هل يدفع الاتحاد الأوروبي المجر لتخفيف سياساتها الصارمة المناهضة للهجرة؟

a month ago

12

طباعة

مشاركة

يواصل الاتحاد الأوروبي الضغط على إحدى دوله وهي المجر التي ترفع شعار "حماية نفسها من الهجرة"، أملا في دفعها للتوقف عن خرق قواعد اللجوء.

وجددت المجر تهديدها بإرسال طالبي اللجوء إلى دول الاتحاد الأوروبي للضغط على الأخير لإلغاء الغرامات الباهظة المفروضة على بودابست بسبب سياساتها الصارمة المناهضة للهجرة. 

سياسة صارمة

وقال وزير الدولة للشؤون البرلمانية بوزارة الموارد البشرية في المجر، بينس ريتفاري، في 6 سبتمبر/ أيلول 2024 وهو يقف أمام صف من الحافلات، إن بلاده "ستقدم لهؤلاء المهاجرين غير النظاميين، طوعا، ومجانا، السفر في اتجاه واحد إلى بروكسل... بعد تنفيذ الإجراء الأوروبي".

وجاء هذا التهديد من المجر بعدما أعلنت في 6 يوليو/ تموز 2024 أنها لن تدفع غرامة بملايين اليوروهات فرضتها المحكمة العليا في الاتحاد الأوروبي بسبب خرقها قواعد اللجوء.

وفرضت محكمة العدل الأوروبية في يونيو/ حزيران 2024 غرامة على المجر قدرها 200 مليون يورو إضافة إلى غرامة يومية بقيمة مليون يورو لعدم تنفيذها حكما صادرا عام 2020 لإلزامها باحترام الإجراءات الدولية لطالبي اللجوء.

وقال نائب وزير الداخلية بينش ريتفاتي “لا نخطط لدفع هذه الغرامة لأنه أمر مجحف تماما”.

وأردف في تصريحات صحفية: "هذه الغرامة التي تلقيناها بمثابة ضغط سياسي بسبب نهجنا في التعامل مع الهجرة غير النظامية".

وخلافا لقواعد الاتحاد الأوروبي، تسمح بودابست لطالبي اللجوء بتقديم طلباتهم فقط في السفارات المجرية في الخارج.

وفي ديسمبر/ كانون الأول 2020، وجدت محكمة العدل الأوروبية أن المجر لم تسمح لطالبي اللجوء بمغادرة أماكن احتجازهم أثناء النظر في قضاياهم، ولم تقدم أي حماية خاصة للأطفال وغيرهم من الأشخاص الضعفاء.

وقالت المحكمة في يونيو 2024 إن بودابست استمرت في تقييد تقديم المهاجرين طلبات لجوء.

وفقا لنائب وزير الداخلية ريتفاري، فإن بلاده ترى أنه من خلال "الغرامة غير العادلة والعملاقة والكبيرة بشكل غير متناسب التي فرضتها المحكمة الأوروبية، يريدون إجبارنا على قبول المهاجرين غير النظاميين بشكل جماعي، والتخلي عن سياسة الهجرة السابقة، والتي يتمثل جوهرها في حماية الحدود الخارجية، وإجراءات اللجوء التي تتم خارج الحدود".

وأفاد بأنه “لا يوجد أي عائق قانوني يحول دون نقل المهاجرين بالحافلة من روسكي إلى مقر الاتحاد الأوروبي في بروكسل”.

وشدد ريتفاري على أن “أساس الممارسة المجرية هو حماية الحدود الخارجية، وهناك قواعد خاصة باللجوء تتماشى مع الاتفاقيات الدولية”.

وزعم ريتفاري أنه منذ عام 2015، منعت الشرطة المجرية وحرس الحدود مليون محاولة عبور غير قانونية للحدود، واستدرك بالقول إنه لو لم يحدث ذلك، لكان هناك مئات الآلاف من المهاجرين الآخرين في أوروبا.

وتابع: “في السنوات الأخيرة، جرى إنفاق حوالي 800 مليار فورنت مجري (نحو 2.2 مليار دولار) على حماية الحدود، ويمكن لبروكسل المساهمة في ذلك؛ لأن حدود الاتحاد الأوروبي محمية”.

وطبقا لحكم المحكمة الأوروبية، يجب دفع مئتي مليون يورو، وإذا لم تتغير لوائح اللجوء المجرية، فسيصاحب ذلك غرامة قسرية تزيد عن 80 مليون يورو.

وانتهت صلاحية إشعار الدفع الأول بالفعل، لذا أرسلت المفوضية الأوروبية إشعارا ثانيا للمجر بموعد نهائي أقصر للدفع بحلول 17 سبتمبر 2024، إذا لم تمتثل الحكومة المجرية فسيتم حجب هذا المبلغ من المدفوعات الأخرى المشروعة مثل الإعانات المالية المخصصة لبودابست من الاتحاد الأوروبي.

مبررات المجر

تشدد المجر في تطبيق قوانين اللجوء ومنح المهاجرين غير النظاميين الذين يدخلون بلادها بطرق غير نظامية الحماية وحق اللجوء الذي يعد انتهاكا غير مسبوق وخطير للغاية لقانون الاتحاد الأوروبي ينبع من أسباب كثيرة وفق وجهة نظر بودابست.

فهذا رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، يؤيد بشكل صريح مؤامرة مزعومة لإحلال مهاجرين ملونين مكان الأوروبيين البيض، على خلاف مع بروكسل بشأن سياسة الهجرة واللاجئين.

كما أن المجر تعارض الإصلاح الأخير الذي أجراه الاتحاد الأوروبي لقوانينه المتعلقة بالتعامل مع طالبي اللجوء والمهاجرين.

وقال أوربان في مقابلة مع التلفزيون الرسمي مطلع يوليو 2024: "لا تحاولوا إقناع المجر بتغيير قوانينها، لأننا قمنا بحماية أنفسنا من الهجرة".

وأضاف "بدلا من ذلك، عليهم أن يتبنوا القواعد المجرية هنا في بروكسل والعواصم الأخرى، وفجأة سيصبح كل شيء بسيطا".

وفي 14 مايو/ أيار 2024 تبنى مجلس الاتحاد الأوروبي، بصورة نهائية إصلاحا شاملا لقوانين الهجرة واللجوء، شددت هذه الحزمة الإجراءات عند حدود الاتحاد الأوروبي، وتجبر كل الدول الأعضاء على تقاسم مسؤولية الوافدين إليها.

وبموجب الإصلاحات الجديدة، ستتمكن الدول التي تتلقى طلبات لجوء كثيرة من المطالبة بإرسال طالبي اللجوء إلى دول أوروبية أخرى.

وهذا يعني أن المجر وبولندا اللتين صوتتا ضد خطة الإصلاح بأكملها، ستضطران إلى منح اللاجئين صفة اللجوء وإعادة من لا تنطبق عليهم تلك الصفة إلى بلادهم.

وكانت المفوضية الأوروبية قد أعلنت أنه إذا رفضت بودابست دفع الغرامة، فإنها ستقتطع الأموال من التمويل المخصص للمجر والذي لم يُدفع بعد. 

كما جمدت بروكسل 19 مليار يورو للمجر بسبب إجراءات أخرى.

ورغم أن ما يقرب من 13 بالمئة من الحدود البرية الخارجية للاتحاد الأوروبي مسيجة، فإن عشرات الآلاف من اللاجئين يمرون عبر المجر في تحدّ للسياج الحدودي الذي أصبح رمزا.

وفي عام 2022، جرى تقديم أكثر من 900 ألف طلب لجوء في الاتحاد الأوروبي، وهو ما يزيد بنسبة 50 بالمئة تقريبا عن العام السابق.

كما جرى الإبلاغ عام 2022، عن 330 ألف عبور حدودي غير قانوني، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 64 بالمئة مقارنة بالعام السابق.

وتلقت المجر وهي دولة على خط المواجهة، أقل عدد من طلبات الحماية الدولية بمعدل 40 عاما 2021 و50 في 2022.

ونظام اللجوء الحالي في المجر صارم، إذ يتطلب من طالبيه تقديم بيان نوايا في سفارات الخارج، وإذا تمت الموافقة عليهم، فيمكنهم السفر إلى المجر لتقديم طلب اللجوء الخاص بهم، لكن هذا النظام يجعل من الصعب فعليا طلب اللجوء على الأراضي المجرية.

وتروج المجر إلى أن سبب سياساتها التقييدية في مجال اللجوء، يرجع إلى أنها دولة مدافعة عن الثقافة المسيحية في أوروبا، ولا تريد أن تصبح دولة "مختلطة العرق" كما يقول رئيس الوزراء القومي أوربان.

وبينما يشيطن ساسة المجر المهاجرين علانية تشرح مديرة برنامج اللاجئين في لجنة هلسنكي المجرية، أنيكو باكوني، بعضا من ملامح هذه التشدد بقولها: "بالنسبة للحكومة الحالية، فإن الخطاب المعادي للمهاجرين واللاجئين يشكل أهمية بالغة".

وتضيف باكوني لموقع "مهاجر نيوز" في يوليو 2024: "لقد استثمروا بكثافة في هذه الدعاية من خلال الكثير من الإعلانات العامة وحملات الملصقات في جميع أنحاء البلاد".

فيما تشرح رئيسة المشروع في جمعية مينديك المجرية للمهاجرين، أديل سارولتا زابو، أنه في عام 2015، بدأت الحكومة في استخدام كلمة "مهاجر" ذات الدلالة السلبية للتمييز بين المهاجرين وطالبي اللجوء، وتصويرهم كأشخاص "يريدون المجيء إلى هنا للاستيلاء على وظائفنا".

وتشير إلى أن "هذه هي الدعاية التي تكررها الحكومة منذ ما يقرب من 10 سنوات".

وتقول سارولتا زابو "هذا يجعل عملنا أكثر صعوبة، لأنه من الصعب حقا على المهاجرين العثور على وظائف، واستئجار شقة، وكذلك التعامل مع القضايا الإدارية.. وبالتالي يصبح من الصعب علينا مساعدتهم في هذه القضايا".

ورغم ذلك، فإنها تشير إلى أن "الأمر لا يقتصر على اليمين المتطرف، الذي يؤثر على سياسة الهجرة في بلادنا، بل إن الشعبوية والخوف يؤثران أيضا.. ومن الأسهل التلاعب بالناس وأن تكون زعيما شعبويا جيدا إذا كان الناس يخشون شيئا ما".

"مصفاة للمهاجرين"

ورئيس الوزراء أوربان، الذي يقود حكومة قومية متشددة، كان شوكة في خاصرة الاتحاد الأوروبي لفترة طويلة.

علاوة على أن أوربان حليف للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب ويعتبر الأقرب إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتن بين زعماء الاتحاد الأوروبي السبعة والعشرين.

ومع ذلك تحاول المجر الترويج على أنها "مصفاة للمهاجرين" الذي يخشون ضبطهم داخلها حيث يفضلون الفرار من هذا البلد المعادي للهجرة في أسرع وقت ممكن.

وكثيرا ما تلجأ المجر للضغط على الاتحاد الأوروبي عبر إطلاق سراح المئات من مهربي المهاجرين احتجاجا على سياسة الهجرة التي تنتهجها بروكسل.

وخلصت المحكمة الأوروبية، في حكمها إلى أن المجر لم تتخذ التدابير اللازمة للامتثال لأحكام الحكم الصادر عام 2020 فيما يتعلق بالوصول إلى إجراءات الحماية الدولية، فيما يتعلق بحق الأشخاص المتقدمين للحصول على هذه الحماية في الاستئناف ضدهم. 

وكذلك خلصت إلى رفض طلبات اللاجئين المحددة قانونا في المجر للإقامة، فضلا عن ترحيل مواطني الدول الثالثة المقيمين بشكل غير قانوني.

هذا السلوك بحسب المحكمة الأوروبية “يهدد بشكل كبير توحيد قانون الاتحاد الأوروبي بشأن اللجوء وقواعده”.

لا سيما أن تنصل بعض دول الاتحاد الأوروبي من استيعاب اللاجئين ينتهك مبدأ التضامن والتوزيع العادل للمسؤولية بين الدول الأعضاء.

ومع التوقع بأن تتزايد الهجرة إلى أوروبا، يريد التكتل أن يضبط قوانين الهجرة واللجوء لديه طبقا للقانون الجديد، لكن ما يطمح إليه الاتحاد في الإجماع في هذه المسألة وعدم حدوث اعتراضات من أعضائه.

والمجر واحدة من الدول الأوروبية التي تتبنى سياسة إبرام صفقات مع دول العبور والمنشأ بهدف الحد من عدد طالبي اللجوء، ولهذا فقد كانت أول دولة أوروبية تعلن عن رفع مستوى تمثيلها السياسي مع النظام السوري مطلع 2020 للحد من تدفق اللاجئين إليها.