حادثة التعذيب.. كيف تؤثر على العلاقات الهادئة بين عُمان واليمن؟

فهد سلطان | 4 months ago

12

طباعة

مشاركة

تواجه العلاقات بين اليمن وسلطنة عُمان أزمة جديدة بعد نشر فيديو لسبعة يمنيين تعرضوا للتعذيب داخل الأراضي العمانية بطريقة وصفت بالوحشية على أيدي ضباط في الجيش. 

وهذه هي المرة الأولى التي تجري فيها حادثة تعذيب بهذا المستوى العنيف في بلد مجاور لا يزال متنفسا لليمنيين خلال سنوات الحرب، وواحدة من محطات العبور للمسافرين نحو العالم الخارجي. 

ويعود توقيت الحادثة إلى 30 مايو/ أيار 2024، حيث حظي المقطع بتداول كبير في وسائل التواصل الاجتماعي، عقب ترحيل الشبان الضحايا إلى الأراضي اليمنية، وقطعهم مسافات طويلة في وسط الصحراء. 

ولم يبدِ الجانب العُماني حتى اللحظة أي تعليق رسمي حول الحادثة، رغم مطالبات حقوقيين وناشطين بإدانة الحادثة وإحالة الضباط المتورطين إلى التحقيق وتعويض الضحايا. 

تحرك رسمي

من جانبها أدانت وزارة حقوق الإنسان اليمنية حادثة التعذيب للشبان اليمنيين داخل الأراضي العُمانية، مؤكدة أنها أخذت أقوال الضحايا وعاينت الإصابات الجسيمة التي تعرضوا لها وأثبتتها في محاضر رسمية.

وقالت الوزارة على لسان مصدر مسؤول: “تابعنا منذ اللحظات الأولى واقعة التعذيب التي تعرض لها سبعة مواطنين يمنيين، الذين-حسب إفادتهم- ذكروا بأنهم دخلوا أراضي سلطنة عمان الشقيقة وجرى القبض عليهم من قِبل الجيش العماني”.

ولفت إلى أنهم "تعرضوا للتعذيب وجرى إرجاعهم بعد ذلك للأراضي اليمنية حيث تمكنوا من الوصول إلى مديرية شحن بمحافظة المهرة".

وأوضح المصدر أنه جرى تكليف مكتب الوزارة في محافظة المهرة بمتابعة القضية والعمل على استكمال الإجراءات القانونية اللازمة وتحقيق العدالة وفقا للقانون. 

وكان ثابت الأحمدي، مستشار رئيس المجلس الرئاسي اليمني رشاد العليمي، قد أشار في تعقيبه على الحادثة في منصة إكس، بأن مشهد التعذيب للشبان اليمنيين في سلطنة عُمان "لا مثيل له إلا في أفلام الرعب؛ كأنهم خرجوا من وادي السباع المستذئبة".

وقال موجها حديثه إلى سلطان عُمان هيثم بن طارق: “نعرف أنه من حقكم أن تحموا حدودكم؛ لكن ليس من حقكم أن ترتكبوا الجنايات الكبرى، وتخترقوا النواميس الإنسانية، بتعذيب الأسرى وضربهم والتشنيع بهم، وتشويه ملامحهم، وإن كانوا مخالفين، كان سجنهم، أو ترحيلهم كافيا، كما تفعل كل دول العالم”.

وأردف: “جلالة السلطان.. أنتم ــ والله ــ لم تدموا سبعة ظهور فقط، بتصرفكم هذا، أنتم أدميتم قلب الإنسانية في كل مكان. أنتم جرحتم مشاعر 40 مليون يمني. أنتم أسأتم للإنسانية والعروبة وللسياسة نفسها”.

وتابع أن “الجراحات الدامية التي على ظهور هذه الأجساد النحيلة ستظلُّ ــ والله ــ خدوشًا في وجوهكم أبدَ الدهر، ستظل عارًا إنسانيًا يلاحقُكم ولو حاولتم أن تغسلوه بماء المحيط والخليج”.

انتهاك للتعاون 

يقول الصحفي والناشط الحقوقي محمد الأحمدي لـ"الاستقلال": “إن تعذيب سبعة يمنيين عزل على يد ضباط في الجيش العماني وفق ما أدلوا بشهاداتهم بالصوت والصورة، يعد جريمة لا يمكن التسامح معها أو التهاون بحقها”. 

ويرى بأن هذه سابقة جديدة من دولة يفترض بكونها جارة لليمن، وعليها مسؤوليات كبيرة وخاصة بسبب الحرب والأوضاع الإنسانية الصعبة، فهؤلاء الشباب الضحايا اضطرتهم الظروف المعيشية الصعبة في الداخل للخروج بحثا عن لقمة العيش. 

وعلى مدى تاريخ طويل، تتمتع العلاقات اليمنية العُمانية بمستوى عالٍ من التعاون والتواصل، حيث تجمعهما روابط جغرافية وتاريخية وثقافية قوية. 

وتتشارك اليمن وسلطنة عمان حدودا طويلة، يجمع بينهما التعاون والتنسيق ومواجهة المشكلات ضمن تفاهمات أمنية سابقة، لتحقيق الاستقرار على الحدود بين البلدين. 

ويبلغ طول الشريط الحدودي بين المهرة ومحافظة ظفار العُمانية 288 كيلومترا، يبدأ من ساحل مديرية حوف وينتهي في قلب الصحراء على المثلث الحدودي بين اليمن وعُمان والسعودية. 

ورغم الاضطرابات التي عصفت باليمن منذ العام 2015، لم تتأثر المهرة اقتصاديا، أسوة بباقي المحافظات الأخرى.

وذلك بسبب اعتمادها على الأسواق العُمانية للحصول على الوقود والمواد الغذائية عبر معبر شحن وصرفيت الحدوديين. 

وتتمتع محافظة المهرة بصلات وثيقة مع منطقة ظفار العُمانية المجاورة لها، وتعدها مسقط منطقة إستراتيجية عازلة للاضطرابات في اليمن. 

كما تمثل المهرة البوابة الشرقية لتجارة اليمن مع سلطنة عُمان، إلى جانب روابط قبلية وعشائرية قوية مع سكان ووجهاء ورجال القبائل، فأغلبهم يحمل الجنسية المزدوجة. 

ولذلك، يعلق المحامي ياسر المليكي، على الحادثة بالقول إنها الأولى من نوعها، "فلم يكدر صفو العلاقات بين البلدين لأكثر من خمسة عقود أي حوادث سابقة من هذا النوع".

وبالتالي، يرى في حديث لـ"الاستقلال" أن الحادثة “قد تكون عرضية، ومن المبكر الحكم عليها بأنها سياسة متبعة للقوات العمانية تجاه اليمن واليمنيين”. 

ويقول إنه لو صحت الرواية حسب ما تناقلت بعض وسال الإعلام، فهو تصرف وحشي وانتهاك كبير، ويكشف شراسة من قبل الضباط العُمانيين المتورطين في الحادثة تجاه شباب عزل. 

تأثيرات الحادثة

بانقلاب مليشيا الحوثيين على السلطة عام 2014 بدعم إيراني وسيطرتهم على العاصمة صنعاء، دخل اليمن في عزلة واسعة، وخاصة بعد مغادرة السفارات والمنظمات والشركات العالمية. 

ومع تدخل السعودية والإمارات بالعام التالي في اليمن، ضد الحوثيين، تضاعف الحصار على البلاد بشكل كبير، ما دفع الولايات المتحدة الأميركية للإيعاز لسلطنة عُمان بفتح قناة تواصل للمليشيا مع العالم الخارجي. 

وبرز دور سلطنة عمان في الملف اليمني بشكل ملحوظ ابتداء من عام 2016، بعدما كان هذا البلد الخليجي مجرد محطة للطرف الحوثي يستقبل في مستشفياته بعض جرحى المليشيا، فيما تتوجه جهوده لمراقبة الأوضاع وتأمين الحدود مع محافظة المهرة.  

وفي منتصف عام 2016 بدأت سلطنة عُمان باحتضان وفد الحوثيين التفاوضي في مسقط بشكل دائم، ليمثل نافذة جديدة للمليشيا لإدارة مصالحها والانخراط سياسيا مع القوى الإقليمية والدولية. 

ولكن بدأت أخيرا تتنامى ببطء أزمة ثقة جراء الحديث عن التهريب الحدودي بين البلدين، حيث اتّهمت الرياض وأبوظبي عُمان بتسهيل وصول الأسلحة وأجهزة الاتصال للحوثيين، وهو ما نفته مسقط.

كما طرأت خلافات واتهامات متبادلة، بين سلطنة عُمان من جهة والسعودية والإمارات من جهة أخرى بعد محاولة الدولتين، السيطرة على محافظة المهرة اليمنية، بدعوى وقف التهريب عبر المنافذ العُمانية. 

وخلال سنوات الحرب حاولت كل من الرياض وأبوظبي السيطرة على المحافظة الإستراتيجية، إما بالتواجد العسكري المباشر كما هو الحال للسعودية، أو عبر إيجاد أدوات محلية كما هو الحال مع الإمارات. 

وقابلت عُمان تلك الخطوات بكثير من القلق، فعملت على دعم الرفض المجتمعي المتمثل في رجال القبائل والوجهاء عبر سلسلة من الاحتجاجات السلمية الرافضة لهذا التواجد.

 ويقلل الأحمدي من فرص تأثير الحادثة الأخيرة بالسلب على العلاقات الراسخة بين عمان واليمن، لكنه يطالب بفتح تحقيق شفاف وعاجل ومساءلة الضالعين وجبر الضرر للضحايا ماديا ومعنويا. 

من جانبه يعلق المحامي ياسر المليكي، بأن التعاطي اليمني الرسمي مع الحادثة يشير إلى توتر في العلاقات أصلا بسبب ملفات أخرى.

ولفت إلى أن هناك جهات قد تدفع إلى تعزيز هذا التوتر "وما لم يجر احتواؤه رسميا فإن الحادثة قد تكون مدخلا لتأزم العلاقة بين البلدين بشكل أكبر.