رغم محاولاتها إجهاضه.. لماذا ترغب الإمارات بالاستثمار في ميناء الفاو العراقي؟

يوسف العلي | منذ ١٠ أيام

12

طباعة

مشاركة

رغم الاتهامات والشبهات التي تدور حول سعي دولة الإمارات لتعطيل إكمال ميناء الفاو الكبير في العراق، أعلن رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، أخيرا التوصل إلى اتفاق مع مجموعة موانئ أبوظبي لإدارة الميناء الأكبر في البلاد بشكل مشترك.

منذ 5 أبريل/نيسان 2010 وضعت الحكومة العراقية حجر الأساس لمشروع ميناء الفاو الكبير، الذي كان من المفترض أن يكون من أبرز علامات "المرحلة الجديدة" في البلاد بعد الاحتلال الأميركي عام 2003، بحسب رئيس الوزراء العراقي آنذاك نوري المالكي.

المشروع الذي قدرت كلفته بنحو 4.6 مليارات دولار، كان من المقرر أن ينجز خلال 4 أو 5 سنوات، لكن اتهامات كثيرة طالت شخصيات سياسية ومسؤولين عراقيين بتلقي رشا مالية للحيلولة دون إكمال الميناء، لا سيما من دولتي الإمارات والكويت، كونه ينافس موانئهم.

إدارة مشتركة

في 18 أبريل، أعلن السوداني أن العراق توصل إلى اتفاق مع مجموعة موانئ أبوظبي لإدارة “الفاو” بشكل مشترك، وهو ميناء عملاق للسلع الأساسية في جنوب البلاد، حسبما نقلت وكالة الأنباء العراقية الرسمية "واع".

إعلان السوداني يأتي بعد أيام من توقيع مجموعة موانئ أبو ظبي الإماراتية اتفاقية تمهيدية مع الشركة العامة لموانئ العراق، سيتم بموجبها تأسيس مشروع مشترك لتطوير ميناء الفاو الكبير وأي توسعة مستقبلية له، إلى جانب المنطقة الاقتصادية المحاذية للميناء.

وبحسب بيان نشرته الوكالة الإماراتية الرسمية "وام" في 4 أبريل، فإن الاتفاقية التمهيدية تهدف إلى استكشاف فرص التعاون المحتملة في مجال الاستثمار والإدارة والتشغيل في الموانئ والمناطق الاقتصادية وغيرها من البنى التحتية في العراق.

ونقلت الوكالة عن وزير النقل رزاق محيبس السعداوي قوله إن "مشروع ميناء الفاو الكبير والمنطقة الاقتصادية يحظى باهتمام خاص من الحكومة العراقية التي تسعى جاهدة لاستكماله وفق أعلى المواصفات بالتعاون مع أشقائنا في الإمارات، ممثلين بمجموعة موانئ أبو ظبي".

وأكد السعداوي أنه سيسهم في تعزيز قطاع النقل البحري وشحن البضائع بين آسيا وأوروبا، لا سيما أنه مرتبط بمشروع طريق التنمية، أحد أبرز المشروعات الاقتصادية واللوجستية لجمهورية العراق.

من جانبه، قال وزير الدولة الإماراتي ثاني بن أحمد الزيودي الذي حضر مراسم التوقيع إن "الاتفاقية الموقعة بين مجموعة موانئ أبوظبي والشركة العامة لموانئ العراق تهدف إلى ترسيخ العلاقات الاقتصادية وتحفيز نمو التدفقات التجارية بين البلدين الشقيقين".

وفي يونيو/حزيران 2021، جرى توقيع مذكرة تفاهم بين بغداد وأبوظبي، تمتد إلى 12 شهرا قابلة للتجديد بشكل تلقائي لمدة مماثلة، تنص على قيام مجموعة موانئ أبوظبي باستطلاع الفرص الاستثمارية، وإجراء دراسات الجدوى اللازمة لتنفيذ بنود المذكرة.

وعلى رأس البنود المدونة في المذكرة، "دراسة الاستثمار والإدارة والتشغيل في الموانئ والمناطق الاقتصادية، وغيرها من البنى التحتية التابعة للشركة العامة للموانئ في العراق"، حسبما أفاد به بيان صادر عن مجموعة موانئ أبوظبي في 21 يونيو 2021.

وأشار بيان الشركة الإماراتية إلى أن "المذكرة الموقعة بين البلدين تنص كذلك على تطوير البنى التحتية مثل شبكات الطرق والسكك الحديدية، بهدف ربط ميناء الفاو العراقي بالأسواق المجاورة في الأردن وتركيا، وتمويل جميع دراسات الجدوى المتعلقة بالمذكرة".

"هيمنة إماراتية"

لكن الاتفاق الجديد بين بغداد وأبوظبي، وصفه النائب في البرلمان العراقي، سعود الساعدي، بأنه "هيمنة إماراتية على الموانئ العراقية"، وطالب وزير النقل في بلاده رزاق محيبس السعداوي بالكشف عن نص الاتفاقية المبرمة بين البلدين الخاصة بميناء الفاو وأوجه تطويره.

وقال النائب خلال بيان صدر عنه في 8 أبريل، إنه وجه العديد من التساؤلات إلى وزير النقل العراقي بخصوص الاتفاقية خاصة ما يتعلق بـ "الجدوى الاقتصادية التي سيحصل عليها العراق جراء توقيع اتفاقيات بين الشركة العامة لموانئ البلاد وبين مجموعة موانئ أبو ظبي الإماراتية".

ودعا الساعدي، وزير النقل إلى الكشف عن "الأسباب والدوافع التي دعت وزارته لبسط هيمنة ونفوذ المجموعة الإماراتية بشأن الإدارة والتشغيل في الموانئ والمناطق الاقتصادية العراقية".

كما طالب بكشف "الأعباء والالتزامات المالية المفروضة على العراق جراء توقيع الاتفاقية المذكورة".

من جهته، قال مسؤول عراقي سابق، فضل عدم الكشف عن هويته إن "ميناء الفاو إذا أنجز بالكامل وجرى بدء العمل به، فإنه يشكل نهاية إلى ميناء جبل علي في الإمارات، وكذلك لموانئ كل من الكويت وإيران".

وأوضح المسؤول السابق لـ"الاستقلال" أن ميناء الفاو إذا اكتمل تشييده، فإن العراق من المقرر أن يمد خط سكك حديد إلى منطقة المعقل في البصرة، التي فيها من الأساس خط سككي يربطه بقارة أوروبا.

وفي السياق ذاته، حذّر الناشط والباحث العراقي، حيدر الخزعلي، من أن خطوة الاتفاقية التي أقبلت عليها وزارة النقل العراقي ستمنح الفرصة لدولة الإمارات العربية المتحدة لقتل موانئ العراق.

وقال الخزعلي على حسابه بمنصة "إكس" في 12 أبريل، إن "ميناء جبل علي يشكل 63 بالمئة من ميزانية الإمارات، وأن الاتفاق معها من قبل وزارة النقل (العراقية) سيمنحهما الفرصة لقتل موانئ العراق".

على الصعيد ذاته، اتهم المحلل السياسي العراقي، حيدر اللامي خلال مقابلة تلفزيونية في 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، دولة الإمارات بأنها كانت وراء زعزعة أمن العراق، وذلك من أجل تعطيل إكمال مشروع ميناء الفاو الكبير في البصرة.

وأوضح اللامي أن "دوافع الإمارات تأتي بسبب فقدان ميناء جبل علي كل امتيازاته في حال اكتمل ميناء الفاو الكبير، لأن الأخير سيكون محطة النهاية لكل السفن التجارية الأوروبية، وبالتالي دول أوروبا هي من ستحافظ على أمن العراق". 

ضرب الكويت

وفي فبراير/شباط 2024، أكمل العراق بناء حوالي 60 بالمئة من نفق تحت البحر يربط المنطقة الساحلية في أقصى جنوب البلاد بروابط التجارة الدولية عبر تركيا، وفقا لوكالة "رويترز" البريطانية.

ومن المتوقع أن يمتد النفق المغمور بطول 2444 مترا على طول الطريق من ميناء الفاو بالبصرة في إطار خطة أكبر لتطوير الميناء، إذ يأمل العراق أن يخلق النفق ممرا أقصر للنقل بين الشرق الأوسط وأوروبا لزيادة عائداته التجارية من نقل البضائع.

وحسب ما قالته حكومة بغداد عند التأسيس، فإن تحالفا تقوده شركة إيطالية كان من المفترض أن يبني الميناء الذي قال وزير النقل العراقي حينها عامر عبد الجبار إن "امتيازات عرضت عليه من أجل عرقلته".

وخططت الحكومة العراقية في البداية لإنشاء 100 رصيف، ليتحول الميناء إلى أحد أكبر موانئ العالم، كما أنها سعت لأن يكون "منافسا" لموانئ مهمة في المنطقة مثل ميناء "جبل علي" في الإمارات وقناة "السويس" المصرية.

وفيما يتقدم العمل بشكل كبير في ميناء مبارك الكويتي، الذي يبعد كيلومترات قليلة عن الميناء العراقي ويعد المنافس الرئيس له، فإن الأوضاع لا تزال معقدة على الجانب العراقي.

وفي هذه النقطة تحديدا، كشف تقرير نشرته صحيفة "وطن يغرد خارج السرب" في نوفمبر 2023، أن تبني دولة الإمارات لمشروع ميناء الفاو العراقي، هدفه ضرب ميناء مبارك الكبير الكويتي.

ولفتت إلى أن سياسة الإمارات حاليا تتمثل بوضع كل إمكانياتها لإنجاز مشروع ميناء الفاو العراقي أو ما يعرف بطريق التنمية الذي أعلن عنه في مايو/أيار 2023.

ويشمل المشروع المدعوم إماراتيا الطريق البري والحديدي الممتد من الخليج العربي إلى الفاو في العراق، مرورا بتركيا وموانئها مع تجاوز الكويت وضرب مشروع ميناء مبارك الكبير.

ويقع ميناء مبارك الكبير شرقي جزيرة بوبيان الكويتية، وبدأ التخطيط له منذ 2011، فيما رصدت له الكويت 186 مليون دينار (605 ملايين دولار) في الميزانية المالية للبلاد لعام 2024. 

وتقع جزيرة بوبيان على مقربة من السواحل العراقية، عند مصب شط العرب وعلى زاوية الحدود العراقية-الكويتية المتزايدة في الأهمية والخطورة، لإطلالها على قناة مرور ناقلات النفط والبواخر التجارية إلى الموانئ العراقية.

وعن السبب الذي يجعل الإمارات تضرب ميناء مبارك، ذكر موقع "شؤون إماراتية" المعارض، أن "أبو ظبي تخشى من تأثير الميناء الكويتي- الذي يعد من أكبر موانئ الخليج- على موانئها، خاصة جبل علي".

وبحسب تقرير للموقع الإماراتي نشره في عام 2017، فإن "خسائر الموانئ الإماراتية في حال جرى تشغيل ميناء مبارك الكبير تصل إلى نحو ثلاثة مليارات دولار سنويا. لذلك تحرض الإمارات شخصيات عراقية لإفشال الميناء الكويتي".