تحرش مليشيات إيران بالقوات الأميركية.. هل يزج بالعراق في "طوفان الأقصى"؟

منذ ٦ أشهر

12

طباعة

مشاركة

في ظل تصاعد الهجمات العسكرية ضد القوات الأميركية في العراق، والتي تتبناها المليشيات الموالية لإيران، تدور تساؤلات عدة عن مدى احتمالية رد الولايات المتحدة على استهداف جنودها ومستشاريها العسكريين هناك، وما شكل الرد المحتمل حيال هذه الضربات.

ومنذ 17 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أعلن الناطق العسكري باسم "كتائب حزب الله" في العراق، جعفر الحسيني، دخول "المقاومة" في بلاده معترك المعركة وتوجيه ضرباتها إلى القواعد الأميركية، وذلك ردا على دعم واشنطن للاحتلال الإسرائيلي في حربه على غزة.

وفي 7 أكتوبر، أطلقت المقاومة الفلسطينية في غزة عملية "طوفان الأقصى" العسكرية غير المسبوقة ضد إسرائيل، ردا على الانتهاكات المتواصلة بحق الفلسطينيين والمقدسات هناك، ليرتكب على إثرها الاحتلال مجازر ضد سكان القطاع سقط خلالها أكثر من 10 آلاف شهيد.

تصعيد متواصل

وكان آخر عملية أطلقتها المليشيات العراقية الموالية لإيران ضد القوات الأميركية، هجوم بطائرة مسيرة استهدفت قاعدة عسكرية في محافظة أربيل بإقليم كردستان العراق.

ونقلت وكالة "رويترز" البريطانية في 4 نوفمبر/تشرين الثاني، عن مصدرين أمنيين قولهما، إن مسيرة مسلحة استهدفت قاعدة الحرير الجوية شمالي العراق، ونظام الدفاع في القاعدة، مشيرين إلى أنه من غير المعروف ما إذا كان أحد قد أصيب في الحادث.

وفي اليوم نفسه، تبنت "المقاومة الإسلامية (الشيعية) في العراق"، مسؤولية الهجوم دون تقديم المزيد من التفاصيل.

يأتي ذلك بعد ساعات من استهداف القاعدة العسكرية الأميركية في مدينة الشدادي جنوبي الحسكة (شمال شرقي سوريا)، بطائرة مسـيرة انتحارية، حسبما أفادت "رويترز".

وفي إحصائية نشرتها قناة "فوكس نيوز" الأميركية في 2 نوفمبر، تعرضت قوات الولايات المتحدة والتحالف الدولي في العراق وسوريا للهجوم 27 مرة على الأقل في الفترة من 17 إلى 31 أكتوبر المنصرم.

وأفادت القناة بأنه من بين هذه الهجمات، وقعت 16 في العراق و11 في سوريا، بعضها كان هجوما بطائرات مسيرة وأخرى بصواريخ هجومية، مشيرة إلى أن القوات الأميركية نجحت في إحباط معظم هذه الهجمات، وفشل معظمها في الوصول إلى أهدافها.

وتعهد كبار المسؤولين الأميركيين، بما في ذلك الرئيس جو بايدن ونائبته كامالا هاريس ووزير الخارجية أنتوني بلينكن، بالانتقام إذا جرى استهداف القوات الأميركية عمدا، لكنهم لم يحددوا الإجراءات التي سيتخذونها.

وفي 27 أكتوبر، أعلنت واشنطن رسميا، أن قواتها في العراق وسوريا تعرضت لهجمات من جماعات موالية لإيران، وذلك خلال تصريح صحفي للمتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون" العميد باتريك رايدر، تناول التطورات في الشرق الأوسط.

وكشف المتحدث الرسمي بأن 21 جنديا أميركيا أصيبوا بـ"جروح طفيفة" بسبب "هجمات الطائرات بدون طيار (المسيرات) على قاعدتي عين الأسد الجوية بالعراق والتنف في سوريا.

وأكد رايدر أن واشنطن سترسل 900 جندي وأنظمة دفاع جوي إضافية إلى المنطقة لمنع امتداد الصراعات في الشرق الأوسط بشكل أوسع، وأنه سيتم نشر بطاريات الدفاع الجوي "ثاد" و"باتريوت" و"أفينجر" وعناصر نظام الدفاع الجوي أيضا.

"ضربة بضربة"

وبخصوص الرد الأميركي المتوقع حيال الهجمات المتصاعدة ضد قوات الولايات المتحدة في العراق، رأى الباحث في الشأن العراقي، حامد العبيدي، أن "واشنطن تتعامل مع هذه الضربات، بطريقة ضربة بضربة، حتى لا تفتح أي جبهة لها، والطرف الآخر (المليشيات) يدرك ذلك".

وفي حديث لـ"الاستقلال"، لفت إلى أن "الولايات المتحدة وحتى المراقبين ربما يقرأون هجمات وكلاء إيران بالعراق وسوريا بالتزامن مع الحرب على غزة، على أنها عبارة عن تنفيس للجماهير التي تتبعها، وجرى تعبأتها ذهنيا منذ سنوات على أن هدفهم هو تحرير القدس، لذلك عليهم عمل شيء من أجل تطبيق جزء من شعاراتهم".

وأشار العبيدي إلى أن "المليشيات الموالية لإيران لديها حدود في تنفيذ الهجمات ضد القوات الأميركية أو مصالحها، وإلا لماذا حتى الآن لم يستهدفوا سفارة الولايات المتحدة كما هددوا في أكثر من مرة؟ ذلك لأنهم لا يريدون خوض حرب حقيقية، وإنما مجرد ذر للرماد في العيون".

وأوضح الباحث أن "هذه المليشيات جربت في السابق أن اقتحام السفارة الأميركية في بغداد، كان ثمنه مقتل قائد فيلق القدس الإيراني السابق قاسم سليماني، ونائب رئيس الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس في 3 يناير/كانون الثاني 2020، لذلك أعتقد أنها لن تغامر مرة ثانية".

وفي 31 ديسمبر/كانون الأول 2019، اقتحم عدد من المتظاهرين المنتمين إلى المليشيات الموالية لإيران سفارة الولايات المتحدة ببغداد على خلفية قصف واشنطن مليشيا "كتائب حزب الله" العراقية على الحدود مع سوريا، وقتل العشرات منهم.

وتوقع العبيدي أيضا أن "الكل بدأ يحسب خطواته بحذر تحسبا لردة فعل تفضي إلى توسع دائرة الحرب، ومن بينهم الولايات المتحدة أيضا، لذلك لا أعتقد أن تقدم الأخيرة هي الأخرى على خطوة متقدمة تجاه المليشيات وقادتها بالعراق في الوقت الحالي".

وفي سياق التصعيد أيضا، رفض المسؤول الأمني لـ"كتائب حزب الله" أبو علي العسكري، زيارة وزير الخارجية الاميركي أنتوني بلينكن للعراق، وقال إنها ستقابل بتصعيد غير مسبوق، وأنهم سيغلقون سفارة واشنطن بطريقة "خاصة غير سلمية"، حسب تدوينة له في 5 نوفمبر، نشرها على منصة "أكس" (تويتر سابقا).

لكن هذه التهديدات لم تطبق على الأرض، إذ زار وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، بغداد في اليوم نفسه وغادرها ولم يتعرّض إليه ولا لسفارة بلاده أحد، وذلك بعدما التقى برئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، وناقشا تطورات الأحداث المتصاعدة في غزة والتأكيد على ضرورة احتواء الأزمة وضمان عدم اتساعها.

وذكر بيان للحكومة العراقية في 5 نوفمبر، أن "رئيس الوزراء جدد موقف العراق الواضح والمبدئي برفض العدوان الصهيوني على غزّة، وضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار وفتح المعابر لتفادي الكارثة الإنسانية المتفاقمة التي راح ضحيتها المدنيون والنساء والأطفال".

وأشار إلى أن "وزير الخارجية الأميركي يؤكد سعي الولايات المتحدة للعمل على إيصال المساعدات الإنسانية إلى السكان في قطاع غزة، ورغبة حكومة بلاده باستمرار التنسيق والتعاون الثنائي مع العراق من أجل تعزيز الاستقرار الإقليمي والدولي".

"رد تناسبي"

وعلى الصعيد ذاته، قال المحلل السياسي المصري والخبير في العلاقات العربية ـ الأميركية، عاطف عبدالجواد، إن "تعرض القوات الأميركية منذ 17 من أكتوبر، إلى هجمات عديدة من مليشيات تدعمها إيران في العراق وسوريا، يدفعها للرد التناسبي.

واستدرك عبد الجواد خلال حديث لوكالة "شفق نيوز" العراقية في 2 نوفمبر، "لكن الولايات المتحدة ردّت على مواقع مليشيات في سوريا بثلاث هجمات فقط، والسبب في ذلك هو أن واشنطن ووزير دفاعها (لويد أوستن) لا يرغبان بتوسيع نطاق ما يجري إلى حرب إقليمية".

وأردف: "هذا يعني أن وزير الدفاع يرغب بردع إيران والمليشيات عن مواصلة هجماتها، لكن إذا استمرت، فإن الولايات المتحدة سوف ترّد ردّا تناسبيا".

وكان وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن قد أعلن في 26 أكتوبر، أن الولايات المتحدة نفذت ضربات ضد منشأتين يستخدمهما الحرس الثوري الإيراني و"مجموعات تابعة له" في شرق سوريا.

وفي اليوم التالي، قال أوستن في بيان إن "الضربات الدقيقة للدفاع عن النفس هي رد على سلسلة هجمات مستمرة، وغير ناجحة في معظمها، ضد أفراد أميركيين في العراق وسوريا من جانب مليشيات مدعومة من إيران بدأت في 17 أكتوبر".

وعن تفاصيل هذا الرّد أوضح عبد الجواد، أن "الرّد التناسبي سيبدأ أولا باعتراض صواريخ ومسيّرات المليشيات وإسقاطها أثناء انطلاقها وقبل وصولها إلى أهدافها، كما حدث عندما أسقطت البحرية الأميركية صواريخ ومسيّرات في البحر الأحمر أطلقها الحوثيون من اليمن".

وأشار الخبير إلى أنه "إذا لم ينجح هذا الرد، فإن الولايات المتحدة - بحسب تصريح وزير دفاعها - جاهزة للرد المباشر، وحيث إن إيران نفسها ليست هي المصدر المباشر للهجمات، فإن واشنطن ستركز على قصف المليشيات المهاجمة".

وبيّن عبد الجواد، قائلا: "بما أن بعض هذه المليشيات متواجدة في العراق، فإن بغداد هي المسؤولة عن منعها من استخدام الأراضي العراقية لشن الهجمات".

ورأى الخبير أن "واشنطن تقف في وضع ينطوي على معضلة، وهي من شقين: الأول، أنها لا ترغب في الإضرار بحلفائها في حكومة بغداد، ولكنها سترغب في الرد تناسبيا على المليشيات. الثاني، أن أميركا ترغب في منع توسيع الحرب رغم رغبتها في الرد".

وخلص عبد الجواد إلى أن "واشنطن ربما طلبت من بغداد العمل كوسيط لإقناع المليشيات أو إيران بعدم مهاجمة القوات الأميركية، حرصا على عدم توسيع الحرب، لكن الولايات المتحدة لن تُحمّل العراق مسؤولية وقوع هذه الهجمات".

ومنذ 7 أكتوبر، أعلنت الولايات المتحدة الأميركية على لسان أغلب مسؤوليها الانحياز بشكل كامل إلى الاحتلال إسرائيلي في الحرب القائمة مع المقاومة الفلسطينية، وذلك بمدها بكل ما تحتاجه من أموال وسلاح، إضافة إلى الخبراء العسكريين، دون الاشتراك بشكل مباشر في القتال.