انتخابات وسط الفوضى أو بقاء العسكر.. شعب مالي حبيس خيارين كلاهما مر

منذ ١١ يومًا

12

طباعة

مشاركة

يحاول عسكر مالي عرقلة نقل السلطة السياسية إلى نخبة مدنية منتخبة،  بتأجيل الانتخابات تحت مبررات متعددة، ما دفع الاتحاد الإفريقي إلى توجيه نقد لاذع للمجلس العسكري الانتقالي الحاكم في البلاد.

ودعا الاتحاد الإفريقي في 13 أبريل/نيسان 2024 المجلس العسكري في مالي إلى العمل على وضع خارطة طريق تهدف إلى استكمال العملية الانتقالية في البلاد، إثر تأجيله الانتخابات إلى أجل غير مسمى.

جاء ذلك على لسان رئيس مفوضية الاتحاد موسى فقي، الذي عبر عن "قلقه العميق" إزاء تأجيل الانتخابات وتعليق نشاطات الأحزاب والمنظمات السياسية في البلاد.

وكان المجلس العسكري الانتقالي في مالي الذي استولى على حكم البلاد في 2020، قد وعد بإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في عام 2022.

غير أنه تم تأجيلها، وسط عقوبات اقتصادية مشددة فرضتها المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا "إكواس"، كبدت البلاد خسائر اقتصادية فادحة وفاقمت من معاناة السكان.

كما تم تأجيل الانتخابات الرئاسية المقررة في فبراير/ شباط 2024 بعد أن تم إلغاء الانتخابات التشريعية التي كانت مقررة في نهاية عام 2023.

فضلا عن إصدار بيان رسمي من المجلس العسكري الانتقالي الحاكم يحظر أي نشاط سياسي للأحزاب السياسية والمجموعات المدنية الأخرى.

أزمة عميقة

وفي 12 أبريل، أعلن رئيس الوزراء المالي المعين من قبل الجيش شوغويل مايغا، أن المجلس العسكري الحاكم في مالي لن ينظم انتخابات بهدف عودة المدنيين إلى السلطة إلا بعد استقرار البلاد بشكل نهائي.

وكان مايغا، الذي تم تعيينه في منصبه من قبل العقيد أسيمي غويتا الذي أطاح بالرئيس المدني إبراهيم بوبكر كيتا بالقوة في أغسطس/آب 2020، يرد على الانتقادات التي نشأت بعد فشل المجلس العسكري في الوفاء بالتزامه بتسليم السلطة للمدنيين المنتخبين في 26 مارس/آذار 2024.

وقال مايغا، وفق موقع voaafrique الأميركي، إن أولئك الذين يطالبون بإجراء انتخابات في أسرع وقت ممكن في بلاده يخدمون مصالح "أعداء مالي"، مشددا على أن قرار المجلس العسكري بتعليق أنشطة الأحزاب السياسية في البلاد مُبرَر.

وأكد أن مالي في مواجهة مستمرة لأعمال الجماعات الجهادية والانفصالية، وأن ذلك أغرقها منذ سنة 2012 في أزمة عميقة متعددة الأبعاد، مشيرا إلى أنها استطاعت استعادة السيطرة على كامل أراضيها منذ أن كسرت التحالف مع فرنسا وشركائها الأوروبيين في عام 2022، وتحولت عسكريا وسياسيا نحوها روسيا.

وأضاف أن الاستقرار لن يكون ممكنا إلا بعد استكمال الحوار الوطني الذي أطلقه رئيس المجلس العسكري العقيد غويتا في 31 ديسمبر/كانون الأول 2023.

وشدد مايغا على أن "نجاح هذا الحوار" و"تحقيق مستوى استقرار سيادة البلاد شرطان لا غنى عنهما لتحديد موعد الانتخابات".

وقال إن هناك بعض الجهات، في إشارة إلى فرنسا وبعض الدول الغربية، تحاول التحكم في مالي، ويريدون تحقيق ذلك من بوابة الديمقراطية، عبر الاتيان برئيس ضعيف يسهل عليهم التحكم فيه.

وفي تقييمه للوضع، قال أحمد نور الدين، الخبير في الشأن الإفريقي والعلاقات الدولية، إن تحليل المشهد يستوجب أولا التأكيد على مسلمة سياسية وهي أن السيادة للشعب، وأن العسكر مكانهم في الثكنات أو على الحدود لحماية حوزة الوطن.

وأضاف لـ"الاستقلال"، ولذلك ليس للعسكر أي مكان في تسيير دواليب الدولة ومؤسساتها السياسية، مشيرا إلى أن "التاريخ الحديث يؤكد الكوارث الإنسانية والاقتصادية والسياسية التي تسبب فيها العسكر حين استولوا على السلطة في مختلف بقاع العالم".

ولكن، ومع تسليمنا بهذه القاعدة، يردف نور الدين، "فإن ما يقوله المجلس العسكري لا يخلو من صواب، لأن إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في بلد يعيش في الفوضى منذ 2012، وتتجاذبه الجماعات الانفصالية والتنظيمات المتطرفة، وتتصارع فوق أرضه قوات خاصة ومرتزقة تابعين للدول العظمى، يعد ضربا من الخيال".

واسترسل المتحدث ذاته، بل إن إجراء الانتخابات في ظل هذه الظروف "قد يشكل تواطؤا مع تلك الجهات التي تتربص بمالي للانقضاض عليه وعلى ثرواته الباطنية".

وأوضح نور الدين أن مالي عرفت في السابق انتخابات ديمقراطية في بعض الفترات، ومنها الانتخابات التي جرت سنة 2013 بعد إعلان استقلال الأزواد سنة 2012، وجاءت بالرئيس إبراهيم بوبكر كيتا إلى سدة الحكم.

وأردف، ومع ذلك فشل كيتا في تحقيق الاستقرار، كما فشل في إنعاش الاقتصاد، وفشل في القضاء على الإرهاب والانفصال، بل دخلت جمهورية مالي خلال فترة حكمه في واحدة من أسوأ الأزمات التي عرفتها منذ استقلالها عن فرنسا سنة 1960.

وذكر نور الدين، أنه يمكن وصف الخيارين المطروحين في هذا البلد، إما بإجراء الانتخابات فورا دون تأجيل، أو تمديد حكم العسكر لمدة إضافية، بأنهما أمران أحلاهما مر.

وتابع، "ونفس الشيء بالنسبة للقطيعة مع فرنسا؛ فإذا كانت من أجل تحقيق السيادة الوطنية على القرار السياسي وعلى الثروات الاقتصادية، فهي أمر محمود، ولكن إذا كانت مالي ستستبدل فرنسا بروسيا، فهذا لا يحقق سيادة وطنية".

مصداقية مشكوك فيها

وفي قراءته للمشهد السياسي في مالي بعد قرار تأجيل الانتخابات، قال المحلل السياسي المالي قاسم كايتا، إن "الوضع السياسي في مالي يتفاقم مع استمرار رفض المجلس العسكري تسليم السلطة".

وأضاف كايتا لموقع "إرم نيوز"، 13 أبريل 2024، "كما أني أعتقد أن الضغوط الجديدة التي يقوم بها العديد من الفاعلين السياسيين ستجدي نفعا معه، خاصة أنه يشعر بدعم شعبي قوي".

وعبر المتحدث ذاته عن اعتقاده بأن يكون لتعليق نشاط الأحزاب السياسية والجمعيات بمالي ارتدادات عدة، خاصة على مستوى قدرة هذه الأجسام على الضغط على المجلس العسكري، لاسيما أنه حتى قبل هذا القرار لم تكن لها قوة ضغط شعبية ضد المجلس.

وأوضح كايتا أن "المشهد يزداد تعقيدا على الصعيد السياسي، أما على المستوى العسكري فالسلطات العليا في مالي لا تولي اهتماما لأحد، وهي ماضية في تعزيز شراكتها مع روسيا وتركيا".

في المقابل، قال الكاتب الموريتاني سلطان البان، إن الذريعة التي كان يؤجل بها المجلس العسكري الانتخابات في مالي لم تعد مجدية، وأن صبر الشعب بات ينفذ، في ظل تدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية، فضلا عن تقييد حريات الرأي والتعبير، وتعليق الأنشطة السياسية للأحزاب والجمعيات.

وأضاف البان في مقال رأي نشره عبر موقع "القلم"، 16 أبريل 2024، أن "هذه المدلهمات أماطت القناع عن المصداقية التي كان يحظى بها المجلس العسكري الانتقالي منذ توليه السلطة، وقلصت دائرته الشعبية".

وأردف، في المقابل، وحدت الطيف المعارض الذي أصبح أكثر تماسكا بسبب الخوف والقمع.

وذكر الكاتب أن المجلس العسكري بات اليوم في حاجة إلى خطاب جديد غير مفردة "السلام"، التي تبددت في واقع صعب ومتأزم، رغم مضي سنوات من الحكم، وإبرام صفقات سلاح، وجلب مقاتلي فاغنر بملايين الدولارات.

وكانت قد حثت منظمة “هيومن رايتس ووتش”، المجلس العسكري على التراجع "الفوري" عن قراره القاضي بتعليق عمل الأحزاب والجمعيات، مؤكدة أنه قرار ينتهك القانون المالي والدولي، ويمثل استمرارا لـ "القمع المتواصل" في البلاد.

كما ذكر موقع " dakaractu" في 6 أبريل 2024، أن التحديات التي تواجه مالي أمام إجراء الانتخابات الرئاسة معقدة، خاصة في ظل التوتر الأمني.

وتساءل الموقع "من سيتجرأ للذهاب للتصويت في المناطق المعرضة للتهديد الإرهابي معرضا حياته للخطر؟"، مشيرا إلى أن مالي تعطي الأولوية للأمن القومي بدلا من إجراء الانتخابات الرئاسية.

وأضاف، ولذلك، ولتحقيق هذا الهدف، تركز السلطات جهودها على القضاء على الإرهاب وخلق فرص عمل للشباب، من أجل محاربة هذه الآفة من جذورها.

ونقل المصدر ذاته تعليقا أدلت به ناتالي يامب، الناشطة السياسية الإفريقية، والتي قالت إن "الماليين لا يبحثون عن الانتخابات، إنهم يبحثون عن الأمن والاستقرار والرخاء والوحدة".

وقالت يامب إنه "لا يمكننا إلقاء اللوم على جيشنا لأنه قام أولا بتحرير كامل الأراضي من الوجود الإرهابي قبل تنظيم الانتخابات"، كما ترى أن "دور الجيش هو حماية سلامة الأراضي، وهذه السلامة ليست مادية أو إقليمية فقط، بل منها ما هو مؤسسي أيضا".

وتساءلت إن تم استيفاء الشروط لإفساح المجال للمدنيين حتى يتمكن جميع السكان من التعبير عن أنفسهم بشكل ديمقراطي؟ مشيرة إلى أن الماليين، وبحسب بعض استطلاعات الرأي، يدركون أن إجراء الانتخابات في المستقبل القريب مهمة صعبة.

نظرة مستقبلية

فيما يرى "مركز الدراسات الإستراتيجية الإفريقية" (مقره واشنطن)، أن تأجيل الانتخابات في مالي "غير مفاجئ"، مؤكدا أن المجلس العسكري بقيادة غويتا لم يبذل أي جهد جاد للتحضير للانتخابات منذ أن أطاح بحكومة إبراهيم بوبكر كيتا المنتخبة ديمقراطيا في أغسطس 2020.

ورأى المركز في تقرير بتاريخ 12 أبريل 2024 أنه في ظل المجلس العسكري "تم تقليص المساحة الديمقراطية بشكل كبير"، ويتعرض المعارضون السياسيون والجهات الفاعلة المستقلة في المجتمع المدني للترهيب، بينما يتعرض الصحفيون للتهديد أو إلغاء اعتمادهم أو اعتقالهم.

وذكّر بالتقارير الأممية التي تحدثت عن انتهاكات حقوقية لمئات من السكان من لدن الجيش المالي وقوات فاغنر الروسية، وعن استقدامه للأخيرة دون الكشف عن المقابل المالي لهذه الصفقة.

وقال إنه على الرغم من الترهيب، تواصل الجماعات السياسية المدنية معارضة استيلاء الجيش على السلطة، حيث نددت حركة - تجمع القوى الوطنية 5 يونيو (M5-RFP)، وهي ائتلاف سياسي، وجماعات معارضة أخرى، تأجيل الانتخابات.

وخلص المركز إلى أن النتيجة الرئيسة لتأجيل المجلس العسكري لانتخابات فبراير 2024 هي النية الواضحة للحفاظ على الحكم العسكري إلى أجل غير مسمى.

ومن منظور أحمد نور الدين، الخبير في الشأن الإفريقي والعلاقات الدولية، فإن الحوار الوطني الذي دعت إليها سلطات مالي، إن لم يكن وسيلة لكسب الوقت وبسط السيطرة من طرف العسكر، فهو بداية الحل التوافقي الذي سيضمن استقرار ووحدة البلد ونهضته الاقتصادية.

وشدد لـ "الاستقلال" على أن الأمرين مرتبطان، إذ لا يمكن تحقيق الاستقرار في ظل تغول الفقر والهشاشة وانتشار البطالة والأمية، وفي المقابل لا يمكن الحديث عن استثمارات وخلق مناصب الشغل وامتصاص الفقر في ظل فوضى السلاح والانفصال والجريمة المنظمة والعابرة للحدود، مشيرا إلى أن "الإشكالية عميقة ومعقدة ولها امتداد دولي".

وأكد نور الدين أن الحل يتطلب أولا أن ترفع القوى العظمى يدها عن تحريك الخيوط الداخلية، وذلك حتى يتحقق التوافق بين التيارات المتصارعة أو المختلفة.

وأضاف، كما يتطلب أيضا الصبر خلال فترة انتقالية سيعاني فيها الشعب اقتصاديا، ويتطلب كذلك نخبا قادرة على تجاوز ذاتيتها، وقادرة على كسب ثقة فئات عريضة من الشعب.

ورأى الخبير في الشأن الإفريقي أن "هذه الشروط الموضوعية تبدو بعيدة المنال في الوقت الراهن"، معبرا عن خشيته من أن تستمر الأزمة لعقد أو عقدين قادمين.

وأردف نور الدين، حيث ستكون مالي في هذه المرحلة ميدانا لحروب بالوكالة بين القوى الدولية، الكلاسيكية منها والصاعدة، وسيكون الخاسر الأكبر فيها هو الشعب المالي مع الأسف.