بذريعة “مكافحة الإرهاب”.. قوانين أصدرها الأسد لنهب ممتلكات السوريين

a month ago

12

طباعة

مشاركة

على مدار عقد من الزمن طوع نظام بشار الأسد عددا من القوانين وسن أخرى تبيح له مصادرة أملاك السوريين المعارضين والفارين من بطش آلته العسكرية.

إذ استخدم نظام الأسد بعد الثورة السورية، سياسة الاستيلاء على أملاك السوريين "كعقاب جماعي انتقامي"، تحت عناوين مخادعة مثل التوسع والتطوير العمراني للمدن.

سلب الممتلكات

وفي أحدث توثيق على ذلك، كشفت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" المعارضة بأن النظام أصدر قرارات جماعية بالحجز الاحتياطي على ممتلكات ما لا يقل عن 817 مدنيا، في بلدة زاكية بريف دمشق، منذ مطلع 2024

وبلدة زاكية أعلن النظام السوري السيطرة عليها في يناير/كانون الثاني 2017 وتهجير المعارضة السورية إلى خارجها.

ونشرت الشبكة تقريرا لها في 18 يوليو 2024 تحت عنوان "النظام السوري يستخدم الحجز الاحتياطي على الأموال كأداة عقاب جماعية"، أكدت فيه أن هذه القرارات "لا تستند إلى أي معايير قضائية، وإنما جاءت عبر قرارات أمنية".

ويركز التقرير بشكل خاص على قرارات الحجز الاحتياطي للأموال المنقولة وغير المنقولة، التي صدرت منذ مطلع 2024 وحتى يونيو/حزيران من نفس العام ضد أبناء بلدة زاكية.

ورصد إصدار وزارة المالية في حكومة النظام مئات من قرارات الحجز الاحتياطي الجديدة وغير المسجلة سابقا ضد أبناء بلدة زاكية في الفترة المشار إليها في التقرير.

وتظهر الوثائق الخاصة بقرارات الحجز الاحتياطي الصادرة أن المعتقلين تعسفيا والمختفين قسرا في مراكز الاحتجاز التابعة لقوات النظام السوري، والمشردين قسرا داخل وخارج سوريا، من أوسع وأبرز المتأثرين بالقرارات التي تتحول في معظمها لقرارات حجز تنفيذي ومصادرة فيما بعد.

والحجز الاحتياطي يعني أن الشخص له حق التملك، لكنه ممنوع من التصرف في أمواله المنقولة وغير المنقولة سواء في البيع أو الشراء.

وقرار الحجز الاحتياطي عادة ما يكون خطوة أولى تسبق الحجز التنفيذي من قبل إدارة الدولة على الممتلكات.

واستندت هذه القرارات وفق الشبكة بشكل أساسي إلى المرسوم التشريعي رقم 63 لعام 2024، بالإضافة إلى الكتب والبرقيات الصادرة عن الفرع 285، وهو فرع التحقيق التابع لإدارة المخابرات العامة "أمن الدولة" في مدينة دمشق.

وأشار التقرير إلى أن هذه القرارات "لم تصدر عن أي جهة قضائية، وإنما من خلال صلاحيات واسعة منحها النظام السوري للعديد من الجهات الرسمية التنفيذية لديه في إصدار قرارات الحجز الاحتياطي أو الإداري على الأموال والممتلكات ومصادرتها، وبشكل رئيس وزارة المالية".

ورأى أن “سياسة الحجز الاحتياطي على الأموال المنقولة وغير المنقولة تعد أحد أبرز الأساليب الفعالة التي يستخدمها النظام كأداة لتحقيق موارد مالية إضافية لخزينته”.

وذلك "من خلال الاستيلاء على الأموال المشمولة بالحجز والتصرف بها فيما بعد، وكعقوبة ضد معظم من عارضه وعائلاتهم، عبر تطبيق مزيد من التضييق والقيود القانونية والاجتماعية والاقتصادية ضدهم".

وكي يسهل على مؤسساته سلب أراضي السوريين وممتلكاتهم وأموالهم، بدأ الأسد هذه السياسة بمرسوم تشريعي أصدره في 18 سبتمبر/ أيلول 2012، وحمل الرقم 66، وقضى بإحداث مناطق تنظيمية تسهم بمعالجة السكن العشوائي المُخالف في مناطق مهمة داخل العاصمة دمشق.

وقد جاء المرسوم بعد مرور سنة ونصف السنة على اندلاع الثورة السورية في 15 مارس/ آذار 2011.

واتضح بعد سنوات أن لدى النظام مخططا يسلب فيه أملاك الأهالي عبر إجبارهم في فبراير/شباط 2021، على بيع تلك العقارات وفق الأسعار الرائجة قبل 9 سنوات، وليس كما تبلغ قيمتها عام 2021.

إذ بلغ سعر الليرة السورية في ذلك الوقت 3200 مقابل الدولار الواحد بينما كانت عام 2012 تساوي 95 للدولار الواحد.

اللافت أن نظام الأسد فتح أبواب القوانين والمراسيم على بعضها البعض من أجل الاستيلاء على أكبر قدر ممكن من أملاك السوريين.

فعلى سبيل المثال جرى مصادرة ممتلكات السوريين المتهمين بـ"الإرهاب" وفقا للقانون رقم 19 لعام 2012.

وقانون ما يسمى “مكافحة الإرهاب” كان يضطهد المعتقلين السياسيين السلميين من الناشطين وممن شاركوا في المظاهرات وكذلك من قدموا مساعدات إنسانية

ثم جاء القانون رقم 23 لعام 2015 والذي ينص على “تنظيم عملية تهيئة الأرض للبناء، وفق المخطط التنظيمي العام".

وتكمن خطورة القانون، مثل سابقه، في المهل المعطاة للمالكين للتصريح بحقوقهم، وهي 30 يوما من صدور إحداث المنطقة، ورفع سقف الاقتطاع المجاني، وهي مدة قصيرة وأشبه بالوهمية لعدم قدرة المالك المهجر على إثبات ملكيته بهذه السرعة.

وقد كان القانون رقم 10 لعام 2018، هو الذي أطلق يد نظام الأسد في سلب أملاك السوريين، كونه جاء مكملا "للمرسوم 66"، لكنه شمل كامل الأراضي السورية.

إذ ينص على إحداث منطقة تنظيمية أو أكثر ضمن المخطط التنظيمي العام للوحدات الإدارية بتكليف من وزارة الإدارة المحلية، التي قد تختار أي منطقة تريدها لفرض مخطط تنظيم جديد لها، دون العودة إلى المجالس المحلية.

ويعاب على القانون أنه جاء في وقت هجِّر فيه أكثر من نصف السوريين من بيوتهم، بحسب إحصائيات الأمم المتحدة.

وهو ما يعني أن الحكومة قد تستثمر غيابهم وفقدان أوراق ملكياتهم للاستحواذ على أملاكهم بطرق تعدها "قانونية".

"رافد اقتصادي"

وراهنا لا يمكن بيع العقارات (أراض- منازل- محلات) في مناطق نفوذ النظام السوري دون حصول كلا الطرفين على موافقة مسبقة من الأجهزة الأمنية.

ويبلغ عدد المشردين قسرا (اللاجئون والنازحون) قرابة 12.3 مليون مواطن سوري بحسب المفوضية العليا لشؤون اللاجئين.

أما المختفون قسرا فيبلغ عددهم قرابة 112 ألف مواطن سوري بحسب قاعدة بيانات الشبكة السورية لحقوق الإنسان المعارضة.

ويتحمل النظام السوري المسؤولية المباشرة عن اختفاء أكثر من 85 بالمئة منهم، فيما قتل على يد النظام أكثر من نصف مليون سوري منذ اندلاع الثورة.

وأمام ذلك، يبدو واضحا سعي النظام السوري من خلال ترسانة قانونية إلى تطويق أي حقوق قد يطالب بها العائدون من نازحين ولاجئين في أي مرحلة زمنية، ويهيئ الأرضية لتكون معظم المناطق خاضعة لسلطته المباشرة.

وفي هذا الإطار، يؤكد الخبير الاقتصادي، رئيس "مجموعة عمل اقتصاد سوريا"، أسامة القاضي، أن "مصادرة أملاك المهجرين قسرا عبر مراسيم رئاسية وضعها النظام منذ عام 2011، تهدف إلى إطلاق يد الإدارات المحلية على وضع الحجوزات غير القانونية".

وأضاف القاضي لـ "الاستقلال"، “يكون تصرف النظام متاحا من حيث البيع والبناء بمجرد تنفيذ الحجز التنفيذي على أملاك السوريين وتفريغ البلديات الأماكن والعقارات والمنازل السكنية مثل ما حدث في حي القابون وحي المزة بدمشق وكذلك في حمص وغيرها من المحافظات السورية”.

ولفت إلى أن ذلك يهدف أيضا إلى إحداث تغيير ديمغرافي عبر منح تلك الأراضي لشخصيات غير سورية مثل الإيرانيين ومليشياتهم.

ونوه القاضي إلى أن "السوريين المطلوبين لنظام الأسد والمهجرين في الوقت الراهن لا يستطيعون حتى تعيين أي وكيل قانوني للتصرف بأملاكهم داخل مناطق نفوذه".

وأشار إلى "أن هناك عقارات قيمتها نحو 20 مليار دولار وقعت تحت تصرف نظام الأسد من ناحية البيع والشراء، ولا يستطيع أصحابها المهجرون التصرف بها بسبب المراسيم الرئاسية تحت حجج التوسيع العمراني والتخطيط وهي فقط بهدف سلب الملكية من السوريين".

بيع علني

وخلال السنوات الأخيرة، وثقت منظمة "هيومن رايتس ووتش" إصدار حكومة النظام السوري قوانين وسياسات لمصادرة الممتلكات دون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة أو التعويض.

وتشمل القانون رقم 10 لعام 2018 ، الذي يسمح للحكومة ظاهريا بالاستيلاء على الممتلكات وتطويرها.

وكذلك قانون مكافحة الإرهاب لعام 2012، الذي استخدمته حكومة الأسد لمعاقبة عائلات بأكملها من خلال وضعها تعسفيا على "قائمة الإرهاب" وتجميد أصولها.

وقد عملت حكومة الأسد على مصادرة ممتلكات المواطنين السوريين وبيعها بالمزاد العلني دون الحصول على موافقتهم، أو إخطارهم، أو تعويضهم بشكل كامل وكافٍ.

فعلى سبيل المثال، وثقت "هيومن رايتس ووتش" في أبريل/نيسان 2021 مصادرة حكومة الأسد بشكل غير قانوني منازل وأراضي السوريين الذين فروا من الهجمات العسكرية السورية الروسية في محافظتي إدلب وحماة.

ووقتها شاركت مليشيات موالية للأسد و"اتحادات الفلاحين" الحكومية في الاستيلاء على هذه الأراضي وبيعها بالمزاد العلني لمؤيدي الحكومة، وفق "رايتس ووتش".

ويأتي وضع اليد على الممتلكات في ظل عدم امتلاك بعض المهجرين نحو الشمال السوري الخارج عن سيطرة النظام أو خارج البلاد الأوراق الثبوتية التي تثبت أملاكهم؛ نتيجة عمليات القصف والتهجير القسري.

لكن مع ذلك، بموجب القانون الدولي العرفي، فإن حقوق الملكية محمية. وينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن "لكل فرد الحق في التملك بمفرده أو بالاشتراك مع آخرين".

وعلاوة على ذلك، "لا يجوز حرمان أحد من ملكه تعسفا"، ويحق للحكومات مصادرة الأراضي للأغراض العامة، إذا تم ذلك وفقا للقانون، بمشاركة عامة، وإجراءات قانونية عادلة، وتعويض مناسب. 

ومع ذلك، تظهر هذه الحالات أن مثل هذه الضمانات لم يجر تقديمها في مناطق نفوذ نظام الأسد.

كما أن مبادئ بينهيرو الصادرة عن الأمم المتحدة عام 2004، والمتفق عليها على نطاق واسع تحكم حقوق الملكية للاجئين والنازحين داخليا، وتتضمن العديد من الحماية الإضافية التي تنطبق في هذا الوضع. 

وتحمي المبادئ اللاجئين والنازحين من التمييز وتتطلب أن لا يكون التشريع الذي يتناول الإسكان والأراضي وإعادة الممتلكات تمييزيا بحكم الأمر الواقع أو القانون، وأن يكون شفافا ومتسقا.

وإذا حُرم اللاجئ أو النازح من ممتلكاته بشكل غير قانوني أو تعسفي، فإنه يحق له تقديم طلب لاستردادها من هيئة مستقلة ومحايدة.

ومع ذلك، قدم كثير من النازحين واللاجئين السوريين شكوى علنية على حساباتهم الشخصية أو بالتصريح على وسائل الإعلام المعارضة، حول سلب نظام الأسد أملاكهم في المدن التي ينحدرون منها.

وضمن هذا السياق، أكد "حارثة الشامي"، وهو أحد أبناء مدينة داريا بريف دمشق وممن جرى تهجيرهم قسرا منذ عام 2012 ، مصادرة أملاكه وأملاك زوجته في المدينة من قبل مخابرات الأسد.

وقال الشامي عام 2017 لموقع بلدي نيوز" المعارض، إن حكومة النظام السوري لم تمنحه حتى توكيلا قانونيا لوالده لبيع بعض الأراضي في المدينة مقابل تأسيس عمل في دول المهجر.