قرغيزستان وطاجيكستان نحو حل المشاكل الحدودية.. هل اقترب السلام الدائم؟

منذ ٣ أشهر

12

طباعة

مشاركة

منذ استقلالهما في بداية تسعينيات القرن العشرين، تشهد أوزبكستان وقيرغيزستان وطاجيكستان مشاكل حدودية مع بعضها البعض.

وتمتد الحدود بين طاجيكستان وقرغيزستان حوالي ألف كيلومتر، وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي بقيت عشرات المناطق الحدودية محل نزاع بين البلدين.

وخلقت "القيود التعسفية" التي فرضها السوفيت دون الاهتمام بالعوامل العرقية والاجتماعية والتاريخية "بيئة صراع" بين هذه الدول القومية الحديثة.

لكن تم التوصل إلى حل في المفاوضات الحدودية بين إدارتي طشقند وبيشكيك عام 2023 من خلال تبادل الأراضي وإعطاء البعض امتيازات مختلفة بعد سنوات طويلة.

وسبق هذا التطور التاريخي صراعات حدودية عنيفة بين الطرفين في أبريل/ نيسان 2021 ويناير/ كانون الثاني 2022، مما كاد يقود طاجيكستان وقيرغيزستان إلى "حرب أكبر".

انعدام الثقة

ونشرت وكالة "الأناضول" للأنباء التركية الرسمية مقالا للكاتب بوراك تشاليشكان، أوضح فيه أنه "رغم توقيع البلدين على وقف إطلاق النار في سبتمبر/ أيلول 2022 وبدء المفاوضات مرة أخرى، إلا أن ما اتفقوا عليه هو ثلث الحدود القرغيزية الطاجيكية".

وأشار إلى أن "القوات المسلحة في كل من البلدين اتبعت سياسات حازمة لتحسين قدراتها العسكرية إثر المخاوف المتبادلة من أي أزمة مستقبلية تحوي عواقب أكثر خطورة".

وأكد تشاليشكان أنه "خلال الحرب الأخيرة كان لقيرغيزستان اليد العليا، نظرا لاستخدامها المسيرات المقاتلة من طراز (بيرقدار تي بي 2) التي تم شراؤها من تركيا، في حين حاولت طاجيكستان أيضا تأمين أسلحة مماثلة من إيران".

وذكر أن "فقدان العشرات من الأشخاص لحياتهم في الحرب، والأضرار الجسيمة التي لحقت باقتصاد البلدين قد زادت من أمل السكان المحليين حول الوصول إلى حل سريع".

واستطرد: "رغم رغبة الشعب في هذا الحل، فقد استمرت الحكومتان في اتباع سياسات من شأنها أن تجعل هذه الحالة تستمر لفترة أطول، حيث قدم كل من الوفدين القرغيزي والطاجيكي مطالبات إقليمية ضد بعضهما البعض من خلال وثائق تاريخية مختلفة من الحقبة السوفيتية".

ففي حين حاولت طاجيكستان تعزيز مطالبها من خلال الرجوع إلى خرائط سوفيتية تعود إلى العشرينيات من القرن الماضي، قدمت قيرغيزستان وثائق تعود إلى الخمسينيات.

وإلى جانب رفضهما لهذا، فقد طالبت الدولتان بعضهما البعض بالتخلي عن سياسات الأراضي هذه.

وفي تصريح له، قال رئيس لجنة الدولة للأمن القومي القرغيزي كامتشيبيك تاشييف: "رغم أننا نريد حل المشاكل من خلال المفاوضات بناء على تعليمات رئيس دولتنا، إلا أننا لن نسمح بأي اعتداء آخر"، موضحا "صعوبة الوفاق" مع طاجيكستان.

وقال تشاليشكان، "كان رد فعل الجانب الطاجيكي قاسيا على هذه التصريحات، إلا أن المفاوضات واصلت الاستمرار بدءا من سبتمبر 2023".

بروتوكول وتوقعات

بعد عام من وقف إطلاق النار، اجتمع كل من تاشييف ونظيره الطاجيكي سايمونين ياتيموف في المدينة القرغيزية باتكن لإجراء مفاوضات بشأن الحدود.

وخلافا للخطابات القاسية والمطالبات الإقليمية في الأشهر السابقة، فقد تم إحراز تقدم كبير في هذه العملية.

وأعلن تاشييف في المؤتمر الصحفي المشترك أنه "تم التوقيع على بروتوكول سيشكل الأساس لحل جميع المشاكل الحدودية بين طاجيكستان وقرغيزستان".

ورغم أن مضمون الاتفاق المعروف باسم "البروتوكول رقم 44" ظل سرا، إلا أنه لعب دورا حاسما في تقدم المفاوضات كما يبدو.

وأعلن الجانبان أن المفاوضات "ستؤدي إلى نتائج تاريخية"، دون التطرق إلى التفاصيل.

وبعد وقت قصير من توقيع هذا البروتوكول، التقى رئيس قيرغيزستان صدير جاباروف ونظيره الطاجيكي إمام علي الرحمن في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وذكرا أنه "تم حل الخلافات بينهما".

وبعد مفاوضات مكثفة تم فيها مناقشة العديد من الأمور، أعلن الجانب الطاجيكي أنه "تم التوصل إلى اتفاق وأن هذه خطوة تُعد تاريخية".

في حين تقدم الجانب القرغيزي ببيان "أكثر حذرا" مفاده أن المفاوضات بشأن الحدود "مستمرة".

وكان هذا بسبب ردود فعل المعارضة الداخلية في قيرغيزستان تجاه الأمر، حيث توصلت إدارة بيشكيك إلى اتفاق نهائي مع أوزبكستان في الفترة نفسها، مما يدفعها إلى التصرف بحذر أكبر في مفاوضاتها مع إدارة دوشنبه، وفق تشاليشكان.

صورة متفائلة

وقال الكاتب التركي إن "الأزمات التي شهدها النظام الإقليمي والدولي زادت من مطالبة البلدين بسلام دائم فيما يتعلق بالحدود".

وفي لقائهما الثاني خلال ديسمبر/ كانون الأول 2023 أعلن تاشييف وياتيموف أنهما "اتفقا على جميع القضايا المثيرة للجدل تقريبا فيما يخص الحدود".

وفي المؤتمر الصحفي المشترك، ذكر تاشييف أنه "تم الانتهاء من الاتفاق على 90 بالمئة من الحدود".

وأكد ياتيموف هذه الكلمات، وذكر أنه "لم يتبق سوى عدد قليل من الاجتماعات للتوصل إلى اتفاق نهائي".

ويظن الكاتب أن "هذه الصورة المتفائلة ستكتمل عما قريب بناء على موقف البلدين".

وبينما تستمر المفاوضات بين قرغيزستان وطاجيكستان، جاء تعليق على الاتفاق النهائي من دولة ثالثة.

ففي خطابه الذي بثه التلفزيون الرسمي الطاجيكي إثر قيامه بزيارة رسمية إلى بيشكيك ودوشنبه يومي 9 و10 يناير 2024، أعلن وزير الخارجية التركي هاكان فيدان أنه "سيتم التوقيع على اتفاقية ترسيم الحدود في مارس/ آذار 2024".

وأوضح فيدان أن الاتفاق "خطوة مهمة للغاية لأمن واستقرار المنطقة"، دون التطرق إلى تفاصيل بشأنه.

من جهته قال تشاليشكان: "رغم أن هناك جدلا حول ما إذا كانت تركيا وسيطا في المفاوضات بعد هذه التصريحات، إلا أن الأهم من ذلك هو أن توقعات السلام الدائم على الحدود زادت".

وأشار إلى أن اتفاقية الحدود التي سيتم التوقيع عليها بين قرغيزستان وطاجيكستان "مهمة للغاية لأمن واستقرار آسيا الوسطى".