز "دراسات الشرق الأوسط"، ندوة بعنوان "آفاق العلاقات التركية- الجزائرية" لمجموعة من الباحثين والسياسيين من كلا البلدين، حيث تطرقت مداخلة الأستاذة بجامعة قسنطينة الجزائرية، منيرة بودردابن، إلى جوانب الجذب التركي للجمهور الجزائري.

وأكدت بودردابن أن "جاذبية تركيا الاقتصادية والاجتماعية للجمهور الجزائري، تبرر حجم التوغل الاقتصادي التركي في الجزائر الذي استطاع خلق صورة إيجابية عن بلد اقتصادي وصناعي قوي ومتفوق مقارنة بالتجربة المحلية المنتمية إلى نفس الفضاء الحضاري والاجتماعي".

وشددت على أن "رواج تركيا سياسيا لدى الجمهور الجزائري، هو ما يبرر بعوامل هيكلية وأخرى متعلقة بالاتصال السياسي، قوة جاذبية النموذج التركي عند الجزائريين".

من جانبه، قال السفير الجزائري في تركيا، مراد عجابي، خلال الندوة إن "الأوان قد حان لأن نعيد كتابة تاريخنا المشترك بأنفسنا معتمدين على مؤرخينا ومراجعنا وخاصة الأرشيف العثماني خلال الفترة بين 1516-1830". 

وأكد عجابي أن "هناك علاقات متميزة تجمع الجزائر وأنقرة على مختلف الأصعدة"، والبلدان يعملان على تثمين إرثهما الثقافي المشترك، مثل ترميم بعض المعالم التاريخية التي تعود إلى الحقبة العثمانية". 

وعن آفاق العلاقات، شدد عجابي على أنه "أمام البلدين فرصة تاريخية لترقية العلاقات كنموذج يحتذى به، في ظل الإرادة السياسية لقيادتي بلدين يحتلان مكانة هامة في العالم الإسلامي".

وفي مقال نشره موقع "الجزيرة.نت" في 29 يناير/كانون الثاني 2020، للأكاديمي التركي، ياسين أقطاي، متحدثا عن القوة الناعمة لتركيا، وارتباطها بالجزائر، متجاوزا آفاق التعاون الاقتصادي والسياسي، اعتبر أن "أهم ثروة بالنسبة للجزائر، تمتعها بنسبة كبيرة من الشباب، وهو ما يعتبر موردا بشريا ضخما، في حال تمت إدارة ذلك بشكل صحيح".

وذكر أن "وجود هذه النسبة الشبابية يعتبر مصدرا وفيرا لسوق العمل، فضلا عن كونه فرصة كبيرة للغاية لإضفاء الطابع المؤسساتي التعليمي الجيد".

وقال أقطاي إن "الشعب الجزائري يعتبر المثال الأكثر استثنائية بالنسبة لتركيا، من حيث الحفاظ على هويته وأصالته ضد الاستعمار، عبر النضال والكفاح والمقاومة النبيلة".