جورج قرداحي.. إعلامي لبناني صنعته السعودية فانقلب عليها وأيد الحوثيين

أحمد يحيى | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

تسبب الإعلامي اللبناني جورج قرداحي الذي عرف ببشاشة وجهه في برامج شهيرة بأزمة دبلوماسية عربية، بعدما كشف القناع عن آراء جديدة في مشكلات المنطقة.

قرداحي صاحب الإطلالة المميزة في برامجه على مدار سنوات، والمسيحي الذي يفتخر بهويته المارونية، لكنه يمتدح الإسلام، ومقدم برنامج "من سيربح المليون"، و"المسامح كريم"، تباينت مواقفه من ثورات الربيع العربي التي ناصبها العداء منذ اللحظة الأولى.

وسرعان ما انقلب الإعلامي الهادئ إلى سياسي فاعل، ووصل أن أصبح وزيرا ضمن تشكيلة الحكومة اللبنانية الجديدة.

ويدعم جورج قرداحي حزب الله اللبناني المتورط بجرائم مروعة في سوريا، وجاهر بأنه من المؤيدين للمستبدين من رؤساء الأنظمة العربية كبشار الأسد في سوريا وعبدالفتاح السيسي في مصر.

جدليات جورج

جدليات جورج المستمرة وصلت إلى مداها الأبعد عندما أعلن تأييده الحوثيين الذين انقلبوا على الشرعية في اليمن بدعم من إيران، وأشعلوها حربا لم تبق ولم تذر.

وهو ما أغضب دول الخليج وخاصة السعودية التي صنعت جزءا أصيلا من مسيرة جورج قرداحي الطويلة. 

ففي 26 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، نشر برنامج "برلمان الشباب" التابع لقناة الجزيرة مقطع فيديو لمشاركة جورج قرداحي، ضيفا عليه أثار خلاله أزمة كبيرة. 

وبينما يجيب على أسئلة في الحلقة التي سجلت قبل أن يصبح وزيرا في سبتمبر/أيلول 2021، قال قرداحي في مستهل إجاباته إن "الحوثيين يدافعون عن أنفسهم أمام عدوان خارجي".

المفاجأة لم تتوقف هنا، فعندما سئل عما إذا كان يرى أن ما تفعله السعودية والإمارات، يمثل اعتداء على اليمن قال "إن هناك اعتداء بالتأكيد وإن الحرب في اليمن عبثية يجب أن تتوقف".

لم يكن يحتاج قرداحي أكثر من هذه الكلمات حتى يحدث أزمة دبلوماسية بين بيروت والرياض، ويجد نفسه في مرمى هجمات السعوديين، حكومة وشعبا. 

وقررت السعودية والبحرين والكويت الطلب من القائم بأعمال السفارة اللبنانية مغادرة أراضيها واستدعاء سفيرها في بيروت، وذلك على خلفية تصريحات قرداحي حول حرب اليمن.

أما مجلس التعاون الخليجي فرفض التصريحات في بيان وقال إنها "تعكس فهما قاصرا وقراءة سطحية للأحداث".

وأعلن وزير الخارجية اليمني، أحمد بن مبارك، في تغريدة على تويتر إنه "وجه السفير اليمني في بيروت بتسليم الخارجية اللبنانية رسالة استنكار على التصريحات الصادرة عن وزير الإعلام اللبناني". 

وعلى الصعيد الشعبي أعلنت شخصيات سعودية إعلامية وعامة لومها المملكة على ما وصفوها بـ "صناعة شخصيات مثل قرداحي"، في إشارة إلى قنوات "إم  بي سي"، التي ساهمت بقوة، في شهرة ونجاح هذا الإعلامي لسنوات. 

ولم يكن دعم قرداحي للحوثيين في موقفهم، سقطة عابرة وإنما عقيدة راسخة في أيديولوجيته السياسية، فهو داعم أيضا لبشار الأسد وعبدالفتاح السيسي، وهو المحرض والداعي لانقلاب عسكري في بلاده التي يتولى وزارة إعلامها. 

فيما قال قرداحي  إنه "لم يخطئ بحق أحد لكي يعتذر"، مؤكدا أن "مصلحة لبنان فوق الكل، ولا يجوز أن نبقى عرضة للابتزاز، لا من دول ولا من سفراء ولا من أفراد".

مؤيد الديكتاتوريين  

عرف قرداحي بعدائه الشديد لثورات الربيع العربي، ولم يدع إلى تفهم مطالب الناس في سوريا ومصر وبقية دول الربيع العربي، كما هو الحال في لبنان.

 بل اعتبرها مؤامرة على الشعوب العربية، كما لم يدع إلى تغيير الحكومات والأنظمة، بل أيدها بشدة، متجاهلا إجرام "من يقتل المليونويعتقل الآلاف ويتسبب بسقوط آلاف الضحايا.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2018 أشاد قرداحي بالأسد قائلا: "هو رجل العام"، وذلك خلال لقاء له مع قناة "المنار" اللبنانية الناطقة بلسان حزب الله.

وفي 10 سبتمبر/ أيلول 2021، نشر موقع "المدن" اللبناني تقريرا عن الحكومة اللبنانية الجديدة، ووصف جورج قرداحي بأنه "وزير الأسد" في إشارة إلى ولائه وقربه من رئيس النظام السوري. 

ويعرف أيضا عن قرداحي دعمه الكامل للأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، ولطالما أشاد به في لقاءات إعلامية متعددة، وقال عنه "لولاه راحت (ضاعت) لبنان". 

أثبت قرداحي بشكل كامل أن تأييد السيسي مرتبط تماما بتأييد الانقلابات العسكرية، فكلاهما يخرج من بوتقة واحدة.

قال في 20 سبتمبر/ أيلول 2019، عبر مقطع خاص به إن "مصر تعيش حالة غليان في المشاريع والإنجازات والحمد لله هذه الإنجازات لا يمكن لأي إنسان إذا كان مخلصا وصادقا ولم يكن لديه نوايا سيئة إلا أن يعترف بها"، مختتما كلامه بتوجيه التحيات إلى رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي.

وتجاهل قرداحي في كلمته كما هائلا من المظلوميات وانتهاكات حقوق الإنسان في زمن السيسي.

وهو ما تمت مناقشته معه لاحقا في 26 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، خلال حلقات برنامج "برلمان شعب" إذ سئل عن تأييده الرجل الذي جاء إلى الحكم بانقلاب عسكري على أول حكم منتخب عام 2013، رد مؤكدا أن ما حدث في 30 يونيو/ حزيران من العام نفسه كانت ثورة أيضا، وأن السيسي جاء باختيار شعبي.

وذلك على خلاف جميع التقارير الحقوقية الدولية وشهادات الناشطين المصريين. 

وبالفعل أحرجته الناشطة المغربية "وصال دبلا" خلال البرنامج، بعدة أسئلة عن مجزرة "رابعة العدوية" التي ارتكبها نظام السيسي، ليتهرب قرداحي من الإجابة أكثر من مرة، مبينا أنه لا يعرف بوجود ضحايا.

الصدمة الأشد التي أوقعها قرداحي في نفوس متابعيه، جاءت خلال رده على سؤال: "هل تتمنون حصول انقلاب عسكري في لبنان؟".

أجاب قرداحي: "يا ريت"، مطالبا بانقلاب عسكري مؤقت، لمدة 5 سنوات لتنظيم الأمور والدفاع عن حقوق الناس، ما تسبب في غضب إضافي داخل الأوساط اللبنانية المعارضة للحكومة التي يقولون إن حزب الله، يتحكم بها. 

سيرة وتصريحات

في 28 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، قال الكاتب اللبناني، حازم الأمين، في مقال نشره موقع "الحرة" الأميركي عن التصريحات الأخيرة، لجورج قرداحي: "الأمثلة على عجز لبنان عن أن يكون نفسه، يومية وكثيرة، لعل آخرها التصريحات المخزية التي أطلقها وزير الإعلام التي أبدى فيها إعجابه ببشار الأسد وبعبد الفتاح السيسي".

وأضاف: "الوزير هو نجم تلفزيوني ظهر مؤخرا بعد توليه الوزارة في إعلان ترويجي لأحد المصارف".

واستطرد: "وزير الإعلام اللبناني الذي عاش يوما قاسيا، هو أيضا يتخبط بحيرة مصدرها ذلك العجز عن أن يكون نفسه، وهو واجه الموقف الذي وجد نفسه فيه على نحو ما كان يواجه المواقف في برامجه الترفيهية".

وفي إطلالاته في الإعلانات التجارية، شطب وجه حكومته مرة ثانية، فأمضى رئيسها ليلة أخرى غير هانئة بسبب الغضب الخليجي الذي امتد من الكويت إلى الرياض، وفق تعبير الكاتب.

وغرد الصحفي السوري قتيبة ياسين، عبر صفحته بموقع تويتر، قائلا: "لا يكفي أن يكون وزير الإعلام (إعلاميا مشهورا)، بل يجب أن يكون في البداية إنسانا ملتزما بمواقف أخلاقية".

وواصل أن "تعيين جورج قرداحي المؤيد للكيماوي والبراميل وقتل الأطفال المشبح لنظام الإبادة السوري الأسدي عار ولطخة في تاريخ لبنان". 

جورج قرداحي إعلامي ذائع الصيت، بدأ من لبنان وبلغت شهرته آفاق العالم العربي بعد تقديمه برنامج "من سيربح المليون؟"، كما قدم أيضا برنامجا شهيرا حمل اسم "المسامح كريم".

وفي الأول من مايو/ أيار 1950، ولد جورج فؤاد قرداحي، في فيطرون قضاء كسروان في لبنان، وهناك نشأ وأمضى طفولته، ثم تلقى تعليمه في كلية سيدة اللويزة في الجامعة اللبنانية، حيث درس العلوم السياسية والقانون في لبنان.

بعدها اتجه إلى مجال مختلف تماما، إذ عمل في الإعلام الذي برع فيه. وبدأ مسيرته الصحافية في تلفزيون لبنان الرسمي في السبعينيات، وعمل في قنوات إذاعية عدة بينها إذاعة "مونت كارلو" الفرنسية في باريس.

ثم انتقل إلى رئاسة تحرير إذاعة الشرق في باريس أيضا، وقضى معها عامين من مشواره الإعلامي، لينضم عام 1994 إلى إذاعة (إم بي سي إف إم) في لندن. 

النقلة النوعية في حياة قرداحي، كانت عام 2000، من خلال تقديمه برنامج "من سيربح المليون" على قناة "إم بي سي 1"، وحقق خلاله شهرة واسعة مستمرة حتى اليوم. 

وفي عام 2007، حصل على لقب سفير النوايا الحسنة لمنظمة الأمم المتحدة للبيئة. 

وفي 10 سبتمبر/ أيلول 2021 تم تعيينه وزيرا للإعلام اللبناني، ضمن حكومة رئيس الوزراء نجيب ميقاتي.

على الصعيد الشخصي هو متزوج من إيدا قرداحي ولديه ثلاثة أبناء هم "غبريال، باميلا وباتريسيا".