تيار الصدر يهاجم مقار الأحزاب ويدعو لمقاطعة الانتخابات العراقية.. لماذا؟

منذ ٥ أشهر

12

طباعة

مشاركة

مع اقتراب موعد إجراء انتخابات مجالس المحافظات (المحلية) في العراق، يصعّد التيار الصدري بقيادة مقتدى الصدر، من وتيرة استهداف مقرات أحزاب منتمية لقوى الإطار التنسيقي الشيعي، إضافة إلى تمزيق حملاتهم الانتخابية ومنع انتشارها بمناطق عدة.

ومن المقرر أن يشهد العراق انتخابات محلية في 18 ديسمبر/كانون الأول 2023، والتي اتخذ زعيم التيار الصدري، قرارا يقضي بعدم المشاركة فيها، سواء من ناحية القوائم الانتخابية أو الإداء بالأصوات لأي من القوى السياسية المشاركة.

لكن تصعيد التيار الصدري، أثار العديد من التساؤلات عن مدى تداعياته على العملية الانتخابية، وقدرة الصدريين على منعها أو تأجيلها، وإلى أي حد يمكن للحكومة- المولودة من رحم الإطار التنسيقي الشيعي- أن تسمح للصدر بعرقلتها؟

هجمات متصاعدة

آخر تلك الهجمات التي شنها الصدريون، كانت قد استهدفت مقرات تيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم، وتمزيق الدعاية الانتخابية التابعة لهم، لاسيما في مدينة الصدر شرق العاصمة بغداد، وذلك على إثر منشور منسوب إلى عضو الهيئة السياسية لـ"الحكمة" بليغ أبوكلل.

المنشور المنسوب إلى أبوكلل والذي تداولته مواقع التواصل في 6 ديسمبر، كان يهاجم فيه التيار الصدري لمقاطعتهم الانتخابات المحلية، ويتهمهم بالانقلاب على الشيعة ومحاولة جعلهم أقلية، ويصفهم بـ "الخوارج".

لكن أبوكلل، نشر تدوينة على منصة "إكس" (تويتر سابقا) في 6 ديسمبر، تبرأ فيه من المنشور المنسوب إليه سابقا وقال إنه "مزيف"، لافتا إلى أنهم "يزورون تغريدة وكلاما معيّنا، ثم يسبون ويشتمون، ثم يهجمون ليحرقوا أو يثيروا الفوضى".

وأردف بالقول: "بمعنى أنهم لا يستطيعون العيش دون فوضى لذلك يختلقون أسبابها، يكتبون ضد أنفسهم بحسابات غيرهم، يهجمون على مقرات غيرهم لأنهم زوّروا تغريدة!".

وأضاف أبوكلل أن "كل هذا حتى يعطّلوا الانتخابات. حتى البرلمان أخذتموه بالفوضى والعنف، وآخر شيء الأمور رجعت طبيعية، فلا تراهنوا على مشروع جديد وهو من الأساس خاسر لأن وسيلته غير شرعية".

وفي أغسطس/ آب 2022، سيطر الصدريون على مبنى برلمان العراق، لمدة شهر كامل لعرقلة انعقاد جلساته والتصويت على حكومة محمد شياع السوداني، لكنها انتهت باستخدام قوات الحشد الشعبي القوة ضدهم، ما أسفر عن مقتل نحو 62 من أتباع الصدر.

خطوة الحشد الشعبي- الذي يضم مليشيات مسلحة تنتمي إلى الإطار التنسيقي- دفعت مقتدى الصدر، إلى إعلان اعتزاله العمل السياسي نهائيا، بعدما أمهل أتباعه 60 دقيقة للانسحاب من مبنى البرلمان، ووصفه بأنه "القاتل والمقتول في النار".

وقبل ذلك، وتحديدا في 3 ديسمبر، وقع هجومان ضد مكاتب حزب "الدعوة الإسلامية" الشيعي و"ائتلاف دولة القانون" اللذين يتزعمهما رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، في العاصمة بغداد، إضافة إلى هجوم على مقر آخر في النجف، وجميعها اتهم التيار الصدري بالوقوف وراءها.

وفي السياق ذاته، فإن هجومين آخرين وقعا في البصرة جنوب العراق، الأول استعملت فيه قذيفة من نوع "آر بي جي 7"، واستهدف المبنى الرئيس لـ"ائتلاف دولة القانون"، فيما استهدف الثاني، الذي جرى باستخدام قنابل يدوية، مكتبا لحزب "الدعوة".

وفي 3 ديسمبر، رأى حزب "الدعوة" بزعامة نوري المالكي، أن ما جرى أعمال "تندرج في إطار الإخلال بالسلم الأهلي وترهيب الآمنين"، مؤكدا "عدم الانجرار إلى معارك بين أبناء الساحة الواحدة والمذهب الواحد، وحرصا على حرمة دماء العراقيين جميعا".

ولم يحمّل الحزب أي جهة مسؤولية الحادث، لكن يرجح أن أنصار الصدر، وراء تلك الهجمات بسبب تعليقات صدرت من شخصيات محسوبة على "الدعوة" ضد زعيم التيار الصدري، (دون الكشف عن طبيعة هذه التصريحات والأشخاص الذين صدرت عنهم).

وعلى خلفية هذه الأحداث في البصرة أعلنت الحكومة العراقية إرسال وفد عسكري رفيع المستوى برئاسة نائب قائد العمليات المشتركة (تابعة لوزارة الدفاع العراقية) الفريق أول الركن، قيس المحمداوي، وأوضحت أن مهمته "الاطلاع على الأوضاع".

يخشى النفوذ

وبخصوص مدى تأثير التصعيد الصدري في المضي بالانتخابات المحلية، قال الباحث في الشأن السياسي العراقي، حامد العبيدي إن "الحكومة والقوى السياسية لديها خشية حقيقية من مهاجمة غوغائية لمراكز الانتخاب، أو تصفية مرشحين أو موظفي المفوضية العليا للانتخابات".

وأضاف العبيدي لـ"الاستقلال" أن "ما يقدم عليه الصدر، لن ينجح في إلغاء الانتخابات المحلية، وربما ما يفسر تصعيدهم هو الخوف من سيطرة مرشحي أحزاب أخرى على مناطق نفوذ التيار الصدري، بشكل قد يسحب البساط من تحت أقدامهم".

ولفت الباحث إلى أن "ما يثبت ذلك هو أن المناطق التي يمثل فيها التيار الصدري غالبية، يمنع فيها تعليق أي لافتة دعائية للقوى السياسية الشيعية، وأن من يجازف ويقدم على الترويج الدعائي، يضرب بشدة من الصدريين، إضافة إلى تمزيق ملصقاته بشكل كامل".

ورأى أن "الصدر ربما يكون قد تورّط بمنع أتباعه من المشاركة في الانتخابات التي لم يعرف حتى جمهوره الهدف من ورائها، لذلك فإن ما يصب بصالحهم هو الإلغاء أو التأجيل، وليس أي خيار آخر".

وأشار إلى أن "نسبة المشاركة سيجرى الاعتراف بها أيا كانت، لذلك لن يشكل غياب التيار الصدري أو غيره أي أهمية في شرعية هذه الانتخابات، وليس كما يعتقد الصدر بأن عدم مشاركة أتباعه قد تخلّ في شرعيتها".

وفي 13 نوفمبر، دعا الصدر أنصاره عبر منصة "إكس" إلى مقاطعة الانتخابات المحلية في البلاد، لافتا إلى أن هذا الخيار "سيقلل من شرعيتها خارجيا وداخليا"، وذلك ردا على سؤال أحد أنصاره في شأن الاشتراك في الانتخابات.

وقال الصدر: "مشاركتكم للفاسدين تحزنني كثيرا ومقاطعتكم للانتخابات أمر يفرحني ويغيظ العدا ويقلل شرعية الانتخابات دوليا وداخليا ويقلص من هيمنة الفاسدين والتبعيين على عراقنا الحبيب حماه الله تعالى من كل سوء ومن كل فاسد وظالم".

وفي السياق ذاته، دعا الكاتب المنتمي للإطار التنسيقي، أحمد عبد السادة، عبر تدوينة نشرها على منصة "إكس" أتباع الصدر إلى عدم توريط أنفسهم في أعمال تخريبية لإرضاء رغبات قائدكم الذي تبرأ منكم سابقا.

وأضاف عبد السادة المعروف بعدائه للصدر، موجها كلامه للصدريين: إنه "سبق أن ورطكم (الصدر) بمحاولة الانقلاب المسلح على الدولة، ثم استخف بدمكم حين قال: (القاتل والمقتول في النار)، لأن قائدكم هذا سيتبرأ منكم كذلك وسينساكم وسينشغل عنكم حين يتم اعتقالكم وتتعفنون في السجون".

تطورات خطيرة

وعلى الصعيد ذاته، قال رئيس "المركز العراقي للدراسات الإستراتيجية"، غازي فيصل، إن "ما تشهده الساحة السياسية من توتر بين بعض الأطراف السياسية الشيعية، ينذر بتطورات خطيرة في قادم الأيام مع قرب انتخابات مجالس المحافظات".

وأوضح فيصل خلال حديث لصحيفة "العالم الجديد" في 7 ديسمبر، أن "هناك تخوفا سياسيا وشعبيا حقيقيا من عودة الصدام المسلح بين بعض الأطراف السياسية التي تمتلك السلاح، خصوصا بعد التطور الأخير بمهاجمة المقرات الحزبية بالأسلحة، وكذلك عمليات الاقتحام، فهذه الأعمال ربما تكون لها ردود أفعال، وهنا تكمن الخطورة".

وأضاف أن "تصاعد الصراع السياسي والتحول إلى الصدامات ربما يدفع إلى تأجيل العملية الانتخابية، إذ لا يمكن إجراء أي عملية انتخابية في ظل عدم الاستقرار السياسي والأمني، وهناك أطراف لا تريد أي تصعيد في الشارع وربما يكون خيارها التأجيل".

من جهته، قال رئيس مركز "التفكير السياسي" العراقي، إحسان الشمري، إن الإطار التنسيقي الشيعي "لم ينفذ أي خطوات لتخفيف الاحتقان بينه وبين التيار الصدري".

ورأى الشمري خلال حديث مع صحيفة "المدى" العراقية في 7 ديسمبر، أن "التيار والقوى الأخرى التي أعلنت المقاطعة تعد الانتخابات غير مجدية أو أنها لن تحدث فارقا في الأداء السياسي".

ولفت إلى أن ما يفعله التيار الصدري "رد فعل على عمليات الإقصاء والتهميش واستحواذ الإطار على السلطة التنفيذية".

وبحسب الصحيفة، فإن الإطار الشيعي استحوذ على 60 منصبا على الأقل تابعا للتيار الصدري منذ تشكيل الحكومة في 27 أكتوبر 2022، والتي يرى الشمري أنها "ستزيد من قناعات عدم المشاركة بالانتخابات".

وتوقع الشمري أن "يمنع أنصار الصدر وصول الناخب إلى صناديق الاقتراع بطريقة من الطرق"، مؤكدا أن إمكانية تأجيل الانتخابات مازالت موجودة "إذا حدثت اعتصامات أو تظاهرات كبيرة أو ألغى القضاء جلسة البرلمان الاستثنائية التي جرى فيها تمديد عمل المفوضية".

وتقدر أصوات الصدريين، الذين سيغيبون عن الانتخابات للمرة الأولى منذ 2005، بأكثر من مليون صوت، لكن تأثيرهم في مناطق نفوذهم قد يصل إلى 10 ملايين ناخب آخرين، بحسب صحيفة "المدى".

وكان القيادي في قوى الإطار التنسيقي، زعيم تيار "الحكمة" الشيعي عمار الحكيم، قد حد من تأثير غياب التيار الصدري على "التوازن الطائفي" في الانتخابات المحلية المقبلة.

وخلال تجمع انتخابي لتياره بالعاصمة بغداد في 17 نوفمبر، قال الحكيم إن "من يدعو المكون الشيعي إلى مقاطعة الانتخابات هو من يتحمل مسؤولية الإخلال بالتوازن المكوناتي، وتمثيل المكون الاجتماعي الشيعي في المحافظات المختلطة، لا سيما بغداد وديالى وصلاح الدين وغيرها".

وفي إشارة إلى دعوة الصدر دون أن يذكر اسمه، أوضح الحكيم: "عندما تقول للمكون الشيعي لا تشترك في الانتخابات، بينما تشترك باقي المكونات، فإن هذا سيحدث اختلالا في التوازن من شأنه أن يؤدي إلى عدم الاستقرار، لذلك من يمنع المشاركة عليه أن يتحمل المسؤولية".

ولفت إلى أن "الديمقراطية تعني المشاركة في الانتخابات ومن حق أي منا ألا يشارك فيها، لكن لا يحق له أن يمنع الآخرين من ذلك واستيفاء حقوقهم، ويمزق ملصقاته ويهدد من يريد الذهاب" نحو الاقتراع.