مع فشل دبلوماسيته بالخارج.. لهذا اتهم قيس سعيد معارضيه في الداخل بالخيانة
.jpg)
انتكاسات متتالية سجلتها الدبلوماسية التونسية خلال أكتوبر/تشرين الأول 2021، بدأت بتأجيل قمة الدول الفرنكفونية، تلاها تحذير لجنة بمجلس النواب الأميركي من "وضع الديمقراطية" في تونس، قبل أن يصوت البرلمان الأوروبي بأغلبية ساحقة على قرار دعا فيه لاحترام الحقوق والحريات وأدان حصر السلطات في يد الرئيس قيس سعيد.
هذه المواقف القوية للدول والمنظمات الإقليمية بعد انقلاب 25 يوليو/تموز 2021، ضاعفت من العزلة التي يعيشها سعيد، رغم الخطوات التي اتخذها لـ"تلميع" نظامه الجديد بتعيين امرأة على رأس الحكومة الجديدة لأول مرة في تاريخ البلاد والمنطقة العربية.
كما كان يراهن سعيد على القمة الفرنكفونية التي يشارك فيها قرابة 88 قائدا للدول المنظمة لمنظمة الفرنكوفونية، وهو ما يعتبر اعترافا بسلطة الأمر الواقع التي فرضها في تونس.
لكن هذا الفشل الدبلوماسي الرسمي، أثار غضب سعيد ليثور في وجه معارضيه باتهامهم بـ"الخيانة والسعي لتشويه صورة تونس والتآمر على أمنها الداخلي والخارجي"، ليرفع بذلك منسوب الضغط الدولي عليه، في ظل أزمة مالية تشهدها البلاد بعد عجزها على الاقتراض لاستكمال موازنة العام 2021.
موقف حازم
بأغلبية 534 من أصل 705 أعضاء من البرلمان الأوروبي، تم التصويت في 21 أكتوبر/تشرين الأول 2021، لصالح قرار يدعو إلى "عودة الديمقراطية في تونس بشكل كامل، واستئناف عمل البرلمان في أسرع وقت ممكن".
وبحسب نص البلاغ الصادر عن البرلمان الأوروبي فإنه "يؤكد من جديد التزامه بالشراكة المتميزة بين الاتحاد الأوروبي وتونس، وأن العملية الديمقراطية في تونس تشعر بقلق عميق".
وأضاف البيان "بما أن المرسوم الرئاسي عدد 117 نص على تركيز السلطات إلى أجل غير مسمى في يد الرئيس، نجدد التأكيد على وجوب الحفاظ على احترام سيادة القانون والدستور والإطار التشريعي، وضرورة وجود برلمان شرعي، باعتباره المؤسسة التي تمثل الشعب، ونستنكر تعليق الرئيس سعيد لمجلس النواب إلى أجل غير مسمى منذ 24 يوليو/تموز 2021".
كما دعا البرلمان الأوروبي إلى "العودة للعمل الطبيعي لمؤسسات الدولة، بما في ذلك العودة إلى الديمقراطية الكاملة واستئناف النشاط البرلماني في أقرب وقت ممكن، كجزء من الحوار الوطني ، والإعلان عن خارطة طريق واضحة.
هذا القرار للبرلمان الأوروبي، سبقه اتصال بين مسؤول العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل والرئيس سعيد، تناول أهمية فصل السلطات، موضحا أن تعيين رئيسة حكومة (نجلاء بودن) "لا يعني تجاهل ضرورة العودة إلى السلطات الدستورية المقررة".
وأشار بوريل إلى "وجود رئيسة وزراء في تونس حاليا دون السلطات التي ينص عليها الدستور"، مؤكدا الحاجة إلى "خارطة طريق واضحة للعودة إلى الفصل بين السلطات".
تمهيد للعقوبات
القرار الأوروبي جاء بعد أيام قليلة من تحذير اللجنة الفرعية للشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمجلس النواب الأميركي، من "وضع الديمقراطية" في تونس، قائلة إنها "مهددة وفي خطر".
وعقدت اللجنة في البرلمان الأميركي جلسة خاصة في 14 أكتوبر/تشرين الأول 2021، استمعت فيها إلى عدد من النواب والخبراء السياسيين والحقوقيين، للنظر في تداعيات قرارات سعيد.
وأعرب رئيس اللجنة والنائب الديمقراطي، تيد دوتش، عن قلقه من وضع الديمقراطية في تونس، بعد تعليق البرلمان، وقال إنه "مع اقتراب الذكرى الـ11 للربيع العربي، يبدو جليا أن الديمقراطية التونسية في خطر".
وأوضح دوتش أن "سعيد الذي جرى انتخابه رئيسا للبلاد عام 2019، شرع في فرض سلطات تنفيذية تثير القلق"، مشددا على أن "تونس حققت مكتسبات كبيرة خلال السنوات الأخيرة، وعلى قادتها مواصلة العمل لإقامة نظام الحكم الذي تستحقه البلاد".
فيما دعت لجنة الاعتمادات في الكونغرس، الإدارة الأميركية لمواصلة صرف المساعدات المخصصة لتونس ضمن برنامج الدعم والتمويل العسكري الخارجي لسنة 2022، شرط أن تقدم لها الحكومة التونسية تقريرا في غضون 45 يوما للتحقق من جملة من المسائل في علاقة بـ"المسار الديمقراطي".
وأوضحت اللجنة، في مشروع قانون حول اعتمادات لوزارة الخارجية والعمليات الخارجية والبرامج ذات الصلة للسنة المالية التي تنتهي في 30 سبتمبر/أيلول 2022، أن التقرير المنتظر أن تقدمه تونس بعد شهر ونصف من سن هذا القانون يجب أن يوضح ما إذا كان "الجيش قد شارك أو ساند انزلاق الديمقراطية، وهل السلطات اعتمدت عليه لتعزيز خطوات استبدادية".
كما أضافت أن على "السلطات التونسية أن تؤكد في التقرير أنها بصدد اتخاذ خطوات ذات مصداقية لإعادة النظام الدستوري والديمقراطية، بما في ذلك ضمان حرية التعبير، والصحافة والجمعيات وحقوق نشطاء الأحزاب السياسية"، وفق ما جاء في مشروع القانون.
غضب سعيد
وفي أول اجتماع للحكومة الجديدة التي اختارها سعيد برئاسة بودن، في 14 أكتوبر/تشرين الأول 2021، وجه الرئيس التونسي جام غضبه لمن وصفهم بـ"الخونة الذين يستقوون بالخارج ويشوهون صورة بلادهم".
وقال سعيد إنه سيسحب جواز السفر الدبلوماسي من الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي، بحجة أنه طالب فرنسا بوقف مساعدتها لنظامه.
وطالب سعيد وزيرة العدل بفتح تحقيق قضائي بتهمة التآمر على أمن الدولة، وقال، مشيرا إلى المرزوقي: "تعلمون كيف ذهب أحدهم إلى الخارج يستجديه لضرب المصالح التونسية وأقولها اليوم، الذي قام بهذا سيسحب منه جواز السفر الدبلوماسي لأنه في عداد أعداء تونس".
في نفس اليوم، استدعى سعيد، سفير الولايات المتحدة بتونس، دونالد بلوم، ليبلغه "استياء الدولة من إدراج الأوضاع في جدول أعمال الكونغرس"، بحسب نص بلاغ صادر عن رئاسة الجمهورية .
وأشار سعيد إلى أن "العلاقات بين البلدين ستبقى قوية، رغم أن عددا من المواطنين يحاولون تشويه ما يحصل في تونس ويجدون من يصغي إليهم في الخارج".
وفي الوقت الذي يتهم فيه سعيد معارضيه بالتخابر مع جهات أجنبية والعمل على تشويه صورة بلاده، يبشر مناصريه بالانفتاح على "أصدقاء جدد"، فيما يحذر معارضو الانقلاب من ارتماء تونس في محور الثورات المضادة الذي تقوده الإمارات مدعومة من مصر والسعودية.
واختار سعيد إرسال رئيسة الحكومة الجديدة بودن إلى السعودية في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، في أول زيارة لها خارج البلاد .
واعتبر الباحث والمحلل السياسي التونسي بشير الجويني في حديث لـ"الاستقلال" أن "المواقف الدولية بعد 25 يوليو/تموز 2021 مرتبطة بمسألة أساسية وهي أن تونس بعد العام 2011 دخلت إلى نادي الدول الديمقراطية، وهذا النادي استثمرت فيه دول عديدة من شركاء تونس كالاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة، وهذا النادي يشمل حقوقا وواجبات" .
وأشار الجويني إلى أن "تونس حصلت على حقوق عديدة من تمويلات ودعم لعدد من القطاعات وإسناد عسكري وأمني وضمانات لعدد من القروض التي حصلت عليها خلال السنوات الماضية، في المقابل عليها أن تلتزم بواجباتها تجاه هذا النادي وشروط البقاء فيه وعلى رأسها الالتزام بالنظام الديمقراطي".
وأكد الجويني أن "الحديث عن أن تونس سيكون لها شركاء جدد تعوض بهم شركاءها التقليديين خاصة الأوروبيين، هي مجرد مغالطة وكذبة كبيرة، لأنه لا الوضع الاقتصادي المحلي ولا الوضع الاقتصادي العالمي يمكن أن يوجد لتونس داعمين جددا".