"محاولات مستميتة".. ما سر الزيارات المحمومة بين نظام السيسي وإسرائيل؟

إسماعيل يوسف | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

يشهد سبتمبر/ أيلول 2021، حراكا سياسيا مصريا إسرائيليا وأميركيا غير مسبوق، عبر زيارات متتابعة لرئيس وزراء الكيان إلى القاهرة لأول مرة منذ سنوات، يتبعها بلقاء مع الرئيس الأميركي في واشنطن؛ يتخللهما زيارة رئيس النظام المصري إلى نيويورك.  

ذلك الزخم، سبقه زيارة هامة في توقيتها ومحورية في القضايا التي تناولتها، لرئيس المخابرات المصرية عباس كامل 18 أغسطس/ آب 2021، إلى إسرائيل، هي الثانية له في ثلاثة أشهر.

عباس، نقل خلال الزيارة دعوة رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، لرئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت بزيارة القاهرة، لتكون أول زيارة رسمية  لمسؤول من الاحتلال للقاهرة بهذا الحجم منذ 2011.

أوفير جندلمان المتحدث باسم رئيس الوزراء أكد أن السيسي وجه دعوة لبينيت لزيارة مصر، في حين لم تعلن القاهرة عن هذه الدعوة رسميا أو عبر وسائل إعلامها.

تلك الزيارة ودعوة بينيت لزيارة القاهرة، تأتي إثر تهديد حركة المقاومة الإسلامية "حماس" باستئناف الحرب مع الاحتلال الإسرائيلي "ما لم يرفع الحصار".

كما تأتي زيارة عباس الثانية لإسرائيل في وقت قصير، قبل سفر السيسي إلى نيويورك لحضور الدورة العادية للأمم المتحدة.

وكذلك قبل بت وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في طلب بعض أعضاء "الكونغرس" بحجب 300 مليون دولارا من مساعدات واشنطن لمصر، على خلفية ملف مصر الحقوقي السيئ.

مراقبون يرون أن زيارة عباس كامل إلى إسرائيل، ودعوة السيسي لبينيت، محاولة لدفع إسرائيل للقيام بدور لكسب رضاء الرئيس الأميركي جو بايدن عن السيسي، وتطوير علاقتهما عبر البوابة الإسرائيلية.

مصدران مصريان، أحدهما سياسي والآخر دبلوماسي سابق، أكدا لـ"الاستقلال"، أن "دعوة السيسي لبينيت إلى زيارة مصر، تأتي ضمن محاولات السيسي لإرضاء بايدن.

من جانبها، عزت صحيفة "معاريف" العبرية، دعوة السيسي، لبينيت، بزيارة القاهرة، إلى "استرضاء الرئيس بايدن، ومحاولة للتأثير على موقف إدارته من نظام حكم السيسي".

الصحيفة وفي 20 أغسطس/ آب 2021، قالت: إن "السيسي من خلال دعوة بينيت يريد أن يقنع بايدن بعدم التركيز على القضايا المتعلقة بالمس بحقوق الإنسان في مصر، وضمان عدم تأثر المساعدات المالية لنظامه".

وأضافت: "عقب الجدل المحتدم في واشنطن بشأن سلوك هذا النظام إزاء حقوق الإنسان، يخشى السيسي أن يفرض بايدن، عقوبات على نظامه".

السيسي في نيويورك

وخلال سبتمبر/ أيلول 2021، تشهد نيويورك فعاليتان متناقضتان بالنسبة للنظام المصري، الأولي هي "الدورة العادية للأمم المتحدة" التي يحرص السيسي على حضورها.

والفعالية الثانية، هي عقد الدورة 48 لـ"مجلس حقوق الإنسان" التابع للأمم المتحدة، 13 سبتمبر/ أيلول 2021، والتي تشهد سنويا انتقادات حادة لملف السيسي الحقوقي.

لاشك أن السيسي، يسعى للقاء خاص مع بايدن على هامش الزيارة، وهنا يمكن الإشارة إلى أدوار شركة اللوبي الأميركية "براونستاين هيات فاربر شريك" التي تعاقدت معها مصر 18 ديسمبر/كانون الأول 2020.

وبالعودة للوراء إلى 2020، توعد بايدن السيسي قبل فوزه برئاسة أميركا بشأن الملف الحقوقي، وأكد أنه لن يمنح "شيكات على بياض لديكتاتور ترامب المفضل" في إشارة للرئيس الأميركي الأسبق دونالد ترامب.

لكن السيسي حرص على بث رسائل إيجابية لإدارة بايدن، بينها إغلاق ملف قضية "التمويل الأجنبي" في مصر والذي ظل مفتوحا لنحو 10 سنوات بحق جمعيات ومنظمات وحقوقيين مصريين وأجانب.

المصادر المصرية، التي تحدثت لـ"الاستقلال"، لم تستبعد طلب عباس كامل من بينيت خلال الزيارة، المشاركة في تحسين صورة السيسي لدى بايدن، على غرار ما فعلت إسرائيل مع الرئيس السابق باراك أوباما عقب انقلاب 2013.

لكن مفارقة جاءت عقب لقاء عباس كامل، وبينيت، بساعات، بإعلان البيت الأبيض استضافة الرئيس بايدن لرئيس الوزراء الإسرائيلي 26 أغسطس/ آب 2021، أي قبل وصول السيسي نيويورك في سبتمبر/ أيلول 2021.

بالطبع، يأمل النظام المصري أن يتضمن ذلك اللقاء محاولة من بينيت لإثناء بايدن، وأعضاء بالكونغرس عن فرض عقوبات على نظام السيسي، بدعوى خدماته لصالح واشنطن وتل أبيب.

السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض جين بساكي قالت: إنهما سيناقشان "القضايا الحاسمة المتعلقة بالأمن الإقليمي والعالمي، وإيران"، و"تعزيز السلام والأمن والازدهار للإسرائيليين والفلسطينيين".

وشهد يونيو/ حزيران، ويوليو/ تموز، وأغسطس/ آب 2021، لقاءات مصرية أميركية، ربما كان بعضها يمهد للقاء بايدن والسيسي، والتي جاءت جميعها وسط انتقادات الإعلام الأميركي لبايدن لتساهله مع "ديكتاتور ترامب".

وفي زيارة سرية ولأول مرة منذ انقلاب 2013 إلى واشنطن، التقى رئيس المخابرات المصرية عباس كامل أعضاء بالكونغرس والإدارة الأميركية.

كما زار مدير المخابرات الأميركية وليام بيرنز، مصر والتقى السيسي وعباس كامل، لبحث "القضية الفلسطينية، وسد النهضة، والتعاون الاستخباراتي، ودور مصر كمحور اتزان للأمن الإقليمي"، بحسب المتحدث الرئاسي.

عين حمراء لحماس

على الجانب الآخر، جاء السبب المعلن من القاهرة وتل أبيب عن زيارة عباس كامل لإسرائيل، هو رعاية التهدئة بين إسرائيل وحماس.

إذ إن صحفا مصرية، أكدت أن سفر كامل جاء بتوجيه من السيسي "في إطار دفع الجهود المصرية لعملية السلام، التي يرعاها".

وفور وصوله، التقى كامل مع بينيت، ثم بوزير الدفاع بيني غانتس، في مباحثات قيل إنها بشأن قطاع غزة، ووفق المراسل العسكري للقناة "13" الإسرائيلية، بحثوا "تسوية بعيدة الأمد مع غزة".

أكدت ذلك أيضا صحيفة "هآرتس" 18 أغسطس/ آب 2021، نقلا عن مصدر دبلوماسي إسرائيلي، لكنها ذكرت أن مكتب رئيس الوزراء رفض تأكيد الاتفاق.

ونوهت إلى أن زيارة كامل جاءت بعد يومين من إطلاق قذيفة صاروخية من غزة باتجاه مستوطنات إسرائيلية، وأن "مصر دعت إسرائيل لعدم الرد على إطلاق الصاروخ، واستجابت الأخيرة لهذا الطلب".

بل سمحت إسرائيل بدخول العشرات من شاحنات البضائع إلى قطاع غزة عبر معبر "كرم أبو سالم".

صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" وقناة التلفزيون الإسرائيلية "12"، ذكرتا 18 أغسطس/ آب 2021، أن إسرائيل لم ترد على الصاروخ الذي أطلق من غزة "بسبب تقدم في المحادثات مع حماس"، لافتة لسماح إسرائيل بدخول أموال للقطاع، وتبادل للأسرى.

صحيفة "جيروزاليم بوست" 18 أغسطس/ آب 2021، أكدت أن "المصريين يخططون لدعوة ممثلين عن حماس وفصائل فلسطينية أخرى للقاهرة للتوصل إلى اتفاق لتبادل الأسرى مع إسرائيل".

وإثر لقاء تل أبيب، زار عباس كامل الضفة الغربية ومدينة رام الله، لإقناع السلطة الفلسطينية بالإفراج عن المعونة القطرية لغزة التي تحتجزها، والتي اشترطت إسرائيل عدم دخولها عبر "حماس".

لكن السبب الفعلي لزيارة عباس إلى إسرائيل وفق مصادر فلسطينية هو إظهار العين الحمراء لحماس، إثر تهديدها بمعاودة قصف مدن اسرائيل، لو لم يرفع الحصار عن غزة فورا.

المصادر تقول لـ"الاستقلال": إنه "مع اقتراب انتهاء مهلة المقاومة للاحتلال بفك حصار غزة أو العودة للحرب، تواصلت المخابرات المصرية مع حماس طالبة مهلة جديدة".

وتؤكد أن "حماس رفضت، وأكدت أن المهلة تنتهي 16 أغسطس/ آب 2021، وبالفعل أطلقت صاروخا تحذيريا تجاه جنوب إسرائيل، هو الأول منذ عملية (سيف القدس)، كرسالة على جدية التصعيد العسكري".

المصادر التي رفضت ذكر اسمها وصفتها تعتقد أن "وصول رئيس مخابرات مصر إلى تل أبيب لا يعني مع هذا رفع الحصار عن غزة، كما أن لقاء بينيت لا يضمن دوام التهدئة، طالما استمر الحصار".

لكن مصدرا دبلوماسيا مصريا يوضح لـ"الاستقلال" أن "المشكلة التي تعرقل التهدئة الطويلة هي تبادل الأسرى"، متوقعا حسمها في زيارة كامل، إذ "سبق وقدمت حماس مقترحا للتبادل على مرحلتين، ولم ترد اسرائيل".

ويضيف أن كامل "سعى هذه المرة للحصول على رد إسرائيلي نهائي والاتفاق على قوائم الأسرى تمهيدا لإعلان تهدئة طويلة".

ويشير إلى أن "القاهرة حذرت إسرائيل من اشتعال الأوضاع في فلسطين ككل مرة، في ظل المعارك الأخيرة في جنين، واتجاه حماس للتصعيد في الضفة الغربية".

وكانت الفصائل الفلسطينية في غزة تخطط للإعلان عن سلسلة من خطوات الضغط على إسرائيل، 21 أغسطس/ آب 2021، تشمل استئناف احتجاجات مسيرات العودة على الحدود، وإطلاق البالونات الحارقة والصواريخ.

بينيت في القاهرة

وعلى جانب زيارة نفتالي بينيت لمصر، فإنها تعد أول زيارة علنية لرئيس وزراء إسرائيلي للقاهرة منذ 2011، عندما التقى رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو بالرئيس الراحل حسني مبارك في منتجع "شرم الشيخ" في سيناء.

لكن، لقاء السيسي وبينيت، الذي تتوقع مصادر مصرية أن يسبق زيارتهما لأميركا، لا يعرف أين سيتم، لكن احتمالات عقده في شرم الشيخ، أو مدينة العلمين الجديدة بعيدا عن القاهرة أمر وارد، تلافيا للرفض الشعبي للتطبيع.

وخلال حكم السيسي جرت بعض اللقاءات السرية مع مسؤولين إسرائيليين، أهمها ما كشفته صحف إسرائيلية أغسطس/ آب 2018، حينما قالت: إن نتنياهو التقى السيسي سرا في مصر مايو/ أيار 2018، حول مأدبة إفطار رمضانية.

لكن اللقاء المعلن الوحيد بينهما كان في نيويورك عام 2017، خلال مشاركتهما بأعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة.

لكن نتنياهو كشف عن لقاء سري آخر مع السيسي 10 يوليو/ تموز 2019، خلال حفل السفارة المصرية في تل أبيب بثورة 23 يوليو.

وشهدت الشهور الأخيرة زيارات متبادلة بين المسؤولين المصريين مع نظرائهم من كيان الاحتلال، وبالأخص اللواء عباس كامل، ووزير الخارجية سامح شكري.

وفي نهاية مايو/ أيار 2021، قام وزير خارجية إسرائيل غابي أشكنازي، بزيارة كانت الأولى من نوعها للقاهرة منذ 13 عاما، إذ كانت تسيبي ليفني آخر وزيرة خارجية إسرائيلية تزور مصر عام 2008.

وقبل ذلك في يوليو/تموز 2016 أوفد السيسي وزير خارجيته سامح شكري إلى القدس للقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي حينها بنيامين نتنياهو، إذ شاهدا سويا نهائي كأس الأمم الأوروبية.

كما زار وزير البترول المصري طارق الملا، إسرائيل 21 فبراير/ شباط 2021 لبحث استيراد مصر الغاز من إسرائيل.

ويوم 8 أغسطس/ آب 2021 زار رئيسا مجلس الأمن القومي الإسرائيلي الحالي مئير بن شبات وخليفته في المنصب إيال حولاتا، مصر للقاء عباس كامل وعدد من قيادات الجهاز، لبحث ملفات أمنية والتهدئة في غزة.