انتخابات الأطباء المصريين.. هل أثر تغييب الإخوان على نسب التصويت؟

إسماعيل يوسف | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

مفاجأة صادمة شهدتها انتخابات التجديد النصفي لنقابة الأطباء المصريين، في 8 أكتوبر/أيلول 2021، تمثلت في العزوف الواسع عن المشاركة.

بحسب نجوى الشافعي، وكيل النقابة العامة للأطباء، رئيس اللجنة العامة للإشراف على الانتخابات، لم تتعد نسبة التصويت في نقابة القاهرة 1 بالمئة، وكان غريبا فوز أعضاء بعدد أصوات لا يزيد عن صوتين أو ثلاثة في بعض النقابات الفرعية.

إجمالي الأطباء المفترض مشاركتهم في التصويت 290.129 طبيبا مقيدين بالنقابة، وعدد من يحق لهم التصويت 186745 طبيبا، لكن عدد الأطباء الذين أدلوا بأصواتهم بلغ 11863 فقط بنسبة مشاركة إجمالية 6.4 بالمئة على مستوى مصر.

تراجع النسب

وكانت نسبة التصويت في آخر انتخابات أكتوبر/ تشرين الأول 2019 بلغت 9.3 بالمئة وشارك بالانتخابات 17.468 طبيبا من إجمالي 186.610.

العزوف عن الانتخابات يعتبره خبراء سياسيون ونقابيون وحقوقيون مؤشرا واضحا على غياب الحراك السياسي وحرية العمل النقابي، وموت المنافسة الانتخابية في مصر منذ انقلاب رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي عام 2013.

"المرصد الأورومتوسطي" لحقوق الإنسان أكد في بيان أن تراجع نسبة المشاركة في انتخابات نقابة الأطباء في مصر، "دليل على تدني أهمية العمل النقابي بشكل عام، والذي يعد أحد أهم مساحات الحراك السلمي والدفاع عن حقوق العاملين".

وعبر المرصد في تغريدة على حسابه بتويتر عن مخاوفه من تداعيات تدهور حريات النقابات العمالية في البلاد.

مع غياب القوائم المحسوبة على الإخوان المسلمين مثل "أطباء من أجل مصر"، فاز بعضوية مجلس النقابة العامة مرشحو «تيار المستقبل»، و"قائمة الأمل" وهما قائمتان خدميتان.

فاز "تيار المستقبل" غير المحسوب على أي من التيارات السياسية، بـ 10 مقاعد من أصل 12 للنقابة العامة، وبالغالبية العظمى من مقاعد النقابات الفرعية، وفازت "الأمل" بمقعدين في "العامة"، وعدة مقاعد في المحافظات.

الفائزون في المراكز الثلاثة الأولى كانوا من "تيار المستقبل"، وهم الدكتور أحمد حسين، منسق جبهة الدفاع عن مستشفى العباسية للصحة النفسية في مواجهة سعي الجيش للاستحواذ على أرضها، بـ 5845 صوتا.

وجاء أسامة محمود في المركز الثاني (5269 صوتا) وجمال عميرة ثالثا (5229 صوتا).

وتنافس في الانتخابات 4 قوائم، هي المستقبل والأمل والتغيير والمستقلون، وجميعها يغلب عليهم الطابع الخدمي.

ويدعو برنامج "تيار المستقبل" الذي اطلعت عليه "الاستقلال" لتعديل قانون نقابة الأطباء ولائحته لتحسين أحوال الأطباء، وتطوير مشاريع العلاج والتأمين الصحي وضم الأطباء لصندوق "شهداء الجيش والشرطة" بموجب قانون يصدره البرلمان.

وكان لافتا دعم نقيب أطباء مصر، خيري حسين، ونقيبة أطباء القاهرة شيرين غالب وآخرين في فيديو بث 7 أكتوبر/ تشرين أول 2021 "قائمة الأمل"، لكنها لم تفز إلا بمعقدين.

عزوف الأطباء له أسباب عديدة بعضها سياسي، بسبب التدخلات الحكومية وقمع الأصوات الحرة في مصر بما فيهم الأطباء، ولو كانوا من غير الإخوان المسلمين.

ومنها أيضا عدم تقدير السلطات لجهود الأطباء في مواجهة فيروس كورونا، ورفض مساواة ضحاياهم بالجيش رغم وفاة قرابة 600 طبيب بخلاف الأطقم الطبية غير المرصودة.

إضافة إلى تدهور الأوضاع المادية للعاملين في القطاع الطبي، ما دفع كثيرا منهم للهجرة إلى خارج مصر.

ورصد «المركز المصري للدراسات الاقتصادية»، حالات هجرة واسعة للأطباء منذ انتشار كورونا في مصر مطلع عام 2020، وقدر في دراسة نشرها 6 يناير/كانون الثاني 2021 عدد من هاجروا منهم بـ 7 آلاف طبيب.

أسباب ودلالات

لم يفز أكثر الناجحين بعضوية مجلس النقابة إلا بحوالي خمسة آلاف صوت من قرابة 190 ألف طبيب يحق له التصويت، وفاز أعضاء بأصوات بلغت 158 صوتا فقط، ما يشير إلى تدن كبير للمشاركة.

أطباء أبلغوا "الاستقلال" أن "هذه المشاركة المحدودة جدا في الانتخابات تعني فقدان الأطباء الثقة في نقابتهم، فيما أرجع آخرون سبب عزوف الأطباء عن الانتخابات لـ "المناخ العام في مصر وفقدان الثقة والأمل في كل شيء".

بعضهم اعتبر أن نسبة الحضور "المخجلة"، تطعن في قانونية الانتخابات، وآخرون دعوا إلى "التوقف عن هدر أموال الأطباء كل سنتين في انتخابات لا تفيد إلا المرشحين وتتكلف مليون جنيه كل مرة". 

وتجرى انتخابات التجديد النصفي كل عامين، المرة الأولى تشمل نصف أعضاء مجالس النقابات فقط، والثانية تشمل النصف الآخر إضافة إلى مقاعد النقباء على مستوى مصر.

في بعض النقابات الفرعية مثل محافظة الغربية، حضر 390 طبيبا فقط من أصل 18 ألفا مقيدين في جداول التصويت، كما يقول هشام فهمي الدكتور في مستشفى المحلة.

طبيب القلب والأوعية الدموية "أشرف حماد" يرى أن تدني أوضاع الأطباء المادية له دور، ويؤكد أنه "بعد نسبة المشاركة السيئة جدا جدا يجب أن تراجع النقابة قراراتها فيما يخص أمور الأطباء المالية". 

الطبيب "م. ن" قال إن إدارة أطباء محسوبين على جماعة الإخوان للنقابة منذ عام 1984، وتقديمهم خدمات حيوية للأطباء كانت وراء نجاحهم المستمر في الانتخابات، جعل المهمة ثقيلة على غيرهم لاحقا.

وأوضح أن غياب المرشحين المحسوبين على الإخوان، عن الانتخابات، جعلها بلا طعم مثل أي انتخابات في مصر، خصوصا في ظل فشل من تولوا النقابة بعدهم في تقديم نفس الخدمات، ما زاد من عزوف الأطباء عن الانتخابات. 

الصحفي قطب العربي، الأمين العام المساعد للمجلس الأعلى للصحافة في مصر بعد ثورة يناير 2011، يرى أن تدني نسبة المشاركة أمر متكرر منذ انقلاب 2013، وله مغزى متعلق بعدم الثقة في أي انتخابات تجرى في ظل نظام عبد الفتاح السيسي.

يؤكد لـ "الاستقلال" أن تدني نسبة التصويت، مؤشر واضح على حال المشاركة السياسية المتدنية في مصر ككل في أي انتخابات منذ انقلاب 2013.

أوضح أن نسبة المشاركة في انتخابات التجديد النصفي لنقابة الأطباء أكتوبر/ تشرين الأول 2015 كانت أيضا 6 بالمئة فقط وفي انتخابات 2019 كانت 9 بالمئة، وتراجعت 2021 إلى 6.4 بالمئة، والأمر له علاقة بمناخ غياب الحريات والديمقراطية العام. 

شدد على أن انتخابات الأطباء والنقابات كلها تشهد عزوفا، وهو مؤشر لباقي انتخابات مصر بعد الانقلاب، مثل البرلمان والرئاسة والاستفتاءات.

أشار إلى أن الانتخابات التشريعية 2020 بغرفتيها الشيوخ والنواب شهدت أيضا عزوفا واسعا من الناخبين، بسبب فقدان الثقة في التغيير بعد سيطرة العسكر على الحكم.

ولولا حرص أحزاب ورموز السلطة على شراء الأصوات وتوزيع كراتين سلع غذائية لرفع نسب التصويت ما وصلت للنسب المعلن عنها وهي 24 بالمئة ولم تكن لتزيد عن 4 أو 5 بالمئة، وفق قوله.

الخبير بمركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية عمرو هاشم ربيع أوضح أن "إصرار الحكومة على غلق الفضاء العام وعدم إتاحة حرية العمل السياسي جعل هناك شكوكا في أي انتخابات تعقد، سواء أكانت تشريعية أو نقابية".

أوضح لموقع "العرب" 11 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 أن الانتخابات النقابية كانت تصل معدلات التصويت فيها إلى 70 بالمئة، لكن غلق الفضاء العام جعل أي انتخابات محل تشكيك.

أضاف أن "غياب تيار الإسلام السياسي الذي ظل مهيمنا على غالبية النقابات منذ تسعينيات القرن الماضي وحتى عام 2014 وتضييق الخناق على التيارات المحسوبة على المعارضة أفضى إلى غياب المنافسة".

ويرجع أمين عام النقابة، أسامة عبد الحي (قائمة المستقبل)، وعضو المجلس أحمد حسين عزوف الأطباء، إلى غياب 70 ألف طبيب يعملون في الخليج وأوروبا، وغياب أطباء لوجودهم في مستشفيات عزل كورونا.

أوضحا لموقع «مدى مصر» 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 أن نسبة الحضور هذه المرة أفضل من آخر انتخابات تجديد نصفي في 2017 والتي حضرها 11 ألف طبيب فقط.

كما أن "وجود مركز واحد للتصويت في كل محافظة كان سببا في انخفاض نسبة التصويت" لرفض الأطباء التزاحم ومن ثم عدم الحضور.

بلا نكهة سياسية

هذه رابع انتخابات تجرى في غياب أطباء مرشحين محسوبين على جماعة الإخوان بعد اعتقال وسجن غالبية من كانوا يترشحون قبل انقلاب 2013، وتأميم السلطات للنقابات وفرض مؤيديها على مجالس إدارتها.

تنافست في انتخابات 2015 و2017 و2019 ثم 2021 قوائم تمثل مستقلين ويساريين وحكوميين، وكان هناك ظهور بارز لأطباء المؤسسات العسكرية والأمنية في التصويت.

وجاءت انتخابات 2021 الأخيرة في غياب "تيار الاستقلال" اليساري أيضا، الذي مثل رقما مهما في النقابة منذ تأسيسه عام 2007، وتولى إدارة النقابة في غياب الإخوان في انتخابات 2013 ثم 2017.

أدى تراكم الأزمات المهنية التي لم تجد حلا في ظل صدامات متكررة بين مجلس النقابة السابق الذي سيطر عليه "تيار الاستقلال" وبين الحكومة، بعد أن عارضت النقابة إجراءات وزارة الصحة للتعامل مع كورونا، لعزوف هذا التيار.

يرجع عزوف تيار "الاستقلال”" عن المشاركة في الانتخابات الأخيرة لرؤيتهم بأن العمل العام والنقابي وصل إلى "مرحلة العبث"، بحسب ما صرح الدكتور أحمد رشوان، عضو مجلس النقابة لموقع "مصر 360" في 11 أكتوبر/تشرين الأول 2021.

عشرة أعوام فصلت بين آخر انتخابات بنقابة الأطباء قبل انقلاب 2013 وبعده، تؤشر لواقع المناخ السياسي في مصر.

في آخر انتخابات حرة عقب ثورة يناير وقبل الانقلاب جرت في أكتوبر/ تشرين الأول 2011 فازت قائمة "أطباء من أجل مصر" المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين بـ 20 مقعدا من 24 مقعدا بمجالس النقابات.

وحصل تيار الاستقلال وائتلاف الأطباء المنافسين على 4 مقاعد فقط.

فاز الإخوان أيضا بمنصب النقيب في 13 محافظة، فيما فاز تيار الاستقلال بمنصب النقيب في 13 محافظة.

ومع بدء الاعتقالات والمجازر، تزامنا مع أول انتخابات جرت بعد الانقلاب في ديسمبر/كانون الأول 2013 مني تيار الإخوان بالنقابة بخسارة غير مسبوقة.

لم يحصل إلا على مقعد واحد فقط من مقاعد النقابة العامة 12 مقعدا جرى التصويت عليها. 

كانت النتيجة الأبرز هي خسارة الإخوان نسبة تفوقها في مجلس النقابة السابق عام 2011 والتي دامت قرابة 29 عاما تقريبا منذ فوزهم بالأغلبية عام 1984.

بالمقابل نجح معارضو الإخوان المتكتلين في قائمتي "الاستقلال" و "أطباء بلا حقوق" في الفوز بغالبية مقاعد النقابة العامة (11 مقعدا)، ومجالس 15 محافظة من 20 بنسبة متفاوتة.

مع هذا فاز المحسوبون على الإخوان بـ 100 بالمئة من مقاعد نقابات محافظات الدقهلية والقليوبية والفيوم والغربية و25 إلى 50 بالمئة في محافظتي المنوفية والجيزة.

لذا اعتبر الدكتور محمد علي بشر، وزير التنمية المحلية السابق والقيادي بجامعة الإخوان المسلمين، حينئذ، "نتائج انتخابات نقابة الأطباء مرضية في ظل الظروف الحالية والملاحقات الأمنية لقيادات الجماعة".

بالمقارنة مع انتخابات 2021 لم يترشح أي منتسب لجماعة الإخوان في انتخابات الأطباء، ومن ثم لم يفز أي منهم بمقاعد النقابة العامة أو المحافظات.

غالبية أعضاء مجالس النقابة السابقين، ومنهم الدكتور عصام العريان وآخرون، قتلوا في المعتقلات بفعل الإهمال الطبي أو تم الحكم عليهم بالسجن المؤبد كي يموتوا فيه، أو هربوا خارج مصر ومنهم حلمي الجزار.